الخبر وما وراء الخبر

نص كلمة قائد الثورة تهيئة لشهر رمضان المبارك 1445هـ – 2024م

26

ذمــار نـيـوز || أخبــار محلية ||
10 مارس 2024مـ -29 شعبان 1445هـ

نص كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي تهيئة لشهر رمضان المبارك 1445هـ – 2024م:

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

أيُّهَا الإِخْوَةُ الأَعِزَاء الحاضرون جميعاً:

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

ونحن على مشارف الشهر الكريم المبارك (شهر رمضان)، نتوجه بالتهاني والمباركة إلى شعبنا اليمني المسلم العزيز، وإلى مجاهديه الأبطال المرابطين في كل الجبهات، وإلى منتسبي القوات المسلحة من الجيش والأمن.

ونتوجه أيضاً بالتهاني والمباركة إلى كافة أمتنا الإسلامية، وفي المقدمة الشعب الفلسطيني المظلوم، المجاهد، الصابر، ونسأل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن يوفِّقنا جميعاً لصيام هذا الشهر، وقيامه، وصالح الأعمال فيه، وأن يوفِّقنا لأن نجتني ثمرته المهمة، وهي التقوى، إنَّهُ سميع الدعاء، قريبٌ مجيب.

في اللقاء الذي عادة ما يكون في آخر شهر شعبان، للتهيئة لشهر رمضان؛ حتى نستقبل الشهر المبارك ونحن نتذكر ونستحضر أهميته، وما يعنيه لنا، وما فيه من الفرص المهمة المباركة، التي ينبغي أن نغتنمها؛ لأنها فرصٌ أتاحها الله، وما فيه من البركات والخيرات لمن يعرف قيمة هذا الشهر المبارك، وأهميته، ويسعى من خلال الاستجابة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” إلى الإقبال على ما يقدمه الله له، من العطاء، والخير، والبركات، الهدف هو هذا الاستحضار، هذا التذكر؛ حتى لا ندخل في شهر رمضان بشكلٍ روتينيٍ اعتياديٍ، من غير التذكُّر للأهمية، ورسم الأولويات التي نركز عليها خلال شهر رمضان؛ حتى لا نهدر الوقت، ونُضيع الفرصة.

من المعلوم ومن المعروف أن رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” كان يلفت نظر المسلمين إلى أهمية شهر رمضان، وإلى الاستعداد له، فيما قبله، هذا أهمية التهيئة، يعني: كان رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” يلحظ ذلك، ويلفت النظر إلى ذلك؛ هذا يدل على أهمية المسألة، وعلى الفرق الكبير بين أن يدخل الإنسان في شهر رمضان بشكل عادي تماماً كأي شهر، وبين أن يهيئ ذهنيته ونفسيته مسبقاً، وأن يستحضر ويتذكر أهمية هذا الشهر، وما يعنيه له، ويرسم لنفسه ويحدد لنفسه الأولويات التي يركز عليها من الأعمال.

في بعض الآثار عن رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، ما يفيد أنه يلفت النظر من شهر رجب، وكذلك تتصاعد البرامج المأثورة مثلاً: أدعية، صلوات، أذكار، فيها ترغيب، هناك حثٌ عليها، من شهر رجب، إلى شهر شعبان، ثم يكون الإنسان عندما يأتي شهر رمضان قد هيأ ذهنيته ونفسيته أكثر؛ فيتقبل أكثر.

وعلى سبيل المثال التقريبي: لو أن لديك مزرعة، وقمت قبل أن يصل الموسم (موسم البذور والزراعة) بتهيئتها، بما يلزم من تهيئة مسبقة، وعملت ما ينبغي أن تعمله مسبقاً فيها، في تجهيزها وتحضيرها، ثم أتى الموسم وأنت قد هيئتها بشكلٍ أكبر؛ سترى أنك ستستفيد أكثر، ما يأتي من الخير، من الماء، من البذور، من عملية زراعية في وقت الموسم، سيكون بشكلٍ جيد وبشكلٍ مميز؛ لأنك عملت مسبقاً، وهيأت مسبقاً ما ينبغي أن تهيئه.

فنحن عندما نركز على هذه المسألة؛ لأننا جميعاً بحاجة إلى هذا: التهيئة النفسية، بقدر ما يكون الإنسان قد هيأ نفسه، ولفت نظره، ودخل بتركيز كبير، وحرص على الاستعانة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في ذلك؛ سيستفيد بشكلٍ أكبر وبشكلٍ أفضل، وعطاء الله في شهر رمضان هو عطاءٌ عظيم، لكن ينقصنا التفاعل، تنقصنا الاستجابة، ينقصنا الاغتنام لهذه الفرصة بالقدر الذي ينبغي.

من أول ما ينبغي أن نفهمه، وقد تحدثنا عن ذلك كثيراً، والكل يعرف ويسمع عن هذه النقطة، لكنها ذات أهمية قصوى في أن نستحضرها، وأن نتذكرها، وأن نهتم بها، هو: أن شهر رمضان المبارك هو محطة تربوية، محطة تربية للنفس، وتزكية للنفس، وتهذيب للنفس، وهذه من أهم الأمور التي يحتاج إليها الإنسان.

الإنسان بحاجة إلى عناية بنفسه؛ لتزكيتها وتربيتها، الإنسان يتعرض خلال العام فيما يواجهه في هذه الحياة من إغراءات، من مشاكل، من تحديات، من ضغوط، من هموم، أشياء كثيرة، من أمور مزعجة كثيرة، يتعرض لمؤثرات تؤثِّر على نفسه، تؤثِّر على الحالة الوجدانية لدى النفس، حتى على المشاعر، إلى درجة أن البعض منها قد يؤثِّر حتى على مدى خشوع الإنسان وخضوعه، تطرأ على قلبه حالة من القسوة، وعلى نفسه حالة من الغفلة، وعلى ذهنه حالة من الشتات وضعف التركيز، وهكذا تتأثر نفسيته من كثرة ما يواجهه؛ فيحتاج إلى ما يساعده في تزكية النفس وتربية النفس، وأن يستعيد في وجدانه ومشاعره الاطمئنان أكثر وأكثر، من خلال تذكره لله، وشعوره بالقرب من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وما يمنحه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في ذلك، يحتاج الإنسان إلى أن يسعى لمعالجة الترسبات السلبية والسيئة، التي ترسبت في نفسه، النفس البشرية تتأثر، وتعلق بها، ثم تترسب فيها ترسبات سلبية سيئة، مما واجهه الإنسان، ومن زلاته وأخطائه هو، الأخطاء، المعاصي، التقصير، الذنوب، لها تأثير سلبي على نفسية الإنسان، ثم يكون لهذا التأثير ترسبات في داخل النفس، هي خطيرة إن لم يتخلص منها الإنسان، ويعالجها الإنسان.

فشهر رمضان المبارك هو محطة تربوية عظيمة جدًّا، نحن أحوج ما نكون إليها، تعالج الترسبات السلبية والسيئة في النفوس، وتجلو صدأ القلوب، قلوبنا تصدأ، حسب التعبير المحلي [تُذَحِّل]، يطرأ عليها الصدأ، من الأخطاء، والمعاصي، والذنوب، والتأثيرات، ما يتأثر به الإنسان سلباً من الواقع، وتجلو صدأ القلوب، وتسمو بالنفس البشرية، وتحيي المشاعر الإيمانية، تحيي في الوجدان الشعور بالقرب من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هذا يضفي على الإنسان حالة الاطمئنان بشكلٍ كبير، والإنسان بحاجة إلى ذلك.

