ناتو عربي أم شرق أوسطي لافرق .. حلفاء امريكا مشوشون وخائفون
تقرير / ابراهيم الوادعي
الى الواجهة مجددا يعود الحديث عن ناتو عربي اوشرق اوسطي الفارق ليس كبيرا ، اذا ما أخذ بعين الاعتبار انضمام تركيا الى هذا الحلف او رعايتها اليه الى جانب ” اسرائيل ” التي ستتولى قيادته في الخفاء وهو بالاساس وجد للدفاع عنها في وجه ايران ومحور المقاومة .
منذ بدء المواجهة قبل خمسة اشهر في أوكرانيا اصدرت عدد من الدول العربية في مقدمها دول حليفة لواشنطن بمافي ذلك المملكة السعودية مواقف علنية عن انتهاج الحياد ، مواقف يبدوا انها تندثر وسط دفع امريكي الى قيام حلف شرق اوسطي على غرار حلف الناتو ، وسط ضبابية الصورة لدى حلفاء واشنطن فيما يتصل بجوانب واهداف هذا الحلف والي اين تريد واشنطن الذهاب بدوله ، وافادت وول ستريت جورنال بان الوالايات المتحدة الامريكية عقدت امس الاحد في شرم الشيخ المصرية اجتماعا مع مسئولين عسكريين من ” اسرائيل ” والسعودية وقطر والبحرين والاردن ومصر والامارات والبحرين ، لمعرفة كيف يمكنهم مواجهة تنسيق القدرات في مواجهة قدرات ايران الصاروخية والطائرات بدون طيار ..
كان السيناتور جون ماكين اول من طرح فكرة وجود ” ناتو عربي ” على غرار الناتو في اوروبا وقال حينها امام الكونجرس “أي هدية يمكن ان تقدمها لجيش بلدك حين تقاتل جيوش بالنيابة عنه بل وتدفع من اقتصادها دون ان تتكلف الخزينة الامريكية أي سنت لقاء ذلك ” .
انشاء ناتو شرق اوسطي يعود بجذوره الى ما قبل العام 2011م ، وهناك من يشير الى ان الفكرة طُرحت في منتصف الثمانينيات عندما كان وليام هيكز وزيرًا للخارجية الأميركية ضد الاتحاد السوفياتي، وجرى تجميد المشروع مع نجاح مشروع داعش في اعقاب العام 2011م وسيطرتها على اجزاء كبيرة من العراق وسوريا ، ما وضع امام الامريكيين فرصة لإغراق المنطقة بفوضى عارمة تدوم لعقود كما صرح بذلك قائد عسكري امريكي بالقول ان إنهاء داعش يحتاج لعشرين عاما ، نجحت داعش حينها في قضم محور المقاومة وعزل تواصله الجغرافي.
انقلاب الصورة بعد سنوات من القتال واستعادة محور المقاومة للأراضي التي كانت سيطرة داعش وصولا الى انهاء مشروع داعش بالأساس ، اعاد واشنطن ربما الى التفكير مجددا بإطلاق الناتو العربي ، واستخدام الحكومات الحليفة في المنطقة كورقة مؤجلة ، كما ان الصدام مع روسيا وغدا مع الصين يفرض على الولايات المتحدة اعادة نشر قواتها في مناطق الاحتكاك بالمحيط الهادئ وأوروبا حيث تشتعل المعارك اليوم على اطرافها ، يتوجب ان يكون حلفاء واشنطن على قدر معين من الاستقلالية للدفاع عن أنفسهم بوجه المحور المناهض للولايات المتحدة الامريكية وبالطبع ” اسرائيل ” وهو امر لم تكن الولايات تخفيه ابان عهدي الرئيسين اوباما وترامب ، كما ان الانسحاب من افغانستان اتى ايضا ضمن هذه السياسة الامريكية التي تعيقها بعض الشيء في الشرق الأوسط مخاوف الحليف الصهيوني من تركه عاريا امام إيران وحلف المقاومة .
وتعود فكرة تشكيل الناتو المطروح بشكله الحالي، إلى “جيمس ماتيس لعام 2018 وزير الدفاع الأميركي السابق تحت مسمى تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي، وتتماثل أهدافها مع المطروح راهنا وهو مواجهة المشروع الإيراني في المنطقة وفقا للرؤية الصهيونية.
