خصائصَ الاشتباك مع العدو الصهيوني من منظور خطاب السيد حسن نصر الله
ذمــار نـيـوز || تقارير ||
14 فبراير 2024مـ -4 شعبان 1445هـ
رأى الأمينُ العام لحزب الله اللبناني، سماحة السيد حسن نصر الله، أنه وخلال “130 يوماً من الصمود الأُسطوري للمقاومين في غزة ومن البطولات التي تصل إلى حَــدِّ الإعجاز والصبر الذي لا مثيل له في التاريخ، يقابلها 130 يوماً من الفشل “الإسرائيلي” وعجزه عن تحقيق الأهداف، و129 يوماً من الدعم والإسناد والتضامن من دول محور المقاومة والعديد من شعوب العالم” ومنها المقاومة الإسلامية في لبنان.
وقال سماحتهُ في خطابٍ له في الحفل التكريمي للجرحى والأسرى المقاومين، الثلاثاء: “أمام ما يجري في غزة فالمصلحة الوطنية في دول المنطقة قبل المصلحة الفلسطينية هي في خروج الكيان “الإسرائيلي” مهزوماً، مؤكّـداً أن “ما نقوم به في جبهتنا اللبنانية هي مسؤوليةٌ وطنيةٌ، ونحن في جبهتنا اللبنانية منسجمون مع إنسانيتنا ومع قيمنا الأخلاقية ومع مسؤوليتنا الشرعية والدينية، ويجب أن نعد للقيامة جوابًا، وفي هذا لا تأخُذُنا لومة لائم”.
وأظهر الاشتباكُ القائمُ على الحدود اللبنانية الفلسطينية المحتلّة تفوُّقاً لبنانياً على العدوّ “الإسرائيلي” في عملية إدارة ميدان المعركة والسيطرة على قواعد الاشتباك، وفي النتائج الحاصلة أَيْـضاً والتي لها تأثير استراتيجي أكثر مما هو تكتيكي، ويصب في المصلحة اللبنانية، وهو الأمر الذي أكّـد عليه السيد نصر الله بالقول: إنّ “فتح الجبهة اللبنانية مع الاحتلال شكّل مصلحة وطنية بالدرجة الأولى لمنع انتصار “إسرائيل”، موضحًا أن “المشكلةَ هي في اعتبار البعض ألا جدوى مما نقوم به في الجبهة اللبنانية وهذا أمر كارثي وهناك أطراف لها أحكام مسبقة أياً تكن الإنجازاتُ والانتصارات وتصف ما يتحقّق بأنه إنجاز وهمي، وفي الجلسات الداخلية هؤلاء الذين لديهم مواقف مسبقة يعترفون بالإنجازات لكن علنًا لا يقرّون ورغم هزيمة المقاومة لجيش الاحتلال الذي لا يُقهر فَــإنَّ البعض يجادل بجدوى المقاومة، وهذه الفئة التي تدّعي أن “القانون الدولي يحمينا” وتجادل في جدوى المقاومة “ميؤوس منها”.
لقد شكّلت الجبهة اللبنانية والاشتباك القائم فيها بين المقاومة اللبنانية والعدوّ “الإسرائيلي”، انعطافاً كَبيراً في الأحداث التي تلت عملية (طُـوفان الأقصى) في السابع من أُكتوبر الماضي، وعن أبرز الخصائص التي ميزت هذا الاشتباك قدم السيد نصر الله تقييماَ استراتيجياً لما يحصل على الجبهة اللبنانية، مؤكّـداً أن “اليوم الجبهة المفتوحة من 129 يوماً ويوميًّا هناك إلحاق خسائر فادحة بالعدوّ لكن هو يقاتل ضمن حدود وضوابط معينة وأن كيان الاحتلال يحسب ألفَ حساب للبنان؛ بسَببِ المقاومة”.
