الخبر وما وراء الخبر

الإعدام الجماعي بالسعودية.. الشرقية كنواة ملهمة للثورة 3-3

12

بقلم// إسحاق المساوى

لو افترضنا أن احتجاجات المنطقة الشرقية ما زالت نشطة، فهل كان النظام السعودي سينفذ أحكام الإعدام؟ على الأرجح، لا. وعلى الأقل ليس كل هذا العدد دفعة واحدة.

قد يتمادى النظام السعودي ببطشه في حال استمرت الاحتجاجات، ولكنه سيتهاوى لو تمادى الأحرار بالتضحية. بينما تهدئة الوضع بهذه الحصيلة من الخسائر لن يعفي الشرقية من خسائر مضاعفة.

يصعب جداً الوصول مع النظام السعودي إلى اتفاق مالم يكن مرغماً عليه، خصوصاً لو كان وضعه مع الجوار والإقليم لا يخدم. إذ لم يكن الملك الراحل عبدالله في 2011 مبادراً لعملية الإصلاح، مالم يبادر الأحرار لتنظيم الاحتجاجات التي شهدناها في الشرقية تهتف بلا خوف أو وجل: يسقط يسقط آل سعود.

ولم يكن ليبادر النظام السعودي إلى تمكين الوهابية المطلق، مالم يبادر جهيمان العتيبي في 79 إلى حادثة الحرم. ولم يكن ليبادر النظام السعودي إلى وضع نجران على قائمة اهتماماته التنموية والوطنية، مالم يبادر النجرانييون في 2006 إلى استئناف المظاهرات، ولم يكن ليستشعر بأن الجنوب كله جزءاً منه ما لم يعتدِ على اليمن في 2015م. والحال نفسه في القصيم وحائل والجوف والحجاز وغيرها، يثبت أن النظام السعودي “حق الصميل” وفقاً للتعبير المحلي. ولكم في اليمن عبرة يا أولي الألباب، وخلاصٌ.

على المدى البعيد وضمن نفس المسار يتوجب الاهتمام بنشر الوعي بكافة مجالاته ومستوياته والعمل على مراكمة الوعي وتوسيع نطاقه الاجتماعي، أدري مدى صعوبة الأمر لكنه السبيل الوحيد لتحرير النفوس وبناء الأمة بهويتها الإسلامية الإيمانية. فالحقيقة الأكيدة هي أن الخوف يتضاءل ويتراجع أمام الوعي الذي يمثل أهم وسائل مقاومة التخويف.

يرتبط بهذا حقيقة أخرى مفادها أن استراتيجية التخويف وأساليب خلق الصدمة النفسية وكل أشكال الانهيار الكياني للذات الإنسانية، جميعها تفشل أمام الأشخاص الذين يحملون شعور الانتماء لمشروع إيماني ذي أهداف سامية طالما توفر لديهم اليقين بعدالة قضيتهم ونبل غاياتها وحتمية انتصارها. أمثال هؤلاء يمتلكون حصانة تامة ضد الخوف والصدمات، والأهم من هذا أنهم يحققون النصر دائما بالكفاح والصبر والتضحيات.

من هنا يمكن القول بثقة تامة إن الحركة الاحتجاجية في المناطق الشرقية تمثل مفتاح الخلاص والسبيل الأضمن للخروج من متوالية القمع الهمجي والرعب التي يغرق فيها المجتمع فيما تسمى بالسعودية، كونها الفرصة الأوضح لفتح أبواب الثورة الشاملة، وما ينقصها هو المزيد من العزيمة والاهتمام بالتوسع على المستوى الداخلي والخارجي الذي يعاني البطش ذاته، والمعاناة ذاتها.

إن استراتيجية الصمود والتحدي التي أعلنها قائد الثورة عبدالملك بدر الدين الحوثي لمواجهة العدوان الكوني على شعبه، مكنت اليمن من انتصارات لم تكن بحسبان أحد، وفاجأت كل التقديرات السعودية والأمريكية والبريطانية. ومن ذات الاستراتيجية انبثقت استراتيجيات أخرى غيرت المعادلة العسكرية والسياسية والاقتصادية.

بأقل تقدير فإن ثبات الشرقية في وجه القمع لأسابيع يتم فيها تصعيد الاحتجاجات دون تراجع حجمها، ستنكسر معها عقدة الخوف التي يكرس النظام جهده لبقائها. وفي اعتقادي حتماً ستنكسر ليخرج طوفان القهر المكبوت منذ عقود، وحينها يمكن القول للنظام السعودي: “وكأنك يابو زيد ما غزيت”.

على مستوى الواقع السياسي يبدو النظام السعودي الآن في أضعف حالاته من ناحية الصراعات والأحقاد داخل الأسرة الحاكمة، أو الجيش الذي تحطمت هيبته في العدوان على اليمن، أو من ناحية الأرصدة المالية التي استنزافها لرشوة الدول الكبرى لشراء ذمم العالم ناهيكم عن التكاليف الجنونية لحرب اليمن.

ولنضف لهذا أن ابن سلمان جعل نفسه عدوا لكل فئات المجتمع السعودي فسجونه وقوائم ضحاياه مليئة بالمثقفين والليبراليين والمتدينين والأمراء والإخوان… وحتى حلفاء العرش السابقين من آل الشيخ وعلماء الهيئة والإفتاء صاروا ناقمين على ابن سلمان الذي استغنى عنهم وسلبهم صلاحياتهم ناقضا تحالف أجداده معهم، ما يعني خلخلة أهم أعمدة العرش السعودي وركائز شرعيته الدينية المنتحلة.

على المستوى الدولي -وهو ليس محل تعويل استراتيجي – فابن سلمان غير منسجم حالياً معه. وصحيح أن بريطانيا لن تتكرها أداة استعمارها وحيدة، ولم تنس بعد أن الشرقية رفضت قديماً التعاون معها ضد العثمانيين.

وصحيح أن أمريكا إذا شعرت بأن حليفها بحالة خطر وجودي لن تتركه وحيداً، لكن كل هذه العوامل الساندة للنظام السعودي، لم تشكل فارقاً بعدوانه على اليمن، ولم تتمكن من حماية حدوده وحقوله وهيبته، أمام يمني يقاتل بالله وسلاحه.

الشاهد هنا أن الشرقية ستكون نواة ثورة شاملة ملهمة لكل مناطق المملكة، ومحل تأييد واسناد إسلامي وعربي عانى كثيراً من النظام السعودي. ومقومات الشرقية لنجاحها في الثورة على النظام، لا تتوفر بمساحة جغرافية أخرى، ونسأل الله أن يبقينا أحياءً لكتابتها، وأن يميتنا شهداء لنصرة المظلومين والمستضعفين.

بالمناسبة، ماذا لو تكون البداية من هنا؛ الدعوة لإقامة صلاة الغائب على أرواح الشهداء ساحات عامة وبأكبر مشاركة شعبية ممكنة كواجب ديني.

*إسحاق المساوى صحفي يمني مهتم بالشأن السعودي