الخبر وما وراء الخبر

أميركا و” التفاحة الفاسدة ” في اليمن

215

بقلم/ عباس السيد

” التفاحة الفاسدة تفسد بقية التفاحات في الصنوق. ” هذا هو احد المبادئ السياسية التي تعتمدها الولايات المتحدة في تعاملها مع دول العالم’ الذي يبدو من شرفات البيت الأبيض ، مجرد مزرعة كبيرة يمكن أن تديرها ” شركة الفواكه المتحدة ،United ” Fruits Company كما فعلت بدول امريكا الوسطى ، التي عرفت بـ ” جمهوريات الموز ” كتعبير عن حجم  النفوذ الذي كانت تتمتع به الشركة الأميركية داخل أنظمة الحكم في تلك الدول.

وفقا لتلك النظرة ، يقسم الاميركيون مناطق العالم إلى صناديق تفاح .. على سبيل المثال: تشكل قارة اميركا الجنوبية ثلاثة صناديق. الاول يضم دول البحر الكاريبي والتفاحة الفاسدة فيه هي كوبا ، والثاني في امريكا الوسطى ،وفيها ينتقل الفير وس من تفاحة إلى أخرى ، بدأ في جواتيمالا ،وانتقل لاحقا إلى نيكاراجوا ، ثم السلفادور ، ووصل حتى تفاحة بنما.

الصندوق الثالث ، تمثله دول جنوب القارة اللاتينية ، من فنزويلا وحتى تشيلي. .

وبالمثل تنقسم قارة آسيا  الى عدد من الصناديق ، وصندوق خاص لأوروبا الغربية أيضا .

وبناء عليه ، يعتبر شبه الجزيرة العربية صندوقا يحتوي سبع تفاحات ” دول الخليج الست واليمن ” ، وهو ما سنتناوله في هذا المقال ، مع الإستشهاد بحالات ونماذج مماثلة في الصناديق الاخرى حول العالم.

كما سنحاول التعرف على معايير الجودة الأميركية  للتفاح ، وأنواع الفيروسات والبكتريا السياسية التي تشكل خطرا بحسب مختبرات العم سام. وكذلك طرق التعامل المختلفة التي تستخدمها الولايات المتحدة مع التفاحات الفاسدة .

التفاحة اليمنية

تبدو اليمن ، او التفاحة اليمنية في صندوق الجزيرة العربية ، فاسدة ، أو مهيئة لتكون كذلك – بحسب المعايير الأميركية -. وحتى لا تؤدي إلى إفساد بقية التفاحات في الجزيرة والمنطقة العربية . أتخذ الأميركيون وحلفائهم في المنطقة قرارا بالتدخل المباشر والواسع لعزل التفاحة اليمنية بدأ تنفيذه في 26 مارس 2015 ، بعد أن فشلت المعالجات الجزئية على مدى السنوات الماضية .

بعد أكثر من عام ، لا تزال عملية العزل والمعالجة تواجهه العديد من الصعوبات لأسباب متعددة ، منها : الحجم الكبير للتفاحة اليمنية ، وموقعها أسفل الصندوق ، بالأضافة إلى إصابتها بأنواع مختلفة من الفيروسات والبكتيريا ، فاليمن ، هو الجمهورية الوحيدة في شبه الجزيرة العربية ، لها دستور ، وفيها تعددية سياسية ، وحريات صحفية ، وتجرى فيها انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية.

وإذا تمكن هذا البلد من تحقيق طموحاته بشكل مستقل ” خارج العباءة السعودية والمظلة الأميركية ” فإن ذلك سيشكل خطرا ستنتقل عدواه إلى دول المنطقة ، او التفاحات المجاورة في المنطقة العربية.

اليمن.. كأخطر ” مثل طيب”

من منظور القوة المهيمنة ، يرقى إعلان النية بتقديم نموذج ملهم للآخرين إلى مرتبة العدوان – بحسب المفكر الأميركي نعوم تشومسكي – الذي يضيف بطريقته الساخرة :

” يجب تدمير الفيروس حال رصده ،وتحصين الضحايا المحتملين”.وفي حالة كون ” النموذج الملهم ” دولة صغيرة ضعيفة فقيرة ، يجري التعامل معها ” كأخطر مثال طيب ” إذا حققت نجاحها المستقل ، لهذا يجب أن تسحق بشراسة ” .

