هزيمة “إسرائيل”.. كابوس مخيف يلاحق الصhاينة
ذمــار نـيـوز || تقاريــر ||
26 أغسطس 2024مـ – 22 صفر 1446هـ
تقريــر|| إبراهيم العنسي
يعيش سكان المغتصبات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة شيئاً من الجحيم هذه الأيام.
في الشارع الإسرائيلي يظهر الأثر الجلي لما حل بهم ما بعد “طوفان الأقصى” ومخاوفهم من الرد اليمني وبقية محور المقاومة، حيث يمثل الانتظار مزيدًا من الأثر العميق في نفسية وعقلية المستوطنين.
وبحسب الإعلام الإسرائيلي فإن المستوطنين، وسكان مدن الكيان باتوا يعيشون على المسكنات والأدوية، حيث حالة القلق والاضطرابات النفسية وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، فهم يزدحمون على المولات لتخزين الغذاء، و لا ينامون إلا خلف أبواب غرف موصدة، تحرسهم سكاكين مطابخهم، وألواح خشبية جلبت لتكون حائط صد ثانٍ ما وراء الأبواب ، فيما تفعل المسكنات فعلها كي تغفو أعين شعب شتات جبان.
بعد اغتيال المجاهد إسماعيل هنية في إيران، واغتيال القائد فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، وضرب ميناء الحديدة في اليمن، كانت توقعات كيان العدو أن يأتي الرد سريعاً، لذا كان الاستنفار الإسرائيلي ، وما يزال على مستويات عسكرية وأمنية واقتصادية، لذا شكل وعيد محور المقاومة من اليمن إلى حزب الله إلى ايران، وضعاً جديدًا في الداخل الإسرائيلي، يزيد من أزمة الكيان المنشق على نفسه ما قبل طوفان الأقصى وحرب غزة، فآخر ما أعلنته ايران بينما إسرائيل تنتظر الرد، مفاده أن عليكم ألا تتوقعون الرد في الغد، فانتظار رد إيران على إسرائيل قد يكون طويلاً.
وتكررت تهديدات اليمن، ما بعد قصف إسرائيل لميناء الحديدة، فجاءت التصريحات متلاحقة ، بدءاً بتصريح الناطق الرسمي للقوات المسلحة العميد سريع أن “يافا” لم تعد آمنة”، وتصريح السيد القائد بحتمية أن الرد “آت آت”، ووعيد المجلس السياسي، بعمليات “تقض مضاجع إسرائيل”، وتهديدات المكتب السياسي لأنصار الله، أن الرد اليمني سيكون موجعًا ومزلزلاً، حيث يدرك الشارع الإسرائيلي المحتل طيلة الأشهر العشرة من حرب غزة، أن محور المقاومة من ايران إلى اليمن، يعد مع طول الانتظار لرد متعدد الأبعاد، وقد ابتدأ بالعقاب النفسي لسكان إسرائيل قاطبة.
ما بعد اغتيال القائدين هنية وشكر، تضاعف التأثير على الشارع الإسرائيلي إلى حدود أن سكان المناطق الفلسطينية المحتلة من الصهاينة باتوا يعيشون حالة من الهستيرية والقلق المفرط والمضاعف.
مع هذا الاستنفار كان الانعكاس الكبير على الشارع الإسرائيلي واضحاً، حيث أضحى سكان الكيان الغاصب في حالة غير مسبوقة بتاريخهم الاحتلالي، وأصبحت حالة القلق والخوف جزءاً من حياة هذا المجتمع المتشظي بتركيبته المتباينة عرقياً وأيديولوجياً واجتماعياً وفكرياً.
شلل في الحياة اليومية
واليوم يشهد الاقتصاد الإسرائيلي حالةً من الشلل التام، حيث تم إغلاق آلاف المصانع، وإخلاء مواقف السيارات، ونقل الكثير من المستوطنين إلى مناطق مثل بئر السبع وصحراء النقب، فامتلأت معظم الفنادق، وتم تعطيل المؤسسات التعليمية، ومنعت الاحتفالات في الساحات العامة، وهذه كلها عكست شللاً في الحياة اليومية، وتمخضت عن ضغوط اقتصادية كبيرة على إسرائيل وأمريكا، رافقها عجز سياسي إسرائيلي أمريكي في لجم قرارات نتنياهو المتعلقة بالاستفراد بإدارة الحرب.
