الخبر وما وراء الخبر

من أجل آل سعود…نظام السيسي يحكم بالسجن على كاتب مصري بسبب هذا المقال

172

حكمت السلطات المصرية بالسجن على الكاتب المصري احمد ناجي على خلفية مقال حول السعودية وداعش الجذر الواحد والفروع المتعددة اليكم المقال بالكامل:

 

السعودية وداعش: الجذر الواحد والفروع المتعددة

أحمد ناجي 

 

أحياناً ما تبدو الصحافة والميديا الغربية قريبة الشبه من مخبرين و«نبطشية الأفراح» في الإعلام المصري. فجأة استيقظ الصحفيون والخبراء الاستراتيجيون في أوروبا والدول المتقدمة ليكتشفوا أن السعودية مثلها مثل داعش بشكل متطابق لكن نجحت في تجاوز حصار ونبذ المجتمع الدولي بينما داعش تحت وقع هذا الحصار.

موجة الهجوم الغربي ضد السعودية والتى بدأت من جرائدِ أمريكية، وامتدت لتصل إلى أحزاب سياسية في أوروبا تطالب بالضغط على السعودية وتهدد بتصعيدات سياسية واقتصادية مع السعودية إذا لم تقم بتحسين ملفها في مجال حقوق الإنسان وتحارب نشر الأفكار المتطرفة. تجاهلت كما العادة الحقائق الواضحة وصلب المشكلة، لتركز في مقارنات دعائية على وضع المرأة في كلا البلدين وغيرها من الملفات الحقوقية والدعائية.

على موقعالمصري اليوم نشرت منذ حوالى العام النصف مقال بعنوان «داعش 1926» تطرق الموضوع إلى الظروف التي نشأت فيها الدولة السعودية المعاصرة كما كانت تعرضها الصحافة في ذلك الوقت، وهى ظروف لا تختلف كثيراً عن كيفية وأداء داعش الآن، حيث هدم الأضرحة الدينية، وقطع الرؤوس والعنف والتفسير المتشدد للإسلام المضاد للتطور الانسانى. لا تزال السعودية تحتفظ بالكثير من هذه الصور، كذلك داعش تستلهم في الحكم والسيطرة على حياة الأفراد وقمع تنوعهم وحريتهم الطرق السعودية. بل وفي المناطق التي تخضع لسلطة داعش، تستخدم داعش الكتب الدراسية السعودية ومذهب محمـد عبدالوهاب للنشئ والأطفال لتدريسها في المدارس الخاضعة لسيطرتها.

إلى جانب الجذر الوهابي السلفي، والمعادي للتنوع الفردي والحرية الشخصية والعامة. تشترك داعش مع السعودية في جذر آخر.

** *

مثل عبدالعزيز آل سعود الذي تمكن من توحيد القبائل العربية الممتدة على طول وعرض تلك الصحراء الشاسعة، فكذلك أبوبكر البغدادى استطاع أخيراً أن يوحد كل القبائل في تلك المنطقة الممتدة من العراق إلى سوريا تحت لواء واحد. وهو انجاز ليس من السهل تحقيقه في منطقة شبه الجزيرة العربية القبلية.

قد يحمل كلا البلدين السعودية وداعش علما يرفع الشهادة. وقد يبدو هناك جذر مشترك بين التجربتين. لكن هناك خلاف حقيقي وتأسيسي بين البلدين يجعل داعش تمثل خطراً على السعودية حتى لو تظاهرت السعودية بغير ذلك وظنت أن باستطاعتها هضم داعش كابن عاق يمكن إخضاعه لبرنامج المناصحة والسيطرة عليه، وتوجيهه لأغراض سياسية.

طموح عبدالعزيز آل سعود ينتمى للقرن التاسع عشر، حلم عبدالعزيز آل سعود بدولة يدوم حكمها له ولأولاده من بعده بشرعية دينية رافعاً لواء الوهابية لكى لا تجعل الأمر صراعا قبائليا، بل غلبة وبيعة وأمرا وطاعة وقسما على كتاب الله وسنته. وبعدما انتهت الحرب العالمية الثانية وكان العالم يتجه نحو ترسيخ قواعد العالم الجديد حيث الدولة القومية الحديثة وقيم حقوق الإنسان والمواطنة والسوق الحرة.

تمكن عبدالعزيز من عقد الصفقة الذهبية مع أمريكا والغرب المنتصر لكى يتركوه وحيداً في دولته القبلية مُقَابل الحفاظ على الاستقرار والهدوء ووحدة أراضي المملكة الأمر الذي يسمح باستمرار امدادات واكتشافات البترول، وعملية ضخ الطاقة في جسد آلة الحضارة الغربية. وبعد سلسلة من حكم أبناء عبدالعزيز الذين شهدوا سنوات التأسيس الأولى، تطورت السعودية وتقف على مشارف الخطوة الأكثر تعقيداً في نقل الحكم من سلالة الأبناء لسلالة الأحفاد الممتلئين بغرور القوة والشباب. ومع قيادة أول حفيد يتوسع الطموح السعودى خارج حدودها بالرصاص أو الفضة تبسط السعودية قوتها، بينما النخبة السياسية تراهن على تقديم نموذج جديد يستلهم الفكر القومى العروبي. والفكر القومى العروبي السعودي ينظر للآخرين كمستعربين. ولديه تصور دقيق جداً في توصيف العرب كمجتمع وسلالات عربية نجح هذا المجتمع في البقاء لآلاف السنين والحفاظ على قواعد مجتمعه القبلي ثابتة، والدفاع عن أراضيه وثرواته. والآن يراهنون على بعث جديد للسيادة العربية بهذا المفهوم تحت قيادة حفظه الله، مثلما كانت البداية منذ 1500 عام.