يبدو أننا في اليمن نشكل هذا النموذج الخطير بالنسبة للأميركيين ، فنحن الدولة الأضعف والأفقر في المنطقة ، وسيكون نجاحها محرجا للكثير من الأنظمة ، وحافزا قويا لشعوب الدول المجاورة لإقتفاء مسيرة اليمنيين.

فالنموذج التشيلي جرى سحقه ، ليس لتجنب انتقال عدواه إلى الدول اللاتينية المجاورة فحسب ، بل خشية انتقال عدواه إلى إيطاليا في الجنوب الأوروبي ، فقد كان لليسار الإيطالي حضورا قويا دفع الأميركيين للإستعانة بأدوات النظام الفاشي في المواجهة.

لذلك يجري التعامل مع ” التفاحة اليمنية ” بطرق  وحشية وهمجية قل نظيرها في تاريخ الحروب والنزاعات في العالم . ولم يكن السيد حسن نصر الله مبالغا حينما وصف مظلومية اليمنيين بأنها تتجاوز مظلومية الفلسطينيين . ،

فيروس اليسار في أميركا اللاتينية

رصد ومراقبة صناديق التفاح مهمة اميريكية بدأت عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.  ويروي المفكر الأميركي نعوم تشومسكي في كتابه ” سنة 501 الغزو لا يزال مستمرا ” ما يلي:

“عام 1954 حذر موظف في الخارجية الأميركية من أن جواتيمالا صارت تشكل تهديدا متزايدا لاسقرار هندوراس والسلفادور ، إن إصلاحها الزراعي سلاح دعائي جبار ، ولبرنامجها في الرعاية الإجتماعية جاذبية قوية لسكان الدول المجاورة “.

كان ذلك تمهيدا للإطاحة بالرئيس جاكوب اربنيزا ، او جاكوب الأحمر ، كما كانت تسميه واشنطن.سقط جاكوب عام 1954 بانقلاب عسكري شارك فيه 500 مرتزق جندتهم ” CIA ” ، ودفعت الولايات المتحدة بحليفها الكولونيل كارلوس ارماس إلى السلطة ، لتدخل  جواتيمالا في حالة من الف

الفوضى والحروب استمرت 36 عاما ، سقط خلالها 200 ألف قتيل، ودمرت 450  قرية.

تفاحة البرازيل .. أحدث نموذج

إنتشار فيروس التفاح في دول أميركا اللاتينية يشكل قلقا مستمرا للبيت الأبيض، فما إن يجري عزل تفاحة ، حتى تظهر الإصابة بأخرى ، من جواتيمالا جنوب المكسيك ، إلى كوبا وهاييتي في البحر الكاريبي ، وصولا إلى تشيلي والإرجنتين في الجنوب .

آخر عمليات مكافحة الفيروس ، تمت منتصف أبريل الماضي في البرازيل ” أكبر تفاحة في السلة اللاتينية ” .

عزلت الرئيسة ديلما روسيف في إنقلاب ناعم أنهى 13 عاما من حكم حزب العمال الإشتراكي . ومثل ذلك ضربة مؤلمة لحلم التخلص من الهيمنة الأميركية في مختلف دول العالم ، وليس في البرازيل فقط.

الإجراءات العقابية للولايات المتحدة ضد البرازيل سوف تستمر ، ولا يستبعد أن يكون فيروس ” زيكا ” الذي تصدر نشرات الأخبار مؤخرا هو إختراع أميركي لنقل أولمبياد ريودي جانيرو إلى دولة أخرى.

التفاحة اليمنية و فيروس الديمقراطية

في فبراير 2010 ، نشر موقع ” شبكة فولتير الإخبارية ” التي يديرها الصحفي الفرنسي تيري ميسان ، لقاء مطولا مع الباحث السياسي في شؤون الجماعات الإسلامية محمد حسان * ، وكان عنوان اللقاء ” الولايات المتحدة في اليمن تحارب الديمقراطية وليس القاعدة “

أكثر ما تخشاه الولايات المتحدة ، هو انتشار الديمقراطية الحقيقية ، لانها  تقود للإستقلال . يجري ذلك رغم إدعاءتها بدعما . والإنقلاب على الرئيسة البرازيلية المنتخبة ،جرى بمشاركة المعهد الديمقراطي الأميركي في البرازيل –  بحسب ” الباحث محسن منجيد ، مدير المرصد الإلكتروني لأميركا اللاتينية .

