الخبر وما وراء الخبر

الحرب الكونية على الـيَـمَـن.. الأسباب والتداعيات

187
بقلم / علي القحوم


في البداية لَا بُــدَّ لنا أن نتدرَّجَ عن بدايات المؤامرة وكيف وصل الحالُ في الـيَـمَـن إِلَى ما هو عليه اليوم، ولذلك علينا العودة إِلَى مفترق الطرق؛ لنسرد الوقائع والمعطيات التي أدت إِلَى جعل الـيَـمَـن ساحةً للصراعات والتجاذبات الإقليمية والدولية.. ويدفع الشعب الـيَـمَـني فاتورةً باهظةً جراء هذه المؤامرات التي نُسجت في أروقة الفنادق والتجمعات الدولية.. لا سيما وهناك لاعبون أَسَــاسيون في هذه المؤامرة لَا بُــدَّ من ذكرهم بشكل متسلسل مع تسلسل الأحداث والمراحل من أَجل أن نصل إِلَى نتيجة يغفلها الكثير من المتابعين للشأن الـيَـمَـني الذي يقتصر البعضُ منهم عن ذكر الشيء البسيط ليبنيَ في تحليله عن مجريات الأحداث في الـيَـمَـن.. لتشخيص المؤامرة التي أدت إِلَى تكالب وتحالف دولي منقطع النظير ضد الشعب الـيَـمَـني وتُشن حربٌ ظالمة وغاشمة وغير مبررة على الـيَـمَـن أكلت الأخضر واليابس ودمرت كُلّ شيء..
هناك مرحلة سابقة مرت بها الـيَـمَـن وهي أَسَــاسية كانت من نتائجها هذا العُــدْوَان، هذه المرحلة هي صعود إخوان الـيَـمَـن إِلَى سدّة الحكم واستغلالهم للثورة الشعبية التي انطلقت شراراتها في 2011م لا سيما بعد صعود إخوان مصر إِلَى الحكم.. وكان التنسيق بينهم كبيراً في زيارات متبادلة واتفاقات سرية وعمل حثيث لتحقيق مشروع الإخوان في الـيَـمَـن ومصر.. وكان هذا المشروع تتبناه تركيا وقطر، فيما السعودية والإمارات يعملون عكسَ التيار، وكانت المخاوف من الإخوان واضحة.. ولهذا عملوا على أن يكون هناك دور خليجي في الـيَـمَـن عبر المبادرة الخليجية من أَجل إبقاء الـيَـمَـنِ كما كان الحديقة الخلفية للمملكة والسيطرة على القرار السياسي..
وفي ظل هذا كله عمل إخوان الـيَـمَـن على السيطرة على السلطة والتحرك إِلَى أخونة الدولة وتم إقصاء الجميع.. وهذا كان بشكل تدريجي وتحركوا أَيْـضاً في مشاريع ترتبط بالإقليم في التآمر على سوريا.. فكان التنسيق بين تركيا وقطر وإخوان الـيَـمَـن للعمل على فتح معسكرات الدولة واستيعاب المقاتلين وتجنيدهم ومن ثم إرسالهم إِلَى تركيا وبعدها يتم التسهيلُ لهم الدخول عبر الحدود السورية.. كما أنه في الشق الآخر ومن أَجل أن لا تثار المملكة السعودية عمل إخوان الـيَـمَـن وجناحهم العسكري على اتجاهين الأول: التضليل على المملكة وابتزازها وتخويفها عبر تقارير كاذبة من أنصار الله؛ لضمان كسب الرضا السعودي وجني الأموال.. وكانوا يوهموهم بأنهم السد المنيع ضدّ ما كان يطلقون عليه الحرب ضد الروافض والمد الإيراني وكانوا يتقاضون من المملكة ملايين الريالات وأشعلوا حربَ دماج وكتاف وحوث وعمران وإب وغيرها..
فيما الاتجاه الآخر: كان هناك تحركات سرية من قبل الإخوان لإعداد أعمال عدائية ضد المملكة يديرها المجرم علي محسن الأحمر والشيخ حميد الأحمر، وكان له تصريحات نارية ضد المملكة آنذاك في الوقت الذي كان هناك توجُّهٌ سعودي إماراتي لضرب مشروع الإخوان في مصر بعد التماس الخطر منهم وتحرك خطير في الإمارات والسعودية.. ولو صمد الإخوان في مصرَ لفترة طويلة لشهدنا تلك الأعمال العدائية من إخوان الـيَـمَـن ضد السعودية والإمارات..