ومع هذا الوضع الذي يؤكد أكذوبة الأمن والردع الإسرائيلي، بات خليط موروث الثقافة الانهزامي وواقع التجربة والسخرية من أكذوبة الصهيونية عن الدولة المثالية والديمقراطية لليهود، بات كل هذا مع تدهور الحياة على مستوياتها الأمنية، يمثل مؤشرات لانهيار الكيان من الداخل، حيث تتعمق الحقيقة بالزوال الإسرائيلي، في خطابات السياسة والارث الثقافي الإسرائيلي، ويزيدها حقيقة تلاشى عناصر الأمن الإسرائيلي الثلاث؛ الردع والانذار والحسم.
الخطاب السياسي والنبوءة
الهوس بفكرة بقاء كيان العدو بات متملكاً ساسة إسرائيل، منذ سنوات، خاصة مع اقتراب العقد الثامن على انشاء الكيان الغاصب، وهذا ما يظهر في تصريحاتهم من وقت لآخر، فقد بات تداول موضوع نبوءة زوال الكيان اليهودي الثالث مع العقد الثامن، واسعاً وبكثرة في الأوساط السياسية والدينية والثقافية الإسرائيلية، حيث هذا جزء من الثقافة اليهودية التي تؤكد سردياتها اقتراب زوال إسرائيل.
وقد عبَّر العديد من ساسة الكيان عن قلق بالغ هو في الأصل يعيش معهم وفيهم، حول المستقبل مع قرب دخول العقد الثامن، وإن كانوا يحاولون توظيف هذا الخوف، على صوابيته لصالح حضورهم السياسي..لقد كان مجرم الحرب بنيامين نتنياهو أول من تحدث بهذا، واستحضره من بين رؤساء وزراء إسرائيل، حيث يربط بقاء إسرائيل ببقائه، مدعياً أن استمراره رئيساً للوزراء هو الضمان الوحيد لبقاء إسرائيل بعد “عقدها الثامن”، وما يزيد على قرن، على خلاف الحال مع ممالك إسرائيل التاريخية السابقة.
وبالمثل فعل نفتالي بينيت، رئيس وزراء كيان العدو السابق، في حملته الانتخابية العام 2020، والتي ردد فيها كلاماً مشابهاً، حث الناخبين اليهود على الوقوف خلف الائتلاف الذي يقوده، من أجل التغلب على ما سماها “لعنة العقد الثامن”.
وفي عام 2022، ثم مع بداية حرب غزة، أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك عن المخاوف نفسها من قرب زوال إسرائيل قبل حلول الذكرى الـ80 لقيامها، مستشهداً “بالتاريخ اليهودي الذي يقضي بأنه لم تقم لليهود دولة أكثر من 80 عاماً إلا في فترتين استثنائيتين بدأتا بالتفكك خلال عقدهما الثامن”.
ويشير وزير الحرب الإسرائيلي إلى مستقبل فلسطين مقابل زوال كيان الاحتلال، فيصرح بيني غانتس، أن هناك مخاوف من سيطرة الفلسطينيين على إسرائيل في المستقبل، وتوقع أن يتقلص الكيان الإسرائيلي بين مستوطنتي غديرا والخضيرة.
وكحالة خوف من زوال إسرائيل القادم يوجز يوفال ديسكين، الرئيس السابق لجهاز الشاباك الإسرائيلي، حقيقة الخليط السكاني المتنافر كجزء رئيس في أزمة الوجود اليهودي، ليعبر عن قلقه إزاء التهديد الداخلي الذي تشكله أزمة “الهوية والديمقراطية” في إسرائيل.
ويظهر قلقاً مشابهاً من صحفيين ومفكرين وكتّاب صهاينة بشأن مستقبل إسرائيل، فيشير الجنرال المتقاعد شاؤول أرئيلي، المستشرق والمختص في الصراع العربي الإسرائيلي، إلى فشل الحركة الصهيونية في تحقيق حلم إقامة دولة إسرائيلية ديمقراطية بأغلبية يهودية، ويعتبر أرئيلي أن الصراعات الداخلية والتوترات الثقافية والهوياتية تهدد استمرارية الدولة العبرية.
