ملحمة طوفان الأقصى: بين كشف المستور وإفشال المخطط الأمريكي الصهيوني
تحليل// حيّان نيّوف
لعلّ الإنجاز الأكثر أهمية لملحمة طوفان الأقصى يتمثّل بإخراج المخطط الأمريكي الصهيوني في الشرق الأوسط من السرّ إلى العلن، وكشف المستور الذي كانت تخطط له واشنطن وتل أبيب، ومن خلفهما الغرب الجماعي والحلفاء الإقليميين وتحديدا الاعضاء فيما يعرف بمنتدى النقب.
ولعلّ هذا العنوان يشكّل التقييم الدقيق لحقيقة ما جرى ويجري منذ يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر التاريخي، وليس كما ادّعى البعض من أصحاب نظريات المؤامرة بأن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني سمحوا بعملية “طوفان الأقصى” ليتثنى لهم لاحقاً تنفيذ مخططهم واستراتيجيتهم الإقليمية.
يشير توالي الأحداث وتسارعها وانعكاساتها وما رافقها من نتائج ومواقف وتحركات إقليمية ودولية إلى حقيقة لا يمكن القفز فوقها عند تقييمنا لها، هذه الحقيقة تقول بأن القضية لا تتوقف عند حدود فلسطين المحتلة ولا عند حدود الإقليم، بل تتعدى ذلك إلى كونها جزء من الصراع العالمي بكل أبعاده الجيوسياسية والإقتصادية، ويؤكد ذلك ما دلت عليه التمايزات في المواقف والتي وصلت حد الإصطفافات.
بالعودة إلى قراءة ما قبل الحدث فإنه لا بد من المرور على نتائج الصراع العالمي إقليميا وعالميا لكي نتمكن في فهم أهمية الحدث و توقيته ونتائجه.
وفي هذا الإطار يمكن القول بإن الغرب الجماعي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية شهد تراجعاً في النفوذ و هزائم استراتيجية عديدة يمكن إيجازها بالآتي:
• فشل الهجوم الأوكراني المضاد وتصدع الحلف الداعم لأوكرانيا.
• تراجع النفوذ الغربي في أفريقيا لصالح روسيا بعد انقلابات متتالية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
• حسم الصراع في القوقاز لصالح اذربيجان واعتمادها سياسة مصالحة وحوار مع طهران وموسكو بدلا من المواجهة التي سعى إليها الغرب.
• توسيع منظمة بريكس بعد إضافة ست دول ذات دور محوري وثقل نوعي تمثل الجنوب العالمي المتنوع.
• المصالحة الإيرانية السعودية برعاية الصين وانعكاساتها على استراتيجية الولايات المتحدة التفجيرية في الشرق الأوسط واسيا.
• إسدال الستار على مشروع “الربيع العربي” بعد عودة سورية للجامعة العربية.
• التغلغل الصيني في الشرق الأوسط بدءا من اتفاقية الشراكة مع ايران ومرورا بالقمة العربية الصينية في جدة وانتهاء بزيارة الرئيس السوري إلى الصين.
• الفشل الأمريكي في الإستحواذ على جغرافيا آسيا الوسطى الشديدة الأهمية.
• العجز الأميركي عن إيقاف مشروع الحزام والطريق الصيني على الرغم من العراقيل المتنوعة والخبيثة التي لجأ إليها الغرب الجماعي.
• العجز الغربي عن إيقاف عجلة التطور التكنولوجي العسكري للدول المنافسة والصاعدة وعلى رأسها روسيا و الصين وإيران، وخاصة في مجالات تقنية السلاح الحديث الصاروخي و الفرط صوتي و الليزري ، بل وعجزه حتى عن اللحاق بتلك الدول.
• وأخيرا ، العجز الغربي عن إيقاف الإنهيار المتسارع للنظام العالمي القائم على هيمنة الولايات المتحدة المطلقة.
في ظل كل تلك العوامل والإخفاقات الغربية، كان لا بد للولايات المتحدة الامريكية من تبديل استراتيجيتها العالمية انطلاقاً من الشرق الأوسط نظرا للموقع الجيوسياسي الفريد الذي تتمتع به هذه المنطقة و الدور التاريخي الذي لعبته في حسم الصراعات والهيمنة على العالم، وهو ما أعاد هذه المنطقة إلى واجهة الإهتمام العالمي ولتكون محورا للإستراتيجيات الأمريكية الجديدة وبما يسمح لها بفرض هيمنتها عليها من جديد وإحكام قبضتها على دولها ليتثى لها لاحقا التحكم بالعالم بعد ان اسقطتها من اولوياتها الرئيسية في السنوات الأخيرة لصالح مناطق اخرى في في شرق اوروبا وجنوب شرق آسيا و المحيط الهادئ وغيرها.