أَيْـضاً سبب آخر لعدم ظهور هذه الأعمال على الأرض فشلهم في إدارة الحروب والمشاكل في الداخل وفشلهم في إدارة الدولة حيث أوصلوها إِلَى الإفلاس؛ بسبب نفقاتهم الكبيرة من خزينة الدولة على حروبهم العبثية لضرب الخصوم في الساحة الـيَـمَـنية.. في الوقت نفسه الإخوان اتفقوا مع هادي على إبقائه رئيساً مقابل انخراطه معهم في هذه المؤامرة.. وكان يصدر لهم قرارات تعيينات في المؤسسة العسكرية والمدنية ومحافظين وتجنيد الآلاف والصمت على ما يعملونه وتضليل المجتمع الدولي والمملكة في تطمينهم وإشعارهم بأن الأمور تسير على ما يرام.. فعندما التمس هادي سقوطَ الإخوان وضعفهم تركهم وأغلق الباب عليهم.. هنا الشعب الـيَـمَـني لم يقف متفرجاً على ما يحصل، حيث تحرك في ثورة التصحيح الشعبية في 2014م ضد الفساد والمفسدين وأسقطهم وأسقط معهم كُلّ تلك المشاريع والمؤامرات.. فالثورة الشعبية في الـيَـمَـن ليست امتداداً لأحد، هي ثورة شعبية مطالبها محقة وعادلة، وأراد الشعب الـيَـمَـني من خلالها رسم مستقبل يمن جديد حر ومستقل وذات سيادة ورفض الوصاية والهيمنة الخارجية.
وهنا وبعد التخبط الكبير لإخوان الـيَـمَـن تحركوا صوب إيران وأرسلوا حسين الأحمر في زيارة سرية إِلَى إيران، وكان رسولاً رسمياً للإخوان واستلم مبالغ مالية واتفق معهم على برامج عمل في الـيَـمَـن بعد أن قطعت المملكةُ تلك المخصصات بعد إسقاطها نظام الإخوان في مصر.. في تلك المرحلة إيران كانت تعمل وبشكل كبير من أَجل أن توحيَ للأَمريكان والسعوديين أنها موجودةٌ في الـيَـمَـن.. وأموالها لم تتدفق على طرف لوحده بل لعدة أطراف في الـيَـمَـن، وكان الكثير يعقد صفقات معها ويستلم أموالاً منهم: علي سالم البيض وعلي محسن الأحمر وهادي وقيادات أحزاب جنوبية وشمالية، ولا يستطيع أحد نكران ذلك.. كما أن هادي عقد مع الإيرانيين صفقة أدارها رئيسُ جهاز الأمن القومي الأحمدي في الإفراج عن معتقلين.. وأيضاً كان يطلب من الإيرانيين بأن يكون لهم دور في الـيَـمَـن، وهو من جعل الوفد الحكومي يذهب إِلَى إيران يطلب بترول وغيره.. فيما كان يقدم تقاريرَ للسفير الأَمريكي والسعودي بان عليه ضغوطاً من قوى الثورة للاتجاه صوب إيران.. فهادي كان يلعبُ لعبة قذرة وعندما كشفت هذه اللعبة وحصلت قيادة الثورة على وثائقَ تثبت هذه الحقائق دعت الشعبَ الـيَـمَـني للخروج في الساحات لرفض مشاريع التقسيم والتجزئة والبيع والشراء للـيَـمَـن والتآمر على الثورة الشعبية.. حينها قدّم هادي استقالتَه وتبعته الحكومة وتركوا فراغاً في السلطة، وكانت الأمم المتحدة في الإخراج الأخير للتوافق السياسي الـيَـمَـني لسد الفراغ السياسي..
