حـــدود جهـــاد التنمـــية مبحث من كتاب: الجهاد الأمريكي من كابول إلى إسطنبول
ذمــار نـيـوز || مـقـالات ||
7 مايو 2024مـ – 28 شوال 1445هـ
بقلم// عبدالله علي صبري
” من أجل تحقيق طفرة تنموية لا بد من إرادة صلبة تعتمد على الذات وعلى القدرات والإمكانات المتاحة، وتخوض المعركة الاقتصادية باعتبارها مسألة حياة أو موت، وتنطوي بكل صراحة على مشقة وحرمان وعمل مرهق ومواصلة الليل بالنهار، ولعدة عقود أيضاً ” محمد جلال كشك.
وقد أوضحنا أهمية التنمية الاقتصادية كحجر أساس للنهضة العربية المنشودة، وضرورة مغادرة ثقافة الاستهلاك، واستبدالها بثقافة إنتاجية، تساعد العرب على استعادة مكانتهم في الدائرة الحضارية العالمية، فإن مهمة كهذه لا يمكن أن تشق طريقها إلى الواقع بدون ثقافة دينية مغايرة لما هو مألوف من رؤى وأفكار جامدة، جعلت من التطرف الديني عنوانا للعرب والمسلمين في عالم اليوم.
ولأن الدين الإسلامي جاء كمشعل لهداية البشرية وإخراجها من الظلمات إلى النور، ومن الشقاء إلى السعادة في الدنيا والآخرة، فلا شك أننا بحاجة ماسة إلى إعادة قراءة المفاهيم الإسلامية في ضوء المشكلات والمتغيرات المعاصرة، من منطلق أن العلة التي نشكو منها ليست في الإسلام نفسه بقدر ما هي في الفهم السائد للإسلام ولرسالته الحضارية.
ويتربع الجهاد على عرش المفاهيم التي تتطلب قراءة جديدة ومعاصرة، لا تقتصر على تحرير المفهوم نظريا، بل تتعدى النظر إلى دائرة الفعل والتطبيق العملي.. وما نقدمه في هذه السطور ليس إلا محاولة أولية، على أمل أن تحظى بالإثراء والتعمق من قبل رجال الفكر ورواد التنمية العرب، وما أكثرهم.
فالجهاد بمفهومه العام والشامل لا يقتصر على القتال في سبيل الدفاع عن النفس والوطن، بدليل أن الرعيل الأول من المسلمين في مكة المكرمة عرفوا أنواعا كثيرة من الجهاد ( مثل الصبر على الأذى، والثبات على المبدأ، والهجرة…) قبل أن يفرض عليهم القتال بعد أن أصبحت يثرب وطناً لهم.
وقياساً على الجهاد في المرحلة المكية، يمكن القول أن ثمة صور أخرى للجهاد يمكن إعمالها في الواقع، ويكون لها نفس الأثر المادي والمعنوي لمفهوم الجهاد الأكبر الذي ورد في حديثه عليه الصلاة والسلام، حين قال بعد أن عاد المسلمون من إحدى الغزوات: لقد عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، قالوا وما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟ قال: “جهاد النفس” !!.
اليوم وفي ظل الانتكاسة الحضارية والتخلف العميق الذي تعيشه الأمة العربية، فإن طريق التنمية ليس مفروشاً بالورود، ولا يمكن ولوجه بخطوات متئدة، فكلما خطونا ببطء تقهقرنا أكثر وأكثر. ومن لا يتقدم يتأخر كما يقال، و” عندما يعجز الحاضر عند التقدم إلى الأمام، فإنه يرتد إلى الوراء فيصبح الماضي هو المستقبل”، كما تقول الأديبة العربية أنيسة عبود في روايتها “النعنع البري”.