تثبيتُ موازين الردع وتشتيتُ قوة العدوّ
وأسهمت عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان في تشتيت قوى جيش العدوّ “الإسرائيلي” التي كان من المفروض أن تنصَبَّ بأغلبها على العمليات داخل قطاع غزةَ، إلا أنها قد دفعت العدوَّ إلى توزيعها واقتطاع جزء كبير منها وتحويلها نحو جبهة لبنان، وهو ما أشار السيد نصر الله إليه، أن “العالم يرسلُ الوفود؛ بسبب الجبهة الجنوبية وهذه التجربة اليوم ثبّتت موازين الردع وأثبتت أن لبنان لديه قوة رادعة وَزيارات الموفدين الغربيين إلى لبنان لها هدف وحيد وهو “حماية “إسرائيل” وإعادة المستوطنين إلى الشمال”، والوفود الغربية لا تتناول في أوراقها أي أمر يتعلق بما يحصل في غزة من عدوان وجرائم”.
وهو ما أكّـد عليه مراقبون أنهُ بالإضافة إلى تشتيت القوة فَــإنَّ عمليات إسناد المقاومة من لبنان، أحدثت خللاً في ميزان الردع مع العدوّ “الإسرائيلي”؛ إذ إنها شكّلت صدمة كبيرة لدى كيان العدوّ؛ لناحية أنه كان يعتقد المقاومة الفلسطينية مردوعة، إلا أن العملية أثبتت عكس ذلك، ليتضح أن النهج “الإسرائيلي” الذي كان قائماً، بالقضم التدريجي لقدرات المقاومة واحتوائها، أنه كان تقييماً خاطئاً، وأتت عمليات الإسناد من لبنان لتؤكّـد أن الردع “الإسرائيلي” لحركات الجهاد والمقاومة هو محض توهم وغير صحيح عمليًّا.
وبالإضافة لتشتيت القوة والإخلال في ميزان الردع، فَــإنَّ عمليات الإسناد من لبنان أظهرت مدى التطور الذي وصلت إليه المقاومة -حزب الله- والتطور النوعي في الأداء، ففي الوقت الذي كان العدوّ وعلى مر سنين يؤكّـد تماسك وقوة الردع بوجه المقاومة، كانت المقاومة في لبنان تؤكّـد دائماً على مدى استعدادها وعملها الدائم على تطوير قدراتها وإمْكَانياتها وهو ما ظهر جليًّا بعد عملية (طُـوفان الأقصى).
العين على غزة وكل الاحتمالات مفتوحة
بالنسبة إلى لبنان ومقاومته، فالقتال في الجنوب هي عملية وقائية ضرورية استباقاً لأية نوايا عدوانية؛ وتمهيداً للدفاع في حال حصول مواجهة من خلال منع الجيش الاحتلال من اتِّخاذ تموضع مريح له على الجبهة، ولكن في الوقت ذاته هي عملية إسناد ودعم للمقاومة في غزة، في هذا السياق، جدّد السيد نصر الله بالقول: “إنّنا نتابع كُـلّ التطورات في المنطقة، وكل الاحتمالات مفتوحة”، مُضيفاً “نحن نقاتل في الجنوب، وأعيننا على غزة”، ومؤكّـداً أنّ “إطلاق النار سيقف في الجنوب عند إيقاف العدوان وإطلاق النار في غزّة”.
وردّ السيد نصر الله على تهديدات وزير أمن الاحتلال، يوآف غالانت، “الذي قال إنّه سيكمل في الجنوب”، قائلاً: “إذا لم تُرد وقف الحرب معنا، فأهلاً وسهلاً.. ونحن نكمل في الجنوب”.
وَأَضَـافَ، أنّ المقاومة “ستعود إلى المعادلات التي كانت قائمةً، وستكون ردودنا متناسبة وهي دائماً فعّالة ومؤثّرة، حين يوقف العدوّ الحرب على غزّة”، محذّراً من أنّه إذَا “نفّذ العدوّ تهديداته ضدّنا، عليه أن يدرك أن المئة ألف مستوطن الذين غادروا الشمال لن يعودوا”.
كما حذّر “من يهدّدنا بتوسيع الحرب”، مؤكّـداً أنّنا “سنوسّع إذَا وسّع، وَإذَا اعتقد أنّ المقاومة قد تشعُرُ بخوف، فهو مشتبِهٌ تماماً”.