الإنسان في قيمه وأخلاقه، التي هي فطرية فطره الله عليها، ولكن يتأثر الإنسان بما يُؤَثِّر حتى على فطرته، وعلى أخلاقه، وعلى قيمه، تأتي التعليمات الإلهية، وتأتي البرامج الإلهية من مثل صيام شهر رمضان، لتساعد الإنسان على السمو الإنساني، بالقيم والأخلاق، تُنَمِّي فيك مكارم الأخلاق، تروضك على مكارم الأخلاق، تشدك إلى مكارم الأخلاق، تعزز من حالة انسجامك النفسي مع مكارم الأخلاق؛ وبالتالي المقت للمعاصي، والكره للفسوق والعصيان، والبغض للأعمال السيئة، وللمذام والأشياء السيئة، وهذه المسألة يحتاج إليها الإنسان في السمو بنفسه، والحفاظ على إنسانيته وإيمانه ودينه.

فهذا الجانب له أهمية كبرى، ولهذا أتى لفت النظر إلى هذه المسألة؛ باعتبار أن هذا الجانب له علاقة مباشرة في تحقيق التقوى، كلما زكت نفوسنا، وَطَهُرت قلوبنا؛ كلما كان لذلك أثر على أعمالنا، كلما كُنَّا أكثر قابليةً لهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لتعليماته “جَلَّ شَأنُهُ”؛ وبالتالي نتجه إلى طاعة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فنأتمر بأوامره، وننتهي عن نواهيه، وهذا يحقق لنا التقوى.

التقوى تتحقق لنا بأن نطيع الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” فيما أمرنا به؛ فنأتمر لأمر الله، وأن ننتهي عمَّا نهانا الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هذا يقينا من عذاب الله، يقينا من العواقب السيئة للمخالفة لأوامر الله ونواهيه، يقينا من النتائج والتبعات السيئة، والعواقب الوخيمة لمعصية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” فيما أمر، أو فيما نهى.

أعمال الإنسان لها نتائج وتأثيرات وعواقب، وعليها جزاء، هذه مسألة لا مناص منها أمام كل مُكَلَّف، الإنسان تجاه أوامر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ونواهيه يحاسب، يجازى، لابدَّ من ذلك، هناك تأثيرات مباشرة لعواقب في الدنيا، وعقوبات في الدنيا، وعقوبات رهيبة في الآخرة؛ ولذلك الإنسان بحاجة إلى التقوى، إلى ما يقيه من العواقب السيئة، لأعماله السيئة، أو لتفريطه تجاه أوامر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فيما أمره الله به من أمور مهمة، فيها نجاته، فيها الخير له، فيها الوقاية له، فيها العزة له، فيها الخير الواسع له في الدنيا وفي الآخرة.

يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، وما أعظم نداءات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم! هذا النداء الذي تكرر كثيرا في القرآن، نداءٌ ممن؟ من الله، من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأول ما ينبغي على الإنسان المسلم أن يأخذه بعين الاعتبار تجاه مثل هذه النداءات: أن يتذكر أنها من الله، ليست نداءات عادية، الذي ينادينا بهذه النداءات في القرآن، وتكررت كثيراً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، هو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ربنا، رب السماوات والأرض، أرحم الراحمين، الذي ينادينا، ويوجهنا، ويرشدنا، ويأمرنا بما هو خيرٌ حقيقيٌ لنا، ومؤكدٌ لنا، لا شك فيه ولا لبس فيه، ولذلك مجرد هذا النداء يجب أن يلفت أنظارنا؛ لأن الله عندما ينادينا إلى شيء فهو مهمٌ لنا، ونحن بحاجةٍ إليه، الله غنيٌ عن أعمالنا، {هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}، لا تنفعه طاعة من أطاعه، ولا تضره معصية من عصاه، فهو ينادينا ليوجهنا وليأمرنا، وليرشدنا، وليلفت أنظارنا إلى ما فيه الخير لنا، ونحن بحاجةٍ إليه، وفي الإخلال به خللٌ علينا، ضرر علينا، عواقب سيئة علينا نحن.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: الآية183]، فيبين لنا أن فريضة صيام شهر رمضان هي فريضة بمعنى الكلمة، يعني: فريضة ملزمة، ليست عملاً تطوعياً، هي من فرائض الله؛ ولهذا كان موقع هذه الفريضة في الإسلام أنها ركن من أركان الإسلام، لها هذه الأهمية، ولها هذا الموقع، الذي يبين لنا خطورة التفريط بها، خطورة العصيان لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والتفريط في صيامها، من غير عُذرٍ شرعي.

{كُتِبَ}، وهذه من حكمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: كلما كانت الأمور ذات أهمية ضرورية لنا، جعلها الله إلزامية، هذا مما يساعدنا أصلاً، يساعدنا على الالتزام؛ لأن كثيراً من الناس يحتاج لكي يهتم بموضوع مُعَيَّن أن يكون إلزامياً، إذا فرَّط فيه تكون العواقب خطيرة، والجزاء شديد، وإلَّا لو كان الترغيب إلى أي مستوى دون إلزام، فالبعض من الناس لا ينفع فيه شيء، لا يتفاعل يعني، حتى لو كان حجم الترغيب كيفما كان، أن تكون الأمور المهمة إلزامية للإنسان هذا يساعده على القيام بها، وفي نفس الوقت للمسألة أهمية بالفعل، يعني: التفريط بها يمثل خطورة على الإنسان؛ لأنها من الضروريات التي يحتاج إليها الإنسان- كما قلنا- لأمرٍ مهم.

{كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}؛ لأن الله شرعه للأمم من قبلنا، في الرسالات الإلهية السابقة؛ لأن بعض الأمور هي حاجة للبشر على مر العصور، في المجتمع البشري كمجتمع بشري، بخصائصه النفسية، بما يواجهه في الحياة، بطبيعة وظروف حياته، له متطلبات مشتركة في كل زمن، يحتاج إليها الناس في كل عصر، في كل زمان ومكان؛ ولذلك تبقى، وإن اختلفت بعض الكيفيات فيها، بعض الأشياء المرتبطة بها، بعض التشريعات المرتبطة بها في الرسالات الإلهية، بحسب ظروف الناس وتغيرات الواقع البشري، لكنها أمور مشتركة، وذات أهمية للجميع.

{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فكان من أول ما لفت الله نظرنا إليه، ونبهنا عليه، هو: هذه الثمر المهمة للصيام (التقوى)، {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، العطاء التربوي لهذه الفريضة المباركة المهمة هي: أنه يساعدنا على التزام التقوى.

في صيام شهر رمضان، نتعلم من هذه المدرسة المعطاءة التربوية قوة الإرادة، وهذا شيء مهم للإنسان في كل حياته، في كل ما يواجهه في الحياة، وأيضا في أداء مسؤولياته في هذه الحياة كما ينبغي، في الالتزام بدين الله وأمره ونهيه، والطاعة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، نحتاج إلى قوة الإرادة، وهذا من أهم ما في الإسلام: أنه يربي على قوة الإرادة.

الأمة التي تمتلك قوة الإرادة تكون أمةً فاعلة، أمةً قوية، أمةً عملية، أمةً لديها الطاقة والتحمُّل، والجاهزية والاستعداد للأعمال المهمة، والمسؤوليات الكبرى، ومواجهة التحديات الكبرى.

من أخطر ما يمكن أن يكون خسارةً كبيرة للإنسان: إذا فقد قوة الإرادة، إذا ضعفت إرادة الإنسان، هذا له تأثير خطير على الإنسان؛ يصبح إنساناً ضعيفاً أمام الشهوات والإغراءات، وضعيفاً أمام واقع الحياة، وتحديات الحياة، ومشاكل الحياة، وقريباً من السقوط والانفلات، في المعاصي، وفي الأعمال السيئة، وكذلك قريباً من الخضوع والانكسار أمام أي تحديات يواجهها في هذه الحياة؛ وبالتالي يكون ضعيفاً أمام الشيطان، أمام الشيطان، ((سَلِسَ القِيادِ لِلشَّهوَة)) كما في تعبير أمير المؤمنين عليٍّ “عَلَيْهِ السَّلَام”، الإنسان ضعيف، لأبسط إغراء يعصي الله، لأبسط تحدي ينكسر وتضعف إرادته، غير عملي، غير فعَّال، يغلب عليه الكسل، تضعف إرادته أمام أي مسألة مهما كانت أهمية، مهما كانت ثمرتها ونتيجتها؛ لأنها تحتاج إلى قوة إرادة، في شهر الصيام نتزود هذا الأمر المهم، هذا العطاء المهم، عطاء تربوي، عطاء تربوي، نحتاج إلى تربية، قوة الإرادة.