هذا بالضبط ما فرضته علينا التنظيمات الإرهابية التي أرادت لنا أن نعيش في رحلة معاكسة للزمن، بزعم أنها تمضي بنا نحو شرع الله ونهجه، بل ورفعت في سبيل ذلك راية الجهاد الذي تحول إلى قتل متوحش ارتد وبالاً على الإسلام والمسلمين. ثم لم تكتف بذلك، إذ ابتدعت ما يسمى ” جهاد النكاح “، بهدف الترفيه على من يسمون أنفسهم بالمجاهدين. وانطوت أحوال النساء اللاتي انخرطن في هذه المهزلة على قصص مأساوية، تنم عن نفسيات مهووسة بالجنس، اتخذت من مسمى الجهاد مشجبا للرذيلة والتفسخ..
وهذا ما يؤكد ضرورة تحرير مفهوم الجهاد مما لحق به من تشويه خطير خلال عشرية النار التي كان فيها للقاعدة وداعش والجماعات الإرهابية والتكفيرية دولة وصولة. وجهاد التنمية هو المدخل الأنسب في نظري لتصحيح ما يمكن تصحيحه.
” إن قضية التنمية لم تعد بالنسبة للأمة الإسلامية عامة وللعرب خاصة مجرد تطلع لمستوى معيشة مرتفع، بل قضية بقاء أو فناء..البقاء فوق خط الآدمية، أو الخروج نهائيا من المجتمع الإنساني”. وعليه فلا مناص من إعمال الجهاد بمفهومه الحضاري، بحيث تصبح كل صور الإنتاج جهاداً في سبيل الله، يقبل عليها المرء بدافع إيماني يبتغي فيه رضا الخالق قبل خلقه، وأجري الدنيا والآخرة معاً: ” وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ” (النحل:77)، ” وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ” (التوبة: 105)، ” وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ” (العنكبوت:69).
وفي هذا الحديث النبوي إن صح ما يجعل العمل والكسب الطيب، صورة من صور الجهاد، فقد روي أن رجلاً مر على النبي محمد ( ص) وأصحابه فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام بما معناه: ” إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يَعفُّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان”. (رواه الطبراني).
إن التطلع إلى دولة الرفاه والحياة الكريمة، يفرض على المسلم النظر إلى التنمية الاقتصادية كضرورة دينية ووطنية، والتعاطي مع استحقاقاتها كفرض عين، كمثل الفروض والواجبات الدينية الأخرى، كما أن الوصول إلى هذه الغاية يستوجب بحسب المختصين، نظاما اقتصاديا متيناً يقوم على أساس الإنتاج وليس التداول والاستهلاك فقط. والمقصود بالإنتاج هنا كل السلع الأساسية، التي لا يمكن لشعب أن يستغني عنها إن أراد أن يعيش موفور الحرية والكرامة والاستقلال، وتغدو بلاده مهابة الجانب فلا تخشى تدخلاً أو حصاراً خارجياً على النحو الذي عانت منه عدد من الدول العربية والإسلامية.
ولن يكون هذا الشعب أو ذاك منتجاً إلا بتوافر ثقافة إنتاجية تحترم وتقدس العمل، وترفض البطالة بكل معانيها. بل ولا أبالغ إن قلت بأن نهضة المجتمعات لا بد أن تقوم على قاعدة من الكرامة التي يأبى صاحبها أن يتقبل المساعدات والمنح ويعيش عالة على غيره. وما ينطبق هنا على الفرد يسري بنفس الدرجة على المجتمع والدولة.
ومن أجل تحقيق طفرة تنموية لا بد من إرادة صلبة تعتمد على الذات وعلى القدرات والإمكانات المتاحة، وتخوض المعركة الاقتصادية باعتبارها مسألة حياة أو موت، وتنطوي بكل صراحة على مشقة وحرمان وعمل مرهق ومواصلة الليل بالنهار، ولعدة عقود أيضا. ولأجل إنفاذ هذه المهمة الكبرى ينبغي أن نتجاوز سياسة ترحيل المشاكل وتجذيرها، ونخلق بدلا منها مشاريع انتاجية حقيقية تستوعب كثافة عمالية، وتستفيد من التكنولوجيا والبحث العلمي، وتؤسس لحالة تنموية شاملة.
