الخبر وما وراء الخبر

طائفيون يمارسون الإرهاب

877

بقلم / حنان محمد السعيد


 

علمتنا الأيام أن أكثر الأشياء التي نفتقدها، هي أكثر الأشياء التي نسهب في الحديث عنها، فعندما نسرف في الحديث عن الحرية، نحلم بها ليلا ونتغنى بها نهارًا، ونطالب بها لغيرنا، فنحن في أشد درجات الافتقاد لها، وعندما نسهب في شرح معاني الديمقراطية، وما يصح وما لا يصح في أعرافها، فذلك لأننا لم نتمتع بها حقيقة.

إن أكثر الناس حديثاً عن مكافحة الفساد، هم الأفسد على الإطلاق، وأكثرهم تغنيًا بالوطنية، يخونون الوطن كلما حانت الفرصة لهم، وشيوخ السلطان الذين يأمرونك بالزهد والتقشف، هم أكثر الناس تنعماً بنتاج فتاواهم.

ويحضرني الرد الحاسم الذي قاله الكاتب الكبير برناردشو عندما قال له أحد الكتاب “أنا أفضل منك، فإنك تكتب بحثاً عن المال، وأنا أكتب بحثاً عن الشرف، فيرد برناردشو: صدقت، كلانا يبحث عمّا ينقصه!”.

ولذلك كلما سمعت أحدهم يتكلم عن الإرهاب، أنتظر على الفور حدوث أعمال إرهابية، وليس ذلك عن ثقة في بعد نظر وخبرة واطّلاع المتحدث، ولكن لأن أكثر الجهات حديثاً عن الإرهاب، هي أكثر الجهات التي تمارسه ليلاً ونهاراً، بدعوى حماية نفسها من هذا الكائن الذي هي – في حقيقة الأمر – قد صنعته وغذّته وأطلقته على أهدافها ليفتح لها الباب واسعاً على مصراعيه للتدخل عسكرياً وسياسياً في شؤون من أسمتهم الإرهابيين، وهم في حقيقة الأمر ضحايا الإرهاب.

ابتدعت أمريكا هذه السياسة، وحذت حليفتها في الشرق الأوسط، السعودية حذوها، تدّعي كلاهما محاربتها للإرهاب، بينما تؤكد كل الشواهد دعمهما له، وبالرغم من افتضاح كذبهما في العديد من المرات وبالرغم من صدور تقارير تثبت تعاون هذه الكيانات الإرهابية معهما، ورصد إمدادهما لهم بالمعدات والسلاح والأغذية في العديد من المناسبات، إلا أن الآلة الإعلامية التي يديرونها لا تعرف الحرج، ولا تتوقف عن ترديد نفس الحكايات عن قوى الشر والتطرف، وقوى الخير والاعتدال، والتي هي في حقيقة الأمر تدك بلاد بأكملها بأبشع أنواع الأسلحة، وتقضي على الحجر والشجر والبشر، دون أن تمس هذه الكيانات التي لم تكن يومًا سوى ذراعها العابث بالأمنين، وحصان طروادة الذي تخترق به بلدان تسعى لهدمها.

وتؤكد تقارير نشرتها الصحف الأمريكية مثل الـ “واشنطن بوست” أن القاعدة تقاتل في صفوف التحالف السعودي الذي يضرب اليمن، وأن ضربات التحالف لا تمس أبداً مواقعهم في عدن وغيرها من المحافظات التي يمارس فيها التنظيم المتطرف نشاطه.

ولا يخفى على أحد تصريح هيلاري كلينتون الشهير “نحن خلقنا القاعدة” فهذه هي سياسة أمريكا في كل حروبها، تخلق خلايا إرهابية تدمر بها من تعتبرهم أعداءها، وترتكب كل الجرائم بحجة الدفاع عن النفس، فتفجير قنبلتين ذريتين على اليابان، دفاعاً عن النفس، تدمير أفغانستان دفاعاً عن النفس، تخريب الاتحاد السوفيتي دفاعاً عن النفس، تدمير العراق دفاعاً عن النفس، حتى أن مجدها بُني على مقابر جماعية للهنود الحمر.

ولا نبالغ إذا قلنا أن القيادات في السعودية تتلمذت على أيديهم وتنتهج نفس المنهج، فدعم ديكتاتور في البحرين ومصر، أمن قومي، وتدريب معارضة مسلحة في سوريا، دفاعٌ عن النفس، وتدمير اليمن، دفاعٌ عن النفس، ولا نستبعد أبداً أن تكون بصمتهم حاضرة فيما نال ليبيا من خراب، وإذا أضفنا أن معظم المنخرطين في هذه التنظيمات هم من نتاج زرعها يصبح الأمر مثيراً للسخرية أن تبحث عنهم في الخارج، بدلاً من غلق مزارع التفريخ لديها.

ولا يختلف الأمر كثيراً عند الحديث عن الطائفية، فبالرغم من تكفير وتجريم هؤلاء لكل الطوائف والديانات الأخرى، والتضييق على مواطنيهم من الطائفة الشيعية، ومنعهم من تولي أي مناصب قيادية، أو الانخراط في الجيش والشرطة، باختصار يُعامَلون كمواطنين من الدرجة العاشرة، إلا انهم يتّهمون أعداءهم بالطائفية ويجعلونها مبرراً لإخراس أي صوت معارض لديهم.

نحن في عصر، امتلاكك للقوة والمال فيه، يعني أن تفعل ما تشاء، وتقول ما تشاء، وتجبر الآخرين على ترديد وفعل ما تشاء، ثم تبكي وتشكي من حجم كراهية ضحاياك لك!