زفاف الشهيد بين جغرافيتين
بقلم / على احمد شرف الدين
كم هو عظيم استقبال الشهداء من مجتمع امتلأ بالامتنان والتقدير لتضحياتهم، وشعر بالتقصير تجاههم، لم أتوقع أن أجد نفسي اجتهد في مصابرتي للبكاء، مع اني لا أشعر بالأسى، بل أفيض بالفرح بموكب الزفاف المهيب للشهداء.
بعد أن شارف العام على الانقضاء منذ انطلق هذا العدوان على بلدنا هذه هي المرة الأولى التي شاركت في تشييع شهداء خارج صعدة، وشتان بين الحالين!
طبول البرع وتغاريد النساء وجموع المهنئين وسكينة الجموع التي تكتض بها الساحات وهي تهتف “لبيك يا شهيد” كلها مظاهر تفاجأت حين عشتها مع أني أشاهدها كل يوم على شاشة التلفزيون، ولكن في لحظتها تذكرت كم هو مظلوم الشهيد في صعدة، وقفز إلى خاطري مشهد صلاتنا على شهداء مجزرة وادي صبر، ولا أدري أكان المصلون أكثر من الشهداء أم كان الشهداء أكثر من المصلين عليهم! وقائلهم يحث على المسارعة، والمبادرة بالصلاة، ودفن الجثامين والاشلاء، قبل أن يستهدف العدوان بطائراته تلك المجموعة.
مشهد آخر تذكرته، وهو مشهد تشييعنا للشهيد هاشم الحمران، حيث أجلناه من عصر اليوم الأول إلى صباح اليوم الثاني، بعد أن حاول العدوان استهداف روضة الشهداء بغارتين حينها، بالرغم من أن كل شهيد لا يشيعه إلا خاصته من الاهل والأصحاب، بحيث لا يشكلون أي مظهر تجمع لافت، يكون هدفا لطيران العدوان، في حين غفلة من الناس، وفعلا، حضرنا في اليوم التالي كل على حدة، و لم نتحرك إلا حين تحرك جثمان الشهيد من المستشفى، وحين وصلت ترجلت من سيارتي التي اوقفتها على نحو نصف كيلو متر من روضة الشهداء، ووجدت قرابة العشرين شخصا من أهل وأصدقاء وزملاء الشهيد قد استظلوا تحت بعض الأشجار، وما أن وصل جثمان الشهيد حتى أدينا واجب الصلاة عليه، وقبل أن نكمل تسوية القبر تفرقنا سريعا لنترك أصحاب الروضة يكملون عملهم، وكل يحمل في صدره شعور الراحة بإنجاز هذه المهمة التي لا تكون محفوفة بالمخاطر إلا في صعدة، التى أعلنها العدوان منطقة عسكرية!
سيان تضحية الشهداء بغض النظر عن كل مقاييس الجغرافيا والزمان، فوعي ذويهم بما قدمه الشهداء هو الرافعة التي تعزز الصمود، ولكن شتان بين طريقة زفافهم إلى رياضهم مع اختلاف الظروف المحيطة، بسبب العدوان، ولكنهم جميعا معراج نصرنا في نهاية المطاف، وسيشهدون فرحتنا بالنصر، ويشاركوننا شفاء صدورنا غدا ان شاء الله.