ولاية أمر الأمة
بقلم// د.فاطمة بخيت
حدث كبير في يوم مشهود شهده عشرات الآلاف ممن كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك اليوم وهو يعلن على رؤوس الأشهاد ولاية أمر الأمة، ويرفع يد الإمام (علي عليه) السلام عالياً، تأكيداً للجميع بأهمية ذلك البلاغ الذي ما كان له أن يبلغ النّاس به لولا أنّ ربّ العزة والجلال من أمره بتبليغه {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، وقد اتضح حينها لذي عينين ومن ألقى السمع وهو شهيد الأهمية القصوى لذلك البلاغ من خلال الترتيبات التي قام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإعلان عنه وأثناء الإعلان، لا سيما أنّ ذلك الحدث كان قبل رحيله عن هذه الدنيا بشهور، ليشاء الله أن يكون لخاتم الأنبياء والمرسلين من يخلفه ويلي أمر أمته من بعده، كسنة إلهية ثابتة في هداية البشرية بإرسال الرسل وإنزال الكتب واصطفاء ورثة تلك الكتب، وقبل ذلك وخلال أيام الدعوة كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يَذكر للناس في كثير من الأحاديث فضائل الإمام علي (عليه السلام)، كما نزلت فيه العديد من الآيات القرآنية، مما يدل على أنّه الأجدر والأحق لأن يلي أمر المسلمين، وهو من هو منزلة من رسول الله، بل تربى على يديه وترعرع في أحضان هذا الدين، ونهل من نبعه الصافي الزلال، لم يتشرّب خرافات الجاهلية وعصبياتها وهمجيتها، فكان خريج مدرسة المصطفى وتلميذها الأول، لينال وسام الشرف العظيم في حمل لواء هذا الدين بعد رحيله.
إنّ تكرار تلك الأحاديث المتواترة في كثير من المواضع في فضائل الإمام علي وعلو منزلته لدليل جلي وبرهان ساطع أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن لا تبقى حجة للمسلمين أنّه لم يبين لهم بالشكل الكافي أو يوضح لهم كما ينبغي من يلي أمرهم. ومع ذلك ما هي إلا فترة قصيرة وكأن ذلك الحدث العظيم لم يحدث، وذلك البلاغ العظيم لم يكن، فالتفت الأمة على كل ما قيل وما حدث، وبدأ الانحراف يعصف بها، والتآكل ينخر في جسدها، والضلال يخيم عليها، وأصبح من أُلقي على عاتقه ولاية أمر المسلمين يُستبعد عن ساحة المسلمين وعن نظم شؤونهم وتثبيت دعائم هذا الدين التي أسسها وشيدها خاتم الأنبياء والمرسلين، بل حُورب وقُتل في محرابه بسيف محسوب على المسلمين، وقُتل أبنائه من بعده واحدًا تلو الآخر وصولاً إلى عصرنا الحاضر، ليزداد الوضع سوءًا ومأساوية، وكلما تقدم الزمان أكثر زاد الانحراف والضلال بشكل أكبر، وهو ما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كثير من أحاديثه، لتُدجن الأمة شيئاً فشيئاً ليصل بها الحال إلى أن تُفرض عليها ولاية أمر يهودية، ويصبح أعداؤها هم من يتحكمون في شؤونها ويتسلطون عليها ويسيرونها كيفما تقتضيه مشاريعهم الشيطانية، حتى وصل الحال بها إلى ما نراه ونشاهده اليوم من التخبط والذل والهوان وهيمنة الأعداء، فمع ما يحدث من قِبل أعدائها من انتهاكات ضد الإسلام والمسلمين فلا نكاد نسمع صوتاً يصرخ في وجوههم أو يحارب مشاريعهم -رغم فضاعتها وبشاعتها ومعارضتها للنواميس البشرية والتشريعات السماوية- سوى القلة من أحرار العالم، لا سيما من تمسك بولاية من أمرنا الله تعالى بتوليهم.
زيغ كبير عن الطريق الذي رسمه الله ورسوله عندما أعرضت الأمة عن مصادر الهداية (القرآن والعترة) التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مراراً وأكد على التمسك بها، وكلما زاد الإعراض عنها زادت الأمة تيهاً وضلالاً وتخبطاً، يترجم ذلك الوضع الذي تعاني منه اليوم، ومهما حاول المضلون اختلاق المبررات والذرائع التي أدت إلى هذا الوضع، فلن ينتشلها من المستنقع الذي تغرق فيه سوى العودة إلى كتاب الله وعترة نبيه صلوات الله عليه وعلى آله، سفينة النجاة التي من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وتردّى.