وبكلام أوضح، يعتقد المحلل الإسرائيلي آري شافيط أن إسرائيل تواجه نقطة اللا عودة وأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، ويرى أن الإسرائيليين يدركون أنهم أصبحوا “ضحية” لكذبة صهيونية، حيث هناك اليوم في الداخل الاسرائيلي عملية تدمير ذاتي ومرض سرطاني يصل إلى مراحله النهائية.
أما المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس، فيعتقد أيضاً أن إسرائيل ستشهد انحلالاً وغوصاً في الوحل، ويتوقع انتصار العرب والمسلمين، وتحول اليهود إلى أقلية في تلك المنطقة، إما بأن يطاردوا وإما يُقتلوا، حيث ينظر إلى تحقيق ذلك على مدى متوسط، أو بعيد.
وفي دعم سردية هزيمة الكيان الإسرائيلي المحتل ووقوعه بين خيارين أمرين، حيث هناك جانب ديمغرافي، مثل خطرًا حقيقياً منذ نشأة الكيان، وحتى اليوم، يعتقد رونالد لودر، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، أن فكرة الدولة الواحدة تشكل تهديداً خطيراً لوجود إسرائيل.
ويشير إلى أن عدد السكان العرب الذين يعيشون في المنطقة بين البحر ونهر الأردن قد تجاوز عدد السكان اليهود، وأن هذا يُعَد تحدياً صعباً.
ويؤكد أنه إذا مُنح الفلسطينيون الجنسية الكاملة والحقوق الكاملة، فإن إسرائيل لن تعود دولة يهودية، وإذا لم تفعل ذلك، فلن تكون ديمقراطية. وبغض النظر عن السيناريو الذي يحدث، فإن إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية قد تتوقف عن الوجود، وهذا يفسر في جانب منه لجوء الصهاينة المستميت في قتل أبناء فلسطين ضمن مجازر وقتل جماعي لا يتوقف.
ويصف الباحث السياسي اليهودي أفرايم غانور حال الإسرائيليين بأن “الأرض تهتز تحتهم، وهم يشاهدون أمة مشتتة ومجتمعاً منقسماً، وينتظرون قائداً ومعجزة تخلصهم من الكراهية المستعرة التي تأكل كل جزء من الدولة”.
ويكشف المؤرخ الإسرائيلي، إيلان بابيه عن مؤشرات تؤكد “بداية نهاية المشروع الصهيوني، على المستوى المتوسط والبعيد، فيعدد خمسة مؤشرات، المؤشر الأول يتمثل في “الحرب اليهودية الأهلية التي شهدناها قبل 7 أكتوبر الماضي، بين المعسكر العلماني، والمعسكر المتدين في المجتمع اليهودي في إسرائيل، مشيراً إلى أن الحرب بين اليهود ستتكرر.
المؤشر الثاني هو “الدعم غير المسبوق للقضية الفلسطينية في العالم واستعداد معظم المنخرطين في حركة التضامن لتبني النموذج المناهض للفصل العنصري الذي ساعد في إسقاط هذا النظام في جنوب إفريقيا، لافتاً إلى أن “فترة جديدة بتحول الضغط من المجتمعات إلى الحكومات”.
المؤشر الثالث هو العامل الاقتصادي، تبعاً لوجود “أعلى فجوة بين من يملك ومن لا يملك”، بالإضافة إلى “رؤية قاتمة لمستقبل الصلابة الاقتصادية لدولة إسرائيل”.
المؤشر الرابع هو “عدم قدرة الجيش على حماية المجتمع اليهودي في الجنوب والشمال”، وهذا ظهر جلياً، بعد استهداف محور المقاومة للجنوب والشمال معاً مع عجز منظمات الدفاع عن التصدي لصواريخ ومسيرات محور المقاومة القادمة من جنوب لبنان والعراق وإيران او القادمة من اليمن.
أما المؤشر الخامس يتمثل في موقف الجيل الجديد من اليهود، بما في ذلك في الولايات المتحدة، والذي يأتي على عكس الأجيال السابقة، “التي حتى أثناء انتقادها لإسرائيل، اعتقدت أن هذه الدولة كانت تأميناً ضد محرقة أخرى أو موجات من معاداة السامية”.
ومع كل تلك السرديات الصهيونية للحقيقة التاريخية وحقيقة الواقع اليوم، يمكن تفسير حالة الهوس الصهيوني بالقتل لسكان غزة ودعم هجمات المستوطنين في الضفة الغربية، حيث حالة الخوف الشديد من المستقبل، وصولاً إلى الهزيمة والتفكك للكيان المحتل والتي كانت هجمات السابع من أكتوبر أبرز مؤشراتها الواضحة والقوية.
