الخطاب الأسبوعي الأخير للسيد القائد.. رؤية استراتيجية متكاملة للأمة
ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
7 ديسمبر 2024مـ – 6 جماد الثاني 1446هـ
تقريــر|| عبد القوي السباعي
بدأ السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي -يحفظه الله- متحدثًا، وعليه هالة من الحزن والألم؛ تعكس واقعًا معقدًا يمر به العالم الإسلامي، خاصة في ظل حرب الإبادة الجماعية لأهلنا في غزة، والصراعات الفكرية والسياسية الراهنة.
وخلال كلمته الأسبوعية، الخميس الماضي، التي جاءت بمثابة خطاب موجه للأمة جمعاء، لم يكن الخطاب مجرد تعبير عن موقفٍ سياسي أو دعوةٍ آنية، بل هو انعكاس لرؤية أيديولوجية متكاملة تناولت ثلاثة محاور أساسية: “الوعي، الهوية، والاصطفاف”.
رأى السيد القائد في مسار الوعي ومعركة الإدراك، أن الأمة الإسلامية تعيش اليوم أزمة وعي حادة، وتعاني من تخبط في تحديد العدو الحقيقي؛ والمسار الصحيح الذي يتوجب عليها اتباعه، داعيًا كل مسلم أن “يدرك من هو صديقه ومن هو عدوه الحقيقي الذي يرتكب المجازر”.
الوعي في خطاب السيد القائد يشير إلى الإدراك العميق للحقائق المحيطة بالأمة، بما يشمل القوى الإقليمية والدولية التي تؤثر على مصيرها، مؤكدًا أن التخبط في الوعي يجعل الأمة عرضة للاستغلال، حيث تُزَجُّ في معارك لا تخدم مصالحها الحقيقية، بل تصب في صالح مشاريع قوى الهيمنة والاستكبار العالمية.
الأمة التي كانت في الماضي رمزًا للقوة الحضارية؛ أصبحت الآن وفي كثير من الأحيان مجرد تابع للأنظمة العالمية، فاقدةً لاستقلالها الفكري والسياسي، وبالتالي ظهر السيد القائد يتحدث بحرقةٍ وألم، مشيرًا إلى “الوهن” الذي أصاب الأمة، وهو ليس مجرد وهن عسكري أو اقتصادي، بل وهن حضاري يمس جوهر الهوية الإسلامية.
هذا الوهن كما يراه السيد يعكس انحرافًا عن القيم الإسلامية الأصيلة التي تدعو إلى الخير، العدل، التضامن والتعاون، والعزة والكرامة الإنسانية، معبرًا عن أسفه لما يحصل من تنصل عن المسؤولية من قبل معظم الأمة الإسلامية عن دعم الشعب الفلسطيني أمام العدوان الصهيوني الهمجي.
اصطفاف مع الحق
كما أن حديثه عن الاصطفاف في صف الحق كان جوهر الخطاب، إذ دعا السيد القائد الأمة إلى تجاوز الصمت والحياد والوقوف مع الباطل، والاصطفاف بوضوح مع قضايا شعوب الأمة العادلة والمحقة، مشددًا بأن السنة الإلهية ماضية بعملية الاستبدال، منوهًا أن “هناك مواقف داعمة لفلسطين من قبل دول في أمريكا اللاتينية أكثر بكثير من مواقف معظم الدول العربية”.
دعم الشعب الفلسطيني بكل الأشكال كما يراها السيد القائد هو وقوف حق، والحق هنا لا يُفهم فقط بمعناه الديني، بل يمتد إلى القضايا السياسية والإنسانية الكبرى، فالقضية الفلسطينية، ومقاومة الهيمنة الغربية الأمريكية، ورفض التبعية للأنظمة التي تتناقض مع قيم الأمة الإسلامية وهويتها، واحدة في إطار هذا الحق.
كما أن الوعي والبصيرة، والموقف الصحيح، ودعم القضية الجامعة، ونبذ كل الخلافات، التي رأى فيها السيد القائد؛ هي من ستحد من جبهة العدو الإسرائيلي والأمريكي، مؤكدًا أن اصطفاف الأمة يتطلب وعيًا جمعيًا، وإرادة سياسية، واستقلالية في القرار، وهي عناصر تفتقر إليها الكثير من الدول الإسلامية اليوم، لكنها ليست مستحيلة.
خطاب السيد القائد عبد الملك الحوثي حمل دعوة للأمة الإسلامية لإعادة النظر في واقعها، وتحليل العوامل التي جعلتها في هكذا حالة من التخبط والوهن، وهي دعوة للعودة إلى المبادئ الأساسية للإسلام كدين ودولة وكمنهج وسلوك، بعيدًا عن التبعية والانقياد للقوى الخارجية.
