الخبر وما وراء الخبر

تهجير قسري من جنوب المملكة.. اتساع دائرة التضييق على المغتربين اليمنيين

17

تقرير|| منصور البكالي

أثار القرار السعوديّ بتسريح العمالة اليمنية من مناطق جيزان ونجران وعسير جنوب المملكة غضباً شعبياً عارماً في الأوساط اليمنية، ولاقى إداناتٍ رسمية وشعبيّة واسعة، في المحافظات والمناطق الحرة، مقابل صمت مطبق ومواقف مخزية وفاضحة لقيادات مرتزِقة العدوان، والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والحقوقية التابعة لها.

وأدانت وزارة شؤون المغتربين بصنعاء بشدة قرار السلطات السعوديّة ترحيل المغتربين اليمنيين من نجران وجيزان وعسير والباحة والمناطق الجنوبية كافة، مؤكّـدةً في بيان لها أن إجراءات السعوديّة التعسفية بحق المغتربين اليمنيين تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان، وأنها تحتفظ بحقوق اليمنيين ورفعها أمام المحاكم والمنظمات الدولية.

وطالب البيانُ الأممَ المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان القيام بدورها تجاه الانتهاكات التي تمارسها السلطات السعوديّة ضد اليمنيين المقيمين على أراضيها، مشيرةً إلى أن إجراءات الترحيل التعسفية أمهلت مالكي المراكز التجارية والمؤسّسات والشركات أربعة أشهر لتنفيذ تلك الإجراءات، أَو نقل العمالة اليمنية إلى مناطقَ أُخرى، أَو استبدالها بعمالة من جنسيات أُخرى، لافتةً إلى أن اليمنيين يتواجدون في هذه المناطق منذ عقود، ولهم ممتلكاتٌ عقارية وتجارية ورؤوس أموال مسجلة بأسماء سعوديّين وفقاً لنظام الكفيل.

قانونيون أكدوا أن إجراءات النظام السعودي بحق المغتربين اليمنيين “تعسفية” وتنتهك المعاهدات والمواثيق وبروتوكولات حقوق الإنسان، كما تتنافى مع الاتّفاقات السابقة التي تم توقيعها بين اليمن والسعوديّة بشأن العمال وحقوقهم.

يقول الخبير القانوني عبد الوهَّـاب الخيل: “إن قرارَ تسريح العمالة اليمنية من جيزان ونجران وعسير لم يكن مفاجئاً لنا كـ يمنيين، فهو يأتي ضمن سلسلة من الانتهاكات اللاإنسانية التي يمارسها النظام السعوديّ ضد أبناء اليمن بشكل عام، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، أَو توجّـهاتهم الفكرية، أَو موقفهم من العدوان على اليمن، فـ آل سعود يحقدون على اليمني لجنسيته، ولن يكون المغترب اليمني بمنأًى عن الممارسات والإجراءات والقرارات التعسفية والقمعية التي يمارسها النظام السعوديّ بحقه”.

ويضيف الخيل في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” بقوله: “كما أن قرار تسريح المغتربين اليمنيين من المناطق التي هي في الأصل مناطق يمنية، قد جاء مكملاً لسياسة التضييق على المغتربين اليمنيين، وسلب حقوقهم بإجراءات تعسفية مرهقة لهم سابقة لهذا القرار ومنها “نظام الكفيل”، ومنع تسجيل المحلات التجارية والممتلكات الخَاصَّة بالمغتربين بأسمائهم، مما دفعهم إلى تسجيلها بأسماء الكفلاء، إضافة إلى فرض رسوم باهضة على المغتربين تزيد من الأعباء المالية عليهم، مقارنة بالمرتبات الضعيفة التي يتقاضونها، فإذا ما تم تسريحه من عمله كما هو حال هذا القرار فقد كُـلّ شيء، حتى أن النظام السعوديّ منعهم من المطالبة بحقوقهم وممتلكاتهم”.

