الخبر وما وراء الخبر

هجرة “الأدمغة” تحاصر الإنتاج “الإسرائيلي”.. عزوفٌ عمّالي عن أهم قطاعات العدوّ الاقتصادية

5

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
7 أبريل 2025مـ – 9 شوال 1446هـ

تقريــر|| نوح جلّاس

لطالما كان قطاعُ الإنتاج التكنولوجي ركيزةً اقتصاديةً عملاقة للعدو الصهيوني، وكان يجني منها نحو 25 % من إجمالي موارده وعائداته، ولكن بعد السابع من أُكتوبر، لم يبق شيءٌ من مفاصل العدوّ الاقتصادية والحيوية إلا وجرفها الطوفان، وهَدَّت أركانَها جبهاتُ الإسناد، ليجدَ العدوَّ الصهيوني نفسَه في سلسلة من الأزمات المتشابكة، ذاتِ الحلول المتناقضة.

التكنولوجيا الفائقة، أَو ما يُعرَفُ في “إسرائيل” بـ”الهايتك”، لم يعد قلعةَ العدوّ الاقتصادية، حَيثُ تعرَّض لاستنزاف بشري ومالي؛ بسَببِ تداعيات العدوان والحصار على غزة، حَيثُ غادرت الآلاف من الشركات التي كانت تعمل في قطاع التكنولوجيا؛ بسَببِ التهديدات التي أَدَّت إلى تآكل قطاع الاستثمار بشكل عام في مدن فلسطين المحتلّة، والتي بلغت حتى أُكتوبر الفائت أكثر من 60 ألف شركة في قطاعات استثمارية متعددة.

وبسبب تصاعد التهديدات التي حاصرت العدوّ من كُـلّ جانب، ومن جبهات متعددة، تفاقمت الهجرة العكسية في صفوف العدوّ، لتشمل الآلاف من حَمَلَةِ التخصصات النوعية، الذين كانوا يمثلون باكورة نمو اقتصاد العدوّ وقطاعاته الكبرى، مثل قطاع التكنولوجيا الفائقة، حَيثُ أكّـدت تقارير صهيونية أن المتخصصين في هذا المجال، غادر منهم الكثير؛ ما يفاقم وتيرة المصاعب التي تواجه هذا القطاع الحيوي الكبير، الذي يمثل عصبَ اقتصاد العدوّ.

ونشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، تقريرًا حديثًا، أوضح أن حاملي الجنسية “الإسرائيلية” العاملين في “الهايتك” الذين غادروا فلسطين المحتلّة وصل عددهم إلى أكثر من 8،300 عامل، وهو رقم ضخم يوحي بحجم الهجرة العكسية التي ضربت كيان العدوّ، حَيثُ إن هؤلاء العاملين في أهم قطاعات العدوّ، والذين كانوا يتقاضون أعلى الأجور والمرتبات في “إسرائيل” قد غادروا فلسطين المحتلّة بهذه الأرقام المذهلة؛ ما يضع تساؤلًا عن عدد العاملين في بقية القطاعات الذين غادروا ولم يكونوا أحسنَ حالًا من العاملين في “الهايتك”، سواء من ناحية نسبة الأُجُور أَو من ناحية تركيز اهتمام العدوّ، الذي سخّر الكثير من إمْكَانياته لحماية قطاع التكنولوجيا الفائقة -شركاتٍ وعاملينَ-.

وأكّـدت الصحيفةُ الصهيونيةُ أن هذا الرقمَ الكبير للمغادرين من أصحاب هذا التخصص النوعي المهم، مؤشر خطير يهدّد مستقبل قطاع التكنولوجيا الفائقة؛ ما قد يفاقم مشاكل العدوّ الاقتصادية، خُصُوصًا أن قطاع الإنتاج التكنولوجي يمثل ربع اقتصاد العدوّ، وأيقونة منظومته الاقتصادية والإنتاجية.

وعرّجت على الحلولِ التي وضعتها الشركات العاملة في “الهايتك”، ومنها السماحُ لمئات الآلاف من العاملين، بأداء وظائفهم وأعمالهم من خارج فلسطين المحتلّة، موضحةً أن عدد العمال العاملين عن بُعد تجاوز 240 ألفًا معَ انتهاء الربع الأول من العام الجاري، بعد أن كان 200 ألفٍ فقط منتصف العام الماضي؛ ما يشير إلى حجمِ التآكل الكبير الذي أصاب القوة البشرية العاملة في أهم قطاعات العدوّ.

وأكّـدت “يديعوت أحرونوت” أن ازديادَ هِجرة العاملين في “الهايتك”، يأتي بسَببِ ما أسمته “حالة عدم اليقين” عن مستقبل هذا القطاع في “إسرائيل”؛ بسَببِ التهديدات الأمنية والسياسية والاقتصادية، منوّهةً إلى أن هذا القطاع “لم يعد ينمو كما كان في السابق”.