هذا يعني أننا بحاجة ملحة إلى قفزات متوالية في مضمار التنمية الاقتصادية، ولن يتحقق ذلك إلا في ظل تحرك شعبي تسوده تعبئة عامة لكل الجهود، واستنفار شامل لكل طاقات المجتمع، في ثورة تنموية.. ثورة للعقول والسواعد، فيها يسفك الجهد والعرق، وتصان الدماء والأعراض والمقدرات.!
والثورة هنا ليست غاية لذاتها، بل هي أسلوب للتغيير الشامل اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، وما لم يكن واضحا ما الذي نريده من هذا التغيير، فإن الثورة لن تكون سوى قفزة في المجهول. ولذا لا مناص من رؤية استراتيجية تسبق وتمهد للتغيير المنشود.
ونعتقد أن مفهوم جهاد التنمية ينطوي على الإطار النظري والعملي للثورة والتغيير، فالجهاد هنا يجب أن يكون شاملا لكل صور الإنتاج، ولكل مدخلات التنمية الاقتصادية، ومنسجماً مع الشروط الموضوعية السياسية والاجتماعية للتغيير والإصلاح.
على أن نجاح الثورة التنموية في أي دولة عربية لا يمكن تحقيقه دون مناخ عربي يوفر الحد الأدنى من التكامل الاقتصادي، ويسمح بإنجاز المشاريع الوحدوية المؤجلة في شقها الاقتصادي، كالسوق العربية المشتركة، التي يمكن أن تكون النواة الأولى لاتحاد عربي ينافس التكتلات الاقتصادية العالمية ويستفيد من تجاربها.
وبشيء من التفصيل، نتوقع أن إعمال جهاد التنمية في الواقع العربي، سيعني توجيه طاقات الشباب إلى مختلف ميادين العمل والإنتاج الصناعية والزراعية والتكنولوجية والخدماتية..إلخ، وفي مقابل هذه الطاقات التي ستكون مستعدة للعمل والإنتاج، لا بد أن تتوفر الخطط الحكومية العملية للاستثمار بالتعاون مع الرأسمال الوطني، الذي يتعين على أربابه خوض غمار الاستثمار من منطلق وطني وجهادي، بعيدا عن الأساليب الطفيلية والانتهازية، التي تستهدف الوصول إلى أكبر قدر من الربح والفائدة أو الكسب غير المشروع في أقصر وقت.
الأحزاب والنقابات والجمعيات ومختلف المنظمات المدنية، يمكنها الانخراط في الثورة التنموية، وتوجيه الطاقات والمبادرات الطوعية إلى ميدان الإنتاج، مع التخفف من أسر التوجهات والتوجيهات الخارجية التي يفرضها الممولون والمانحون. ويمكن لهذه المنظمات أن تبدع أفكاراً ومشاريع خدمية واستثمارية يمولها المجتمع وتدعمها الدولة، ويسهر الشباب المؤهل على تنميتها وتطويرها.
كما أن الخطاب الديني الذي كاد أن ينجرف مع لغة التطرف والإرهاب، بالإمكان إعادة توجيهه نحو العمل والإنتاج، ودعم التنمية الاقتصادية، وتحسين مستوى الدخل للمواطن، وتعزيز قوة الدولة والمجتمع.
بالثورة التنموية، يتحول المجتمع ذكوراً وإناثا إلى ورشة عامل دائبة لا تتوقف، وينخرط الجميع في تنفيذ الخطط وبناء المشروعات بأفضل مستوى ممكن من الدقة والإتقان، وبطريقة يراعي فيها القائمون على هذه المشاريع حقوق العاملين وكرامتهم، فليس المقصود من استنفار الطاقات تحويل الأيادي العاملة إلى سخرة تجلب معها صور العبودية والاسترقاق، أو تكرار ما حدث ويحدث في بعض الاقتصاديات من استغلال للعمالة الرخيصة، وامتهان للحقوق والكرامة الإنسانية.
