جبهة الإسناد اليمنية تفرض إيقاعها على المعركة بسلسلة ضربات كبرى في عمق العدو
ذمــار نـيـوز || تقارير ||
21 ديسمبر 2024مـ 20 جماد الثاني 1446هـ
تقرير || ضرار الطيب
في خطوة تأريخية استثنائية بحجمها ونوعيتها وتوقيتها، قصفت القوات المسلحة اليمنية عمق كيان العدو الصهيوني خلال 24 ساعة بسلسلة ضربات نوعية، عجزت دفاعات العدو عن اعتراضها، وذلك بالتزامن مع اعتداء جديد شنه جيش العدو الإسرائيلي على اليمن وفشل في استكماله بسبب تلك الضربات، الأمر الذي وجه جملة رسائل صادمة وقوية للعدو بأن جبهة الإسناد اليمنية لغزة، لا تكترث للتهديدات وأن التصعيد المستمر بالاتساع في مرحلته الخامسة لن يتأثر بأية اعتداءات بل سيحد من فاعليتها وسيجعل تأثيرها عكسيا لناحية تكريس يأس العدو وعجزه ومضاعفة المخاطر التي يحاول تجنبها، وذلك في ظل استعداد يمني معلن لحرب طويلة مع مؤشراتٍ على تزايد ترسانته الصاروخية النوعية فائقة السرعة التي سببت انهيارا كبيرا ومشهودا لمصداقية جيش العدو أمام مستوطنيه.
العملية الأولى التي أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع، الخميس، أنها تأتي ضمن المرحلة الخامسة من التصعيد، ضربت “هدفينِ عسكريين نوعيين وحساسينِ للعدوِّ الإسرائيليِّ في منطقةِ يافا المحتلةِ بصاروخينِ بالستيينِ فرط صوتيينِ نوع فلسطين2” وتعتبر أول عملية تتضمن إطلاق صاروخين من نوع (فلسطين2)، وهو ما يعدُّ دلالةً مهمةً على الجهود الاستثنائية التي تبذلها القوات المسلحة اليمنية؛ لتعزيز ترسانتها من هذه الصواريخ ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى والتي فتحت مسار عمليات استثنائي ضمن جبهة الإسناد اليمنية لم يكن يتوقعه أحد من قبل، وهو مسار يشكل تهديدا كبيرا وصادما لأمن العدو الصهيوني، نظرا لصعوبة اعتراضها.
وكشف السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي أن أحد أهداف العملية كان مقر وزارة الحرب الصهيونية وأن الأمر الذي شكل مفاجأة جديدة صادمة للعدو الذي أقر من خلال عدوانه الجديد على اليمن أنه لم يعد قادرا على تحمل التصعيد اليمني المتزايد وما يتضمنه من تهديد أمني واستراتيجي كبير، غير أنه لا يجد حيلة فعالة لوقفه أو الحد منه.
وقد أعادت العملية وضع العدو أمام واقع هذا التهديد الكبير، حيث فشلت الدفاعات الجوية “الإسرائيلية” في التصدي للصاروخين، بما في ذلك منظومة “السهم” التي يتفاخر العدو بها والتي تصل قيمة الصاروخ الواحد منها إلى 3 ملايين دولار، وقد وثقت وسائل الإعلام العبرية وصول الصاروخين بسرعة كبيرة إلى أهدافهما في عمق ما يسمى بمنطقة “المركز”.
لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فالفشل في الاعتراض هذه المرة تطور إلى سقوط مدوٍ لمصداقية جيش العدو أمام مستوطنيه، فبعد أن أعلن في البداية أنه “اعترض” الصاروخ قبل وصوله إلى الأراضي المحتلة، صدم بسيل من الأدلة المرئية التي كسرت حاجز الرقابة، بشأن وصول أحد الصاروخين وتسببه بأضرار كبيرة، حيث قالت القناة العبرية الثانية عشرة إنه: “بعد وقت قصير من تفعيل الإنذارات، تم تلقي تقرير عن أضرار لحقت بمدرسة في حي رامات إيفال، بمنطقة رامات غان، وكذلك العديد من المركبات القريبة، وفور وصول القوات، تم تأكيد انهيار المبنى الرئيسي للمدرسة، وأكدت البلدية أنه نتيجة للضرر، لن يكون من الممكن استخدام المدرسة حتى إشعار آخر”.
