الخبر وما وراء الخبر

مفاجآتٌ قادمة.. اليمنُ يواصلُ الخروجَ عن المألوف لوقف الإبادة في غزة

6

ذمــار نـيـوز || تقارير ||

1 مارس 2024مـ -20 شعبان 1445هـ

تقرير || ضرار الطيب

مَثَّــلَ إعلانُ قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، في خطابه الأخير، عن مفاجآت عسكرية قادمة، صدمةً يمنيةً جديدةً لثلاثي العدوان الصهيوني: (الولايات المتحدة وبريطانيا والعدوّ الإسرائيلي)، خُصُوصاً وأن القائد أكّـد بوضوحٍ أن المفاجآتِ ستفوق توقعات الجميع.
هذا يعني أن العدوّ سيقف مجدّدًا أمام تَحَدٍّ عسكري إضافي لم يسبق أن واجهه من قبل؛ لتطول بذلك قائمة الأرقام القياسية الجديدة التي كسرها اليمن في تأريخ العمل العسكري، بدءًا من أول ضربة صاروخية على أم الرشراش المحتلّة والتي اعتبرت كأطول هجوم صاروخي من قاعدة برية في تأريخ الحروب الحديثة، وُصُـولاً إلى أول استخدام لصواريخ بالستية مضادة للسفن في التأريخ، وهي ليست مُجَـرّد أحداث عابرة، بل معادلات وتحولات استراتيجية ثابتة تمكّن اليمن من فرضها على واقع المواجهة باقتدار، متحديًا النفوذ الأمريكي والصهيوني العالمي.

وهذا يعني أيضاً أن المفاجآتِ القادمةَ ستكون تدشينًا لمرحلة جديدة يعلم العدوُّ جيِّدًا أنها ستكونُ كارثيةً بالنظر إلى الآثار الكبيرة والضاغطة التي أحدثها اليمن حتى الآن في معركة إسناد الشعب الفلسطيني وردع العدوان.

إعلانُ قائد الثورة عن المفاجآت القادمة جاء في إطار حديثه عن تمسك اليمن بمسار تصعيد العمليات العسكرية المساندة لقطاع غزة، وبعد تأكيد واضح على النتيجة العكسية للعدوان الأمريكي البريطاني على اليمن، والمتمثلة بالتطور في القدرات العسكرية؛ وهو الأمر الذي أوضح أن الأعداء قد لمسوه.

ولذا فإن العدوّ أمام احتمالات لا يمكنه حصرها بخصوص طبيعة المفاجآت القادمة؛ فبالرغم من أن موضوع تطور القدرات اليمنية يبدو الأكثر ارتباطًا بهذه المفاجآت؛ فَــإنَّ ذلك لا يساعد العدوّ على تضييق دائرة التوقعات، خُصُوصاً وأنه قد تفاجأ أصلًا ومنذ بداية انخراط اليمن في معركة إسناد الشعب الفلسطيني، بالعديد من الأمور التي لم تكن بحسبانه، وقد عبَّر كبارُ القادة في البحرية الأمريكية بوضوحٍ وبعبارات مختلفة عن صدمتهم في مواجهة القدرات البحرية اليمنية خلال الفترة الماضية، وأكّـدوا أن الجيش الأمريكي لا يمتلك معلومات حول مخزون الأسلحة اليمنية.

لقد استطاعت القيادة اليمنية أن تثبت خلال الفترة الماضية أن حسابات العدوّ وتقديراته العملياتية والعسكرية خاطئة ودفعته للاعتراف بذلك؛ وهذا يعني يجعلُه فاقدًا لأَيِّ أَسَاسٍ منطقي يمكنُ أن يبني عليه أية توقعات لما هو قادم؛ الأمر الذي جعل موقفَه أكثر سوءًا من الآن وقبل أن تأتيَ المفاجآت.

وعلاوةً على ذلك، حرص قائدُ الثورة على أن يقطعَ أيَّ أمل للعدو بخصوص إمْكَانية توقُّع المفاجآت القادمة، بل أكّـد أنها ستفوقُ حتى توقُّعاتِ الأصدقاء، وإلى جانب ما يمثِّلُه هذا الأمرُ من دليلٍ على احترافيةٍ كبيرةٍ في إدارةِ المعركة وامتلاك زمام التصعيد فيها، فَــإنَّه يمثل أَيْـضاً حربًا نفسية مؤثِّرة، تدفع العدوَّ نحو اليأسِ والارتباك أكثر؛ لتأتي الضربةُ القادمةُ أشدَّ تأثيرًا.