وفي هذه الجزئية تعود للواجهة التأثيرات التي اعترف بها العدوّ الصهيوني في وقت سابق، بشأن فاعلية الجبهة اليمنية في تفتيت هذا القطاع وخلق شروخ مؤثرة فيه، حَيثُ أكّـدت تقارير سابقة أن الحصارَ البحري أجبر العدوَّ الصهيوني على تغييرِ آليةِ استيراد “الرقائق الإلكترونية”، وباقي مدخلات الإنتاج التكنولوجي التي كان يستقدمُها من غرب آسيا، ليلجأ لنقلها عبر الجو، قبل أن تأتيَ القوات المسلحة اليمنية بمسار جديد لخنق العدوّ، حَيثُ فرضت حصارًا جويًّا تمثَّل بقصفٍ شبهِ يومي لمطار “بن غوريون”، وهو ما عقّد حساباتِ العدوّ وحلولِه التي كان قد ابتكرها لاستمراريةِ تشغيل قطاع “الهايتك” بعيدًا عن التأثر بالحصار البحري.

وبالعودة إلى تقرير “يديعوت أحرونوت”، فَــإنَّ هجرةَ عُمَّالِ “الهايتك” من “إسرائيل” لا تقتصرُ فقط على المبرمجين والمطوِّرين فحسب، بل حتى المسوّقين وبقية العاملين من غير المتخصصين أَيْـضًا غادروا بأعداد كبيرة، رغم الرواتب العالية التي كانوا يتقاضونها، وهو ما يشير إلى وجود أعداد مهولة ضربت كافة القطاعات الإنتاجية بهجرة مئات الآلاف من العاملين.

وفي السياق ذاته، يوضح التقريرُ أن 75 % من إجمالي العاملين في “الهايتك” يعملون من خارج فلسطين المحتلّة، وأن 60 ألف عامل في الشركات العامة المدرجة في البورصة، يعملون من داخل فلسطين المحتلّة، من أصل 250 ألفًا؛ أي إن المتواجدين هم ربع عمال تلك الشركات فقط، وهذه الأرقام تكشف حقيقة هجرة عكسيةٍ قلَّلت من الوجود الصهيوني منذ السابع من أُكتوبر 2023م.

وعن سرد الصحيفة للأخطار التي تحاصر قطاع التكنولوجيا الفائقة؛ فقد تقلَّصَ عدد ُالعاملين في الإدارة بشكل كبير وملحوظ، مؤكّـدةً أن الأرقامَ تشير إلى أن “الهايتك” على موعد مع نتائجَ كارثية تمُسُّ النشاطَ التجاري الشامل في “إسرائيل”.

ويأتي هذا التقريرُ في ظل حديث متكرّر لوسائل إعلام صهيونية بشأن تزايد طلبات العاملين في “الهايتك” لمغادرتهم فلسطين المحتلّة وتأدية وظائفهم عن بُعد، مؤكّـدةً أن غالبيتَهم لا ينوون العودةَ مجدّدًا وقد يحصلون على فرص عمل في الدول التي ستكون وجهتَهم القادمة، موضحةً أن التعديلاتِ القضائية الأخيرة التي أقدمت عليها حكومة المجرم نتنياهو، فاقمت موجةَ هجرة المتخصصين في أهم القطاعات “الإسرائيلية”؛ نظرًا للتأثيرات المالية والوظيفية التي ستعود عليهم.

ووصفت “يديعوت أحرونوت” سياساتِ حكومة المجرم نتنياهو أمامَ التآكل البشري الذي يصيب قطاعات العدوّ الإنتاجية، بـ”حضيض لم يشهده منذ سنوات”.

أرقامٌ كبيرة لعدد المهاجرين في هذا القطاع رغم أن الصحيفة أوضحت تقاضيَهم رواتبَ عاليةً تفوقُ ضِعفَ رواتب العاملين في باقي القطاعات الاقتصادية؛ ما يؤكّـد أن المدنَ الفلسطينية المحتلّة لم تعد بيئةً آمنةً للعمل والاستثمار وتنمية الأموال، كما أن هذه الأرقام تكشف أسرارَ العُزُوف الجماعي الكبير للمستثمرين وأصحابِ التخصصات النوعية في مختلف المجالات الحيوية، إلى أُورُوبا وأمريكا، وهو ما يؤكّـد أن (طوفان الأقصى) وعمليات جبهات الإسناد لم توجّـه صفعاتٍ عسكرية وأمنية للعدو فحسب، بل وجَّهت بشكل أكبر صفعاتٍ اقتصاديةً قد تفقِدُ العدوَّ توازُنَه لأطول فترة ممكنة، خُصُوصًا أن قطاعاتِه الإنتاجية والاقتصادية ما تزالُ تعاني النزيفَ المُستمرّ، ماليًّا وبشريًّا وماديًّا أَيْـضًا.

وبهذا النزيف أَيْـضًا، يفقدُ العدوّ الصهيوني أهمَّ نقاط قوته الاقتصادية، وهو ما يجعله في تقهقرٍ مُستمرّ على سُلَّمِ الاقتصاديات الكبرى حول العالم؛ فالاستثمارُ والعملُ لم يعودا آمنَينِ في “إسرائيل”، ومع استمرار المعركة ستتحوَّلُ كُـلُّ المدن الفلسطينية المحتلّة إلى بيئةٍ غيرِ آمنة حتى للحياة، كما هو الحالُ في مغتصبات الشمال التي ما تزالُ -كما وصفها الإعلامُ الصهيوني- “مدينة أشباح”.