ولا معنى لجهاد التنمية إذا لم يرتكز على قاعدة العلم وتجويد التعليم، ومخرجاته، وربطها بحاجة المجتمع للسلع الأساسية أولاً، ثم بحاجة السوق لهذه النوعية أو تلك من القدرات والكفاءات. ولن يقبل المجتمع على هذا النوع من الجهاد الديني والوطني إذا لم يتوافر الحد الأدنى من المساواة وتكافؤ الفرص، والاستفادة من القدرات والكفاءات الفعلية بعيداً عن الإقصاء والوساطة والمحسوبية، وما إلى ذلك من أمراض اجتماعية جعلت من الفساد المالي والإداري ثقافة عامة ومتفشية في الأجهزة الحكومية على وجه الخصوص.
في هذا الإطار ينبغي للجامعات والمؤسسات التعليمية أن تراجع وتطور من أساليب التدريس والبحث العلمي، بما يتناسب ومتطلبات التنمية الشاملة، وبما يرفد الدولة والمجتمع وسوق العمل بالمهارات وحملة التخصصات النوعية، وبما يعيد للتعليم مكانته العملية باعتباره النافذة للترقي في المجتمع، وبوابة العبور إلى طبقة وسطى تحظى بالنمو والاتساع يوماً بعد آخر.!.
وإذا كان هناك من أولويات فلا بد أن تظفر المشاريع المرتبطة بالأمن الغذائي بخانة متقدمة في سلم الخطط والمشروعات الاستراتيجية، وهو ما يعني ضرورة التوازن بين المسارين الزراعي والصناعي من جهة، وبين التنمية في الريف والحضر من جهة أخرى. ولا يصح أن يغفل القائمون على التنمية الزراعية الريفية حاجة الريف وسكانه للخدمات العصرية الحديثة، الأمر الذي سيساعد على الحد من الهجرة إلى المدن، علماً أن الهجرة والانتقال من الريف إلى المدن قد تكون مطلوبة إذا توافرت طفرة صناعية في المدن الكبرى. وهنا سيكون لزاما التفكير في بناء مدن صناعية تستوعب تجمعات سكانية كبيرة، ومستعدة للانصهار في الثقافة المدنية ومتطلباتها العملية، والأخذ بعين الاعتبار أن توفير الخدمات لهذه التجمعات سيكون أسهل من تشتيت الإمكانات والجهود في خدمة تجمعات نائية وشحيحة السكان، بل قد يتطلب الأمر توعية سكان بعض هذه العزل بأهمية الهجرة إلى التجمعات المدنية، حتى يسهم أفرادها في الثورة التنموية ويستفيدوا من عائداتها.
القطاع المصرفي هو الآخر يمكن تسخيره لخدمة التنمية وللمشاريع الكبيرة التي قد يتردد الرأسمال الوطني في تمويلها، ويمكن للخبراء دراسة تجميد الفوائد على بعض القروض لفترة معينة، في مقابل تخفيض الفائدة أيضا على الودائع الاستثمارية، وتوجيه رجال الأعمال إلى خدمة الاقتصاد الوطني، عبر مشاريع عملية تشغل الأيدي العاملة، وتقدم خدمات ملموسة للمجتمع، وإن كان هامش الربح فيها محدوداً، فذلك أجدى من الاستثمار في “البورصة” و” الأسهم المالية”، وغيرها!.
جهاد التنمية يمكن أن يشمل الجيش أيضاً، فبالإضافة إلى الأدوار التقليدية المناطة بالجيوش في الدفاع عن الأوطان، فإن هذه المهمة لا يمكن أن تنجز بمستوى متقدم إذا لم يفقه رجال الجيش جنوداً وضباطا أن بناء قوة ردع تحمي الدولة والمجتمع من أي اعتداء خارجي يندرج في خانة الجهاد أيضاً.
خدمة الدفاع الوطني هي الأخرى يمكن أن تصب في إطار خدمة الأهداف التنموية، فحينما لا يكون هناك حاجة لمجندين أو متطوعين في الجيش، يمكن استدعاء هذه الطاقات وتوظيفها في مجالات أخرى، كالتعليم، ومراكز محو الأمية للكبار، والخدمات الصحية والاجتماعية، وتنظيم السير، بل وبالإمكان توظيفها في مشاريع الإسكان والطرقات، وفي الخدمات السياحية.
