الخبر وما وراء الخبر

هل أعلنت المؤسسة الأميركية الحرب على السعودية مؤذنة بانتهاء دورها؟

337

عبد الباري عطوان 

اصدار مجلس الشيوخ الأمريكي أمس قانون العدالة ضد “رعاة الإرهاب” الذي قدمه السناتور الديمقراطي تشاك شومر، ونظيره الجمهوري جون كورنين، ويسمح لأهالي ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر مقاضاة أمراء في الأسرة الحاكمة السعودية أو مسؤولين أمام المحاكم الأمريكية لطلب تعويضات، يعني أن العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، التي بدأت قبل 70 عاما بلقاء الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس الأمريكي روزفلت، على ظهر سفينة حربية أمريكية في قناة السويس (عام 1945)، أوشكت على الانتهاء، وربما تتحول إلى مواجهات سياسية وقضائية، وحرب مالية في المستقبل المنظور.
هذه النتيجة كانت مكتوبة على الحائط، واول من مهد لها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في حديثه المطول والصريح والمتعمد لمجلة “اتلانتيك”، عندما أكد “أن السعودية رعت التطرف الإسلامي الوهابي في العالم خلال العقود الثلاثة الماضية ودعمته بالأموال واللائمة، وضرب مثلا باندونيسيا التي عاش فيها لعدة سنوات في صباه، وكيف تحول إسلامها المعتدل المتسامح الى اسلام متطرف نتيجة لنشر “الوهابية” وتعاليمها.
ولم يكن من قبيل الصدفة أن تصدر وزارة الخزانة الامريكية أمس بيانا يؤكد أن السعودية تملك ما قيمته 116.8 مليار دولار من السندات الأمريكية قبيل صدور هذا القانون بساعات، في تصحيح لما ذكرته صحيفة “النيويورك تايمز″ من معلومات تقول إن قيمة هذه السندات تزيد عن 750 مليار دولار.
***