طوفان الأقصى والعقد الثامن
الأكيد أنه بعد اندلاع حرب غزة بات المجتمع الإسرائيلي أكثر انقساماً من ذي قبل، فالاحتجاجات الصهيونية على القضاء توسعت لتشمل احتجاجات ومظاهرات تطالب بعودة أسرى إسرائيل، وتطالب بتغيير حكومة نتنياهو، حيث نزوح وتدمير مستوطنات الشمال مثل مشهداً فاضحاً لزيف قوة وأمن إسرائيل، وطول معركة غزة واستمرار صمود المقاومة كان انتكاسة تضاف إلى واقع إسرائيل الهش في الداخل.
أما حالة النشوة ما بعد اغتيال شُكر وهنية والتي خلقت شعوراً بقوة وهمية لإسرائيل سرعان ما تحولت بعد تهديدات محور المقاومة إلى حالة من الخوف والاستنزاف الاقتصادي والعسكري والأمني والنفسي والعقلي، بانتظار الضربة من مختلف الجبهات والخوف من الحرب الشاملة التي يجر نتنياهو اسرائيل مع أمريكا والغرب إليها لإنقاذ مستقبله السياسي وتجنيب نفسه نهاية غير سعيدة، وهذا ما يمثل إخفاقاً استراتيجيًا كبيرًا للكيان الغاصب.
أما الأمن الإسرائيلي القائم على عناصر الردع والإنذار والحسم، فأصبح من الماضي، فيما بات سكان إسرائيل في أسوأ ظروف أمن منذ الإعلان عن انشاء الكيان.
فلأول مرة في تاريخ إسرائيل تتلقى ضربة موجعة في الـ7 أكتوبر 2023 على يد حركة المقاومة حماس، حيث فشلت إسرائيل استخباراتياً في معرفة أي تفاصيل عن هجوم طوفان الأقصى، أي أنه مع ذلك الفشل غاب جانب الإنذار والردع لأي هجوم يستهدفها، ومثل ذلك الإخفاق تكرر على مدار الأشهر الماضية، في صد هجمات قادمة من اليمن بالستية، أو عبر المسيرات ” مسيرة يافا”، أو تلك الهجمات القادمة من جهة حزب الله بما فيها تجوال “هدهد حزب الله” فوق مواقع إسرائيلية حساسة وتصويرها، وكشف خفايا ومستور إسرائيل.
ومع هذ الإخفاق الكبير غاب جانب الحسم، فجغرافية قطاع غزة رغم صغرها مثلت صخرة صماء بوجه العدو الإسرائيلي وجيشه الذي بات نافراً من الاستمرار في معركة مرهقة تقترب من شهرها الحادي عشر، حيث كل التحليلات بما فيها التحليلات الإسرائيلية تؤكد أن لا أفق أو مؤشر على هزيمة حماس بغزة، وحيث الواقع يقول إن إسرائيل تلقت بغزة هزيمة استراتيجية، تضاف إلى ما حققه محور المقاومة من نصر استراتيجي على كيان العدو، بدءاً بجبهة حزب الله في الشمال، وتوجيه ضربة لمغتصبات ومستوطنات الشمال، ولمشروع التوسع الاستيطاني، وتحويل مستوطنات الشمال إلى قرى خاوية ومدمرة وقد هرب منها مئات آلاف اليهود، وما رافقه من توقف للمصانع والنشاط الزراعي.. كذلك الحال مع جبهة اليمن، حيث تلقت إسرائيل وتحالف دعمها الأمريكي الغربي ضربة قوية، بفرض حصار بحري بدأ في البحر الأحمر، وتوسع صوب الجنوب ثم شرق المتوسط، ومعه تعطلت حركة سفن العدو في موانئ الجنوب، ووصلت تداعيات الحصار إلى الداخل الإسرائيلي، ثم إلى الدول المتحالفة والداعمة للعدو الإسرائيلي.
ويضاف إلى هذا النصر، نصر استراتيجي “نفسي” كبير أحال كيان العدو إلى تجمع احتلالي ذليل بانتظار عقاب محور المقاومة على سوء صنيع بعد أن كان من المستحيل ورود فكرة ضرب إسرائيل ناهيك عن ضربها فعلاً.