نستفيد أيضاً السيطرة على النفس والشهوات؛ لأن الإنسان يتعود الامتناع عن المفطرات من الفجر إلى الليل، هذا التَّعوّد أمام المفطرات، وأمام الطعام والشراب والعشرة الزوجية، يساعد الإنسان على السيطرة على النفس أمام أهم الرغبات وأكبر الرغبات، وهذه مسألة يحتاجها، الإنسان السيطرة على شهوات النفس، والتروض على ذلك، والتَّعوّد على ذلك. ثم لها آثارها في تحقيق التقوى، في طاعة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، من أين يؤتى الناس؟ أكثر ما يؤتى الناس، حتى كثغرة للشيطان عليهم من خلال شهواتهم، وأهوائهم النفسية، ورغباتهم النفسية، فعندما يمتلك الإنسان السيطرة على النفس، هذا يساعده على التزام التقوى، فيما يقيه، يقيه من العواقب السيئة؛ لأن الإنسان إذا كان متبعاً للشهوات والرغبات والأهواء، بانفلات وراء ذلك؛ يقع في المزالق والمهالك، ويسقط، ويصبح ألعوبةً بيد الشيطان؛ وبالتالي يجني على نفسه، يجني على نفسه، ويفرِّط أيضاً أمام مسؤوليات مهمة وعظيمة في هذه الحياة، تؤثِّر على الإنسان كشخص، وعلى المجتمع كمجتمع؛ لأنه ترك الكثير من الأمور المهمة.

{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، ثم أيضاً التروّض على الصبر، ترويض النفس على الصبر، على التحمل، على المستوى النفسي، وعلى المستوى الجسدي، الإنسان يتعود كيف يصبر على الظمأ، كيف يصبر على الجوع، كيف يصبر على التعب النفسي، التعب البدني، وهذا يُكْسِب الإنسان قدرةً أكبر، الإنسان لديه قابلية أن تكون حالة التحمُّل لديه، والتَّعوّد على الصعوبات والمشاق، حالة يتربى عليها ويرتقي فيها، حتى يتعود على كثير من المشاق تصبح بالنسبة له أشياء عادية، قد اعتادها تماماً، ولم تعد تُمَثِّل مشقةً عليه، يمكن للإنسان أن يصل إلى هذه الدرجة، أن تصبح كثيرٌ من الأمور التي هي على الآخرين؛ ولهذا ترى من يتربى على ذلك حتى من كبار السن، البعض لا يزال يمتلك قدرة وصبر وتحمُّل أكثر من الكثير من الشباب، على كثيرٍ من الأعمال العبادية والطاعات والقُرَب إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأنه اكتسب، وتمرن، وتعود، والمسألة هي في المقدمة نفسية، قبل أن تكون جهداً بدنياً، الإنسان إذا اتجه برغبة شديدة للأمور ينشط، في كثيرٍ من الأشياء، ويتحمل الكثير من الأشياء على المستوى البدني، وهذه نقطة مهمة جدًّا.

وعلى الإنسان أن يلحظ مسألة التقوى ليس كثمرة ينتظرها من بعد شهر رمضان، في شهر رمضان نفسه، يعني: حالة الالتزام، والطاعة لله، والانتهاء عمَّا نهى الله عنه، هذه حالة يسعى الإنسان لها خلال شهر رمضان نفسه، وهو يؤدي هذه الفريضة، يحرص على أن يترك المحرمات، وما يؤدي إليها، أن يجتنب ما يؤدي من خطوات الشيطان إلى المعاصي، وأن يحذر من المعاصي، وأن يحذر من التفريط بهذه الفريضة، ومما يسبب الإحباط لها؛ لأن هناك ما يفسد الصوم، وهناك ما يحبط الأجر على الصوم؛ وبالتالي يُضيع الثمرة للصيام، فالإنسان عليه أن يكون حذراً من المفسدات، وحذراً من المحبطات، وأن يلتفت أيضاً إلى الجانب الآخر: المسؤوليات، ما أمرنا الله به، ما علينا من مسؤوليات لنهتم بها، هذه مسألة مهمة جدًّا.

ثم خلال شهر رمضان المبارك، عندما نعرف الثمرة المهمة جدًّا، ذات التأثير الكبير لواقعنا، لمسيرة حياتنا، لبقية أعمالنا؛ لأن التقوى أساسٌ في قبول بقية الأعمال، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال في القرآن الكريم: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة: من الآية27]، يحتاج الإنسان للتقوى؛ لكي يقبل الله منه بقية أعماله، إذا فقد التقوى وخسر التقوى، حتى لو عمل بعض الأعمال الصالحة، لا يقبلها الله منه، وهذه مسألة مهمة بالنسبة للإنسان.

خلال شهر رمضان المبارك، ولكي يحرص الإنسان أن يحدد له أولويات يُرَكِّز عليها فيه، في مقدمة هذه الأولويات مع الصيام: العناية بالقرآن الكريم، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[البقرة: من الآية185]، ليحرص الإنسان على أن يهتم بشكلٍ أكبر بالقرآن الكريم، بتلاوته، وسماع تلاوته؛ لأن البعض من الناس لا يتقن التلاوة، يمكن أن يحاول أن يتعلم إتقان التلاوة، لكن ويستفيد أيضاً من سماع التلاوة بتأمل وإصغاء، واستماع وَتَفَهُّم، بما يفيد الإنسان.

والاهتمام بهدى الله، ما هو من القرآن الكريم، من ثقافة القرآن الكريم، من نور القرآن الكريم، أن يحرص الإنسان على الإصغاء، على التَّفهُّم، على الاهتمام، نحن أحوج ما نكون إلى ذلك؛ لأن هذا أيضاً من لوازم التقوى، الجانب التربوي جانب، جانب واحد في مسألة تحقيق التقوى، نحتاج إلى زكاء النفس، إلى تربية النفس، إلى السيطرة على الشهوات والأهواء، ولكن هذا ليهيئنا لأن نتقبل هدى الله وتعليماته، وأن نربط حياتنا فيما نعمل وفيما نترك بهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وتعليماته.

ولذلك يجب أن ندرك أهمية العناية بالقرآن الكريم، بهدى الله “جَلَّ شَأنُهُ”، أن نُوَطِّن أنفسنا على السير على هدى الله، والتَّمَسُّك بالقرآن الكريم؛ لأن هذا هو الذي يحقق لنا التقوى. ماذا يقول الله عن القرآن الكريم؟ {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[البقرة: من الآية2]، (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)، فلابدَّ لنا أن نُرَكِّز على القرآن الكريم.

البعض من الناس يُقَصِّر في الاهتمام بالقرآن الكريم، في مسألة التلاوة، أو في مسألة الاستماع للتلاوة، في مسألة هدى الله، والثقافة القرآنية، والإقبال على هدى الله، والإصغاء لهدى الله، وفي المقابل يضيع الليالي المباركة من شهر رمضان، التي هي غُرُّ الليالي، وأفضل الليالي، يُضِيعُهَا ويهدر ذلك الوقت الثمين جدًّا في أشياء تافهة: إمَّا سهرات في مقايل القات للكلام الفاضي، الكلام الذي لا أهمية له، لا قيمة له، واستغراق كل الأوقات بما يحمل الإنسان أوزاراً من الغيبة، والنميمة، والكذب، والبهتان. أو قد البعض من الناس أيضاً يدخل فيما هو أكبر حتى من ذلك، وأفظع، من تأييدٍ لباطل، من ولاءٍ للكافرين، من عداءٍ للمؤمنين، من أشياء سلبيات كبيرة جدًّا، وكوارث، وطامات كبرى، فيكون الإنسان يَحْمِل في ليالي شهر رمضان، التي هي من أعظم الفرص للنجاة والفوز، والخير والبركات، يُحَمِّل نفسه فيها الأوزار، والتبعات، والآثام، والذنوب، كم ستكون حسرته يوم القيامة! كم سيكون ندمه يوم القيامة، عندما يدرك حجم الخسارة الفادحة التي تَوَرَّط فيها، والخسران المبين والعياذ بالله! فلنُقْبِل، ولنغتنم الفرصة، وتكون مسألة الاهتمام بالقرآن الكريم وتلاوة القرآن الكريم من الأولويات، بتفهُّم، بتأمل، بتدبر، والاهتمام بهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

البعض من الناس الشيء الغريب جدًّا مشكلة العجلة، العجلة، لكن أحياناً في غير محلها أيضاً، يعني: عَجَّال لا يريد أن يصغي لتلاوة القرآن الكريم، لا يريد أن يصغي لبرنامج هدى من القرآن الكريم، ومن ثقافة القرآن الكريم، وإذا أصغى قليلاً مل، وهذه مسألة الملل على الإنسان أن يسعى للتخلص منها، على الإنسان أن يسعى للتخلص منها.