** *

نعم تقدم السعودية للعالم أعلى معدل من أحكام الإعدام، وتعدم حتى الشعراء، وملف سيئ في حقوق الإنسان، لكن مع هذا هناك نهضة صناعية قوية، وارتفاع في مستوى الجامعات العلمية وتراهن على قدرتها لتصبح قوة فاعلة في السوق العالمي مع الحفاظ على سيادة الأسرة الحاكمة وتركيبة القيم الاجتماعية القبلية السائدة.

أبوبكر البغدادي طموحه أعلى كثيراً من طموح عبدالعزيز آل سعود. هو ابن القرن الواحد والعشرين وزمن العولمة. وللأسف فلكى يقبل النظام العالمي بأفكارك الجنونية ويتفاوض معاك، فلا يكفي البترول فقط كما زمن عبدالعزيز، بل يجب أن تمتلك إلى جانب البترول الطاقة النووية وتلوح بالسلاح النووي من بعيد مثل إيران، فيأتوا لك خاضعين خانعين مرتدين الحجاب يثرثرون بأحاديث وخطب التنوع واحترام الثقافة المحلية. لكن إذا لم تمتلك النووى كإيران فستصبح إرهابيا وسجلك في حقوق الإنسان ووضع المرأة «كخة» وموضعاً للتشهير والابتزاز الإعلامي.

دولة البغدادى ليست دولة قبلية، أو محصورة على عائلة معينة. بل هي نموذج مضاد للعولمة الغربية التي تحتاج إلى فيزا، وتصريح عمل، وجوازات سفر. دولة البغدادى مفتوحة لكل الجنسيات. والشهادة المرفوعة على العلم هي جواز العبور إلى جنتها الزائفة.

للدخول إلى السعودية حتى الآن تحتاج إلى كفيل، ومهما أقمت أو عملت فيستحيل أن تحصل على الجنسية، ببساطة لأن المواطنة ليست هي العقد لعلاقة الحاكم بالمحكوم.

هناك عائلات من ثلاث أجيال ولدت وعاشت وعملت في السعودية، لكن مع هذا يستحيل أن يصبحوا سعوديين أو أن تكون لهم ذات الحقوق والواجبات المفروضة على السعودي. لكن في الدولة الإسلامية لخليفتها أبوبكر البغدادى، فعليك فقط أن تنطق الشهادة وتذهب إلى هناك متخلصاً من جواز سفرك لتدخل في الدولة متعددة الجنسيات والهويات التي لا فرق بين قاتل وقاتل فيها إلا بعدد الكفار الذي قتلهم وتخصصه في عمليات النحر.

الطابع الديني والسلفي الذي يدعي الإسلام في السعودية هو مجرد غطاء للحكم العائلي والقبلي الذي يعود في جذوره إلى ما قبل الاسلام، والسعودية لن تستجيب لكل الضغوط الدولية عليها مهما بلغت للأفراج عن الشاعر أشرف فياض أو لتحسين أوضاع الحريات والمرأة فيها ليس لأن حقوق الانسان ضد الاسلام. بل لأن هذه التعديلات تقضي على جوهر الحكم القبلي الأبوى .

بينما الطابع الدينى السلفي الذي يدعي الاسلام في دولة داعش، هو الهوية البديلة التي يتم اختراعها كرد فعل على ازدواجية ونفاق العالم الغربي، الذي يروج لعولمة حركة البضائع والتجارة لكن يمنع البشر من الحركة، ينادى بالمساواة وحرية تداول المعلومات بينما يحتكر المعرفة وصناعة الدواء والغذاء لا لشىء إلا لمضاعفة رأس المال والربح.

عالم داعش لا مجال فيه للإنتاج أو التطور الرأسمالي (حتى الآن). بل سرقة الثروات الطبيعة من بترول وثروات معدنية وسرقة التراث البشري وبيعه لتمويل آلة الحرب والتدمير. لا مجال أيضاً في عالم داعش للقواعد القبلية الراسخة لآلاف السنين كما الحال في المجتمع والدولة السعودية والتى رغم سلبياتها تظل تحتوى على أفق للتطور والتحرر في يد أبناءها وأحفادها. عالم داعش هو الظلام التام، العدمية المطلقة الهادفة لتدمير العالم في أسرع وقت للرحيل إلى العالم المتخيل، الجنة التي يتصور الداعشي أن لا سبيل لدخولها إلا القتل والنحر.