ويؤكّـد الخيل أن مثل هذه القرارات والإجراءات القمعية ومصادَرة الحقوق التي يمارسها النظام السعوديّ ضد المغتربين اليمنيين تسقط كُـلّ الشعارات الزائفة التي يرفعُها لتبرير عدوانه على اليمن، بأنها تدخلت لترفع المعاناة عن اليمنيين، ولإعادة الأمل كما يزعمون، وكلها شعارات كاذبة وزائفه، معتبرًا القرارَ نتيجةً طبيعيةً لانبطاح الخونة تحت أقدام آل سعود، الذين خانوا اليمن وتحولوا إلى مرتزِقة رخاص لإعانةِ العدوّ على احتلال بلدهم وامتهان كرامة اليمنيين ومن ضمنهم المغتربين، وبالرغم من كارثية هذا القرار على المغتربين الذين قرّرت السعوديّة تسريحهم من أعمالهم وترحيلهم، إلَّا أن أُولئك الخونة القابعين بفنادق الرياض لم يحركوا ساكناً للتصدي لهذا القرار إنما دسوا رؤوسهم في الرمال وكأن الأمر لا يعنيهم.

ويشير الخيل إلى أن السعوديّة تهدفُ من خلال هذا القرار، إلى خلق حالة من التضخم والبطالة في اليمن بعد عودة المغتربين في إطار الحرب الاقتصادية التي تمارسها ضد اليمن، مؤكّـداً أن هذا القرار يؤكّـد صوابيةَ موقف اليمنيين في الدفاع عن بلدهم وضرورة استعادة كافة الأراضي اليمنية التي تحتلها السعوديّة ومنها ” جيزان ونجران وعسير”.

تخبط وارتباك ومخاوف عسكرية

من جانب عسكري، يؤكّـد الخبير والمحلل العسكري الاستراتيجي، العقيد خالد غراب، أن النظام السعوديّ في وضع متخبط ومرتبك نتيجة الانتصارات التي تحقّقت في الداخل، أَو نتيجة الانتصارات التي تحقّقت في الحدود وما وراء الحدود، وهذا ما يربك حساباته فعلاً، وتجعل العدوّ السعوديّ يتخذُ مثل هذه القرارات التي تتناقض مع كُـلّ الأعراف والشرائع والقانون الدولي والإنساني.

ويؤكّـد العقيد غراب في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” أن أُولئك المغتربين لا يشكلون على العدوّ السعوديّ أي خطر، وهم يقيمون هناك منذ عشرات السنين هم وعائلاتهم وممتلكاتهم، من مصانع وورش ومتاجر ورؤوس أموال مختلفة تشتغل في كافة المجالات التجارية، برغم أنه لم يلحظ منهم أية ملاحظات خلال كُـلّ تلك الفترات التي يعملون فيها، أَو ما يقلق الأمن هناك، مُشيراً إلى أن العملياتِ العسكريةَ التي حدث أَو تحدُثُ في نجران وعسير وجيزان تعتبر أحدَ أسباب هذا التخبُّط وزيادة قلق العدوّ السعوديّ كُـلّ ما ينظر إلى استمرار زخم الانتصارات التي يحقّقها مجاهدو الجيش واللجان الشعبيّة، وتوجّـههم نحو تطهير الأراضي اليمنية المحتلّة، ما يدفعه للاعتقاد بأن يتحولَ اليمنيون المتواجدون هناك إلى جيش شعبي، ويعتقد أن اليمن قد أرسلت جيشاً ولجاناً شعبيّة على أنهم مغتربون هكذا.

ويرى العقيد غراب أن السعوديّة تعتقد بأن المغتربين سيقومون بإسقاط نجران وجيزان وعسير من الداخل، وهذه مخاوف دفعته إلى اتِّخاذ مثل هذه القرارات الإجرامية بحق المواطنين اليمنيين، مبينًا أن هذه الإجراءات الخاطئة دليل قطعي على ضعف النظام السعوديّ وهشاشة منظوماته الاستخباراتية، ووصوله إلى مرحلة الاعتراف بأن تلك المناطق هي مناطقُ يمنية والأراضي يمنية، وهو عاجز أمام الخطط والتكتيكات اليمنية والاستخباراتية، وأن خطوطه الأمامية مخترقة، وهو يعتقد أن من بين المخترقين لمنظومته مغتربين وعاملين ويعطون الإحداثيات ويتبعون الاستخبارات اليمنية، وهذه اعتقادات واهية وغير مبنية على معلومات ومعطيات.