إذا كان الإنسان لا يطيق أن يصغي لهدى الله، للقرآن الكريم، فيحاول أن يعالج هذه المشكلة عند نفسه؛ لأنها مشكلة حقيقية، ماذا بعد ذلك؟ مثلاً: البعض لا يتحمل ساعة، لا يتحمل نصف ساعة، لا يتحمل أن يجعل شطراً من ليلته مع هدى الله، مع الذكر لله، مع طاعة الله، مع العبادة لله؛ لكنَّه سيهدر بقية ليلته في الكلام، ليس عجَّالاً إذا كانت المسألة مسألة على حسب التعبير المحلي [هذفة]، يجلس [يهذف] لما وقت السحور ما عنده مشكلة، لكن عجَّال إذا المسألة هدى الله، والأخطر أيضاً إذا كان الإنسان يضيع تلك الليالي المباركة وراء مشاهدة المسلسلات، وأتى يستغرق الليالي المباركة العظيمة، عظيمة الفضل، عظيمة القدر، عظيمة الشأن، عظيمة الأجر، عظيمة البركات، خسرها وأهدرها وهو يتابع مسلسلات.

البعض من الشباب والناشئة، مع تطور الألعاب الإلكترونية، يُضَيّع وقته عليها، قد تسمَّرت أنظاره إلى جهاز كمبيوتر، أو شاشة، أو جهاز آيباد، أو غير ذلك، تلفونات، وهو مشغولٌ بها، يعطيها كل الاهتمام، كل التركيز، يتوجه إليها بكل مشاعره، ووجدانه، وتفكيره، وكأنها تصل به على الخط السريع إلى الجنة، وهي لُعبة، لُعبة تُسقط من نفسيته، وبعضها ألعاب فيها مضار، فيها مفاسد، فيها مخاطر نفسية، تربوية، وغير ذلك. وهذا مما ينبغي الحذر منه، حتى من جهة الآباء والأمهات، عليهم أن يُنَبِّهوا أولادهم وبناتهم، وأن يحذروا عليهم من ذلك، حتى لا تُهدر خير الليالي، وأفضل الليالي، وأعظمها بركةً وشأناً وقدراً، وأجراً وخيراً، في الأشياء التافهة.

الاهتمام بالقرآن الكريم، الاهتمام بهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في نفس الوقت الإسهام في نشر هدى الله، في تقديم هدى الله، في التذكير للناس بهدى الله، من قبل العلماء الربانيين، من قبل المنطلقين على أساس هدى الله، ممن يمتلكون القدرة التثقيفية والتوعوية، والاستفادة من البرنامج الرمضاني المعد، والمقرر، والموزع، الاستفادة منه، الإصغاء له، الإقبال عليه، التفهم له، هذا شيءٌ نحن في أمسِّ الحاجة إليه؛ للانتفاع به.

من أهم ما في شهر رمضان، وأتى التنبيه عليه في آيات الصيام في سورة البقرة هو: الدعاء، في نفس آيات الصيام في سياقها، وبين تلك الآيات أتى قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة: الآية186]، فمع التوجه للاهتمام بالقرآن يكون لدى الإنسان اهتمام في شهر رمضان بالدعاء، الحرص على العناية بالدعاء، الاستفادة من الأدعية المأثورة، هناك أدعية أُعِدت، وجُهِّزت وطُبعت، وتوزع- إن شاء الله- خلال شهر رمضان مع البرنامج الرمضاني، تضمنت قدراً مفيداً وجيداً من الأدعية المأثورة، نسبة جيدة من الأدعية المأثورة، وشملت الجوانب المهمة التي يحتاج إليها الإنسان، يمكن للإنسان أن يستفيد منها.

في مقدمة الأدعية التي يحرص الإنسان على الاستفادة منها: أدعية القرآن الكريم، التي وردت في القرآن الكريم، وتلك الأدعية التي أُعدت وطُبِعت، وَتُوزع مع البرنامج الرمضاني، تضمنت قدراً من الأدعية القرآنية، ومن الأدعية المأثورة، وشملت جميع الجوانب التي يحتاج الإنسان فيها إلى الدعاء، وأن يطلب ذلك من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

الدعاء عبادة عظيمة، مخ العبادة، والدعاء أيضا له أثره الوجداني والنفسي في ترسيخ العلاقة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ونحن أصلاً بحاجة إلى الله، نحن الفقراء إلى الله، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}[فاطر: الآية15]، ما أحوجنا إلى الله في كل شيء، لأمور ديننا ودنيانا، لكل أمور حياتنا، متطلبات الإنسان هو مفتقرٌ فيها إلى الله، إن لم يكن توجهه إلى الله، فهو يصرف توجهه بالرجاء والأمل والطلب إلى الناس، إلى الآخرين، بل البعض إلى أسوأ الناس، إلى من يستغلونه في ذلك لإبعاده عن دينه. فمن ضمن الاهتمامات والأولويات في الشهر رمضان العناية بالدعاء.

أيضا الكثير يعاني من الملل، مثلاً: الأدعية التي طُبِعت وأُعِدت البعض منها يتطلب ربع ساعة، تخيلوا البعض يشق عليه أن يصبر أثناء الدعاء لربع ساعة، هذه حالة عجيبة! هذه حالة يجب أن يسعى الإنسان للخلاص منها، لا طاقة له بأن يصبر ربع ساعة في دعاء، ولديه الطاقة والقدرة والجهوزية لأن يجلس في جلسة لا قيمة لها، لا أهمية لها، مجرد كلام عادي فاضي، قد يتحمل فيه الأوزار، لأوقات طويلة، ست ساعات، أربع ساعات، خمس ساعات، ليس عنده مشكلة، البعض يصعب عليه حتى ربع ساعة مع الدعاء.

الدعاء أيضاً عقب الصلوات، بما يتيسر للإنسان، لا يستعجل الإنسان، البعض تصل به العجلة إلى درجة أنه لا يكاد يُسَلِّم سوياً في صلاته إلَّا وهو قائم، لا يريد أن يذكر الله بأي ذكر عقب الصلاة، ولا بأي دعوة، ولا بدعوة واحدة، في بعض الآثار أن الملكين الموكَّلين بالإنسان يستغربان من الإنسان إذا استعجل عقب السلام من الصلاة ليقوم قبل أن يدعو الله بدعوة واحدة، ويطلب من الله الجنة والنجاة من النار، يعني: بعض الظواهر السلبية يمكن أن تعالج، لا يدمن عليها الإنسان، لا يستمر عليها الإنسان، يلتفت إلى نفسه، إلى واقعه، لماذا هذه العجلة في كل شيء، فعلاً نشاهد بعض الناس لا يكاد يسلم وقام، لا يجلس ولا لدقيقة، ولا لدقيقة، لا يتحمل أن يصبر ولا لدقيقة للدعاء.

