الخبر وما وراء الخبر

صعدة حياة ليست كالحياة

142

صدى المسيرة/ أنس القاضي

قُرَى صعدة حقولُ ألغامٍ خطّطتها القنابلُ العنقودية.. منازلُها الريفية البسيطة تحت نيران أسلحة الدمار الشامل المحرمة، ومُدنها، مسارح ليختبر طيارو العُـدْوَان الأَمريكي السعودي دقتهم في إبادة حياة منطقتان بغارةٍ واحدة، وعلى الإجْــرَام يتسابقون، على التفنن في تنفيذ عمليات الأرض المحروقة، قصف الجسور وعبّارات المياه، واستهداف حركة السير، فلا هدفَ عسكرياً هنالك للمعتدين يظهرون معهُ مهاراتهم العسكرية، هَذهِ هي صَعدةُ الأرض الـيَـمَـنية الأولى في تماسها مع العدو تحملُ عبءَ موقعها الجُغرافي، وتدفع ثمن تمسكها بالقضية الوطنية، شهداء من الأَبْـريَاء وحصار وتجويع للأحياء.

 

 

 حياة ليست كالحياة

ونحنُ لم نحلُمْ بأكثر من حياةٍ كالحياة، هكذا يُخلص الشاعر الفلسطيني محمود درويش نزعة الإنْسَـان إلَى حياة حرة كريمة، وحوله دول للعُـدْوَان وأحلافٌ للاستعمار. تَصل صَعدة فلا يتسول منك أبناؤها شفقة، ليس السؤال كيف رأيت مأساتنا؟ لا يصفون ما ترى الكاميرا من جروحهم، بل يسألون كيف مأرب وصنعاء وتعز وعدن وغيرها.. مرورٌ سريعٌ على سيارة في الطريق العام، تُخرِجُ رأسك من النافذة لتدخل هيروشيما المدينة اليابانية التي ألقت أَمريكا عليها قنبلة نووية، الدمار على جانبي الطرق العامة في المدينة، مشافي عيادات صيدليات مدارس مساكن محال تجارية ومحطات مياه ووقود وكهرباء وأسواق، عربات نقل طعام، وسيارات مواطنين، أبراج اتصالات، وكل مقومات الحياة، المنشئات المدنية، التي تدّعي منظمات الغرب الإنْسَـانية حُرمة استهدافها، لكنهم يفعلون وعلى مرأى أنظمة العالم التي ترى بعُيُون أَمريكية، فيما الشعوب يرون الحقيقة، وأولهم شعبنا الـيَـمَـني.

 

على تماس العدو، ووحشيته  

مديرياتُ كمران ورازح وباقم وشدا، وغيرها من المُديريات الحدودية، رَغم أنهُ ليس بها أيَّة مواقع ومراكز عسكرية لقوات الجيش واللجان الشَّـعْـبية، ولا تُستخدم أراضيها كمنطلق للعمليات العسكرية أَوْ مواقع إسناد مدفعي وصاروخي، كما ادعى المعتدون، حيث أن المعركة تدورُ ما وراء حدود هذه المناطق الـيَـمَـنية لا وسطها، إلا أن العدو يتعامل معها كمناطق عسكرية مفتوحة وكمقدمة الجبهات، منذ بداية العُـدْوَان واستهدفت طوالَ الأربعين يوم الأولى للعُـدْوَان التي لم ترد بها القوات الـيَـمَـنية على العدو بطلقة واحدة، وإذا كان طيرانُ العُـدْوَان يستهدف كُلَّ المناطق المدنية الـيَـمَـنية والأحياء السكنية في عموم الجمهورية، إلا أن نصيبَ صعدة ومديرياتها الحدودية يصلُ على 90% مما تُعانيه بقية المُحافظات. ويُمكن تقريبُ الصورة بغارة على الجبهة العسكرية وغارة على القُرى، وغارات انتقامية على القرى كالتي تشهدها صنعاء في حالة تقدم قوات الجيش واللجان الشَّـعْـبية، وبهذا السياق فإن لتقدُّمات العسكرية في موقع الدود وغيرها من الجبال القريبة كتوالق والجبال القريبة من رازح، خففت إلَى حدٍّ ما من قصف العدو للقرى، وخَـاصَّـةً الاستهداف بالمدفعية والهاون، حيث كانت هذه المواقع الحدودية مدفعية تجاه القُرى والطرقات والآمنين.