وقبل أن يستطيع جيش العدو التفكير في أي حيلة للخداع، أكد وزير التعليم الصهيوني أن “رأسا حربيا صاروخيا أصاب المدرسة” الأمر الذي فرض على جيش العدو التخلي عن روايته السابقة والحديث عن “إجراء تحقيق”، لكن ذلك لم يمنع سيل الأدلة من التدفق، حيث نقل موقع صحيفة “يديعوت أحرنوت” عن عقيد في الجبهة الداخلية، قوله إن: “هذه حادثة على ما يبدو لسقوط صاروخ” مضيفا أن “هذا أحدث دمارا جسيما وغير عادي”، وقد نُشرت مقاطع فيديو إضافية وثقت لحظة إصابة الصاروخ للمنطقة، ووثقت الدمار الكبير الذي لحق بعدد من المباني.
وعلى ضوء انكشاف حقيقة فشل الاعتراض ووصول الصاروخ بنجاح، خرج جيش العدو ليناقض الرواية الأصلية بشكل مثير للسخرية، حيث أقر بوصول ما وصفه بالرأس الحربي للصاروخ وقال إن: ما حدث كان عملية “اعتراض جزئي” وهو مصطلح مطاطي فارغ تكرر أكثر من مرة في بيانات سابقة لجيش العدو منذ دخول صواريخ (فلسطين2) الخدمة، وهو لا يعني في الحقيقية سوى أن هذه الصواريخ تمتلك قدرة كبيرة على مناورة المنظومات الدفاعية للعدو واستنزافها مع تحقيق أصابات دقيقة، وهو تأثير أشد وقعا.
هذا أيضا ما أكده القائد السابق لنظام الدفاع الجوي في جيش العدو “زفيكا هايموفيتش” الذي قال إن: “ما حصل في قضية اعتراض الصاروخ اليمني لا يُسمى اعتراضًا جزئيًا كما صرّح المتحدث باسم الجيش؛ حيث أصاب الرأس الحربي المبنى بشكل مباشر” وفق ما نقلت وسائل إعلام عبرية.
ولم يفلح عنوان “الاعتراض الجزئي” الذي حاول به جيش العدو تخفيف وقع الفشل، في لململة واقع العجز والارتباك، حيث كشفت وسائل إعلام عبرية أن ما وصفتها بـ”شظايا صواريخ اعتراضية” سقطت في محيط مقر ما يسمى بـ”الكنيست” الصهيوني داخل القدس المحتلة، بدون تفعيل أي إنذارات، وقال موقع “آيس” العبري: إن ذلك “زاد من علامات الاستفهام المحيطة بحادثة إطلاق الصواريخ من اليمن” في إشارة إلى فشل جيش العدو في الخروج برواية متماسكة تجيب على التساؤلات.
وأضاف الموقع: إنه في الوقت الذي سقطت فيه الشظايا “كان أعضاء الكنيست في الجلسة العامة للكنيست خلال نقاش في الليل”.
وقال أيضًا: “إذا كان إعلان الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي عن اعتراض الصاروخ من اليمن خارج حدود إسرائيل صحيحا، فكيف يتماشى ذلك مع حقيقة أن قيادة الجبهة الداخلية اعترفت هذا الصباح بأنها كانت حادثة سقوط صاروخ؟! والآن يزداد الغموض عندما تم العثور على شظايا من معترض بالقرب من الكنيست في القدس”.
وتساءل الموقع: “لماذا لم يتم تشغيل الإنذار في القدس كما في باقي مدن المركز؟” مشيرا إلى أنه “لا توجد إجابات” وهو ما يعكس بوضوح انهيار مصداقية جيش العدو أمام مستوطنيه.