في الضفة الأخرى كان هناك تحرُّكاتٌ للقاعدة وداعش لاستهداف أبناء الشعب الـيَـمَـني في المساجد بالتفجيرات والمفخّخات.. وكان الوضع يتعقد أكثر فأكثر وخرج من صنعاء سفارات أجنبية وخليجية وهادي هرب إِلَى عدن وبدأت المؤامرة تحاك ضد الـيَـمَـن وأعلن هادي في خطابه من عدن بأنه سيرفع العلَم في مران وهذا كان بمثابة إعلان الحرب.. حينها تحرك الجيش واللجان الشعبية ضد القاعدة وداعش في البيضاء ومأرب وعدن ولحج وشبوة وأبين وحقّق انتصارات كبيرة واستطاع أن يطهّر تلك المناطق من رجسهم بعد أن عملوا وبشكل علَني في تلك المناطق من رفع أعلامهم السوداء وذبحوا عدداً من الجنود الـيَـمَـنيين والمواطنين.. وأُريد للجنوب أن يكون ساحة ومنطلقاً وبيئة خصبة للمشروع القاعدي الداعشي.. لكن بفضل الله وفضل تكاتف أبناء الشعب الـيَـمَـني تم طرد تلك العناصر الإجرامية من تلك المناطق وباتت آمنة.. حينها هرب هادي إِلَى الرياض وأعلنت الحرب من واشنطن وقُصفت صنعاء وباقي المحافظات الـيَـمَـنية.. ودمروا المدارس والجامعات والمؤسسات العسكرية والمدنية والطرق وكل ما له علاقة بحياة الشعب الـيَـمَـني، وقصفوا بكل ما لديهم من قوة.. واستأجروا الجيوشَ والمرتزقة وشركات القتل والإجرام من بلاك ووتر وغيرها والقاعدة وداعش في أن يحققوا أي شيء.. لكن بفضل الله خابت آمالهم وصمد الشعب الـيَـمَـني جنباً إِلَى جنب مع الجيش واللجان الشعبية وسطّرت الملاحم البطولية والاستبسال والتضحية من أَجل هذا الوطن الغالي..
فلا مقارنة بين التقنيات العسكرية المستخدمة من قبل العُــدْوَان الأَمريكي السعودي وبين ما يمتلكُه الجيش الـيَـمَـني، فالفارق كبير من حيث التقنيات والطائرات والأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع وغيرها.. وفوق هذا فرضوا حصاراً بحرياً وحظراً جوياً، فما تركوا خياراً إلا واستخدموه في هذه الحرب، هنا تجلى دور قيادة الثورة الشعبية وحكمتها في مواكبة الأحداث وإصدار التوجيهات والتعليمات في مواجهةِ هذا العُــدْوَان، فسماحة السيد / عبدالملك بدرالدين الحوثي حفظه الله منذ الخطاب الأول له في بداية العُــدْوَان وبقية الخطابات وهو يوضح ويؤكد ويشرح ويحذر لكن دون جدوى.. لم يكن العُــدْوَان يُصغي لما يقوله القائد وبأن عُــدْوَانهم خاسر ولن يجنوا من ورائه إلا الخيبة والخسران..
وهذا فعلاً ما حصل خلال عام من العُــدْوَان، أرادوها حرباً خاطفة وسريعة لكسر إرادة الشعب وثنيه عن المُضي صوب التحرر والاستقلال.. وجهلوا تأريخَ هذا الشعب وحاضره، وتجاهلوا واستهانوا بقدرات الجيش الـيَـمَـني واللجان الشعبية، وظنوا بأنهم يستطيعون أن يحققوا أهدافهم وبشكل سريع.. حيث تمكنت قيادة الثورة الشعبية من إدارة الملفاتِ بحنكة وحكمة منقطعة النظير، وأبرزت الأحداثُ عظمةَ هذه القيادة على أعلى المستويات العسكرية والسياسية وإدارة شؤون البلاد في ظل عُــدْوَان وتكالب عالمي كبير..
فكان للقيادة دور بارز في صمود الشعب الـيَـمَـني ومواجهة العُــدْوَان، فالتوجيهات والخطابات كانت بمثابة محرك لدينمو الصمود والثبات من رؤية للمواجهة والتحرك للدفاع عن الـيَـمَـن أرضاً وإنْسَـاناً..
لقد أثبت أبناء الشعب الـيَـمَـني طيلة عام من العُــدْوَان أنهم مهدُ العروبة وأصلها، وهم هم من يحملون همومها ويرفعون رايتها، وتصدَّر الشعب الـيَـمَـني الريادة والقيادة من خلال المحافظة على العروبة والوقوف ضد المشروع الأَمريكي الصهيوني في المنطقة.. والتصدي لقوى الغزو والاحتلال بإرادة لم ولن تنكسر، فكان الصمود أسطورياً أذهل العالم أمام أعتى الحروب التي لم يحصل مثلها في التأريخ، فـــ 100 ألف غارة جوية كانت كفيلة بمسح الـيَـمَـن من الخارطة.