تفاحات أسيوية

لم تكن فيتنام في ستينات القرن الماضي ، سوى تفاحة فاسدة يخشى الأميركيون انتشار عدواها إلى باقي دول الهند الصينية ، كمبوديا ،لاوس ، ميانمار ، وصولا إلى تايلاند ، بعد أن نجح الزعيم الفيتنامي ،هو شي منه ، في تحقيق بعض الإصلاحات في الإقتصاد وبرامج الرعاية الإجتماعية .

لكن الولايات المتحدة صورت ذلك للشعب الأميركي كخطر يتهدد وجود حليفتها في الشطر الجنوبي من فيتنام ، والمصالح الأميركية بشكل عام . وكان ذلك مبررا لتشن حربا على فيتنام خلفت أربعة ملايين قتيل فيتنامي و نحو ستين ألف اميركي.

وفي اندنوسيا ، دفعت الولايات المتحدة بالديكتاتور سوهارتو إلى السلطة ، ليبدأ عهده بحرب ضد احد  الفيروسات التي  تخشا

تخشاها اميركا ” الشيوعيون ” .. قتل الجيش الاندنوسي حوالي  مليون من اعضاء الحزب الشيوعي الأندونيسي خلال السنة  الأولى من حكم سوهارتو الذي امتد 32 عاما – 1966-1998-. وفي حين كانت الولايات المتحدة تبدو للكثيرين بمنأى عن تلك الأحداث ، امتدح مسؤول اميركي لاحقا عمليات الجيش الأندونيسي قائلا: لقد طبق الضباط الذين تلقوا تدريباتهم في الأكاديميات العسكرية الأميركية ما تعلموه بشكل جيد.

فيروس التفاح يجتاح مزار ع الموز

في سبعينات القرن الماضي ، استشعرت الولايات المتحدة خطر عودة الفيروس الذي سيؤدي بالتأكيد إلى تقلص ارباح ونفوذ شركة الفواكه الأميركية في دول اميركا الوسطى، وقدكان للرئيس ايزنهاور أسهما في تلك الشركة .

كلفت الادارة الاميركية عددا من رجالها الذين اكتسبوا في فيتنام خبرات في الجريمة و الإرهاب للقيام بمهمة التعامل مع ”  الفيروس الذي اجتاح مزارع الموز ” .

ومثلت السلفادور الحالة الأخطر بالنسبة للبيت الأبيض.  ومنذ مطلع الثمانينات في القرن الماضي ، انتهجت الولايات المتحدة اساليب مختلفة في التعامل مع السلفادور عقب نجاح بعض الإصلاحات الإقتصادية والرعاية الإجتماعية .

وعلاوة على التدخل العسكري الأميركي المباشر ، انشأت المخابرات الاميركية عددا من العصابات والتنظيمات الارهابية ، من ضمنها كتيبة ” أتلاكاتل ” سيئة الصيت في السلفادور  .

سقط نحو 75 ألف سلفادوري في حروب ومجازر وحشية ، اشهرها مجزرة قرية ” الموزوت ” التي راح ضحيتها أكثر من 900 من الفلاحين.

لم تقتصر التدخلات الأميركية في أمريكا الوسطى على السلفادور ، إذ شملت أيضا نيكاراجوا التي خاضت مواجهات دامية مع عصابات الكونترا التي أنشأتها ودعمتها الولايات المتحدة خلال عقد الثمانينات.

إفقار الشعوب كسلاح اميركي

تتمتع اليمن بمقومات اقتصادية وبشرية وجغرافية هائلة ، ومع ذالك ، تصنف ضمن الدول الافقر في العالم ،  ويجري حاليا إفقارها أكثر وأكثر  .

فالتدمير الممنهج للبنى التحتية ، بما فيها منشآت التعليم والصحة ، وتدمير المعامل والمصانع ، كل ذلك يهدف لإعادة اليمن عقودا إلى الوراء ، وسيزداد بالتالي حجم البطالة واعداد الفقراء.

هكذا يجري التعامل مع دول اميركا اللاتينية ، فعلى الرغم من تمتعها بموارد اقتصادية متعددة ،  إلا أن شعوبها لا تزال تعاني تبعات تلك الحروب والهيمنة وسياسة الإفقار  الأميركية على أكثر من صعيد.

وكمثال ، لا تزال عملية الوصول إلى العديد من مناطق هندوراس صعبة بسبب محدودية شبكة  الطرق في البلاد ، بينما يجري نقل الموز من المزارع إلى ميناء التصدير عبر سكة حديد خاصة ، وفي موازاتها يسير الهندوراسيين على الحمير والبغال والعربات البدائية .

aassayed@gmail.com