رؤية الكثير من الدعاة والعلماء لا زالت الرؤية الأعرابية
ذمــار نـيـوز || مـقـالات ||
3 أبريل 2024مـ – 24 رمضان 1445هـ
بقلم// عدنان علي الكبسي
مرت خمسة أشهر والعدوّ الإسرائيلي يواصل جرائمه البشعة في حق إخوتنا الفلسطينيين في قطاع غزة، مر أربعة وعشرون أسبوعاً والعدوّ الصهيوني مُستمرّ في مسلكه الإجرامي، دعم الكيان الصهيوني أمريكا وبريطانيا، وساندته دول الغرب الكافر ليواصل في التفنن الإجرامي، ويقابل ذلك تخاذل عربي واسع، وصمت في معظم البلدان الإسلامية.
ارتكب العدوّ الإسرائيلي أكثر من (ألفين وثمان مِئة وأربعين) مجزرة إبادة وحشية وعدد المجازر كُـلّ يوم في ازدياد.
إجمالي عدد الشهداء، والمفقودين، والجرحى، والأسرى: بلغ أكثر من (مِئة وأربعين ألفاً وستمِئة) من سكان غزة، وعدد الضحايا كُـلّ يوم في تصاعد.
في قطاع غزة الأطفال يتضورون جوعًا، وهناك الكثير من الأطفال ماتوا وفارقوا الحياة من الجوع، في شمال القطاع هناك قرابة (سبعمِئة ألف مواطن) يعيشون مأساة كبيرة، أكلوا أوراق الشجر حتى انعدمت، وأكلوا أعلاف الحيوانات، وصل سعر كيس القمح الذي هو (25 كجرام) إلى (ألف وثلاثمِئة دولار).
في قطاع غزة لم يجد الصائمون فيها ما يفطرون به، وَإذَا وجدوا لقمة عيش يفطرون به على ركام منازلهم، يفترشون الأرض وسقفهم السماء، يقضون حياتهم في الشوارع والخلاء.
في كُـلّ يوم مجازر إبادية، ومع كُـلّ أربع وعشرين ساعة المئات من الفلسطينيين يسقطون شهداء وجرحى، ما يوم يمر إلا وهناك من يصرخ ويبكي ويستغيث لفقدان أهله أَو فراغ معدته من لقمة الخبز.
ولخطورة الصمت والسكوت أمام مثل هذه الجرائم، وكذلك الاكتفاء ببعض الطقوس العبادية دون نصرة المستضعفين من عباد الله، ذكر الله سبحانه وتعالى لنا في القرآن الكريم قصة الأعراب، (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا، قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ، وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، والأعراب هؤلاء هم مجاميع من البدو -آنذاك- اتجهوا إلى رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” ليعبِّروا عن احتجاجهم على جانب المسؤولية؛ لأَنَّهم لم يكونوا يرغبون فيه، كانوا يريدون الاقتصار على تلك الطقوس الدينية فقط، بعيدًا عن ثمرتها، عن أثرها، ولا يريدون أن يتحملوا أية مسؤولية لا في جهاد، ولا في أمر بمعروف، ولا في نهي عن منكر، كما هم عليه الكثير من الدعاة والعلماء والمبلغين.
رؤية الكثير من الدعاة والعلماء لا زالت الرؤية الأعرابية نفسها، يريدون إسلاماً بلا مسؤولية، وإيماناً بلا جهاد، والله سبحانه وتعالى رد على الرؤية الأعرابية قائلًا: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).
يأبى الله الرؤية الأعرابية في أية مرحلة وفي أي زمن، ووضح الله أن المؤمنين الصادقين هم المجاهدون في سبيل الله، فالكثير من الدعاة والعلماء والمبلغين قالوا (آمنا)، لكنهم يريدون إيماناً من دون جهاد، من دون مسؤولية، من دون موقف، إسلام الطقوس، إسلام الشعائر الدينية فحسب، كما هم الأعراب، ورد القرآن على الأعراب ومن على شاكلتهم بأن هذا ليس إيماناً {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا}.
قال الكثير من العلماء نحن صلينا وصمنا وزكينا وحجينا وتخرج على أيدينا الآلاف من حفظة القرآن والأحاديث وهم على شاكلتنا، وألفنا الكتب وبحثنا في كُـلّ المصادر عن الحديث القوي والضعيف والصحيح والباطل والمسند والموضوع والمكذوب، وأفنينا أعمارنا بين رصات الكتب، وأوساط حلقات الذكر، لكن مهما عملتم يا أيها الدعاة والعلماء، ومهما بنيتم من دور القرآن أَو دور الحديث يرد الله عليكم {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا}، ولكن على الجميع علماء ودعاة وخطباء ومرشدين ومحدثين ومبلغين وطلاب علم أن يقولوا: أسلمنا (وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا).
أبى الله أن يسمي الأعراب مؤمنين، وما كان في مرحلتهم ترتكب المجازر الوحشية، ولم يمت ولا طفل من الجوع، ولم تُسفك دماء الأطفال، ولم تتناثر أشلاء النساء، ومع ذلك قال لهم: لم تؤمنوا، وأصحابنا مشايخ العلم يريدون إيماناً برؤية أعرابية في زمن ترتكب فيه أبشع الجرائم في حق إخوتنا الفلسطينيين في قطاع غزة، نقول لهم: لم تؤمنوا، كما لم يؤمن قدواتكم الأعراب.