الخبر وما وراء الخبر

وداعًا أيها القائد.. حين يغيب الجسد ويخلد المبدأ

1

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
22 فبراير 2025مـ – 23 شعبان 1446هـ

تقريــر || محمد الأسدي

في لحظةٍ أشبه بأفول نجمٍ من سماء الأمة، يبكي اليمنيون -وكل أحرار العالم- رحيلَ السيد حسن نصرالله، ليس كفقدان شخصٍ عادي، بل كأفول رمزٍ كان يُشعُّ بأملٍ لا ينطفأ.

المشاعرُ هنا ليست دموعًا تُسكب، بل شظايا قصة حبٍ بين قائدٍ تحوّل إلى أبٍ روحي لِمُستضعفي الأرض، وبين شعبٍ رأى فيه مرآةً لعزته المهدورة.

“كيف ننسى خطاباته التي كانت تُزلزل أركان الخوف فينا؟”، تسأل أمٌ يمنيةٌ بينما تتصفح مقطعًا له وهو يهتف: “الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل”. لم تكن كلماته مجرد هتافات، بل كانت مصلًا معنويًا يُحقن في شرايين شعبٍ منهك. اليوم، يعيد اليمنيون نشر تلك المقاطع كأنها وصيةٌ أخيرة، وكأنهم يقولون للقائد الراحل: “لن نخذل دمك”.

عبر منصات التواصل، تحوّلت الشاشات إلى مآتم افتراضية، لكنها حقيقيةٌ في وجدان الناس. شابٌ من الحديدة يكتب: “أنت الذي علمتنا أن نرفع رؤوسنا حتى لو قصفت الطائرات سقوف بيوتنا”، بينما تُعلق فتاةٌ من تعز صورةً له مع تعليق: “وداعًا أيها الأب.. سنكمل الطريق”. حتى الأطفال لم يكونوا بمنأى عن هذا الحزن؛ رسوماتٌ بسيطةٌ تُنشر له بلحيته المميزة، وكأنهم يودعون “البطل الخارق” الذي كانوا يتناقلون قصص شجاعته.

“عظماء التاريخ لا يموتون، بل ينتقلون من عالم الشهادة إلى عالم الشهداء”، بهذه الكلمات يختصر مثقفٌ يمني سِرَّ الزخم العاطفي الذي اجتاح اليمن. فالناس هنا لا تبكي جسدًا، بل تبكي فجيعةَ المبدأ الذي تجسد في رجل. يقول أحد الشعراء: “سقط الجسد.. لكن كلماته صارت جبالًا، ودماؤه صارت أنهارًا تُروي أرض المقاومة”.

المفارقة الأكثر إيلامًا وأملًا في الوقت ذاته، أنَّ رحيل السيد نصرالله لم يُضعف الروح المعنوية لليمنيين، بل أشعل فيهم إرادة التحدي. “سنكون جيشًا من الحسنات”، يهتف ناشطون وهم ينشرون صورته مرفقةً بهاشتاغ #إنّا_على_العهد. حتى المقاتلون على الجبهات يرددون: “الموت مسارٌ واحدٌ، إما ننتصر كما انتصر قائدنا، أو نلحق به شهداء”.

في مدن اليمن الحرة، لم تُرفع الأعلام السوداء، بل رُفعت ألوان المقاومة: الأخضر والأصفر. “نحن لا نعرف الحداد، نعرف فقط أن نُولد من جديد”، يقول أحد قادة الميدان. حتى النساء في الأرياف يقمن بحلقات ذكرى، لا لترديد المراثي، بل لتلاوة خطاباته وكأنها قرآنٌ جديدٌ للمقاومة.

رحل السيد نصرالله جسدا، لكنه صار فكرةً جارفةً تتحرك في كل زاويةٍ من زوايا اليمن. الأكاديمي اليمني محمد يحيى يعلق: “علمنا أن الموت قد يسرق الأعمار، لكنه لا يسرق الأعمال. سنصنع من شهادته وقودًا لثورتنا”. حتى أطفال المدارس يرددون في طابور الصباح: “نصر الله.. نصر الله”، وكأن اسمه صار نشيدًا وطنيًا جديدًا.

اليوم، يعيد اليمنيون وأحرار الأمة تعريف الموت؛ فالقائد الذي دافع عنهم بلسانه وقلبه قبل سلاحه، صار جزءًا من هويتهم الجمعية. يقولون في وداعه: “ستبقى تُنادينا من وراء الغيب: قاوموا.. قاوموا”، وكأن روحه حاضرةٌ في كل رصاصةٍ تُطلق نحو السماء، وفي كل يدٍ ترفع علمًا مرفرفًا. فالوداع هنا ليس نهاية، بل هو لقاءٌ آخر في ساحة المعركة، حيث تلتقي الأرواحُ الشريكة في حبِّ القدس والكرامة.