الخبر وما وراء الخبر

ترامب يُشعِــلُ حربًا اقتصادية عالمية: تصعيدٌ جُمركي جديد محفوفٌ بالمخاطر

5

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
3 أبريل 2025مـ – 5 شوال 1446هـ

تقريــر || عبد القوي السباعي

في خطوةٍ أثارت جدلًا واسعًا، أعلن الرئيسُ الأمريكي، دونالد ترامب، فرضَ رسوم جمركية جديدة واسعة النطاق، معتبرًا هذه الإجراءاتِ “إعلانَ استقلال اقتصادي”، فيما يراها الآخرون بأنها بدايةُ حرب اقتصادية عالمية.

وبينما يرى “ترامب” أن هذه الخطوة تهدف إلى تصحيح الميزان التجاري الأمريكي، يحذر اقتصاديون من تداعياتها السلبية على المستهلكين الأمريكيين أنفسهم والاقتصاد الدولي تاليًا؛ الأمر الذي سيؤدي إلى تصاعد التوترات الاقتصادية العالمية

تفاصيلُ القرار الأمريكي
وفي السياق، وباستخدامِ سلطات الطوارئ الوطنية، فرض “ترامب” رسومًا جُمركيةً بنسبة 10 % على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة، إضافةً إلى رسوم أعلى على حوالي 60 دولة ذات عجزٍ تجاري كبير مع واشنطن.

وقال ترامب من البيت الأبيض: “سنفرضُ عليهم ما يقارب نصفَ ما يفرضونه علينا؛ لذا لن تكون الرسوم الجمركية متبادلة تمامًا”، مُضيفًا، أنه “كان بإمْكَاني فعل ذلك، على ما أعتقد، لكن الأمر كان سيصعب على العديد من الدول، ولم نكن نريد ذلك”، حَــدّ تعبيره.

ووفقًا لوسائل إعلام أمريكية، ستشهد الصين الآن تعريفة فعَّالة بنسبة 54 %، حَيثُ ستتم إضافة التعريفة الجديدة بنسبة 34 % إلى التعريفة البالغة 20 % والمعمول بها بالفعل، والاتّحاد الأُورُوبي بنسبة (20 %)؛ ما يجعلها واحدة من أكبر عمليات التصعيد الجمركي منذ قانون “سموت-هاولي” لعام 1930م.

كما طالت هذه الرسوم بعض الدول الحليفة لأمريكا مثل المكسيك وكندا، خُصُوصًا في قطاعات معينة مثل السيارات، الأمر الذي يفتح الباب أمام تصعيدٍ اقتصادي عالمي مع تداعيات قد تمتد إلى كافة أركان النظام التجاري الدولي.

ردودُ الفعل الدولية:
وفي تصعيدٍ متبادل لم تكد تمر ساعات على إعلان “ترامب” حتى توالت الردود الدولية الغاضبة، وصرَّحت غرفة التجارة الدولية بوجود “خطر منهجي واضح على النظام التجاري العالمي” إذَا بلغت التوترات التجارية ذروتها.

وأعلنت الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية أنها سترد بخطواتٍ مماثلة، وكما هو الحال في أُورُوبا، فقد تعهَّدت القادة بدراسة تداعيات القرار واتِّخاذ خطوات مضادة.

وفي السياق، لفتت مصادرُ إعلامية إلى أن رئيسةَ الاتّحاد السويسري، “كارين كيلر-سوتر”، صرحت أن مسؤولي البلاد “سيحدّدون الخطوات التالية بسرعة”.

أما رئيسُ الوزراء الكندي، “مارك كارني”، فقد اعتبر أن هذه الإجراءات “ستغيِّرُ النظامَ التجاري الدولي بشكل جذري”، مؤكّـدًا أنهُ “سنحاربُ هذه الرسوم الجمركية بإجراءات مضادة”، وأكّـدت المكسيك بدورها أنها تعكفُ على إعداد خطة اقتصادية شاملة لحماية صناعتها.

وبينما تُعد الصين واحدةً من أكبر المتضررين من هذا القرار؛ إذ فرضت واشنطن عليها رسومًا إضافيةً بلغت 34 %؛ ما دفع “بكين” إلى التهديد بإجراءات مضادة تشمل قيودًا على الشركات الأمريكية واستهداف قطاعات حساسة مثل “التكنولوجيا والزراعة”.

وبحسب وكالة الأنباء الصينية، أعلنت وزارة التجارة في بكين أنها “لن تقفَ مكتوفةَ الأيدي أمام هذه الاستفزازات، وسترُدُّ بحزمٍ لحماية مصالحها الاقتصادية”.

أما في روسيا، وبحسب خبراء، فرأت في هذه الأزمة فرصة لتعزيز علاقاتها التجارية مع الدول المتضررة من السياسات الأمريكية، وصرح وزير الاقتصاد الروسي أن “موسكو ستسعى إلى تعميق شراكاتها التجارية مع بكين والدول الأُورُوبية المتضررة من الإجراءات الأمريكية؛ بهَدفِ تشكيل تحالف اقتصادي مضاد”.

وعلى الصعيد العربي، جاءت ردود الفعل متباينة، فبينما تحاول بعض الدول الخليجية، مثل “السعوديّة والإمارات”، الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية مع واشنطن، يقول مراقبون: إنها في الوقت نفسه “ستسعى إلى تعزيز تعاونها مع الصين وروسيا، خُصُوصًا في مجالات الطاقة والاستثمارات، لكنها لن تكون غائبةً عن الأنظار الأمريكية”.