اصدار هذا القانون يعني أن الإدارة الأمريكية يمكن أن تتدخل قانونيا لوقف بيع وتسييل هذه الأصول، مثلما هدد السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي، كرد فعل على التحضيرات لاصداره (القانون)، ومن المفارقة أن السيد الجبير اضطر “محرجا” لسحب هذه التهديدات يوم امس، عندما قال في مؤتمر صحافي مع نظيره الامريكي جون كيري في فيينا “ما قصدناه أن صدور هذا القانون سيقوض ثقة المستثمرين في السوق الامريكي، فالأمر لا يخص السعودية وحدها”، نافيا أن يكون قد هدد ببيع هذه السندات.
نظريا يستطيع الرئيس اوباما أن يعطل هذا القانون بحكم صلاحياته كرئيس امريكي، ولكن السناتور شومر الذي قدم مشروع القانون، ويعتبر والده الشرعي، أكد أن أغلبية الثلثين المطلوبة في مجلس الشيوخ لابطال “الفيتو” الرئاسي مضمونة لديه، مما يعني، حسب رأيه، ان القانون سيعتمد حتما، بغض النظر عن موقف الرئيس اوباما منه، والاخطر من ذلك ان المرشحين الابرز في الانتخابات الرئاسية الامريكية هيلاري كلينتون، وجون ساندرز، ودونالد ترامب أعلنوا تأييدهم له.
الضغوط تتصاعد حاليا للافراج عن الوثائق التي تؤكد تورط امراء سعوديين في دعم منفذي هجمات سبتمبر، وتقديم الدعم المالي واللوجستي لهم، المباشر منه او غير المباشر، وهناك توقعات بأن يتم الكشف عن مضمون الصفحات الـ 28 التي جرى حجبها من تقرير تحقيقات الكونغرس حول هذه الهجمات، ويعتقد انها تدين السعودية، في غضون الشهرين المقبلين.
اسم زكريا الموسوي المسجون في كوليرادو، بتهمة المشاركة في التحضير لهجمات سبتمبر، وينظر إليه على أنه المتورط رقم 20 فيها، بدأ يتردد بقوة هذه الأيام، ونسبت إليه مزاعم تقول إن أمراء من الأسرة الحاكمة السعودية متورطون في دعم تنظيم “القاعدة”، وذكر أسماء الأمير (الملك) سلمان بن عبد العزيز، تركي الفيصل، بندر بن سلطان، والوليد بن طلال، وردت السعودية على اتهاماته هذه بأنها صادرة من شخص مختل.
ما يجري حقيقة هو عملية “ابتزاز″ أمريكية محكمة للمملكة العربية السعودية وأسرتها الحاكمة، لمصادرة القسم الاكبر من احتياطاتها المالية الضخمة التي تصل حاليا الى ما يقرب من 587 مليار دولار، بما في ذلك 116 مليار دولار قيمة سندات الخزانة الأمريكية، مما سيؤدي حتما إلى إفلاسها، وربما إطاحة نظام الحكم فيها.
الدور السعودي في اتفاق تبادل المصالح مع أمريكا (الحماية مقابل النفط)، في منطقة الشرق الأوسط، وصل إلى نهاية عمره الافتراضي، ولم تعد المؤسسة الامريكية بحاجة اليه بعد توقيعها الاتفاق النووي مع ايران، وانتهاء حاجتها إلى نفط الشرق الاوسط، وتوجيهها نحو جنوب شرق آسيا، والمشكلة أن صاحب القرار السعودي فوجئ بهذا التحول الأمريكي، مما يعكس افتقاره لبنوك المعلومات والخبرات والعقول المؤهلة لرصد هذا التحول مبكرا، ووضع البدائل، أو ربما لعدم استعانته بها، لاننا نعرف أنها موجودة داخل السعودية وخارجها، فهناك خبرات سعودية تحاضر حاليا في أكبر الجامعات الأوروبية والأمريكية ولكن..
الخطأ الآخر الذي وقع فيه بعض “المستشارين” في الحكومة السعودية هو اللجوء للتقارب مع دولة الاحتلال الاسرائيلي ولوبياتها لاحباط هذا التحول في المواقف الامريكية، ومنع صدور القانون المذكور، والتمهيد لاستبدال الحليف الاسرائيلي بالامريكي، ولا يعرف هؤلاء أن هذا القانون تقف خلفه “المؤسسة” الأمريكية الحاكمة وليس الغدارة، وقرارات “المؤسسة” لا يجهضها “لوبي” في أمريكا، سواء كان لوبي السلاح، او النفط، او “المتقاعدين”، وهي اللوبيات الثلاثة الأكثر قوة بمراحل من اللوبي اليهودي الرابع.
المؤلم أن هذا الابتزاز الامريكي يأتي في وقت تجد فيه السعودية نفسها متورطة في حربين في اليمن وسورية، وثالثه بالنيابة مع ايران، وربع العالم الاسلامي تقريبا ينتمون إلى الطائفة الشيعية المتعاطفين مع الاخيرة، جزئيا أو كليا، مضافا إلى ذلك أن نسبة كبيرة من الشعوب العربية والاسلامية (السنية) غير مؤيدة للكثير من جوانب سياساتها، وحروبها هذه، مما يعكس قصورا في الاستراتيجيات، وانحرافا عن النهج الذي اتبعته المملكة حتى الى ما قبل عشرين عاما، حيث كانت عنوانا للتضامن في العالمين العربي والاسلامي، وواسطة خير لحلول المشاكل والنزاعات.
المواجهة بين الاسرة الحاكمة في السعودية وامريكا قادمة لا محالة، وقد تكون بدأت فعلا، ومحاولات “الترقيع″ التي يقوم بها البعض، مثل التنصل من تهديدات الجبير بسحب الاستثمارات لا تفيد ابدا، وحتى لو دفعت السعودية التعويضات المالية التي تريدها امريكا، فان هذا النهج لن يحل المشكلة، وربما يفيد في هذه العجالة بأن نذّكر بتجربة الزعيم الليبي معمر القذافي الذي اعتقد انه بدفع ثلاثة مليارات دولار لاهالي ضحايا لوكوربي يمكن ان يشتري سلامته وبقاء نظامه، فبعد ان دفع المبلغ، ودمر اسلحته الكيماوية، وفكك برنامجه النووي، وسلم قوائم الارهابيين، وجد نفسه مسحولا في شوارع مدينته سرت، ومعتدى عليه جنسيا، بطريقة مقززة وهمجية، يعف اللسان والخلق عن وصفها.
***
لا نعتقد أن “عقيدة سلمان” التي شاهدنا إرهاصاتها في اليمن وسورية ستتبع النهج نفسه، والاندفاعة نفسها، في مواجهة امريكا، وتكوين تحالف عربي لمواجهتها قضائيا وعسكريا، على جرائمها في العراق وليبيا وفلسطين، لسبب بسيط، لانها متورطة معها في جميع هذه الحروب للأسف، ولكن إذا قررت، أي السعودية، المواجهة فعلا، والاعتذار عن أخطائها وتواطؤاتها مع المخططات الامريكية العدوانية، بشكل مباشر او غير مباشر، والبدء في صفحة جديدة، ستجدنا والملايين مثلنا في خندقها، فعندما يكون الخيار بينها وبين امريكا، فلن تكون امريكا هي خيارنا.
خطوة البداية في وقف الحرب في اليمن والاخرى في سورية تقليصا للخسائر، الانخراط في حوار مع ايران للتوصل الى تفاهمات حول القضايا الخلافية، والبدء في الاستعداد للحرب الاكبر مع الولايات المتحدة، وحليفتها الموثوقة اسرائيل، اما اللجوء الى الشتائم والمسبات من قبل جيوشها الالكترونية الجبارة على أمريكا، أو من تعتقد أنها خصوم السعودية، فلن يكون لها أي مردود إيجابي بل سلبي جدا، على طريقة اشبعناهم شتما وفازوا بالإبل.
هل تفعلها السعودية، وتكفر بذلك عن جميع ذنوبها، وتقود العرب ضد امريكا وطغيانها، وتنتصر للقضايا العربية والاسلامية، نأمل ذلك، وإن كان لدينا الكثير من الشكوك.

* رأي اليوم