الخبر وما وراء الخبر

قراءة في مجموعة (أناجيل) الشعرية.. للأستاذ حاتم محسن شراح

44

قبل أن نلج إلى هذه المجموعة الشعرية التي لم تترك للقارئ والناقد فرصة للمضي قدماً في القراءة إلا ويلزمه الوقوف عندها، وهنا ما كان ينبغي أن نمر ونحن على عتبات المجموعة إلا وتفرض علينا القراءة الوقوف قبل العنوان أن نلحظ حجم المجموعة التي جاءت بحجم الكتاب،

حيث جاءت بالقطع الكامل، ومن ناحية أخرى أصبحت تشبه إلى حدٍ ما المجلة الثقافية بدليل كتابة العنوان باللغتين العربية والإنجليزية وتاريخ الإصدار، ولعل التسمية مجموعة شعرية تعنى بالأولى (مجاميع شعرية)، وحجم كل مجموعة يُعد مجموعةً شعرية بكل المقاييس، وربما تكون هذه المجموعة تحذوا حذو مجموعة (سماوات) المحاولة الناجحة، وكان من المفترض أن يكون هذا الإصدار الثاني، ولكن يبدو أن (منتدى وحي) قطع على نفسه عندما أبرز أسماء الشعراء المفترض مشاركتهم في الإصدار التالي لـ(سماوات)، وهنا لابد من الإشارة أن هذه المجموعة هي تأكيد على نجاح محاولة مجموعة (سماوات) مع فارق تقليص عدد الشعراء واتحاد الرؤية الشعرية، والتي يحاول أصحاب مجموعة (أناجيل) التفرد بها، وبرغم التشابه فالعنوان من حيث أن (سماوات) و(أناجيل) جمع إنجيل، والجمع إشارة إلى المشاركة، ولعل الخوض في موضوع العنوان كونه يقود إلى التعامل مع مدلول المفردة والشعراء لم يغفلوا هذا الجانب عندما أشاروا في ذيل الصفحة السادسة من المجموعة إلى أن هذا العمل هو تبشير بمدرسة أدبية جديدة، وهذا هو مدلول مفردة (إنجيل) التي تعني باللاتينية (البشرى السارة)، وهنا لم يعد هناك مبررٌ لسفر التكوين؛ حيث أظهر اللعبة وكشف السر مبكراً، وأظهر أن هناك من يريد التجديد على قرار الإنجيل الذي جاء مجددا ومكملاً للتوراة، وسفر التكوين هو بمثابة حيثيات التجربة والخروج بتيار شعري لا يتعصب لنوعٍ من الشعر أو مدرسة أو جناح فكري، والانفتاح على الشعر، ولا شيء غير الشعر حتى شعر الأطفال، والذي لأهميته برع فيه شوقي، ولم يجاره في ذلك أحد، ولم تلقى تجربته الاهتمام المطلوب والوقوف عندها بمزيد من الاهتمام، ولعل ما لفت نظري بهذا الخصوص هو في مقطوعة في بداية المجموعة، ولكن ومن خلال معرفتي بحسن المرتضى ومحمد عبد القدوس وهما ممن يجيد العمود بمهارة وتمرس وعلى استعداد على التجريب في بحور الخليل، والتي من خلال الاطلاع على القصائد العمودية يلاحظ استحداث أوزان جديدة لم تألفها الأذن إلا في الشعر الحميني، وكذلك كون الشاعرتين ممن له باعٌ في التعاطي مع الشعر من حيث الدراسة الأكاديمية.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المجموعة من حيث النضوج لا مزيد عليها حيث كمل الشعراء بعضهم البعض؛ كما أن العمل من حيث الكم والكيف والإخراج قد احتاج إلى وقت، وأن التلاقي في الرؤية لم يكن وليد لحظة، وإنما هو ثمرة تعايش وتواؤم الأفكار متحدة مستنيرة الهدف والغاية، لن تتصادم مع أحد بل سوف تلقى القبول والترحاب وسوف تحل الكثير من المعضلات لاتي تعصف بكيان المشهد الشعري، ولعل لمقدمة الأستاذ الدكتور عبد العزيز المقالح الأثر البالغ في تشجيع هذه النهضة الشعرية، والتي قفزت بشجاعة أمام الشائك من الرؤى والتعامل مع الرمز الشعري دون توجس، والعبُّ من آفاق الرمز بشكل مكثف يقود إلى أن هناك احترام للشعر، فالقارئ معاً.

إن ذلك الكم الوافر والمعين الثر من اللغة الشعرية لاتي تستعصي على البحث من حيث احتشاد الصور والرموز والأساطير، والتسابق في الإجادة بين الشعراء لدرجة تجعل القارئ يخيل إليه أنهم ينحتون من صخرة واحدة أو يرشفون من جدول واحد، يُكمل بعضهم بعضاً إذا عزف أحدهم غنى الآخر ورقص الثالث، وإذا زغرد عصفور رسم الآخر لوحةً مبهرة، وعبق الآخر عطرٌ، وتجلى الإبداع في كل القصائد بشكل ملفت، وإن كان من سمة بارزة في هذه المجموعة فهي الإجادة بكل الأشكال الشعرية ابتداءَ بالعمود، وانتهاءً بقصيدة النثر التي حضرت بقوة جاءت من خلال المفردة الشعرية، ومن خلال النضج والقدرة والمهارة في التعاطي معها، ولعل الإشارة إليها من خلال نوعية الخط، وحجم بنط الكتابة جعل القارئ يستمتع بسهولة تتبع نوعية الشعر الذي يبحث عنه حيث أفاد الشعراء من ذلك التنوع بنماذج الخط، ولا أدري لماذا تم وضع البنط الكبير لقصيدة النثر والتي برزت بحضور يواكب ذوق القارئ، كما أنها كانت تريح القارئ من رتابة العمود والتفعيلة.

تحية لهؤلاء الشعراء الذين التحمت قصائدهم في ديوان واحد، صدر عن دار (برنت هاوس) ط1 – في (159 صفحة).