الخبر وما وراء الخبر

القائد يثبّتُ واقعَ الحضور المؤثّر لجبهة اليمن في المراحل والجولات القادمة من الصراع

3

ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
21 يناير 2025مـ – 21 رجب 1446هـ

في خِطابِ انتصارِ غزة وجبهةِ المقاومة على العدوّ الصهيوني، وضع السيدُ القائدُ عبدُالملك بدر الدين الحوثي عنوانًا رئيسيًّا بارزًا لدورِ جبهة الإسناد اليمنية في مرحلةِ وقف إطلاق النار، وهو عنوانٌ يرسِّخُ حيثياتِ الارتباط الوثيق بين نشاط الجبهة اليمنية والواقع في فلسطينَ المحتلّة، بصورةٍ تحافظُ على مكتسباتِ معركة (طوفان الأقصى) بشكل عام، وانخراط اليمن فيها بشكل خاص، وتجعلُ من كُـلِّ ما تم تحقيقُه خلال 15 شهرًا، أَسَاسًا صُلبًا لمراكَمةِ المزيد من الإنجازات والتحولات التأريخية بصورةٍ تصاعديةٍ تسُدُّ أيةَ ثغرة يحاول العدوُّ استغلالَها لإعادة العجلة إلى الوراء.

“نحن في جهوزية مُستمرّة والأيدي على الزناد وعملياتنا مرتبطة بمدى تنفيذ العدوّ للاتّفاق”.. هكذا لخّص السيد القائد طبيعة دور وموقف ونشاط جبهة الإسناد اليمنية خلال مرحلة وقف إطلاق النار في غزة، واضعًا بذلك أَسَاسًا عامًّا لكل التفاصيل، سواءٌ تلك التي تم إعلانُها رسميًّا حتى الآن فيما يتعلق بالاستعداد للرد العسكري المباشر على أية خروقات “إسرائيلية” للاتّفاق، أَو تلك التي لم يتم تأكيدها رسميًّا بشأنِ مسار العمليات البحرية، وذلك الأَسَاسُ هو أن المحرِّكُ والباعث الرئيسي لنشاط عمليات جبهة الإسناد اليمنية هو سلوك العدوّ، وهو نفس الأَسَاس الذي تمحورت حوله العملياتُ اليمنيةُ المساندة منذ البداية.

ويُشكِّلُ الحفاظُ على هذا الأَسَاسِ المحوريِّ لنشاطِ جبهةِ الإسناد اليمنية في مرحلة وقف إطلاق النار تثبيتًا مهمًّا لكل الإنجازاتِ والتحوُّلاتِ التي صنعتها الجبهةُ اليمنيةُ خلال معركة (طوفان الأقصى)، بما في ذلك معادلات الاستهداف المباشِر للمناطق الحسَّاسَة في قلب كيان العدوّ واستخدام الحصار البحري كورقة ضغط، ومقاومة الضغوط الأمريكية والغربية والتغلُّب عليها، وُصُـولًا إلى تولِّي دور المراقبة لاتّفاق وقف إطلاق النار، والمقصودُ بتثبيت هذه المعادلات هو إبقاءُ مفاعيلها وأدواتها ومساراتها قائمةً ومفتوحةً وإن تم تعليقُ العمليات العسكرية مؤقَّتًا، مع إبقاء الأفق مفتوحًا أَيْـضًا لرفع مستوى الأداء سواء فيما يتعلَّقُ بتطوير الإمْكَانات أَو التكتيكات أَو توسيع نطاق النشاط.

القوات المسلحة في ذروة التطوير

ويمكن رؤيةُ أهميّة هذا الأمر بوضوحٍ من خلال النظر إليه من زاوية جبهة العدوّ التي فعلت كُـلُّ ما يمكنُها خلال 15 شهرًا لوقف نشاط جبهة الإسناد اليمنية وتقويض الأَسَاسات الأخلاقية والعملياتية لهذا النشاط وفشلت بشكل فاضح؛ ولذا فهي على الأرجَحِ كانت تعوِّلُ على أن تعملَ خلالَ فترة وقف إطلاق النار على تدارك ذلك الفشل والاستعداد بشكلٍ أفضلَ لاحتمالاتِ العودة إلى الاصطدام بجبهة الإسناد اليمنية في المستقبل، وهو ما انعكس بوضوحٍ في إعلانِ البحرية الأمريكية مؤخّرًا عن إجراءِ تحديثات واسعة لأنظمة السفن والمدمّـرات التابعة لها بما في ذلك ترقية نُظُم الحرب الإلكترونية والرادارات، وتركيب صواريخ (هيلفاير) لاعتراض الطائرات بدون طيار، وذلك بالتوازي مع تعديل التكتيكات القتالية، في محاولة لمعالجة نقاط الضعف الكبيرة التي كشفتها معركة البحر الأحمر فيما يتعلق بحدود قدرات السفن الحربية الأمريكية وأنظمتها أمام الاشتباكات طويلة الأمد وغير المسبوقة في التأريخ مع أسرابٍ من صواريخ البالستية والمسيرات اليمنية، وهي الاشتباكاتُ التي لم تجد البحريةُ الأمريكية أيَّ تكتيك ناجح أَو قدرة فعالة لمواجهتها سوى الهروب.