 

الحياة تحت نيران العُـدْوَان

الزراعةُ هي العمل الرئيسي الذي تقوم عليه الحياة في صعدة، ولا يملك الأهالي غير هذه الأراضي يعيشون من خيراتها، ولا مصدر دخل آخر غيره لو فكروا في النزوح، وغير معقول أن تنزح مديريات بكاملها أَوْ سكان محافظة كاملة، صمدوا في أراضيهم، في منازلهم البسيطة التي تتلقى أطنان المُتفجرات، وفي ظلام دامس، فومضة ضوء واحدة من منزلٍ ما كفيلة أن تلتقطها طائرات العدو وأقماره الصناعية وتقانتها الحديثة لترد بصاروخ أَوْ قذيفة هاون إن لم تكن قنبلة تبيد قرية صغيره بكاملها، كُلّ منزل في صعدة وخَـاصَّـة المديريات الحدودية هو هدف اعتيادي للعدو الذي في سجل أَهْـدَافه منزل مواطن كُلّ يوم، أكان آهِلاً بالسكان أم لا، فيما الطائرات الخَـاصَّـة التي تلتقط الأجسام الحرارية وتطلق الصواريخ ذاتياً، تبحث عن كُلّ كائن حي، محاصرين في منازلهم لا يرَون النهار لأيام ما دام تحليق الطائرات مستمراً كما في الأيام الأولى للعُـدْوَان، ليخرجوا إلَى الضوء قليلاً إلَى المزارع إلَى برك المياه إلَى تجمُّعات أسواق فردية لا تزيد عن 10 أفراد، ويختفي الجميع من على الأرض حين سماع الطيران سواء الطيران الحربي، أَوْ المروحي، أَوْ الحراري ذاتي القصف الذي يُسمونه بـ”الزنانة”.

 

الطرقات والمواصلات

طُرُقات صعدة الأماكن المُفضَّلة لصيد طيران العُـدْوَان واستهدافه للحياة، وفرضه حصاراً خاصّاً مضافاً إلَى حصار الـيَـمَـن العام، طريق صعدة عمران على جانبيه ناقلاتُ الطعام وناقلات الوقود والقمح، تستطيعُ من قرب بقايا الناقلة المحترقة أن ترى الناقلة الأُخْــرَى في نفس الطريق، في حصار عام واستهداف متعمد للحياة في المحافظة، وما استطاع من الطعام النفاذ ودخول صعدة وأفلت من الطيران، فهناك في مران ورازح، جولة أُخْــرَى مع الطيران الأكثر دقةً وحساسيةً في استشعار الحياة لإبادتها، حيث يقصف الطيران كُلّ ما يراه من أنواع المركبات، سواء ناقلات طعام ووقود، أَوْ سيارات مواطنين وسيارات إسعاف، بل إن في مران والملاحيط، يصلُ العُـدْوَان إلَى مستوى استهداف (المُترات)، مما يفاقم الأَزْمَـة الإنْسَـانية أزمة الماء والطعام والدواء، حيث يطبق الطيران على الطرقات والشوارع حصاراً خاصاً لم يحدث من بل في التأريخ، ويجعل من الشوارع فخاً مفتوحاً لقتل المواطنين، المحرومين من حرية التنقل، سواء من الطريق الجبلي أَوْ طريق حرض الساحلي الذي توقفت فيه الحركة تماماً، فيما أبراج الاتصالات مقصوفة، وهذه الخدمة مقطوعة تماماً عن بعض المديريات، فيضطر من يريد إجراء مكالمة هاتفية السفر إلَى مديرية أُخْــرَى تبقى بها برج لم يقصف أَوْ الصعود إلَى أعلى قمم الجبال الشاهقة، ليجد درجه من تغطية الهاتف، وكل هذه التَحَرّكات مخاطرة كبيرة على حياته، قد يذهب ليجري اتصال ولا يعود!.

