الخبر وما وراء الخبر

بين نيران غزة وصفقات البنتاغون: من يصنع الموت؟

3

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
15 أبريل 2025مـ – 17 شوال 1446هـ

تقريــر || عبدالقوي السباعي

في غزة، حَيثُ لا تتوقف أصوات القصف، وحيث الدخان يتصاعد من تحت الركام، يقف العالم متفرجًا على جريمة إبادة تُنفَّذُ أمام أعين الجميع.

الأجساد المنهكة من الجوع والعطش، والعيون التي باتت لا ترى سوى الدمار والدماء وصور الشهداء، تعكس فصولًا جديدة من مأساة مُستمرّة منذ أكثر من سبعة عقود، في كُـلّ خيمة نزوح، وجع لا يوصف، وفي كُـلّ زاوية شهيد ومصاب، بينما تمضي آلةُ الحرب الصهيونية في مهمتها بلا توقف.

وسط هذا الجحيم، لا تأتي الأخبارُ من واشنطن بحلول إنسانية، بل بمزيدٍ من الدعم العسكري. فقد أكّـدت وزارة الحرب الأمريكية “البنتاغون” أن وزارة الخارجية وافقت على صفقة بيع محركات “إيتان بأورباك” لـ(إسرائيل) بقيمة 180 مليون دولار.

وبرّرت ذلك بـ”التزامِها بأمن إسرائيل”، واعتبرت أن هذه الصفقةَ “تُعَزِّزُ قُدرتَها على الدفاع عن بنيتها التحتية ومواجهة التهديدات”.

شحناتُ الموت.. عبرَ الأطلسي:

ليست هذه الصفقة استثناءً، بل حلقة في سلسلة لا تنتهي من الدعم الأمريكي غير المشروط؛ فقد نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن الجيشَ الإسرائيلي سيتسلمُ شُحنةً ضخمةً من الذخائر الأمريكية، تشمل أكثر من 3000 نوع من ذخيرة سلاح الجو، إضافة إلى 10 آلاف قنبلة أُخرى كانت مجمّدة إبان إدارة بايدن، وتم رفعُ التجميد عنها مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض.

هذا التورُّطُ العسكري الأمريكي الجديد -بحسب مراقبين- يعكسُ حقيقةً مُـــرَّةً أنَّ واشنطن ليست فقط راعيًا سياسيًّا لـ (إسرائيل)، بل شريكٌ مباشرٌ في صناعة الموت اليومي في غزة.

هذه القنابل لا تُنتَجُ للدفاع، بل للاستخدام، وهدفُها واضح، كسرُ إرادَة الفلسطينيين ومحوُ غزة من الخارطة، بكل ما تحمِلُه من حياة ومقاومة وهُوية.

أمريكا.. الجذر العميق للمأساة:

يرى مراقبون أن (إسرائيلَ) ليست إلا أدَاةً، بينما تكمُنُ المشكلةُ الأَسَاسيةُ في واشنطن، التي منحت الشرعية والدعم لهذا الكيان منذ لحظة ولادته عام 1948م.

من حرب 1967 إلى تدخلها في مجلس الأمن لعرقلة إدانة (إسرائيل)، ومن نقل السفارة إلى القدس إلى صفقات السلاح المفتوحة، تبدو أمريكا شريكًا لا يكلّ في ترسيخ الاحتلال وقمع الشعب الفلسطيني.

ولعلّ أكثر ما يثير الاستغراب والدهشة، هو أن بعض العرب -بدلًا -ن فضح هذا الدور الأمريكي- اختاروا طريق التطبيع والانبطاح.

لقد أصبح واضحًا أن من يُراهن على واشنطن، إنما يراهن على الجَلَّادِ لا المنقِذ، وعلى مُصنِّعِ القنابل لا ناقل السلام.

ما بعد الدم.. وعيٌ وموقف:

وسط هذا الواقع المأساوي، تتعالى الأصوات داخل أمريكا نفسها، من جامعات ومؤسّسات إعلامية ومنظمات حقوقية، تتضامن مع الشعب الفلسطيني أكثر من بعض حكومات العرب.

وهذا ما يعزز حقيقة أن الصراع ليس مع الشعب الأمريكي، بل مع الإدارات المتعاقبة التي اختارت الانحيازَ الأعمى لـ (إسرائيل)، على حسابِ كُـلّ القيم الإنسانية.

إن إدراكَ هذه الحقيقة، هو الخطوةُ الأولى في معركة الوعي؛ فالمواجهةُ اليوم لم تَعُـــدْ فقطْ على الأرض، بل في العقول والمنابر والإعلام، حَيثُ تُصنَعُ الروايات وتُوجَّـهُ السياسات.

كل قنبلة تُسقِطُها (إسرائيلُ) على غزة، تحمل توقيعًا أمريكيًّا. وكل صرخة طفل تحت الأنقاض، تُحمِّلُ واشنطن مسؤوليةً سياسية وأخلاقية.

فهل آن للعالم أن يدركَ أن شراكةَ الدم هذه لا تنتجُ أمنًا، بل تزيدُ من زعزعة الاستقرار؟، وحتى يأتي ذاك اليوم، سيظلُّ صوتُ غزة أقوى من الصمت، وأصدقَ من بيانات “البنتاغون”.