لماذا ركّز خطاب السيّد نصر الله على التهديدات بالاغتيالات الإسرائيلية ونهب أمريكا الثروات النفطية في شرق الفرات؟
بقلم// عبد الباري عطوان
عندما يريد السيد حسن نصر الله الخروج الى الرأي العام اللبناني والعربي لتوجيه ما لديه من رسائل الى الجهات المعنية، فانه لا يعجز عن إيجاد المناسبة، او المنابر لتوجيهها بالتالي، وهذه القاعدة تنطبق حرفيا على خطابه الذي القاه مساء امس الاثنين بمناسبة الذكرى السادسة لتحرير “الجرود الشرقية”، وقبل وصول المبعوث الأمريكي، الإسرائيلي الولاء والتربية، عاموس هوكشتاين الى بيروت لبحث التوتر المتصاعد على الجبهة الحدودية اللبنانية الفلسطينية المحتلة.
***
ثلاث رسائل أراد السيد نصر الله توجيهها تعكس ملامح استراتيجية محور المقاومة واذرعه الضاربة، وتوجهاته واولوياته العسكرية والسياسية المقبلة:
الأولى: الرد المباشر والقوي على التهديدات الإسرائيلية بإغتيال قيادات عسكرية فلسطينية على الساحة اللبنانية، وخاصة صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” وأحد أبرز مهندسي الانتفاضة المسلحة في الضفة الغربية، وزياد النخالة زعيم حركة “الجهاد الإسلامي”، وقال السيد بكل وضوح “ان المقاومة الإسلامية في لبنان سترد بقوة، ولن تسكت على أي عملية اغتيال على الأراضي اللبنانية، تطال لبنانيا او فلسطينيا او إيرانيا، والسيد اذا قال فعل.
الثانية، كانت موجهة الى الولايات المتحدة الامريكية وعملائها في شرق الفرات، عندما تطرق بشكل مباشر، وربما للمرة الأولى، في جزء رئيسي من الخطاب الى “ان اهم حقول الغاز والنفط السوري شرق الفرات ثروات محتلة ينهبها الامريكيون، ويمنعون عودتها الى سيادة الدولة السورية، والمقاومة قادرة على تحريرها، والقتال القادم الى شرق الفرات قد يتحول الى حرب إقليمية”.
الثالثة: رسالة موجهة الى الداخل اللبناني جانبها الأول تطميني، والثاني تحذيري، فقد أكد ان الحوار بين “حزب الله” والتيار الوطني الحر يتقدم، وشدد على متانة التحالف مع حركة امل ورئيسها السيد نبيه بري، والسير “على درب الامام الصدر في المقاومة والدفاع عن القضية الفلسطينية والايمان بلبنان الذي يأبى التقسيم والتفتيت”، مكررا بأنه “لن يسمح بأن يأتي رئيسا للبنان لبناء دولة تواجه “حزب الله” لا مواجهة مشاكل الناس، ويخدم إسرائيل”.
سنركز في هذا الحيز على الرسالتين الاولى والمتعلقة بالاغتيالات لقادة المقاومة اللبنانية والفلسطينية، والثانية والمفاجئة المتعلقة بشرق الفرات، وعودة الدعم الأمريكي للجماعات الإرهابية لزعزعة أمن العراق واستقراره، ونترك الثالثة لأهل مكة.
السيد نصر الله الذي يملك جهازا أمنيا ربما الأقوى في المنطقة، بدرك جيدا ان هذه التهديدات الإسرائيلية بإغتيال قادة لبنانيين وفلسطينيين “جدية” لعدة أسباب ابرزها فشل العدو الإسرائيلي في السيطرة على المقاومة في الداخل الفلسطيني، التي يؤكد مؤشرها البياني على تصاعدها بشكل متسارع، وامتلاكها أسلحة متطورة جدا، أبرزها البنادق الآلية المصنوعة محليا، ووصول تكنولوجيا الصواريخ، سواء المضادة للدروع (كورنيت) او القاصفة للمستوطنات والبنى التحتية الإسرائيلية، وقريبا المسيّرات، والمسألة مسألة وقت لا أكثر، ولا أقل.