ولعل طرح السيد لفكرة التمسك بالموجهات الإلهية والقرآن الكريم كحلٍ للخروج من الواقع المزري الذي تعيشه الأمة الإسلامية، يعكس رؤية أيديولوجية تعتبر أن الأزمة الحقيقية للأمة ليست فقط سياسية أو اقتصادية، بل هي أزمة روحية وفكرية ترتبط بابتعادها عن المنهج الإلهي.
العودة إلى الموجهات الإلهية، على اعتبار أن القرآن الكريم ليس فقط كتابًا دينيًا يُعنى بالعبادات، بل هو أيضًا منهاج للحياة يتناول كل القضايا، وبالتالي كان السيد القائد أكثر حرصًا على عدم الخوض فيما هو حاصل في سوريا مثلاً، على اعتبار أن ذلك قد يفهم على نحو يضعف من دعوته للأمة إلى التوحد والاعتصام بحبل الله المتين.
وفقًا للسيد القائد، فإن الانحراف عن هذه الموجهات يُعد السبب الجذري للانحطاط الحضاري للأمة، حيث أصبحت تتبع أهواء بشرية وأنظمة فكرية غربية بدلًا من الالتزام بالهدى الإلهي، والتعاليم الربانية التي حددت من هو العدو الحقيقي للأمة؟
إن ثبات الأمة على المبادئ، والموجهات الإلهية توفر ثباتًا أخلاقيًا وقيميًا لا يتغير بتغير الظروف أو الأوضاع السياسية، بل يزيد من توحيدها الفكري، وهذا محور خطاب السيد للأمة بالعودة إلى القرآن وتوحدها واجتماعها حول هذه المرجعية الواحدة والجامعة، وهو ما سيكبح كل خطط الأعداء المتجهة لإثارة التفرقة المذهبية والسياسية داخل الأمة.
أعداء الأمة من المنظور القرآني
ولمعرفة العدو وفقًا لمبدأ الولاء والبراء، حدد القرآن الكريم بشكلٍ واضح وجلي من هم الأعداء التاريخيين للأمة، مؤكدًا على ضرورة اتخاذ موقف واضح تجاههم، وهو ما ينسجم مع رؤية السيد القائد للصراع مع القوى الصهيونية العالمية.
ويبين السيد القائد بأن العودة إلى النصوص القرآنية كافية لحل الأزمات المعاصرة التي تواجه الأمة، ومنها أزمة من يعتقد بالحاجة إلى تأويل وتجديد لهذه النصوص بما يتماشى مع واقع القرن الـ21، من خلال الفتاوى الدينية، التي تتخذ من التضليل المستمر والتدجين والتهجين ميدانًا لفصل الأمة عن المنهج الحق.
واستند السيد القائد إلى النصوص القرآنية المتعددة التي تحدد بعض الجماعات والأمم كأعداء تاريخيين للأمة الإسلامية، مثل: اليهود الذين هم أكثر الناس عداوةً للذين آمنوا، في سياق ظلمهم أنفسهم، وقتلهم لأنبيائهم وفسادهم في الأرض.
كما أشار إلى أن المنافقين في أوساط الأمة ممن يوالون أعداء الأمة ويعملون وفق مخططاتهم، هم بدورهم يشكلون خطرًا داخليًا على وحدة الأمة، وسلامة توجهاتها، ومؤكدًا أن الطغاة والظالمين من حكام الأمة الذين يسعون للسيطرة على الشعوب المستضعفة، ويمنعونهم حتى من إبداء تضامنهم مع اخوانهم المسلمين.
ويسعى السيد القائد إلى ترسيخ أهمية تحديد العدو، وأهمية التبيين والوضوح في مراحل الصراع، كون الأمة بحاجة إلى هذا الوضوح في تحديد العدو الحقيقي عن بصيرة، سواء كان عدوًا خارجيًا أو داخليًا، فتحديد العدو يساعد في بناء استراتيجية شاملة لمقاومته، سياسيًا، اقتصاديًا، وعسكريًا.
ويؤكد أن لا مجال لثنائية العدو والصديق، في عالمٍ معقد، تتداخل فيه المصالح والمنافع المتشابكة، إذ لا يمكن للأمة أن تعتمد على رؤية تقوم على ثنائية “العدو والصديق”، في وقتٍ يمعن العدو في قتل الآلاف من أبناء جلدتنا، ويدمر ويشرد أهل ملتنا، ويأتي من قد يسميه عدوًا لكنه، في الواقع يتعامل معه من تحت الطاولة كصديق.
ويمكن القول، إن رؤية السيد القائد تعتمد على العودة إلى الموجهات الإلهية والقرآن كحلٍ أمثل للأزمات الراهنة، وهو طرح يستند إلى فهم عميق للعلاقة بين الدين والواقع، وتطبيق هذه الرؤية بتحدياتها الفكرية والسياسية، ولا تتطلب تجديدًا في الفهم والتطبيق، ولكن بالعودة الصارمة إلى النصوص القرآنية، بما يوازن بينها وتراثنا الحضاري من جهة، والواقع المعاصر من جهةٍ أخرى.