الخبر وما وراء الخبر

ضربة السيسي المفاجئة: الغاء التنازل عن “صنافير” و”تيران” للسعودية؟

286

عبد الباري عطوان

ما الذي يريده الرئيس السيسي من قرار مجلس الدولة المفاجئ بإلغاء اتفاق التنازل عن جزيرتي “صنافير” و”تيران” للسعودية؟ ولماذا صدرت هذه الفتوى القضائية الآن؟ وماذا عن المليارات التي قدمتها السعودية لمصر في المقابل؟ اليكم قراءة مختلفة

تسود الأوساط المصرية الشعبية والرسمية، حالة من الفرح غير المسبوق، احتفالا بصدور قرار عن مجلس الدولة المصري، الذي يعتبر أعلى هيئة قضائية في البلاد، بإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية التي منحت جزيرتي “صنافير” و”تيران” إلى الأخيرة، اأثناء زيارة العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى مصر في نسيان (ابريل) الماضي.

هذه الفتوى القانونية المفاجئة تعني أن تنازل مصر عن السيادة على الجزيرتين للسعودية باطل كليا، وأن الجزيرتين مصريتان، الأمر الذي يثير العديد من علامات الاستفهام حول توقيت صدور مثل هذا الحكم، والهدف من ورائه والانعكاسات المترتبة على العلاقات المصرية السعودية.

الجميع يدرك، خارج مصر وداخلها، أن القضاء المصري ليس مستقلا مئة بالمئة، وأن معظم أحكامه يتم التحكم فيها من قبل السلطة السياسية التنفيذية العليا في البلاد، مثلما هو الحال في معظم، إن لم يكن كل، دول العالم الثالث، ومن هنا لا نعتقد أن الرئيس عبد الفتاح السيسي فوجئ بمثل هذا القرار، أو لم يكن على علم مسبق به، هذا إذا لم يكن قد أوعز به فعلا.

تنازل الحكومة المصرية عن الجزيرتين الواقعتين في مدخل خليج العقبة فاجأ المصريين جميعا، ولقي معارضة شديدة من الغالبية الساحقة منهم، خاصة النخبة السياسية المحيطة بالرئيس السيسي، التي أيدت إطاحته بالرئيس المنتخب محمد مرسي، وحكم “الاخوان المسلمين”، مثل السيد عمر موسى، وعلاء الاسواني، وحمدين صباحي، المرشح الناصري للرئاسة، والدكتور حسن حنفي، الاكاديمي المعروف، والقائمة تطول.

***

الرئيس السيسي فوجئ بهذه المعارضة القوية لقراره هذا، والاتهامات التي جرى توجيهها له، ببيع أرض مصرية للسعودية مقابل مساعدات مالية وصلت قيمتها الى حوالي 27 مليار دولار، مثلما فوجئ بالمظاهرات والاحتجاجات الشعبية رفضا للتنازل، وانطلقت من ميدان التحرير في القاهرة ومدن مصرية عديدة.

المصريون يتمتعون بحساسية مفرطة وغير عادية تجاه مسألة التنازل أو بيع الأرض، ويعتبرون مسألة البيع هذه خطيئة كبرى يستحق من يقدم عليها النبذ، وربما القتل أيضا، ولعل أشهر أغنية في التراث الشعبي المصري تلك التي تقول “عواد باع أرضه يا ولاد” ورددها المحتجون كثيرا في مظاهراتهم، ووصلت أصداؤها إلى الرئيس السيسي، حتما أضجعت منامه.

وسائل التواصل الاجتماعي حفلت بالعديد من المقالات والتعليقات التي شبهت الرئيس السيسي بعد توقيعه اتفاق التنازل عن الجزيرتين للسعودية بأنه هذا “العواد” الذي باع أرضه وارتكب هذا العيب، أو الخطيئة الكبرى.

وكانت اتهامات مماثلة جرى توجيهها إلى الرئيس مرسي بتنازله عن مساحات من جزيرة سيناء لتوطين الفلسطينيين، وهي اتهامات لم يكن لها أي اساس من الصحة، واستخدمت إلى جانب أخرى لتبرير الثورة ضد حكم “الاخوان المسلمين”، ولتحريض الشارع المصري للإطاحة بهم، وهذا ما حدث.

ومن المفارقة أن الرئيس السيسي كان وراء فقرة في الدستور الجديد الذي جرى إقراره في استفتاء شعبي، تنص على حظر للتنازل عن أي أراض مصرية للآخرين تحت أي ظرف من الظروف.

الرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي وقع اتفاقات كامب ديفيد مع الاسرائيليين رفض التنازل عن منطقة طابا، التي كانت عبارة عن فندق أقيم في أرض لا تزيد مساحتها عن كيلومتر واحد مربع، وأصر على عودة السيادة المصرية عليها بعد مفاوضات مريرة، استمرت اربع سنوات لتجنب أي اتهامات بالتنازل عن شبر واحد من الأرض المصرية، لمعرفته بمدى حساسية هذه المسألة بالنسبة إلى المصريين، كما رفض الرئيس الراحل ياسر عرفات امتداد مهبط الطائرات في مطار غزة بضعة كيلومترات داخل سيناء للشيء نفسه.

حكم مجلس الدولة المصري ببطلان التنازل عن الجزيرتين ابتدائي، وقابل للطعن، وأكد الدكتور مجدي العجاتي، وزير الشؤون القانونية، ومجلس النواب، أن الحكومة ستطعن فيه، ولكن السؤال المطروح بقوة هو لماذا صدر هذا الحكم بالأساس؟

لا نملك معلومات مؤكدة حول الأسباب، فنحن من بين الذين فوجئوا به، ولكننا نستطيع أن نتكهن بأن الرئيس السيسي، وبسبب المعارضة الشديدة لاتفاق التنازل قد يريد تحقيق أحد الأمرين:

الأول: التملص من هذا الاتفاق بسبب الاحتجاجات الشعبية الضخمة ضده، وإدراك خطورة الاستمرار فيه وتنفيذه.

الثاني: استخدام هذا الحكم للضغط على الحكومة السعودية للحصول على المزيد من المساعدات المالية، خاصة أن العجز في الميزانية المصرية وصل إلى ثلاثين مليار دولار في الأشهر العشرة الماضية.

***

لا نستبعد أي من الاحتمالين، وخاصة الاحتمال الأول، فالرئيس السيسي تعرض، ويتعرض، إلى ضغوط مكثفة من المؤسستين العسكرية والشعبية للتراجع عن هذا الاتفاق، والتنازل عن الجزيرتين بالتالي، فبينما صادق مجلس الوزراء السعودي عليه، لم يعرضه الرئيس السيسي على البرلمان المصري للتصديق عليه مطلقا، ولو كان يريد اعتماده لعرضه فور توقيعه، خاصة أن معظم نواب هذا البرلمان من مؤيديه، ولا توجد أي معارضة حقيقية له تحت قبته.

نرجح إلغاء هذا الاتفاق من الجانب المصري، والتنصل من تبعاته، والاحتفاظ بالسيادة المصرية على الجزيرتين، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل زيارة الملك سلمان إلى القاهرة، وهذا الموقف قد يترتب عليه تدهور في العلاقات ومعارك قانونية مع السعودية، ربما تمتد لسنوات، أو عقود في محكمة العدل الدولية، أو غيرها من المؤسسات القانونية.

ماذا عن المليارات التي حصلت عليها الحكومة المصرية من السعودية مقابل التنازل عن الجزيرتين؟ الجواب في “بطن” الرئيس السيسي!