الخطوات العملية الاولى لنشأة “ناتو الشرق الاوسط ” بدأت عمليا مع بدء العدوان على اليمن والذي لم تغب عن مجرياته ” إسرائيل بحسب تصريح قادتها الذين عدوا ذلك عملا في مواجهة ما يسمونه الاطماع الايرانية ، وتاليا جرى فتح مرر دولي امام كيان العدو الصهيوني الى ميناء ايلات على البحر الاحمر بتنازل مصر عن جزيرتي تيران و صنافير للسعودية ، واخيرا الخطوة الثالثة بإنشاء ما تسميه واشنطن منظومة دفاعية جوية مشتركة بين دول عربية و” إسرائيل ” وهذه الخطوة تمت في دول خليجية بنشر منظومات ردارية صهيونية على ضفاف الخليج ، فيما قال مشرعون اميريكون انهم يعملون على استراتيجية امريكية لدمج الدفاعات الجوية ل 6 بلدان عربية مع ” اسرائيل “.
ووفقا لخبراء فإن “ناتو شرق الأوسط” يهدف إلى تدشين تعاون عسكري، يتصل بالدفاع الصاروخي، والتدريب العسكري، فضلا عن تأسيس درع من أنظمة الدفاع الجوي، الأمر الذي سيوفر حماية من الصواريخ البالستية الإيرانية ، وهو ما يجري حاليا القيام به ويوحي بان الاعلان الاردني جاء لتأكيد وتوصيف الجاري في المنطقة حاليا من نصب منظمات راداريه صهيونية وتوحيدها مع منظمات راداريه لدول عربية حليفه ، والخطوة التالية ما يعمل لآجله الكونجرس من ادراج دول كمصر في منظومة دفاعية شامله لحلفاء واشنطن بما فيهم اسرائيل ، ولاحظنا تقاربا مصريا أكثر مما حدث خلال العقود الماضية منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد .
في السياق يمكن قراءة جولة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على مصر والاردن وتركيا ، ويمكن قراءة التقارب الاماراتي التركي رغم العداء القائم ، ومحاولات كسر الجليد بين مصر وتركيا كما حصل بين تركيا والسعودية ، واشنطن تذهب سريعا في اتجاه تشكيل هذا النوع من التعاون مستفيدة من تجربة الناتو الاوربي الذي يتولى المواجهة مع روسيا في الاراضي الاوكرانية .
تعرف الولايات المتحدة ان معركتها الاساسية ليست مع موسكوا ، وانما مع الصين التي باتت توازن خياراتها في الصبر ومواصلة تجميع القوة او الانقضاض على تايوان وتدشين زعامة الصين عالميا ، وذلك حتما يقتضي المواجهة مع امريكا التي لن تتخلى لبكين عن العالم بسهولة .
العاهل الاردني اعترف بان الحرب الروسية في اوكرانيا وقفت دافعا وراء انشاء هذا الحلف ، الملك عبد الله الثاني وهو أوّل من تحدّث علانيّة عن هذا التّحالف ووجوده على جدول التأسيس، من دون أن يُعطي تفاصيل دقيقة، باستِثناء إنشاء غُرفة عمليّات مُشتركة يتواجد فيها مُمثّلون عن الدّول الأعضاء لبحث التطوّرات العسكريّة في المِنطقة، ومن بينها دولة العدو الإسرائيلي.
نعى بشكل مبطن ولو يذكر ذلك علانية في المقابلة مع القناة الامريكية ، الدّفاع العربيّ المُشترك لمصلحة دفاع عربي إسرائيلي مُشترك يشرعن وجود ” إسرائيل ” في فلسطين والمِنطقة، تحت عُنوان مُواجهة الخطر الإيراني المزعوم ، ويجر المنطقة لتكون صراعا بين المحور الامريكي الغربي والروسي الصيني، لتقاتل الدول العربية تحت الراية الامريكية الغربية مجددا ودون أي مصلحة او مقابل سوى احتفاظ حكامها بكراسيهم .
وقد اعطت امريكا نموذجا من خلال ازاحة عمران خان رئيس وزراء باكستان المقال عن رد واشنطن تجاه من يفكرون بالاقتراب من روسيا او يقفون على الحياد .
ومن الواضح ان الحلفاء العرب الذين لاحول لهم ولاقوه ولا يمتلكون الشجاعة في مواجهة امريكا ، يعتريهم الخوف إزاء الطرح الامريكي الذي ربما يقف خلفه ضغط كبير هذه المرة مع تسارع الاحداث في اوكرانيا وقلق اسرائيلي وجودي ، ويقول الملك الاردني أنه سيكون من أوائل الأشخاص الذين سيؤيدون إنشاء حلف “ناتو” شرق أوسطي، “لكن يجب التفكير في الروابط مع بقية العالم وكيف ننسجم فيه، لذلك يجب أن يكون بيان المهمة واضحا للغاية وإلا سيكون مشوشا للجميع” و ” علينا أن نحدد بوضوح ما هو دورنا ” بالنسبة الى هذا الحلف.