ولأننا في مراحل متأخرة عن المستوى العالمي، فلا نتصور أننا قادرين بضغطة زر أن ننتج سلعاً ذات جودة عالية، الأمر الذي يتطلب تشجيع المنتجات المحلية، والصبر عليها لفترة معينة، بموازاة الحد من استهلاك السلع الكمالية المستوردة، واعتبار هذا النوع من التقشف في الاستهلاك جهاداً في سبيل الله والوطن.
كذلك فإن جهاد التنمية يتطلب عقولا مفكرة ومبتكرة ومبدعة، وهذا لن يتأتى إلا بالمزيد من العلم، والإقبال على القراءة الحرة، وإنه لمؤسف أن أمة اقرأ، تسجل أدنى الأرقام في هذا الشق المعرفي، ومؤسف أكثر أن الخدمات التكنولوجية والهواتف الذكية، قد شغلت الملايين اليوم عن القراءات الجادة، التي تزكي العقول وتنمي المعارف.
إن توجيه المجتمع نحو القراءة وتحصيل المعرفة من مصادرها، سيعني تحريك الركود الثقافي، بما يعود بالنفع على المبدعين من الكتاب والمؤلفين، وعلى المشتغلين في دوائر الطباعة النشر، ولا شك أن جزءاً من حركة التأليف سينصب على توعية المجتمع بأهمية واحترام العمل والإنتاج، وتشجيع الجميع على الانخراط الفوري في “جهاد التنمية” باعتبارها مهمة وطنية مصيرية لا تحتمل التأجيل.
التنمية الشاملة يجب أيضاً أن تخطو إلى الأمام على نحو سريع ومتوازن، بالاعتماد على النساء والرجال معاً، إذ لا يمكن تصور طفرة تنموية بدون إسهام المرأة التي تشكل نصف طاقة المجتمع أو أكثر، كما أن توازن التنمية واستدامتها يتطلب موقفا إيجابياً من حقوق وحرية المرأة، وتفهما لأهمية مشاركتها في مختلف ميادين التنمية دون إفراط أو تفريط، وحتى ونحن نتكلم عن مفهوم جهاد التنمية، فإن القرآن الكريم يخاطب الرجال والنساء
من منظور المسئولية المشتركة، كما في قوله تعالى: ” الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ” (التوبة: 71).
وإلى جانب الدور المحوري للمرأة في التنمية، يقع على الإعلام مسئولية كبرى في تهيئة الرأي العام وتوعية المجتمع، وفي مواكبة مناشط التنمية، ومراقبة أداء المؤسسات ومستوى تنفيذ الخطط والمشاريع، وتغيير الصورة النمطية عن نجوم المجتمع، بالتركيز على الوجوه المبدعة في مجال العمل والإنتاج، وتحفيز المبدعين والمبتكرين، من إداريين وفنيين ومهندسين، ورجال أعمال، وغيرهم. ويمكن للسينما والدراما أن تلعب دورا فاعلا في مضمار جهاد التنمية، وخلق وعي مشترك بالمفاهيم الجديدة والتجديدية المتصلة بالعمل والإنتاج والتنمية.
وبالمختصر المفيد، فإن الثورة التنموية تقتضي تحول المجتمع إلى أمة النحل في العمل والنشاط، والإتقان وفي إنتاج الطيب من السلع والخدمات، وأن يغدو المجتمع كأمة النمل في التدبير والاحتياط لأية مفاجآت أو انتكاسات عارضة، فلا ضمان للتنمية ما لم تكن هناك، مرونة في التخطيط، والاستعداد ببدائل عملية لمواجهة الطوارئ، ومحاصرة تداعياتها.
صحيح أننا لا نمتلك العصا السحرية التي تحول الأحلام الوردية إلى واقع معاش، لكن “جهاد التنمية”، بمفهومه الشامل، قد يوفر “الخلطة السحرية” للنهضة والتقدم. ويكفي أن تبادر دولة عربية ما لتشعل المرجل، فيفيض بالنور عليها وعلى بقية الدول من حولها.!!.