طريق القدس.. فتاوى السلام مع عدو السلام
ذمــار نـيـوز || مـقـالات ||
27 نوفمبر 2024مـ – 25 جماد الأول 1446هـ
بقلم السفير// عـبدالله علي صبري
حتى مع القضية الفلسطينية العادلة والتي كانت محل إجماع عربي وإسلامي، فإن الموقف الديني يتم تدبيجه تبعا للموقف السياسي، وهكذا هي العادة مع مشايخ البلاط وفقهاء السلطة في مختلف العصور.
ولأن الموقف السياسي في مصر قد تغير لصالح التطبيع مع الكيان الصهيوني بعيد إعلان اتفاقية كامب ديفيد 1979م، فقد صدر عن شيخ الأزهر آنذاك الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، فتوى تجيز الصلح والسلام مع الكيان الصهيوني، من منطلق أنه يجوز القبول بالظلم دفعا لظلم أكبر. وبعض النظر عن شرعية هذه الفتوى فلا شك عندي أن الفتوى هنا كانت في إطار خدمة الحاكم وبهدف شرعنة سياسته، بدليل أن الشيخ جاد الحق عاد وتراجع عن هذه الفتوى فيما بعد.
قريبا من هذه الفتوى وفي ظروف مشابهة، صدر عن الشيخ السعودي بن باز فتوى تجيز الصلح مع اليهود، في إطار التعليق على اتفاق أوسلو 1993، الذي وقعته منظمة التحرير الفلسطينية مع الكيان الصهيوني، ولا شك أيضا أن مثل هذه الفتوى جاءت بهدف إرضاء ولي الأمر في السعودية، الذي كان من المؤيدين لما يسمى بالسلام بين فلسطين وإسرائيل. وتوسع ابن باز إلى القول بأنه إذا اقتضت الهدنة ضرورة الدخول مع العدو في تبادل تجاري أو تبادل للتمثيل دبلوماسي، فلا بأس.
وعلى العكس من هذا الموقف المهادن، وجدنا لمثل هؤلاء العلماء مواقف متطرفة ليس حيال عدو خارجي، بل تجاه جماعة من المسلمين، فقد صدرت عشرات الفتاوى والبيانات تحرض على الجهاد والقتال في سوريا، وتدعو إلى القتال في اليمن ضد من يسمونهم بالحوثيين واعتباره واجبا شرعيا، بل إن أحدهم قال بأن لا مانع من قتل 24 مليون نسمة في اليمن من أجل مصلحة مليون شخص.
ومن أتكلم عنهم هنا ليسوا من جماعات داعش والقاعدة، وإذاً لهان الأمر.
من ميزات طوفان الأقصى والعدوان الصهيوني البربري على غزة أنه قد كشف حالة التبعية المذلة والتزاوج الباطل بين الأمراء والعلماء في مجتمعاتنا، فقد كان صوت مشايخ وعلماء الدين مغيبا وظل غائبا، إلا من أصوات محدودة جدا قياسا بالقطيع الكبير ممن يطلق عليهم رجال الدين في أمتنا العربية والإسلامية، وزد على ذلك أن هناك من خرج عن السياق، وأصدر فتاوى على الضد من الجهاد والمقاومة، حيث تداولت وسائل الإعلام في نوفمبر من العام الماضي فتوى للدكتور سلمان الداية – وهو من علماء غزة- يدين فيها هجوم حركة المقاومة الإسلامية حماس على الكيان الصهيوني في 7 أكتوبر.
وزعم الداية أن حماس انتهكت المبادئ الإسلامية التي تحكم ” الجهاد “، وقال: “إذا لم تتوفر أركان الجهاد أو أسبابه أو شروطه فلابد من تجنبه حتى لا نُهلك أرواح الناس، وهذا أمر يسهل على الساسة في بلادنا تخمينه، لذا كان لابد من تجنب الهجوم “.
أما الذين كانت لهم مواقف طائفية تجاه جبهات إسناد غزة وفلسطين، فحدث ولا حرج.
غير أن هذا لا يعني أن المشهد سوداوي تماما، فالعلماء في دول محور الجهاد والمقاومة كان لهم مواقف واضحة تجاه الجهاد الشرعي في فلسطين، وهي مواقف اتسقت حتى مع الضمير الإنساني العالمي، الذي رفع الصوت عاليا احتجاجا على جرائم الإبادة بحق الشعب الفلسطيني، وخرج الملايين منهم في تظاهرات شعبية شهدتها عواصم وجامعات الدول الغربية، فيما لزم الشارع العربي والإسلامي الصمت اتساقا مع مواقف علماء وفقهاء ومشايخ السلطة للأسف الشديد.