وقد أكّـد القائد أن المفاجآت ستكون “فاعلة ومؤثرة” وهو ربما التلميح الأهم في الإعلان، خُصُوصاً بالنسبة للعدو الذي قد يذهب كالعادة إلى المكابرة والاعتماد على تقديرات خاطئة يحدّد فيها الخطر القادم بإطار معين يعتقد أنه يستطيع السيطرة عليه أَو تحمله، فتأكيد قائد الثورة هنا على فاعلية وتأثير المفاجآت العسكرية القادمة، ليس للتشويق؛ لأَنَّ العدوّ يعرف الآن جيِّدًا أن القوات المسلحة اليمنية قادرة على إحداث تأثيرات اقتصادية وميدانية مباشرة وغير مسبوقة.

 

احتمالات مرعبة للعدو

وللتوضيح أكثر، فَــإنَّ تأكيدَ قائد الثورة على فاعليةِ المفاجآت القادمة، تدعمُه حقائقُ نجاح القوات المسلحة في حظر الملاحة الصهيونية عبر البحر الأحمر بشكل شبه كامل، وشل حركة ميناء (إيلات) ورفع أسعار مختلف البضائع المستوردة إلى كيان الاحتلال (وقد قالت تقاريرُ عبرية الأسبوع الماضي: إن الزنجبيل أصبح بمثابة “ذهب جديد” في كيان العدوّ بعد أن أَدَّى الحصار اليمني إلى انقطاع وارداته) وُصُـولاً إلى توجيهِ ضربة قوية للصادرات والواردات البريطانية كشف عنها تقرير غرفة التجارة البريطانية الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى رفع كلفة الشحن إلى الولايات المتحدة، فضلًا عن إرساء معادلات عسكرية وجيوسياسية جديدة في البحر.

ونظرًا للمسارِ التصاعُـدي لعمليات القوات المسلحة اليمنية، ولتجربتها العسكرية الفريدة خلال السنوات الماضية، يمكن القول: إن تأثيراتِ المفاجآت القادمة ستبدأُ من حَيثُ وصلت إليه المفاجآتُ السابقة، سواءٌ أكانت هذه التأثيراتُ اقتصاديةً أَو عسكرية؛ وهو ما يفتحُ احتمالاتٍ كُلُّها مرعبةٌ للعدو؛ لأَنَّ اليمنَ بدأ هذه المعركةَ أصلًا من موقعٍ متقدِّمٍ جِـدًّا، وحرَقَ الكثيرَ من المراحل بسرعةٍ كبيرة؛ الأمرُ الذي يجعلُ أُفُقَ التصعيد مخيفًا جِـدًّا بالنسبة للعدو، خُصُوصاً وقد أقر صراحةً بفشله وعجزه.

وبصرف النظرِ عن التوقعات، فَــإنَّ إعلانَ القيادة اليمنية عن التوجُّـهِ نحوَ مفاجآت صادمة للعدو لا يأتي بغرضِ الاستعراض العسكري؛ فالهدفُ الرئيسيُّ للجبهة اليمنية هو إحداثُ تأثيرٍ كافٍ للضغط على الأعداء ودفعهم لوقفِ الإبادةِ الجماعية في غزةَ ورفع الحِصارِ عن الشعب الفلسطيني؛ ولذلك فَــإنَّ التأثيرَ الذي ألمح إليه قائدُ الثورة في حديثه عن المفاجآت القادمة يصُبُّ في هذا الاتّجاه بلا شك؛ الأمر الذي يعني أن الولاياتِ المتحدةَ الأمريكية أَو بريطانيا أَو الكيان الصهيوني، وربما، جميعُهم على موعدٍ مع وَجَعٍ أكبرَ يجعلُهم أشدَّ “اضطرارًا” لوقف العدوان على غزةَ وإدخَال المؤن والمساعدات للفلسطينيين؛ أي أن التأثيرَ الذي ستُحدِثُه المفاجآتُ القادمةُ لن يكونَ منفصلًا عن الوضع في غزة، وهو في الحقيقة أمرٌ قد أثبتت القيادة اليمنية احترافيةً عاليةً فيه خلال الأشهر الماضية، حَيثُ استطاعت أن توجّـهَ تأثيرَ عمليات الرد على العدوان الأمريكي البريطاني في الاتّجاه المسانِد للشعب الفلسطيني، سواء على مستوى لَفْتِ أنظار العالم لضرورة وقف العدوان على غزة، أَو على مستوى الضغط الاقتصادي المباشر الذي لم تستطع الحكومتان الأمريكية والبريطانية احتواءه وتغييبَه عن الجماهير، وقد قاطع متظاهرونَ الأسبوعَ الماضيَ جلسةَ استماعٍ في مجلس الشيوخ الأمريكي حول مِلَفِّ اليمنِ والبحر الأحمر، وقال أحدُ المحتجين: “أنتم تعرفون جيِّدًا أن الحَلَّ هو وقفُ الإبادة الجماعية في غزةً”.