في المقابل فإن زيارة لافروف الى طهران مؤخرا والتي اثمرت عن توقيع اتفاقيا تعزز من الشراكة الروسية الايرانية لا تنفك عن مواجهة هذا الحلف الناشئ فالبلدان اسقطا الدولار الامريكي من كافة التعاملات التجارية بينهما ورفعا منسوبها ، بما في ذلك التعاون الكامل في مجالات الطاقة والغاز وانخراط طهران في التعاون الاستراتيجي مع روسيا والصين ، والبند الخامس للزيارة كان الاتفاق على مواجهة الهيمنة الامريكية عبر بناء تحالفات من الدول الرافضة للهيمنة الامريكية .
7دول عربية حاليًا حليفة للولايات المتحدة من خارج حلف الناتو ، وحسب وسائل الإعلام الصهيونية ، فإن هذا “الناتو” سيضم: “إسرائيل”، الولايات المتحدة، الأردن، مصر، السعودية، الإمارات، البحرين، والسودان ، وقطر
وتظهر تصريحات المسؤولين الصهاينة أن ” اسرائيل “ستلعب دورًا متقدمًا في هذا التحالف . فقد أعلن وزير الدفاع بيني غانتس قبل أيام بناء إسرائيل تحالفًا دفاعيًا جويًا إقليميًا برعاية الولايات المتحدة. وكشفت وسائل إعلام أميركية عن نشر “إسرائيل “منظومات رادار في الإمارات والبحرين ، وحضور عسكرييها اجتماع شرم الشيخ السري الاحد الماضي دليل على ذلك.
وقال وسائل اعلام صهيونية إن التقارير عن إنشاء تحالف دفاعي إقليمي، والذي سيضم “إسرائيل ” وعدد من دول الشرق الأوسط الأخرى، بعث حياة جديدة في الفكرة المألوفة لتأسيس “حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط”.
واعتبرت أن هذا النوع من تحالف الدول العربية، الذي سيقيم مع إسرائيل درعا دفاعيا ضد التهديد المشترك المتمثل في إيران حد وصفها .
محللين صهاينة اشاروا الى الإحاطات التي قدمها مساعدون ومستشارون للرئيس الأميركي بايدن، والتي توحي بأنهم قلقون من مناقشة التحالف العسكري، وبدلا من ذلك يؤكدون على نقطة الحديث المتمثلة في “رفع مستوى اندماج إسرائيل في المنطقة كاستمرار لاتفاقات إبراهيم”.
وبين المضي بحلف شبيه بحلف الناتو او الاكتفاء بإنشاء مظلة دفاعية عربية متقدمة ل “إسرائيل ” فان الامور ستتضح خلال زيارة الرئيس الامريكي جو بايدن الى المنطقة .
وأيا ترسو الصورة فإن من الواضح ان الحكام العرب حلفاء واشنطن يجرون رغما عنهم الى الدفاع عن ” إسرائيل ” بعد ان ظنوا لعقود يؤدون دورا لواشنطن في شيطنة ايران معتقدين بان هذا الدور سيقتصر على الدور الاعلامي او دفع المال في بعض الاحيان كما حدث بسوريا ، لكن الامر يبدوا هذه المرة ذاهب الى ما هو اكبر وهو مهمة الدفاع عن اسرائيل ومن يرفض سيطاح بعرشه .
وبعد اقل من عامين فإن البسمات التي يتبادلها زعماء خليجيون مع قادة الكيان الصهاينة تبين انها تخفي ابتزاز صهيونيا ، وان اتفاقات التطبيع كانت فخا لجرهم الى مواجهات يفترض ان بلدانهم في غنى عنها ، عوضا عن العار والغضب الشعبي الذي سيلحق بهم حين يقفون بجيوشهم للدفاع عن “اسرائيل ” ما قاله العاهل الاردني هو بعض من القلق الذي يعتري حلفاء واشنطن وكلمة السر التي فضحت كواليس الزيارات المكوكية الجارية في المنطقة ، حلفاء واشنطن قلقون ، وكل يستجدي بالأخر .
واذا ما دفع الادارة الامريكية الحالية باتجاه تأسيس حلف على غرار حلف الناتو فمن غير المستبعد ان يرى هذا الحلف يقاتل في اليمن ، الجبهة التي اعجزت امريكا ثماني سنين .