في المقابل، أبدت دولٌ مثل “مصر والجزائر تحفُّظًا”، مع تأكيدِها على ضرورةِ ما أسمته “تفادي التصعيد الذي قد يضُرُّ بالاستقرار الاقتصادي العالمي”.

التداعياتُ الاقتصادية:
في الإطار، يخشى الخبراءُ من أن يؤدِّيَ هذا التصعيد إلى ارتفاعِ الأسعار على المستهلكين الأمريكيين وزيادة الضغوط التضخمية، كما أن ردودَ الفعل الدولية قد تتسبَّبَ في ركود اقتصادي عالمي، وهو ما عكسه التراجعَ الحادَّ في أسواق الأسهم الأمريكية.

ولفت خبراءُ الاقتصاد إلى أن الأسواق المالية شهدت حالةَ اضطراب يومَي الأربعاء والخميس، حَيثُ انعكست هذه التطورات سريعًا على الأسواق المالية، وانخفض مؤشر “داو جونز” بأكثر من 900 نقطة، بنسبة 2.19 %، بينما هبط مؤشر “ستاندرد آند بورز” 500 بنسبة 3.38 %، وتراجع مؤشر “ناسداك” 100 بنسبة 4.28 %، وسطَ قلق المستثمرين من تداعيات السياسات التجارية الجديدة.

وفي الإطار، قال “دان آيفز”، كبيرُ المحللين في “ويدبوش” للأوراق المالية لوسائل الإعلام الأمريكية: “هذه السلسلة من الرسوم الجمركية أسوأ من أسوأ سيناريو كان يخشاه الشارع”.

وأشَارَ إلى أن الشركات الأمريكية نفسها وليس فقط العالمية؛ باتت “في مرمى النيران مع ارتفاع تكاليف الإنتاج؛ بسَببِ هذه الرسوم”، وبدأت الشركات الأمريكية بدق “ناقوس الخطر”.

وقال “بنجامين كولفين”، رئيس إحدى الشركات الأمريكية لشبكة “السي إن إن” الأمريكية: إن “الأمر مثير للقلق، سيكون مكلفًا، وسيتطلَّبُ منا جميعًا اتِّخاذَ قرارات صعبة”.

أما “ليزلي ساراسين”، الرئيسة التنفيذية لجمعية صناعة الأغذية، فحذرت من أن “نظامنا الغذائي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأسواق العالمية، وأيُّ خلل في التوازن سيؤدِّي إلى ارتفاع الأسعار على المستهلكين”.

من جانبها، بدأت الشركاتُ الأمريكية بدراسةِ تداعيات هذا القرار على أعمالها، حَيثُ حذّر العديدُ من ارتفاعِ تكاليف الإنتاج؛ بسَببِ زيادة الرسوم على المواد الخام مثل الألمنيوم والصُّلب، وأشَارَت شركات الأغذية، إلى أن هذا القرارَ سيؤثرُ على أسعار المنتجات الأَسَاسية والسلع الموسمية.

التوتُّرُ السياسي في واشنطن:
وعلى الصعيدِ الداخلي، يواجهُ “ترامب” معارضةً قويةً من الديمقراطيين في الكونغرس، الذين وصفوا القرار بأنه “خطوة تقود البلاد إلى ركود اقتصادي حتمي”، ويسعى بعض النواب إلى فرض تصويت لإلغاء هذه الرسوم، رغم معارضة قيادة الحزب الجمهوري.

وفي السياق، أكّـدت وسائل الإعلام الأمريكية، أن معركةً سياسية محتدمة داخليًّا، دارت في الكونغرس؛ إذ واجه “ترامب” معارضةً شديدة، ووصفت خطوته بأنها “مدمّـرة للاقتصاد الأمريكي”.

بدوره، قال زعيم الأقلية في مجلس النواب الأمريكي، “حكيم جيفريز”: “الجمهوريون يُدمّـرون الاقتصاد الأمريكي بشكلٍ مباشر ويدفعوننا نحو الركود. هذا ليس يوم التحرير، بل يوم الركود”.

وبينما يروج “ترامب” لهذه القرارات؛ باعتبَارها جزءًا من إعادة التوازن التجاري للولايات المتحدة، فَــإنَّ تبعاتها تثير مخاوف اقتصادية وسياسية كبيرة على المستويَّينِ المحلي والدولي.

ومع تعهُّدِ الدول الأُخرى بالرد وتصاعد التهديدات بالردود المتبادلة، يبدو أن العالَمَ على أعتاب حربٍ تجاريةٍ اقتصادية غير مسبوقة وقد تكونُ لها تأثيراتٌ غيرُ متوقعة على الاقتصاد العالمي برمته.

وتُظهِرُ هذه التطورات أن “ترامب” وحلفاءه الاقتصاديين بات وجهًا لوجه مع خصومه الدوليين في معركةٍ قد تغيِّر شكلَ التجارة العالمية، وتبقى التوقعات تنحصر بين تحقيق استقلال اقتصادي أمريكي؛ وبين كارثةٍ اقتصادية عالمية، وبين تراجعِ الأخير عن قراراته كما هي عادته.