اطلاق بنيامين نتنياهو هذه التهديدات بالاغتيال محاولة يائسة لغطاء فشل حكومته، وإنهيار الردع الأمني والعسكري، وتعاظم قدرات المقاومة، وفقدان الثقة من قبل الرأي العام الاسرائيلي في حكومته وجيشه، وأصاب السيد نصر الله عندما قال “ان العدو يعيش مأزقا وجوديا تاريخيا ولن يجد منه مخرجا”.
هذا الهروب من قبل نتنياهو من هذا المأزق الوجودي الذي يعيشه شخصيا قبل كيانه، ينعكس أيضا في اتهام ايران بدعم المقاومة في الضفة، وتنفيذ خطة إيرانية بزعزعة أمن واستقرار دولته المحتلة، والسؤال الذي نطرحه في هذا الصدد: وما الغرابة في ذلك؟ ولماذا لا تدعم ايران المقاومة في فلسطين المحتلة؟ أليس هذا واجب وطني واخلاقي واسلامي ودولي مشروع؟ ماذا يتوقع من الدولة الإيرانية التي انتهك أمنها، واغتال علماءها، ولا يكف عن التهديدات بإرسال طائراته الامريكية الصنع لضرب منشآتها النووية وبناها التحتية؟ هل يريد من ايران ان تتعاطى مع نظامه العنصري الفاشي بالطريقة نفسها التي تتعاطى فيها دول التطبيع مع غطرسته ومجازره؟
تركيز السيد نصر الله مجددا، وبشكل لافت على الاحتلال الأمريكي لشرق الفرات وعملائه، والتهديد بمواجهته وطرده، ربما يشي بوجود خطة لمحور المقاومة للتركيز على هذا الاحتلال، والعمل على تكثيف الضربات من قبل هذا المحور لإنهائه بالقوة، وحزب الله، ومن قبيل التذكير، لعب دورا كبيرا في التصدي للاحتلال الأمريكي في العراق، وهزيمة الاحتلال جنبا الى جنب مع القوى الوطنية العراقية الأخرى، مثلما تصدت قواته للعناصر المسلحة المدعومة أمريكيا وعربيا لتدمير سورية، وتفكيكها، وإسقاط نظامها، واستبداله بنظام عميل للغرب على غرار ما حدث في عدة دول عربية أخرى تحت مؤامرة ما يسمى بـ”الربيع العربي”.
***
ان المنطقة العربية باتت في انتظار الشرارة التي يمكن ان تفجر الحرب الاقليمية في المنطقة فيما هو قادم من أيام، فهل تتجسد هذه الحرب في عملية إغتيال إسرائيلية يائسة لأحد قادة المقاومة اللبنانية او الفلسطينية على الساحة اللبنانية؟ أم في بدء عملية التحرير لشرق الفرات من قبل فصائل محور المقاومة وعلى رأسها “حزب الله” على القواعد الامريكية، خاصة ان هناك قرارا صدر بإنهاء معاناة الشعب السوري وكل محاولات تجويعه، أبرز بنوده ان هذا الشعب وقيادته لن ينتظرا الموت جوعا واستسلاما للحصار الأمريكي، ونهب ثرواته، وتكرار التجربة العراقية المؤلمة.
المبعوث الامريكي هوكشتاين لا يمكن ان يسارع بزيارة لبنان هذه الأيام لولا ادراكه، وحكومته، وهو الإسرائيلي المتخفي بالجنسية الامريكية، والخادم في جيش الاحتلال، لولا ادراكه ان الحرب باتت وشيكة جدا، وسيركز كل جهوده لمنعها، او تأجيلها عبر نزع فتيل تفجيرها، فهذا مبعوث إسرائيل وليس مبعوثا أمريكيا، فهل سينجح في مهمته؟ لا نعتقد لانه يتعاطى مع الجهة الخطأ أولا، ولا يدرك ان الزمن تغير وان المقاومة مستمرة ولن تتوقف، وأصبحت تملك اليد العليا، وباتت صاحبة قرار الحرب والسلم.. والايام بيننا يا قوم نتنياهو وبن غفير وسموتريتش وهوكتشاين.