وشدّد السيد نصر الله على أنّ “المقاومة اليوم أكثر يقيناً وأشدّ عزماً على الاستعداد لمواجهة العدوّ، على أي مستوى كان”، مؤكّـداً أنّ “على العدوّ أن يمارس فعل الهزيمة، ويوقف العدوان على غزة”، واصفاً هذا الأمر بـ”الانتصار بحدّ ذاته لمحور المقاومة”.
وفي ردٍّ على وزير الأمن “الإسرائيلي”، قال السيد نصر الله: إنّ “عليه أنّ “يدرك أنّه إذَا شنّ حرباً علينا، فَــإنَّه سيكون لديه مليونا نازح من الشمال، وليس مئة ألف فقط”.
وكانت صحيفة “إسرائيل هيوم” قد أشَارَت إلى هذه الوضعية مباشرة بعد بدء المقاومة في لبنان تنفيذ عملياتها، وقالت: “كان الهدف من هذه الأنشطة أَيْـضاً جذب وإشغال الجيش الإسرائيلي بقوات كبيرة في الشمال؛ مِن أجل جعل المناورة في الجنوب أكثر صعوبة”.
لبنان يفرض شروطه
ويرى السيد نصر الله أنّه يمكن اختصار مبادرات وطروحات الوفود الغربية بالقول: “علينا الدفع سلفاً، وعالوعد يا كمّون”، مُضيفاً أنّ هذه الوفود “التي تستعين بتصريحات إسرائيلية، تحاول التهويل علينا”.
كذلك، شدّد الأمين العام لحزب الله على أنّ “المكاسب السياسية التي يتم التلويح بها لنا، من هنا وهناك، لن تؤثّر علينا، ولن تجعلنا نوقف الجبهة”.
إلى جانب ما سبق، أكّـد السيد نصر الله أنّ الاحتلال الإسرائيلي “ليس في موضع فرض الشروط على لبنان، بل هو الضعيف والمأزوم”، داعياً الجانب اللبناني في المقابل إلى “وضع شروطٍ إضافيةٍ، غير تنفيذ القرار 1701”.
وأشَارَ السيد نصر الله إلى وجود “جوٍّ كبيرٍ من التهويل في لبنان، يشارك فيه سياسيون وشخصيات، يرقى إلى مستوى الانحطاط الأخلاقي والسفالة”، لافتاً أَيْـضاً إلى أنّ “هناك أطرافاً في لبنان تهوّل على أهل الجنوب ببدء الحرب، وهذا يُعدُّ أسفل السافلين”.
وتوجّـه السيد نصر الله إلى هؤلاء مؤكّـداً: “مهما هوّلتم علينا، فلن نرضخ وحتى لو نفّذتم حرباً علينا، فنحن لن نوقف جبهة الجنوب حتى يتوقّف العدوان على غزة”.
ولفت الأمين العام لحزب الله إلى أنّ “ثمّة من يتّصل بأهل الجنوب، ويدعو إلى إخلاء المنازل وزرع البلبلة خدمةً للعدو”، حاثًّا على “الانتباه إلى الحرب النفسية التي يشنّها العدوّ وأطراف يخدمونه، وإلى ما يُشاع في مواقع التواصل؛ بهَدفِ تخويف الناس، والمسّ بإرادتهم وموقفهم”.
بالمحصلة، تتراكم الأحداث، التي من شأنها أن تشكل في هذه الفترة مؤشرات على تغيير جذري في الردع تجاه كيان العدوّ، والتي يُنظر إليها الآن على أنها جزء من سيناريو وحدة الساحات، ويزيد من حدة المعضلة “الإسرائيلية” فيما يتعلق بالتعامل مع أي تهديد قادم للمقاومة في لبنان، التي فرضت قاعدة اشتباك تمثلت بحرب متوسطة الشدة فهي لا ترتقي إلى مستوى الحرب الشاملة نتيجة حصرها ضمن مناطق جغرافية محدّدة وفي ظل حصر الاستهداف بأغلبيته بالقدرات العسكري “البشرية واللوجستية”، والتي من خصائصها أنها اشتباك جبهوي ممتد زمنياً، كما تطرق لذلك السيد نصر الله في خطابه الأخير.