الأدعية مهمة جدًّا، ولها أهميتها في حياة الإنسان، كثيرٌ من الخير يحصل للإنسان بواسطة الدعاء، كثيرٌ من الشر يُصرف عن الإنسان بواسطة الدعاء، الدعاء يرد القضاء وقد أبرم إبراماً، الدعاء مع العمل، مع التقوى، مع الاستجابة، مع الاتجاه الإيماني، له بركات، له نتائج، وله أثر إيجابي كبير؛ لإن الإنسان يعيش مع الله حالة الرجاء لله، التوجه إلى الله، الأمل في الله، هي حالة إيمانية عظيمة، ولها آثارها المهمة جدًّا.

أيضاً ضمن الأدعية: يدعو الإنسان بما يهمه من أمور دينه ونجاته وفوزه، لا يكون حال الإنسان في دعائه لا يهتم إلا بمطالبه الدنيوية، واحتياجاته الخاصة فقط، مثل من حكى الله عنهم في قصة الحج: {مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}[البقرة: من الآية200]، ليس عنده أي طلب يتعلق بالآخرة، لا يطلب حتى الجنة ولا النجاة من النار، كل طلباته في حاجاته العاجلة في هذه الدنيا.

الإنسان عليه أن يحمل الوعي تجاه الأمور المهمة بالنسبة له، وتكون ضمن اهتماماته، وفضل الله واسع للدنيا والآخرة؛ ولهذا قال: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا}[البقرة: 201-202]، الإنسان يلحظ أن يدعو الله بالأمور المهمة، ادعُ الله بالنجاة والعتق من النار، اطلب المغفرة من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، احرص على طلب المغفرة، تب إلى الله، جدد التوبة، احرص على التخلص من الذنوب والمعاصي، اطلب من الله التوفيق، اطلب من الله الفوز بمرضاته، اطلب من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ما أرشدك إليه في القرآن، في الأدعية القرآنية: أن يوفِّقك، أن يثبتك، أن لا يُزغ قلبك: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}[آل عمران: من الآية8]، كم من الناس تزيغ قلوبهم بعد أن ساروا لزمن في طريق الهداية، لكن ساروا ولم يتجهوا الاتجاه الذي يأخذون فيه بأسباب التوفيق؛ وبالتالي ينحرفون في مرحلة معينة، أو يأتيهم الزيغ في مرحلة معينة، اطلب من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ما يتعلق بواقعك وأمتك، أن يوفِّقَك، أن ينصر أمتك، أن ينصر إخوتك المجاهدين، أن يكتب النصر على الأعداءـ ادعُ بالنصر، ادعُ بالتوفيق، ادعُ بالفرج للأُمَّة، أدعية مهمة، وكما قلنا هناك أدعية ممكن الاستفادة منها، والأدعية المأثورة كذلك.

ثم أمورك الخاصة، لا يعني ذلك أن يترك الإنسان أموره الخاصة، مطلوب من الإنسان أن يدعو في أموره الشخصية، متطلباته: يسأل من الله الرزق، الخير، البركات، يطلب احتياجات خاصة هو في أمسِّ الحاجة اليها، الناس في ظروفهم المختلفة كُلٌّ له ظروفه، كُلٌّ له همومه، كُلٌّ له مشاكله، كُلٌّ له معاناته، والمسألة ليس فيها تعقيد ما بين الإنسان وبين الله، أمور مبسطة، اطلب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأسأله وادعوه حتى بلهجتك العادية، وَقَدِّم إليه شكواك، وبُثَّهُ همك، وناجي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بما تعانيه، هي فرصة عظيمة للدعاء في خير الدنيا والآخرة.

مع الدعاء يكون لدى الإنسان وعي أيضاً بأهمية الأخذ بأسباب الاستجابة؛ ولهذا أتى في الآية المباركة: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، هناك أسباب للاستجابة، وأسباب عملية ترتبط بالدعاء، مثلاً: عندما ندعو الله بالنصر، نحرص على أن نستجيب لله في الجهاد في سبيله، والعمل في سبيله، والتحرك في سبيله، والإسهام في سبيله، والإنفاق في سبيله، نعمل ما أمرنا أن نعمل، الدعاء ليس بديلاً عن العمل فيما أمرنا الله أن نعمله، الدعاء مع العمل، مع الاستجابة، وتأتي النتائج.

ثم فيما يتعلق بالأعمال: من أهم ما ينبغي أن نفهمه عن شهر رمضان، ومن أهم ما في شهر رمضان، ومن أعظم ما في شهر رمضان، هو: ليلة القدر، ليلة القدر. للأسف الشديد، مع أن حديث القرآن عن ليلة القدر حديث مهم جدًّا، وعظيم جدًّا، ومؤثر جدًّا، ويُقَدِّم أهميتها بما لا مزيد عليه، إلا أن الكثير من المسلمين، الذين يسمعون تلك الآيات، ويقرؤون تلك الآيات، لا يتجهون إلى اغتنام الفرصة، وإدراك عظمة وأهمية تلك الليلة، شيء عجيب! يعني: البعض من الناس لا يهتمون بها بقدر اهتمامهم بكرة القدم، في موسم كأس العالم، في موسم كأس العالم، ونحن- كما قلنا في كلمة سابقة- لا نريد أن نقول موقفاً تجاه الأنشطة الرياضية، نقول عن مستوى التفاعل، عن مستوى الاهتمام، عن مستوى التركيز، عن وضع الأمور في مواضعها.

ليلة القدر ليلةٌ عظيمة ذات أهمية كبيرة جدًّا، كيف هو حديث القرآن عنها؟ يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[القدر: الآية1]، القرآن الكريم، ليلة نزول القرآن، القرآن بشأنه العظيم، بشأنه العظيم الذي فيه نجاة البشرية، خلاص البشرية، القرآن كتاب الله، وحيه، هديه، تعليماته المباركة، نزلت في ليلة القدر، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}[القدر: 1-2]، يقول المفسِّرون أنَّ الله خاطب بهذا حتى نبيه، نبيه محمداً “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، بما منحه الله من العلم، والمعرفة، والهداية، والنور، والزكاء، والذكاء، والفهم، والمعرفة، مدينة العلم، يقول الله له: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}، عظمة ليلة القدر، وفضل ليلة القدر، وأهمية ليلة القدر، تفوق مستوى ما يمكن أن يتخيَّله، أو يستوعبه، أو يصل فهم الإنسان إلى استيعابه بشكلٍ كامل كل إنسان، يعني: تفوق قدرة تخيل أي إنسان، الله يقول للنبي: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}، ليلة عظيمة الشأن جدًّا، ذات أهمية كبيرة جدًّا.

{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[القدر: 3]، عمر كامل، هذه الليلة أفضل قد تساوي من زمن هو استوعب عمر الإنسان، كثيرٌ من الناس قد لا يتجاوز عمره الثمانين عاماً، فليلة القدر لها أهمية عظيمة جدًّا، وتمثل نقلةً كبيرةً جدًّا لمن استثمر هذه الليلة، وفاز بها، واغتنمها، وكتب له الخير فيها، تغيِّر مجرى حياته، وتنقله نقلةً هائلة.

{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}[القدر: 3-5]، نزول ملائكة الله من سماواته إلى الأرض بشكلٍ غير مسبوق، مرتبط بتدبير من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، تدبير إلهي يتعلق بواقع البشر في الأرض، في كثيرٍ من أمورهم التفصيلية المتعلِّقة بحياتهم ومستقبلهم خلال العام، تلك الليلة يقول الله عنها: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}[الدخان: الآية4]، كثير من التقدير الإلهي المتعلِّق بواقعي وواقعك وواقع كل الناس، ينزل في تلك الليلة، بما يرتبط به من ترتيبات وإجراءات وتهيئة في الأرض، يعني: ليلة مصيرية للإنسان، ليلة مصيرية لعامك القادم، ليلة متعلِّقة بحياتك، وما يُكتب لك أو عليك، لماذا تتجاهل هذه الليلة؟! لماذا لا تلتفت إلى أهمية هذه الليلة؟ {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}.