تمثل المخطط الأمريكي الجديد للهيمنة على الشرق الأوسط بدمج الكيان الصهيوني في الإقليم أولا ثم تسييده عليه لاحقا وإطلاق يده للتحكم بالمنطقة ككل، ولأجل ذلك تمّ اعتماد ثلاثة محاور رئيسية لتحقيق ذلك وهي:
• مشروع منتدى حلف النقب
• مشروع التطبيع السعودي – الإسرائيلي
• مشروع الممر الهندي السعودي الإسرائيلي
تدرك الولايات المتحدة بأن تلك المشاريع الثلاثة دونها عوائق حقيقية لتنفيذها ونجاحها ، وهذه العوائق تتمثل بشكل رئيسي بالقضية الفلسطينية وما تمثله كقضية إقليمية ودولية وتشابكاتها و تبنيها من قبل محور المقاومة المهادي للغرب و المدعوم من قبل حلفائه في موسكو وبكين، فكان لا بد بالنسبة للغرب الجماعي من تصفية هذه القضية ليتمكن من تنفيذ المشاريع الثلاثة وتحقيق اهدافه، وهو ما بدأ الغرب الجماعي بالعمل عليه سياسيا وعسكريا، ولعل الجانب السياسي كان متقدما على الجانب العسكري الذي بقي خفيا ، وهو ما دلت عليه الإندفاعة السعودية للتطبيع مع الكيان الصهيوني، هذا التطبيع كاد أن يكون وشيكا ويغير المعادلات الإقليمية لانه كان سيفضي لاحقا لانضمام الرياض لحلف النقب ، وايضا إنجاح مشروع الممر الهندي، وتصفية القضية
الفلسطينية وإنشاء وطن بديل للفلسطينين وتنصيب اسرائيل على رأس محور إقليمي داعم و مساند للغرب الجماعي ممثلا بحلف الناتو وقادر على مواجهة قوى الشرق و الجنوب الصاعدة وإعادة تثبيت الهيمنة الغربية على العالم من بوابة الشرق الأوسط.
في مواجهة كل ذلك جاءت ملحمة طوفان الأقصى لتكشف المستور وتخرج ما كان مخفيا إلى العلن قبل إتمامه ، وتوالت فصول المخطط الاميركي الصهيوني بالظهور بعد أن بقيت طي الكتمان وعلى رأسها تصفية المقاومة في فلسطين أولا وفي لبنان تاليا ووتهجير الفلسطينيين من غزة اولا ومن الضفة لاحقا، وهو ما أكدته التصريحات العلنية لقادة الكيان الصهيوني و قادة دول اقليمية ، وهو ايضا ما يفسر التقاطر الغربي على مستوى المسؤولين السياسيين والعسكريين وقادة الدول إلى تل ابيب وعلى رأسهم الرئيس الامريكي جو بايدن، والمسارعة لإرسال البوارج و حاملات الطائرات، وأكثر ما يؤكد ذلك هو استلام الولايات المتحدة لزمام القرار الصهيوني بعد فرضت حكومة طوارئ عسكرية على الكيان بإشرافها ولتنفيذ قراراتها.
في هذا الإطار فإنه لا بد من التعريج على آخر التطورات التي برزت بالأمس ودلالاتها وارتباطها بما أوردناه أعلاه حتى يتثى لنا فهم المشهد كاملا، ويمكن تلخيص تطورات الامس بثلاثة مواقف من المهم الوقوف عندها:
1ــ وقاحة بايدن خلال زيارته للكيان الصهيوني في التغطية على مجزرة مستشفى المعمداني.
2ــ اقتراح السيسي بتهجير فلسطيني غزة إلى صحراء النقب، و الموقف الحاد لممثل مصر في الأمم المتحدة والذي اعتبر فيه المجزرة ضمن خطة ممنهجة.
3ــ الدعوات التي وجهتها بعض الدول إلى رعاياها في لبنان بالمغادرة فورا او بعدم السفر الى لبنان.
الموقف الأول يكشف ما تحدثنا عنه بأن هناك مخطط جيوسياسي أميركي في المنطقة ليس وليد اللحظة بل تم الإعداد له مسبقا، وأدواته الإرهاب الصهيوني المغطى والمدعوم أميركيا وغربيا، وأن هذا المخطط الأميركي بات من اولويات الإستراتيجيات الأمريكية في الإقليم والعالم.
الموقف الثاني يكشف بأن مصر استيقظت فجأة لتكتشف بأن الشراكة التي أقامها معها الغرب الجماعي وخاصة الولايات المتحدة والتي كانت تظنها شراكة استراتيجية لم تكن سوى دور وظيفي موكل لها تمهيدا لتنفيذ المخططات الامريكية الإسرائيلية على حسابها، وأنها باتت تحت الخطر المباشر.
الموقف الثالث يكشف بأن الخوف الأمريكي الغربي الاسرائيلي من الفشل مرتبط بشل رئيسي بالخوف من قدرات المقاومة اللبنانية وتهديدها المباشر والحقيقي للوجود الإسرائيلي ، وبالتالي فإن موقف حزب الله هو ما سيقرر دفن المخطط الامريكي الصهيوني بشكل نهائي وأن هذا الموقف وتوقيته تقرره الإستراتيجيات الحالية والمستقبلية وحركة التحول التاريخي في إطار المواجهة والصراع الوجودي مع هذا الكيان.
*العهد الأخباري