وبالإضافة إلى ذلك فقد قدرت صحيفة “معاريف” العبرية الأضرار التي لحقت بالمباني المدمرة في “رامات غان” بأكثر من 40 مليون شيكل، فيما أظهرت بيانات بورصة “تل أبيب” هبوطا ملحوظا في مختلف المؤشرات عقب العملية، وتوقف حركة مطار بن غوريون لأكثر من ساعة، الأمر الذي عززه السيد القائد بتحذير شركات الطيران الأجنبية من العودة إلى المطار، وهي تأثيرات تتخطى انهيار مصداقية العدو أمام المستوطنين، لتضعهم أمام التداعيات الأمنية والاقتصادية السلبية بشكل مباشر.
هجمات إضافية متتابعة: مستعدون لحرب طويلة
بالإضافة إلى التصعيد الكبير الذي مثله الهجوم الصاروخي في طبيعته وأهدافه والدمار الذي حققه، مع سقوط مصداقية جيش العدو أمام المستوطنين، فقد وجهت العملية صفعة قوية لقيادة كيان العدو التي ظلت لأيام تهدد بشن عدوان واسع على اليمن من أجل وقف عمليات الإسناد، لتكون النتيجة في النهاية هي التعرض لضربات استثنائية جديدة بالتزامن مع العدوان نفسه، وبدلا من رسم صورة “ردع” دعائية داخل اليمن، كانت صورة التصعيد اليمني على عمق الكيان والفشل في التصدي له هي التي تصدرت واجهة المشهد وظلت ثابتة.
وقد كشف السيد القائد أن الهجوم الصاروخي اليمني الذي تزامن مع العدوان على اليمن، تسبب في إرباك مقاتلات العدو ومنعها من إكمال غاراتها العدوانية، وهو ما أكد مخاوف العدو التي كشفت عنها العديد من التقارير العبرية سابقا بشأن التعقيدات المتعقلة بتنفيذ هجمات في اليمن على مسافة 2000 كيلو متر، ومنها الخشية من تعرض المقاتلات لأية إصابات سيكون من الصعب التعامل معها بدون وجود قواعد برية.
وتعززت هذه الصفعة أيضا بإعلان جيش العدو عن وصول طائرة مسيرة يمنية من اتجاه البحر المتوسط نحو “تل أبيب” بعد ساعات قليلة من الهجوم الصاروخي الكبير، حيث مثل ذلك تأكيدا إضافيا وسريعا على أن كيان العدو الصهيوني عاجز تماما عن وقف عمليات الإسناد اليمنية أو الحد من تصاعدها، وأن خياره الوحيد والذي يتحول شيئا فشيئا إلى “ضرورة” أمنية واستراتيجية هو: وقف الإبادة الجماعية في غزة.
وقد أعلنت القوات المسلحة لاحقا عن هذه العملية الثانية وكشفت أنها ضربت “هدفا عسكرياً للعدوِّ الإسرائيليِّ في منطقةِ يافا المحتلة” وحققت هدفها بنجاح.
وأكدت القوات المسلحة في بيان العملية “استعدادَها لحربٍ طويلةٍ مع العدو الصهيوني جهاداً في سبيلِ اللهِ ونصرةً وإسناداً للمجاهدينَ في غزةَ، ودفاعاً عنِ اليمنِ العزيز” في صفعة أخرى مستقلة قوية وشجاعة تتحدى كيان العدو العاجز وتدمر حتى آماله في إحياء صورة الردع الدعائية التي حطمها الهجوم الصاروخي قبل أن تكتمل أصلا.