ولذلك من البداية يحسب الإنسان حساب ليلة القدر، يعني: من أول ما تدخل في شهر رمضان وأنت مستحضر لهذه الليلة؛ لأن الإنسان إذا فكَّر ألَّا يهتم بليلة القدر، إلا من العشر الأواخر مثلاً؛ فقد تفوته، قد لا يتوفَّق لها، أنت بحاجة إلى الاستفادة من كل الشهر للتهيئة الذهنية والنفسية، والتقرب إلى الله، والخلاص من الذنوب، واكتساب الشعور بالقرب من الله أكثر، واستجابة الدعاء أكثر، وتحقيق شرائط عملية معينة ترتقي بك، لتهيئك لتنال خيراً عظيماً، وفضلاً كبيراً، وليكتب الله لك- وهو رب العالمين، والحي القيوم، المدبر لأمور عباده- ما تأمله من فضله ورضوانه ورحمته، هذه مسألة مهمة، الإنسان يزيد اهتمامه في العشر الأواخر بالتأكيد، مطلوب أن يزيد اهتمامه، ورسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” حثَّ على ذلك، وعملياً عُرِفَ عنه ذلك، أنَّه كان أكثر اهتماماً بالعشر الأواخر، لكن لا يهمل الإنسان من بداية شهر رمضان.

مضاعفة الأجر والثواب في شهر رمضان إلى سبعين ضعفاً، في ليلة القدر إلى عشرات آلاف الأضعاف، لكن هذا يحتاج إلى التقوى، ليكون عمل الإنسان مقبولاً، مقبولاً.

في الرواية المباركة التي نقرأها في كلمة التهيئة، نذكر مقتبساتٍ منها: ((عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، قَالَ: خَطَبَ رَسُوْلُ اللَّهِ خَطَبَ رَسُوْلُ اللَّهِ “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” فِي آخِرِ جُمعَةٍ مِنْ شَهرِ شَعْبَان))، يعني: في السياق الذي قلنا عن: التهيئة الذهنية والنفسية، وشد النظر إلى أهمية شهر رمضان، ((فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَليهِ، ثُمَ قَال: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكُم شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر))، لاحظوا، يعني: أول ما تحدث عن شهر رمضان، تحدث عن ليلة القدر؛ لأهمية هذه الليلة، لأهميتها أن تهتم بشهر رمضان من أوله، تركيز منذ البداية؛ لأجل الأخذ بأسباب التوفيق لها.

((وَهُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فَرَضَ اللَّهُ “عَزَّ وَجَلَّ” صِيَامَهُ))، يحذر الإنسان من التفريط، التفريط في صيام شهر رمضان، ممن ليس له عذر شرعي، ليس مريضاً، ولا على سفر؛ وإنما من أجل الأهواء، أو النساء- مثلاً- قد يكون لهُنَّ أيضاً عذرٌ شرعي، لكن في بعض الحالات، مثلاً: كالدورة الشهرية، أو في حالة النفساء، لكن في غير ذلك، في غير ذلك الحالة التي يصح من الإنسان الصيام، وليس له عذرٌ في الإفطار، من كبائر الذنوب، ومن أعظم المعاصي أن يفطر الإنسان في نهار رمضان.

((وَجَعَلَ قِيَامَ لَيْلَةٍ مِنْهُ بِتَطوُّعِ صَلَاةٍ، كَمَنْ تَطَوَّعَ سَبْعِينَ لَيْلَةً فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الشُّهُور))، والإنسان بحاجة إلى أن يكون جزءاً من أعماله واهتماماته في شهر رمضان، هو: التطوع بصلاة النافلة؛ لأن لها فضلها، وأجرها، وأهميتها، لها فضلها الكبير، أثرها الروحي في الشعور بالقرب من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في تزكية النفس، في الذكر والتذكر لله، جزء من اهتمام الإنسان: الصلاة النافلة، ولا سيما صلاة الليل، صلاة الليل ذات أهمية كبيرة، ثمان ركعات بتسليمتين بعد كل ركعتين، يسلِّم الإنسان بعد كل ركعتين، ثم يصلي ركعتين ويسلِّم… وهكذا ثمان ركعات، ثم يكمل بعدها صلاة الوتر، صلاة الليل ذات فضل عظيم، وشأن كبير جدًّا، ويمكن للإنسان أن يزيد غيرها، كلما زاد؛ فهو أفضل وأكثر، أعظم أجراً.

((كَمَنْ تَطَوَّعَ سَبْعِينَ لَيْلَةً فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الشُّهُور))، لاحظ الفضل والأجر الكبير والعظيم، ((وَجَعَلَ لِمَنْ تَطَوَّعَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الخَيرِ وَالبِرِّ كَأَجْرِ مَنْ أَدَّى فَرِيضةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ “عَزَّ وَجَلَّ” فِيمَا سِوَاه))، يعني: رفع لمستوى قيمة الأعمال في أجرها، وفضلها، وأثرها، وبركاتها، ونتائجها؛ لترقى إلى مستوى الفرائض في ذلك كله، عظمة الأجر، والثواب، والبركة، والخير، والمنزلة عند الله.

((وَمَنْ أدَّى فَرِيضةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّه “عَزَّ وَجَلَّ” فِيهِ، كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضةً مِنْ فَرائِضِ اللَّه “عَزَّ وَجَلَّ” فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الشُّهُور))، الأجر مضاعف إلى سبعين ضعفاً، هذه مسألة مهمة للإنسان، نقلة كبيرة يمكن أن تتحقق للإنسان، ورصيداً هائلاً يمكن أن يحصل عليه في موسم الخير والبركات، في شهر رمضان.

من الأشياء المهمة: العناية بالفرائض، في مقدِّمتها: فرائض الصلوات؛ لأن البعض من الناس يتهاون بها، والبعض يتهاون- مثلاً- بفريضة صلاة الجمعة، ينام عنها، ويتعمَّد ذلك، ليس عنده اهتمام لأن يستيقظ لها، وهذا خطأ، هي الصلاة الوسطى، {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}[البقرة: من الآية238]، البعض يُفَرِّط إمَّا في صلاة الفجر، أو في صلاة المغرب، مسألة خطيرة جدًّا، لا قبول للأعمال إذا تعمَّد الإنسان أن يفرِّط في صلاته الفريضة، فهي من كبائر الذنوب، ولا قبول لأي عملٍ يعمله، لا لصيامه، ولا لبقية أعماله، فتكون مما يحرص الإنسان عليه: العناية بفرائض الله، وفي مقدِّمتها: الصلاة الفريضة.

((وَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ، وَإِنَّ الصَّبْرَ ثَوَابُهُ الجَنَّة))، شهر تتعود فيه على الصبر، وتمارس فيه الصبر، وتتروَّض فيه على الصبر، والناس يحتاجون إلى الصبر في كل أمور حياتهم، في أعمالهم، في مسؤولياتهم، في مواجهة التحديات، في التحمل للصعوبات، في كل شيء، وعاقبة الصبر في طاعة الله، في الالتزام بتقوى الله، عاقبته الجنة، جنة عظيمة، أجرٌ عظيم، فضلٌ عظيم، عاقبة للسعادة الأبدية، والراحة الأبدية.

((وهو شهر المواساة))؛ ولذلك من الأولويات في شهر رمضان: الإحسان، والعطاء، والمواساة للفقراء والمحتاجين، وصلة الأرحام، بقدر ما يمكن للإنسان، بقدر ما يستطيعه الإنسان، ولو بالقليل؛ لأن أجره عظيم، عندما يكون بحسب ظروف الإنسان، هذه مسألة مهمة جدًّا.

أيضاً العناية بإخراج الزكاة، الزكاة التي هي على رأس الحول، ويعتاد الناس أن يكون رأس الحول فيها هو شهر رمضان، على الإنسان أن يخرج زكاته؛ ليقبل الله منه صلاته، ليقبل منه صيامه، ليقبل منه أعماله، إذا كان على الإنسان هذا الحق وبخل به؛ فهو يفرِّط في ركنٍ من أركان الإسلام، يعصي الله تجاه فريضة من أهم فرائضه؛ وبالتالي هو منحرف عن التقوى، ولا يقبل الله منه لا صلاة، ولا صيام… ولا أي عمل، في الحديث النبوي: ((لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ إِلَّا بِزَكَاة))، الإنسان الذي عليه هذا الحق وفرَّط فيه؛ لا تقبل منه حتى صلاته.