 

الخدمات الصحية

الخدماتُ الصحيةُ الـيَـمَـنية ككل تعاني من أزمة وصلت إلَى حد توقفها عن أداء خدماتها الصحية الاعتيادية، وأعلن وزارة الصحة عن ذلك، وذلك ما شهدت به المنظمات من أطباء بلا حدود والعفو الدولية وغيرها من المنظمات المحلية، وداخل هذه الأَزْمَـة الصحية في الوطن، مفروض على صعدة وضع خاص أكثر مأساوية، استهدف الطيران كُلّ المستشفيات والوحدات الصحية في مراكز مختلف المديريات، بما فيها مستشفيات أطباء بلا حدود، يُضاف إلَى استهداف المراكز الطبية الذي يُفترَضُ أن يقصدَه المرضى، استهداف العُـدْوَان للطريق العام لسيارات الإسعاف وسيارات المواطنين التي تحاول إخراج الأَمْرَاض والمصابين خارج المديرات أَوْ خارج المدينة، واستهداف السيارات التي يُمكن أن تحمل مواداً دوائية وخَـاصَّـة إلَى المديريات الحدودية، التي لم يبقَ منها من الخدمات الصحية إلا طبيب على موتور يتنقل لضرورة القصوى للمعالجة في المنازل وتحت الشجر لمَن يعانون من حالات خطيرة تفتك بهم وخَـاصَّـةً من الأطفال، حيث ينتشر الملاريا والإسهال في أَوْسَـاطهم، الذي توفى على إثره خمسة أطفال في مديرية مران وحدها، وظهور لحالات مصابة بداء السُّعال الديكي، كما أفاد المواطنون، فيما أغلب الحوامل تتوفى من انعدام الخدمات الصحية أَوْ تُسقط الجنين من رعب دوي الانفجار.

 

أزمة المياه والأغذية، والحياة الاجتماعية

تشهد القرى أزماتِ مياه موسمية في كُلِّ فصل شتاء، وخَـاصَّـة أواخره، وخَـاصَّـةً القرى الجبلية والتي تحصل على المياه من الخزانات والبِرك، أزمة هذا العام للمياه الصالحة للشرب يفاقمها العُـدْوَان واستمرت، من حيث استهدافه لخزانات وحواجز المياه، ومنع الناس من تنظيفها وتهيئة المساقي إليها ككل عام، فيما تتضاعف أزمة الأغذية، مع الحصار الذي يُفرضهُ الطيران باستهدافه للطرقات. توقف بعض الأسر عن العمل الزراعي مصدر دخلهم الوحيد مع تحليق الطيران وقصف العُـدْوَان لمدرجاتهم الزراعية وحقولهم بقنابل عنقودية محرّمة دولياً وقنابل حارقه تدمر التربة، وهذا ما يفاقم الأَزْمَـة التي تزداد مع امتداد زمن العُـدْوَان والحصار من حيث قلّة المنتجات الزراعية، وضعف المردود المالي المرافق لارتفع الأسعار نتيجة الحصار المفروض على البلاد، توقف العمال في المحال التجارية والأَعْمَـال الزراعية أوج أزمة اقتصادية في ضعف القدرة الشرائية لشريحة كبيرة من الأهالي، فيما الحصار الخاص المفروض على قراهم وصعوبة دخول المواد الغذائية أوجد أزمة حتى عند من يملك القدرة الشرائية، وليس انعدام الوقود من الغاز والبترول آخر هذه العوامل التي أوجدها العُـدْوَان لتبقي على الحياة الناس في موت بطيء، ومهما كانت العلاقات الاجتماعية للناس في تراحُم وتكافل تساعدهم على الصمود والحياة في هذه الظروف، إلا أن هذه العلاقات الطيبة لمجتمع صعدة تقف منفردة في مواجهة حصار وتجويع وحرب تحالف دولي، وليس بالإيْمَان وحده يحيى الإنْسَـان!.