لكن الأمل بمعالجة نقاطِ الضعف العملياتية والتكتيكية يستندُ فقط إلى افتراض أن العمليات البحرية اليمنية كانت مرحلةً وانتهت تمامًا ولم تعد تشكِّل أي ضغط، وأن القوات المسلحة اليمنية قد وصلت إلى ذروت تطويرها لأساليب وقدرات القتال البحري ولم يعد هناك ما يمكن إضافته، وأنه ستكون هناك فرصة أفضلُ لاستهداف القدرات اليمنية بشكل استباقي في مرحلة لاحقة، وهو أمرٌ لا تستطيعُ البحريةُ الأمريكية التعويلَ عليه الآن بعد أن أبقت القيادة اليمنية نشاطَ الجبهة اليمنية بما في ذلك مسار العمليات البحرية مرهونًا بتطورات الوضع في فلسطين المحتلّة وَأَيْـضًا بالتحَرّكات العدائية ضد اليمن، مع التأكيد على مواصلة تطوير القدرات والتكتيكات.

قد ترى البحريةُ الأمريكية أن مرحلةَ وقف إطلاق النار فرصةٌ سانحةٌ لمعالجة نقاط ضعفها، لكن معركةَ البحر الأحمر قد برهنت بشكلٍ واضحٍ أن القواتِ المسلحةَ هي قادرةٌ على تطوير الأداء والاستفادة من دروس وبيانات المعركة بشكل أفضل وأسرع من البحرية الأمريكية، وبالتالي فَــإنَّ البحريةَ الأمريكية لن تستطيع حتى أن تقيِّمَ بشكل دقيق نقاط ضعفها في ظل التطوير المُستمرّ للقدرات اليمنية، فضلًا عن أن تحديث أنظمة السفن الحربية يحتاج وقتًا طويلًا، ومحاولة منع عجلة تطور القدرات اليمنية في الأثناء من خلال العدوان ستعيدُ البحرية الأمريكية مباشرة إلى قلب المعركة التي ظنت أنها استراحت منها، وهو ما يجعلها تحتَ ضغط دائم يضاف إلى ضغط تداعيات وتأثيرات الهزيمة الكبرى التي مُنِيَت بها، مثل صيانة حاملات الطائرات والسفن الحربية المنهكة؛ بسَببِ مواجهات البحر الأحمر.

مخاوف من عودة التصعيد

وبالتالي فَــإنَّ الدور الذي حدّده السيدُ القائد لجبهة الإسناد اليمنية خلال مرحلة وقف إطلاق النار، يمنَعُ جبهةُ الأعداء بوضوح من إعادة العجلة إلى الوراء، بل يجعلُها مجبَرَةً على التعامل مع التحوُّلات التي صنعتها الجبهة اليمنية كواقِعٍ ثابِتٍ لم يعد بالإمْكَان تغييرُه، وهو ما بات الخِطابُ الإعلامي لجبهة العدوّ يعكِسُه بوضوح، حَيثُ أكّـدت مجلةُ الإيكونومست البريطانية قبل أَيَّـام أنه بالرغمِ من إنفاق الولايات المتحدة قرابة 5 مليارات دولار على عملياتها البحرية في مواجهة الجبهة اليمنية، فَــإنَّ سيطرةَ صنعاء على البحر الأحمر ستستمرُّ بعد وقفِ إطلاق النار؛ لأَنَّ القدراتِ اليمنيةَ لا زالت سليمةً ولم تتأثر بالاعتداءات، وهذا أَيْـضًا ما عكسته التقاريرُ بشأن انتظار شركات الشحن “إشارة” من القوات المسلحة اليمنية للعودة إلى البحر الأحمر، وتقييم شركة “أمبري” البريطانية للأمن البحري بشأن احتمالِ عودةِ التصعيد في أية لحظة إذَا انتهك العدوُّ الصهيوني اتّفاقَ وقف إطلاق النار أَو تم شنُّ عدوان جديد على اليمن.

وينطبِقُ الأمرُ نفسُه على العدوّ الصهيوني الذي لن يستطيعَ الاستفادةَ من فترة وقف إطلاق النار؛ مِن أجلِ معالجة نقاط ضعفه في مواجهة جبهة الإسناد اليمنية؛ بسَببِ الدور الفاعل لها في هذه المرحلة؛ فالجاهزيةُ اليمنية للرد العسكري على أي خرق للاتّفاق بالتنسيق مع المقاومة الفلسطينية، مع العمل المُستمرِّ على تطوير القدرات العسكرية، وُصُـولًا إلى الاستعداد لجولاتٍ قادمةٍ من الصراع، يبقي ضغطُ الجبهة اليمنية مُستمرًّا على العدوِّ بشكل يمنعُه من إعادة العجلةِ إلى الوراء وردم الفجوة الأمنية والاستراتيجية التي شكلها حضورُ جبهة الإسناد اليمنية في الصراع.

وهذا أَيْـضًا ما عبّرت عنه بوضوح صحيفةُ “يديعوت أحرنوت” العبرية في تقرير نشرته قبل أَيَّـام، وأكّـدت فيه أنه حتى لو توقَّفت عملياتُ الإسناد اليمنية في هذه المرحلة فَــإنَّ اليمنيين “قد أثبتوا أن لديهم صواريخَ تصلُ إلى “إسرائيل” وتضربُها، وقد أثبتوا أن لديهم طائراتٍ بدون طيار تسبَّبت بالفعل في خسائرَ فادحة، ويقولون صراحة إنهم لن يوقفوا إنتاجَ الذخائر، وقد طوَّروا أَيْـضًا قدراتِهم الخَاصَّة” مضيفةً أن “أعدادًا هائلةً من المقاتلين اليمنيين ستستمرُّ في التدريب مع تطوير القدرات والأسلحة” وأنه “برغم المسافة فَــإنَّ الخطرَ من اليمن سيبقى موجودًا وقابلًا للتطور”.