المواساة مهمة جدًّا، نحن في مرحلة وعصر وظروف فيها كثيرٌ من البائسين، من المعانين، من الجائعين، لابدَّ أن يكون هناك مواساة، أجر، وفضل، وقيمة إيمانية وإنسانية، وتعزيز للروابط الاجتماعية، وتجسيد لقيم من أهم قيم الدين، وهي: الرحمة، والله يقول عن المؤمنين: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}[البلد: من الآية17]، والناس بحاجة إلى هذه المواساة، مع صعوبة الحالة المعيشية للكثير من الناس، الذين يعانون حتى في الحصول على القوت الضروري، يعاني حتى أطفالهم من الجوع، فيكون هناك اهتمام كبير ضمن أولويات الإنسان، لا يحذفها الإنسان من أولوياته، يقول: [أنا بصلي لي ركعتين نافلة وبس، ما لي دخل من هذا الجانب]، هذا شيء أساسي، شيء مهم جدًّا، من أهم مواصفات المؤمنين، من أعظم الأعمال قربةً إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

إلى أن يقول عنه: ((فَهُوَ شَهْرٌ أَوَلُهُ رَحْمَة))، يعني: سنختصر؛ لئلا نطيل عليكم، ((فَهُوَ شَهْرٌ أَوَلُهُ رَحْمَةٌ، وَأَوسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وَآخِرُهُ إِجَابَةٌ وَعِتْقٌ مِنْ النَّارِ))، الإنسان إذا توفَّق لأن يحظى في شهر رمضان المبارك بأن يكتبه الله من عتقائه من النار، فهذا فوز عظيم، يعني: ضمنت نجاتك من عذاب الله، مستقبلك الأبدي الذي أنت قادمٌ عليه حتماً في عالم الآخرة، عندما تُكتب لك النجاة من النار، معنى هذا: أنَّ الله سيمدك بالتوفيق في بقية عمرك، يمدك بالتوفيق، ويرعاك بالتوفيق حتى تلقى الله وهو راضٍ عنك، ويكون مستقبلك إلى الآخرة: الأمان من عذاب الله، والفوز برضوانه وجنته.

المكاسب الكبيرة في رحمة الله ومغفرته، منها جزء كبير يعود إلى عاجل الدنيا، رحمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” جزءٌ كبيرٌ منها يأتي في الدنيا، وجزءٌ عظيمٌ جدًّا في الآخرة، ولكن في عاجل الدنيا هناك أيضاً ما يُقَدِّمُه الله من واسع رحمته، والأمَّة بحاجة إلى رحمة الله، والإنسان على المستوى الشخصي بحاجة إلى رحمة الله في كل أمور حياته، وظروف حياته.

من أهم ما يتعلق بشهر رمضان: أنَّه ليس فقط موسم للأعمال العبادية على المستوى الروحي، مِن تطوع النوافل، من الأعمال التي هي أذكار وأدعية فقط، شهر رمضان من أهم المواسم للجهاد في سبيل الله. الجهاد في سبيل الله في أجره وفضله، {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً}[النساء: 95-96]، الأعمال الجهادية في شهر رمضان أجرها فوق ما يمكن أن يتخيله الإنسان؛ لأن المضاعفة أصلاً في الأعمال الجهادية هي سبعمائة ضعف في غير رمضان، عندما ذكر الله الإنفاق، ومثَّل له بالمثل المعروف في الآية المباركة (مثل السنبلة)، بسبعمائة ضعف في غير شهر رمضان، كيف هي الأضعاف في شهر رمضان مع السبعين، إذا تضاعفت السبعمائة الضعف إلى سبعين ضعفاً؟ كيف ستصل؟ فضل الإنفاق في سبيل الله، الجهاد في سبيل الله بالنفس، بالمال، بالأعمال التي لها صلة بهذا الجانب، أجرها كبير، وفضلها عظيم.

ولذلك كان من أهم ما ركَّز عليه النبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”- وهو الأسوة والقدوة، الذي قال الله لنا عنه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: الآية21]- الجهاد في شهر رمضان؛ ولذلك لم يكن عطلة عندما يكون هناك تحديات، تواجه الأمة مخاطر، عليها أن تتحرك؛ ولهذا كانت غزوة بدرٍ الكبرى في شهر رمضان، وهذا من البركات لهذا الشهر المبارك، أن كان فيه (يوم الفرقان)، المعركة التي كانت فارقة في واقع المسلمين، وفي الفصل بين الإسلام والطاغوت بالنصر الإلهيٍ المبين، والترسيخ لدعائم الإسلام، وابتداء مرحلة جديدة حاسمة في تاريخ البشرية، وفتح مكة، فتح مكة كان في الوقت الذي قد فُرِضَ فيه الصيام، في الوقت الذي كان قد فُرِضَ فيه الصيام، وهو كان إنجازاً تاريخياً مفصلياً عظيماً، وكان بعده متغيِّرات كبيرة جدًّا في واقع الأمة في التهيئة لأمر الإسلام، ودخول الناس في دين الله أفواجاً، وصنع متغيِّرات كبيرة جدًّا، كانت في شهر رمضان المبارك.

في ظل الوضع الذي تعيشه الأمة، والتحديات والمخاطر، وما يواجهه الشعب الفلسطيني المظلوم، والعدوان الإجرامي الوحشي الهمجي على قطاع غزة، من توفيق الله، من توفيق الله- وله الحمد، وله الشكر- أننا ندخل في هذا الشهر المبارك، ونحن في حالة جهاد، هذه نعمة كبيرة جدًّا، جهاد في سبيل الله، ونصرة للشعب الفلسطيني، ووقوف إلى جانبه بكل ما نستطيع، بالصواريخ المجنَّحة والباليستية، وبالطائرات المُسَيَّرة، بالقتال، وبالمال، وبالتحرك الشعبي الواسع.

أنا لا أستبعد أن يكون لدى الكثير من الناس حالة ملل، لا سيما من الخروج الأسبوعي، مع أنه من أبسط الأعمال، الخروج لساعتين في ميدان السبعين في الأسبوع، يعني: أنت تُفرِّغ ساعتين من أسبوع، لتتحرك في موقفٍ عظيم، لتكون جزءاً من هذا الموقف، وليكون خروجك جزءاً من جهادك، في مرحلة من أهم المراحل، التي لو وصل الإنسان فيها إلى درجة ألَّا يكون لديه أي إسهام، ولا موقف، ولا عمل، ولا تحرك تجاه ما يحصل من عدوان إجرامي وحشي، وجرائم إبادة جماعية ضد إخوته المسلمين في فلسطين، في قطاع غزة؛ لكان هذا من أكبر الإخلال بالتقوى، ما اتقى الله، من وصل إلى درجة ألَّا يهمه ما يحدث هناك، وألَّا يسهم بأي إسهام، وألَّا يبالي بما يحصل، ما اتقى الله، أين هو من مرتبة التقوى، ورسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” يقول: ((مَنْ أَصْبَحَ لاَ يَهْتَمُّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَيْسَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ سَمِعَ مُسْلِماً يُنَادِي: يَا لَلْمُسْلِمِينَ))، كم هي نداءات أهل غزة! كم هي نداءات رجالهم ونسائهم وأطفالهم لهذه الأمة، ولكن كثيرٌ من أبناء الأمة قابل تلك النداءات بالصمم، كأنه أصم، كأنه لا يسمع.

