الخبر وما وراء الخبر

الإستسقاء والمؤاخذة الإلهية.

20

بقلم// فاضل الشرقي.

الإستسقاء لغةً: سقي الشيء الماء، الإنسان، الحيوان، الأرض، الزرع، ونحوه، ومنه السَّقَّاء الذي يسقي الناس الماء، وقيل إسم لسحابة عظيمة القطر شديدة الوقع.

وصلاة الإستسقاء سنّة مؤكّدة يصليها المسلمون بكيفيّة مخصوصة لطلب السُّقيا من الله تعالى بإنزال المطر عند الجدب والقحط والجفاف واحتباس المطر عنهم، يخرج فيها إمام المسلمين بجموعهم إلى الجبانة ويصلي بهم جهرًا ويخطب فيهم بلا أذان ولا إقامة يعظهم ويذكرهم، ويظهرون التوبة والإستغفار والرجوع إلى الله عز وجل، وطلب المغفرة بسكينة ووقار وتواضع وتذلل وخشوع وتضرّع وتوبة وعودة وإنابة صادقة إلى الله، ويقدّمون بين يديّ الله ما تيسر من الصّدقة كفّارة لذنوبهم يطعمون بها الفقراء والمساكين والمحتاجين إستحبابًا طلبًا لغيث الرحمة الإلهية واستنزالها.

والإستقاء فعل مشروع، ومشروعيته في الكتاب والسّنّة والعادة الجارية، ومنه فعل نبي الله موسى عليه السلام كما في قوله تعالى في سورة البقرة: (وإذ استسقى موسى لقومه…) وقوله تعالى في سورة الأعراف: (وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه…).

ومنه فعل رسول الله صلوات الله عليه وآله المتكرر في المدينة مع أصحابه، واستسقاء عمر بن الخطاب في عام الرمادة وتوسله بعم رسول الله العباس بن عبدالمطلب.

والجدب والقحط واليباس والجفاف والشدة مؤاخذة من الله عز وجل لعباده وعقوبة لهم بسبب ذنوبهم، وظهور المنكر والفساد، واستفحال الظلم، كيما يعودوا إلى الله، ويكفوا عن ذنوبهم ومعاصيهم وتظالمهم.

ومن هذه الذنوب والمعاصي والآثام ما يتعلق بأفعال وأعمال العباد جميعًا «الرعية» على وجه العموم، وهم سريعون في التوبة والإنابة والإستغفار والعودة إلى الله للحاجة الملحة الإضطرارية في طلب الرزق والكسب المترتب على صلاح أراضيهم ومزارعهم وحيوانتهم وتجارتهم، ومنه قول نبي الله نوح عليه السلام لقومه: (فقلت استغفروا ربّكم إنّه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين، ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا).

ومنها ما يتعلق بالإستجابة والإستقامة على وجه العموم للرعاة والرعية كما في قوله تعالى: (ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون).

ومنها وأهمها ما يتعلق على وجه الخصوص بالحكام والولاة والأنظمة والسلطات المعنيين بإقامة الكتاب، والحكم بالحق والعدل والقسط، وترك الظلم والفساد بكلّ أنواعه وأشكاله، ويستدل عليه بقوله تعالى في أهل الكتاب: (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم…).

وصلاح واستقامة الولاة والحكام والأنظمة والسلطات من أهم مطالب الخيرات والبركات والنعم الواسعة الجليلة، وفسادهم وظلمهم وانحرافهم من أهم ما يؤاخذ به الناس وتعم به البلوى، وتعاقب به الشعوب والمجتمعات، وهو أهم مطلب ينبغي العناية به وتحقيقه، ولا يصح الإقتصار فقط على تأنيب وتوبيخ الشعوب والمجتمعات وتعليق الأمر بهم وعليهم، وهم الأقرب إلى الله من واقع الطلب والإحتياح، وإنما يعاقبون ويؤاخذون بما كسبته أيادي وأعمال الحكام والولاة والمسؤلين الظلمة، واجترحوه من الذنوب والسيئات، واقترفوه من المعاصي والآثام، ومارسوه من ظلم وجور وتعسف وانحراف وفساد، فعلى أيديهم وبهم يقوم الحق والعدل والقسط في أرض الله وبين عباده، وبهم وعلى أيديهم يقع الظلم الكبير وينتشر الفساد الخطير.