ويقول غراب: نحن نرجح أنه لا وجود لما يعتقدُه النظام السعوديّ، وما يتخذه هو نتيجة لمستوى الانهيار النفسي الذي وصل إليه، ونتيجة فشل مشروعه في البيضاء ومأرب والجوف وغيرها من الجبهات والمناطق اليمنية، وإفشال مشروعه الأهم الذي كان يستهدف محافظة صعدة ومحاولاً السيطرة عليها، ونتيجةً لفشل هذا المشروع تحولت المعركة داخل الأراضي اليمنية المحتلّة نجران وجيزان وعسير بل وفي عمقها.

وحول المصلحة الأمريكية في هذا القرار، يقول العقيد غراب: من المحتمل أن من أمر بهذا القرار هو الأمريكي والصهيوني المتحكمين بالإشراف على المعركة العسكرية منذ بدء العدوان، وهذه عقولٌ لا تختلف بغبائها عن العقل السعوديّ، ولكنها هي قد وصلت إلى مرحلة فشل لكل خياراتها وخططها التي تسوق الوهم من خلفها للجانب السعوديّ وبأنها قادرة على حمايته، خَاصَّة بعد جلب كميات وأعداد كبيرة من المرتزِقة السودانيين واليمنيين وغيرهم والزج بهم إلى المحرقة في الجبهات الحدودية، برغم إسناده لهم جويًّا وبمختلف الأسلحة، وهنا أصبح الأمريكي ومعه السعوديّ ينظرون بل يترقبون سقوط أحد هذه المدن ويتفادون فشلهم في التعامل مع الوضع النفسي والمعنوي الذي سيحول كُـلّ مسار المعركة عليهم، ويفشل كُـلّ الحسابات الأمريكية التي لا تزال تراهن على أنها تحمي الخليج والأنظمة العميلة فيه، وأنها من توفر لهم الأمن على مستوى الداخل، وكذا الأمان من الخارج.

ويرجح الخبير العسكري غراب التفافَ المجتمع اليمني حول الجيش واللجان الشعبيّة نتيجة مثل هذه القرارات، ومن ناحية أُخرى إذَا ما كان العدوّ السعوديّ يحاول من وراء هذا القرار التصعيدَ أكثرَ في الحدود لتشتيت الجيش واللجان الشعبيّة في الجبهات الداخلية، وتأخير معركة التحرير لبقية المحافظات والمناطق اليمنية، مؤكّـداً أن كُـلَّ جبهة لديها ما يكفيها من القوة والعدة والعتاد والقوة الاحتياطية التي تفوق قوة العدوّ، بل هناك فائض من القوة البشرية وهذا يزيد السعوديّة إرهاقاً مضاعفاً.

تبعاتٌ كارثية

وعلى الصعيد السياسي والإعلامي، كتب آلافُ المغردين والناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي منشورات وتغريدات ندّدت بهذا القرار الظالم بحق العمالة اليمنية في تلك المناطق، لما لها من تبعاتٍ كارثية بحقوقهم وممتلكاتهم التجارية والمالية، وما ستخلفه من معاناة على أسرهم في الداخل، في ظل المعاناة الكبيرة التي تسبب بها العدوان والحصار الأمريكي السعوديّ على شعبنا اليمني منذ سبع سنوات.

قبلياً، يقول رئيسُ مجلس التلاحم القبلي ضيف الله رسام: إن هذا القرار لن يثنيَ قبائلُ اليمن عن الاستمرار في المواجهة، بل سيزيدها حميةً وتضحية واندفاعاً لتحرير الأراضي اليمنية المحتلّة من قبل السعوديّة منذ عقود، مؤكّـداً أن قبائل اليمن لن تتردّدَ في تشكيل لجان شعبيّة بعدتها وعتادها لاجتياح كافة أراضي نجران وجيزان وعسير واستعادتها.

ويضيف رسام في تصريح خاص لـ “صحيفة المسيرة” أن قراراً كهذا يتنافى مع كُـلّ قيم وأعراف وأسلاف الجوار بين البلدَين وقبائلها التي هي من أصل يمني، وبينها قرابةٌ وصهارةٌ متبادلةٌ إلى اليوم، محذراً النظامَ السعوديّ من مغبة هذا القرار وداعياً قبائلَ اليمن إلى النكَفِ العام وشد الرِّحَال إلى جبهات الحدود، فالأرضُ أرضُنا والحقُّ حقُّنا، ولن يمنعنا أحدٌ من تحريرها.