إذا كان الإنسان يُعجِزه أن يخرج لساعتين في الأسبوع، من ساعات كل الأسبوع؛ فقد وصل إلى درجة هابطة من الاهتمام، ضعيفة من الروح الإيمانية والجهادية، والاستشعار لأهمية هذا الموقف، وأهمية هذا العمل؛ لأنه بالنسبة لنا ليس لوحده، ليست المسألة فقط مسألة مظاهرات، المظاهرات هي مرتبطة تماماً مع الموقف الصاروخي، مع القتال، مع المسيَّرات؛ ولذلك الأمريكي عندما يأتيه الصاروخ إلى بارجته في البحر، وتأتيه المسيَّرة إلى بارجته أو سفينته في البحر، تلك الصواريخ التي منعت السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي من المرور والعبور عبر باب المندب والبحر الأحمر، يرى أنَّ وراءها هذا الطوفان البشري، المتفاعل، المتَّجه هذا التوجه، المستعد ليس فقط أن يخرج إلى ميدان السبعين، أو أن يخرج في محافظة من المحافظات، والخروج في المحافظات كبير، وعظيم، ومهم، ومشرِّف، وضروري، هو العدو يحسب حساب أنَّ وراء تلك العمليات هذا التوجه، هذا التفاعل، وهذا يغلق على العدو أن يعمل على إعاقة ذلك الفعل العسكري القتالي المباشر، من خلال تَلَعُّب في الوضع الداخلي، وصرف للاهتمامات، وصرف لاتجاه الناس.

أيضاً يهيئ الإنسان، الاهتمام ببعض الأمور البسيطة يهيئ الإنسان لما هو أكبر، ويكون سبباً لتوفيق الله له في ما هو أكبر، ويعبِّر عن استعداد نفسي وذهني وعملي لما هو أكبر، وعلى الإنسان أن يغتنم فرصة الأمور التي لها هذه القيمة: أنها تهيئه لما هو أكبر؛ ولذلك مما له صلة تامة بالتقوى، {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، أن يبقى لدينا اهتمامنا، اهتمامنا بالجهاد في سبيل الله، هذا شرفٌ يا شعبنا العزيز شرَّفك الله به، وفَّقك له، أن تكون شعباً حراً، أنت اليوم في صدارة شعوب أمتك الإسلامية حُريَّة، وعزة، وكرامة، وقوة، أنت تخرج بكل عزة، بكل إباء، بكل حرية، بكل شموخ، لتهتف بكل وضوح، وتصرخ بكل وضوح في وجه أمريكا الشيطان الأكبر، وضد العدو الإسرائيلي، هذا موقف لا يتاح لكثير من الشعوب.

هي نعمة، هي نعمة، ماذا يقول الله عن ذلك في القرآن الكريم؟ {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}[المائدة: من الآية54]، أن نكون شعباً مجاهداً، يحمل همَّ أمته، يستشعر ما تعانيه أمته، والمظلومون من أبناء أمته، يستشعر تلك المأساة، والمعاناة، والمظلومية للشعب الفلسطيني، المظلومية الرهيب، التي لا يصل الإنسان إلى درجة ألَّا يبالي بها، وأن يجرؤ على تجاهلها، إلَّا وقد فقد إنسانيته، أصبح من أولئك الذين قال الله عنهم: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}[الأعراف: من الآية179]، ثور، ثور، بده يجي بقرة، بده أي صنف من الأصناف، {كَالْأَنْعَامِ}، أيُّ بلادة، أيُّ تحجر، أيُّ قسوة، أيُّ غفلة تصل بالإنسان إلى أن يتجاهل تلك المأساة! مأساة كبيرة، مأساة رهيبة! جرائم إبادة جماعية، استغاثة وصرخات وبكاء للأطفال والنساء، وأمة المليار وثمانمائة مليون مسلم، أو الملياري مسلم، تصم الآذان وتتجاهل، عار، خزي!

من النعمة ألَّا يكون الإنسان ممن يعيشون ذلك الخزي، وأن يكون في موقف مشرِّف، يرضي الله، يبرئ ذمته أمام الله، كن في الموقف الذي يبرئ ذمتك؛ لأنك ستلقى الله، وتحاسب، وتساءل، وتجازى.

من أعظم الأعمال قربةً إلى الله، ومن المسؤوليات الأساسية ذات العلاقة بالتقوى، أن يبقى لدينا اهتمام بذلك، وأن نعمل ما يجب أن نعمل، ما يمكن أن نعمل، ما له أهمية أن نعمل.

إذا وصلت الحال أن يسكت العالم الإسلامي، أن تسكت الشعوب، ألَّا يبقى لها صوت، ولا حركة، ولا تظاهرة، ولا موقف، ولا فعل، ولا تعاون مالي… ولا أي شيء، هذه حالة خطيرة، لها تبعات، لها نتائج، عليها عقوبات، والأمة الإسلامية ستعاقب على تفريطها، وعلى تقصيرها الكبير تجاه ما يحصل في غزة، يُنجِّي الله الذين اتقوا، ويؤاخذ بعقوباته المتنوعة، وإليه أمر العباد بما يريد ويشاء؛ لكن من النجاة للإنسان، من الفوز، من الشرف، حتى الإنسانية، إنسانيتك، تبقى إنساناً، لك قلب، لك شعور، لك ضمير، لك إحساس؛ ولذلك تتحرك وتخرج.

لا ينبغي للإنسان بحجة الصوم أن يشطب هذه المسألة من اهتماماته، هذه من صميم التقوى، ومن أهم ما في التقوى، ليبقى لدينا اهتمام بتقوى الله في الأمور الكبيرة جدًّا، هذه أمور كبيرة كبيرة كبيرة، يمكن للإنسان بأي إساءةٍ فيها، أو تفريطٍ فيها، أن يواجه خطراً كبيراً على دينه.

ما يجري في غزة هو جزء من الاستهداف لأمة بكلها، نحن أمةٌ بكلنا أمة مستهدفة، تلك معركة من معارك الاستهداف للأمة، إذا لم نكن في حالة يقظة، إذا لم نحمل راية الجهاد، إذا لم نحمل الاهتمام بأمور المسلمين، وأمورنا نحن، عندما نقول: الاهتمام بأمر المسلمين، نحن جزء من هذه الأمة، فهي حالة خطيرة جدًّا، الأمة مستهدفة في كل شيء: في دينها وفي دنياها.

والتقوى في مجال الصراع مع أعداء هذه الأمة، هي التي قال عنها الله في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران: الآية102]، الإنسان قد يموت على غير الإسلام؛ نتيجةً لتفريطه في تقوى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” تجاه خطر الأعداء على دينه وأمته، يصل إلى حالة المسخ والعياذ بالله، ولذلك تبقى هذه المسألة من صميم اهتماماتنا.

إذا استجدت في شهر رمضان مستجدات معينة، نواكبها- إن شاء الله- بما نلمس من توفيق الله، وما نرجوه من توفيق الله لنا ولكم، فيما علينا أن نقوم به إن شاء الله، لكن ستستمر عملياتنا إن شاء الله، تستمر أنشطتنا في معظمها، قد يكون هناك بعض الأنشطة التي تخفف أو تُقلَّص، لكن هناك أنشطة أساسية وضرورية، ينبغي أن تستمر، وسنرقب المستجدات والأحداث هناك، ونبقى على مواكبة بشأن ذلك.

لكن لله وفي سبيل الله، ومن صميم ديننا، من إيماننا يا يمن الإيمان، من التقوى لله “تَبَارَكَ وَتَعَالَى”، أن يبقى الاهتمام بهذه المسألة في ضمن أولوياتنا الكبرى، وليس ضمن هامشيات أعمالنا.

نَسْألُ اللَّه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُبَارِكَ لنَا وَلَكُم فِي هَذَا الشَّهرِ الكَرِيم، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِصِيَامِهِ وَقِيَامِهِ، وَلِصَالِحِ الأَعمَالِ فِيْهِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا فِيْهِ مِنْ عُتَقَائِه وَنُقَذَائِه مِنَ النَّار.

نَسْألُ اللَّهَ أَنْ يُعَجِّل بِالفَرَج لِلشَّعْبِ الفِلَسْطِيني، وَبِالنَّصر لِلشَّعْبِ الفِلَسْطِينِي.

نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