وعززت القوات المسلحة هذا الإعلان المتحدي عمليا، بعمليتين ثالثة ورابعة كشف عنهما متحدث القوات المسلحة العميد يحيى سريع خلال المسيرة المليونية في ميدان السبعين بصنعاء، استهدفت الأولى “هدفاً عسكرياً تابعاً للعدوِّ الإسرائيليِّ في يافا المحتلةِ بطائرةٍ مسيرة” محققة إصابة ناجحة، فيما استهدفت الأخرى “أهدافاً حيويةً للعدوِّ الإسرائيليِّ في جنوبِ فلسطينَ المحتلةِ بعددٍ من الطائراتِ المسيرة بالاشتراكِ مع المقاومةِ الإسلاميةِ في العراقِ”.
وفي مقابل النجاح الكبير للقوات المسلحة في فرض إيقاعها على المواجهة التي كان العدو يحاول أن يمسك زمامها ولو دعائيا من خلال شن العدوان، فقد استحوذت نبرة اليأس بشكل سريع وواضح على خطاب العدو فيما مثل اعترافا مريرا بفقدان السيطرة على الأمور، حيث علقت صحيفة “يديعوت أحرنوت” على العملية العسكرية الثانية قائلة: إن “إطلاق طائرة مسيرة باتجاه شواطئ تل أبيب بعد ساعات من القصف الإسرائيلي مثل شهادة على صعوبة إلحاق أضرار كبيرة بالحوثيين”.
وقال المعلق العسكري في الصحيفة رون بن يشاي إن “العملية الهجومية لن تردع الحوثيين ولن تضر بقدرتهم ونواياهم في مواصلة إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار باتجاه اسرائيل والأسوأ من ذلك، أنهم سيستمرون أيضًا في إلحاق الضرر بالشحن” معتبرا أن “صعوبة استهداف الحوثيين تنبع من نقص القدرات الاستخباراتية، فإسرائيل تمتلك موارد محدودة يمكنها تخصيصها لجمع المعلومات الاستخبارية على مسافة بعيدة حيث يوجد اليمن”.
والحقيقة أن اليأس المستحوذ على رؤية العدو للجبهة اليمنية قد برز جليا قبيل العدوان الجديد في تعليقات لمحللين صهاينة، حيث نقل موقع “ميديا لاين” الأمريكي عن ناخوم شيلوه، الباحث في مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في جامعة تل أبيب، قوله إنه: “على عكس غزة ولبنان، حيث يمكن للقوات الجوية الإسرائيلية تنفيذ مئات الطلعات الجوية يوميًا، فإن هذا ليس هو الحال في اليمن، التي تبعد حوالي 2000 كيلومتر” مشيرا إلى أن قدرة كيان العدو على ضرب اليمن “محدودة” وأنه لا توجد أمام جيش العدو “أهدافا عسكرية عالية القيمة في اليمن”.
وأضاف الباحث الصهيوني: إن أعداء مثل اليمنيين “لا يرفعون الراية البيضاء للاستسلام”.
ونقل الموقع الأمريكي أيضا عن شارونا شير زابلودوفسكي، الخبيرة “الإسرائيلية” في السياسة العامة والأمن القومي قولها إن: “المسافة الجغرافية تشكل ميزة للحوثيين لأنها تسمح لهم بالاستعداد للهجوم” حسب وصفها مشيرة إلى أن “تكلفة إحباط الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار تقدر بملايين الدولارات لكل طائرة اعتراضية، وهو أمر ترغب إسرائيل في تجنبه، وبالإضافة إلى ذلك، وربما الأهم من ذلك، فقد واجهت أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية تحديًا بسبب تهديد الطائرات بدون طيار، حيث غالبًا ما تنجح هذه المركبات الصغيرة في التهرب من أنظمة الرادار المتطورة”.
وأكد الموقع الأمريكي أنه “حتى الآن، فشلت هجمات إسرائيل على الحوثيين في تحييد التهديد، مما جعلهم يشكلون إزعاجًا” مشيرا إلى أنه “في حين تشير التقارير إلى أن إسرائيل تستعد لتوجيه ضربة كبيرة للحوثيين في اليمن، فإن دوافعهم لمواصلة استهداف إسرائيل ستظل قائمة” حسب تعبيره.