حتى نطعم عيالنا… هكذا تحدّث بان كي مون
لكن الحرج الذي استشعره الأمين العام “المحرج دائماً” كان أقل ولم يكن عليه تقديم تبريرات فجة لأن التدخّل الأميركي تم قبل صدور قائمة العار وليس بعدها! لهذا لا أتوقف كثيرا عند وقائع ممارسة الضغط، فالليلة قد أشبهت أمس وأمس الأول! لكن ما استرعى انتباهي كان أمرين بالأساس؛ (١) تصريحات المبعوث السعودي الدائم بالأمم المتحدة “وليد المعلمي” حول مقارنة حالة المملكة مع حالة الكيان الصهيوني في العام الماضي (٢) العذر الذي تقدم به بان كي مون مسبّباً قراره بحذف المملكة من القائمة السوداء!نبدأ بتصريحات “المعلمي” يوم الإثنين 7 حزيران/ يونيو الجاري حين قال (وفقاً لصحيفة فورين بوليسي) نصاً؛ “لم يكن عادلاّ أن تخرج إسرائيل من ورطتها وألاّ يتاح هذا للمملكة! علينا أن نسأل سؤالاً؛ لماذا رفعت إسرائيل من القائمة العام الماضي ولم يتم هذا للمملكة هذا العام؟
لقد ارتكبت إسرائيل جرائم بحق الأطفال تفوق بكثير حتى الأرقام غير الدقيقة التي احتواها تقرير الأمم المتحدة عن الضحايا من الأطفال في اليمن، وقد سمعت في حوار مباشر مع نائب الأمين العام أن “بان” كان حكيماً بما يكفي ليرفع اسم إسرائيل، فلماذا لم نر مثل تلك الحكمة في حالة السعودية؟” هكذا تحدّث “المعلمي” بينما هدد وزير الخارجية السعودي “عادل الجبير” بقطع علاقات السعودية (ومن يدور في فلكها) بالمنظمة!
طبعا لم تكن التصريحات عفوية، ويبدو أن الدبلوماسية السعودية قد رأت أن عقد المقارنة مع الكيان الصهيوني تفيدها لحشد رأي عام عربي – وفق رأيهم – داعم لموقفهم! لكن لأن تلك الدبلوماسية مراهقة في أحسن الأحوال، فقد أغفلت أن إبراز المقارنة الفجّة يجعل السعودية موسومة وموصومة أكثر برفع اسمها من القائمة السوداء بآلية مطابقة لما استخدمه الكيان الصهيوني والولايات المتحدة!
ثم جاءت تصريحات “بان كي مون” يوم الخميس 10 حزيران/ يونيو لتكون الأمر الصادم بحق! فقد أقر الأمين العام مباشرة بوجود ضغوط سعودية كبيرة وغير مبررة، والأفدح أنه برر تراجعه بأنه وجد من الأجدى لأطفال آخرين (خلاف الألفين المقتولين باليمن) في مناطق كوارث مثل فلسطين والسودان وغيرهما، أن يتراجع ليحافظ على التمويل السعودي لتلك المشروعات، وقال نصّاً “التهديدات زادت الاحتمال شبه المؤكد من أن يتعرض ملايين من الأطفال الآخرين للمعاناة بشدة”، هكذا هددّ الكفيل بمنع الدعم المالي عن مشروعات الأمم المتحدة في المناطق المنكوبة فركعت الأمم المتحدة!
الجديد في الموقف ليس ركوع الأمم المتحدة التي ركعت منذ تأسيسها لكل أنواع التهديد والوعيد ووضع نظامها الأساس بناء على معايير القوة وليس العدالة، الجديد هو الجلاء وعدم الضمنية، والجهر بالمعايير المعتلة وكأنها تبرير أخلاقي لفعل لا-أخلاقي!
فالتهديد العلني الذي قامت به السعودية لم يتح للأمين العام فرصة التراجع بما يحفظ ماء وجهه، حتى لو كان المضمون الحقيقي معروفاً، لقد فرض عليه أن يكشف وجهه، ويتحدث بمنطق التفريط في الشرف حتى نطعم العيال!