وباستخدام القوة المفرطة أرادوا من الـيَـمَـنيين أن يستسلموا ويرفعوا الراية البيضاء، فاستشهد وجرح 26 ألف مواطن يمني.. وفوق هذا فالـيَـمَـن صمدت وتحدت وقارعت وواجهت بكبرياء وبالإمكانات المتواضعة دون كلل أَوْ ملل ودفعت فاتورة كبيرة وبرزت بأنها حرة ومستقلة في القرار وفي المصير.. وبهذا ستبقى في الخارطة كما هي بل أفضل من قبلُ، وعليهم أن يدركوا أن الـيَـمَـن ليست امتداداً لأي مشروع.. ولن تقبل أن تكونَ كذلك فهي صاحبة المشروع والقرار بعيداً عن المزايدات، فعام من العُــدْوَان كشف هذه الحقيقة التي ظل الكثيرون يضللون عليها ويلوثونها بالأكاذيب والتقارير المغلوطة، عاشت الـيَـمَـن حرة مستقلة.
وبعد عام من العُــدْوَان وصل السعوديون والأَمريكان إِلَى قناعة بان المبرّرات قد استنفدت وكُشف الغطاء وباتوا على يقين أن إيران غير موجودة في الـيَـمَـن، فُتح بعد ذلك بابٌ للتفاهمات المباشرة مع أنصار الله وحصل تهدئة ووقف إطلاق نار وتشكيل لجان ميدانية تتابع وقف إطلاق النار.. فالتفاوُضُ مع المملكة السعودية يعتبر مكسباً سياسياً للشعب الـيَـمَـني، وهي الخطوةُ الصحيحةُ لقطع الطريق على تجار الحروب ومصاصي الدماء من رغبتهم في استمرار الحرب على الـيَـمَـن.
لا السعودية ولا إيران ولأَمريكا ولا روسيا ولا غيرهم كلهم الجميع اخطأوا في حساباتهم وتقديراتهم مع الـيَـمَـن ولذلك السعودية والأَمريكان قاموا بإبراز عضلاتهم على الـيَـمَـن وشنوا حرباً مدمرة إمعاناً منهم في إرعاب الآخرين، وهذا فعلاً ما حصل.. حيث تابعنا أن الكثير لم يستطع أن يعمل شيئاً اكتفى بالتصريحات الإعلامية فقط أما مواقف لم نجد أي موقف صادق إلا موقفاً واحداً لسماحة السيد الشجاع حسن نصر الله حفظه الله ولحزب الله، ولذلك اليوم يدفع فاتورة وقوفه مع الشعب الـيَـمَـني، أما الآخرون فكتفوا بالاهتمام بشؤونهم الداخلية وكأن شيئاً لا يعنيهم.. فإيران اكتفت بالانكفاء الداخلي والاتفاقات مع الغرب حول برنامجها النووي وخفضت الصوت.. والروس عندما لمسوا الجديةَ في التدخل العسكري الأَمريكي السعودي في سوريا انسحبت واكتفت بالمرادفة البسيطة وهذا كله بسبب الانعكاسات للحرب الدائرة على الـيَـمَـن.. فتراجع روسيا وإيران فتح المجال أمام السعودية وأَمريكا وحلفائهم كلاعبين أَسَــاسيين في المنطقة.. حيث كان يظن البعض بأنها شاخت وتراجع دورها المحوري في المنطقة، فسكوت إيران وانكفاؤها إِلَى الداخل جعل من المملكة السعودية لاعباً قوياً في الإقليم.. وخسرت إيران دورها المحوري في المنطقة، واتضح تراجعها في مواقفها تجاه سوريا والعراق وفلسطين ولبنان.. وباتت إيران محاصَرةً ومكبّلة؛ بسبب سلوك سياسة الانكفاء والنأي بالنفس في الوقت الذي يتحرك الآخرون للهيمنة على المنطقة.. وفي اعتقادي أنه لن يسلم من مردودات النيران المشتعلة في الـيَـمَـن أي أحد.. وأن هذه النيران ستلاحقهم إِلَى الداخل حتى وإن سكتوا ورفعوا أياديهم وادخلوها إِلَى جيبوهم، فلا يعني ذلك أنهم قد احترزوا واستطاعوا أن يسلموا من هذه النار..
وهنا نقولُ للأَمريكان وللمملكة السعودية وإيران: كفى متاجرةً بدماء الشعب الـيَـمَـني، أقفوا هذه الحرب العبثية، فلا يوجد في الـيَـمَـن إلا أهلها، وهم من يدفعون الثمن.. وهم من ينشدون الحياة الكريمة والدولة العادلة التي تكفل الحقوق والحريات، فلن تكون الـيَـمَـن يوماً ما تابعة لأحد ولن ترضى بالتبعية والوصاية الخارجية مهما كان.