لماذا اختار الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي استقبال الوفد اليمني كأول نشاط سياسي له ؟..
تقرير|| ابراهيم الوادعي
اللقاء الاول أو الزيارة الخارجية لأي رئيس دولة او رئيس وزرائها يعد ذا دلالاته سياسية معينة ، ويتم الاقدام على هذه الخطوة بدقة كونها تتجاوز اجندة اللقاء الى اعطاء رسائل سياسية عن توجه الحكومة الجديدة في أي بلد او ايصال رسائل سياسية في ظل وضع مضطرب ، وهو ما حمله استقبال الرئيس الايراني الجديد ابراهيم رئيسي للوفد اليمني برئاسة محمد عبدالسلام كأول عمل سياسي يقوم به رئيسي في مستهل ولايته الرئاسية.
اللقاءات الاولى للمسئول الاول او الثاني المنتخب حديثا في أي دولة عادة ما تتجه نحو الحلفاء على قدم المساواة ، وفي ها السياق جاء اختيار العمل السياسي الاول للرئيس الايراني الجديد.
ايران تراقب الوضع بدقة ، وهي ترصد اكثر خفايا المأزق الذي باتت تعيشه السعودية والولايات المتحدة مع فشل العدوان على اليمن ، ولهاث مبعوثها لوقف اطلاق النار ورفض صنعاء ذلك الا بشروط تحفظ الكرامة والسيادة ووحدة الاراضي اليمنية.
سعت السعودية ومن خلفها الولايات المتحدة الامريكية و” اسرائيل ” الى اخضاع اليمن واستعادته سريعا عقب فرار عملائها في ثورة شعبية ، عبر توجيه ضربة عسكرية وتدمير هائل لا سابق له يجعل المجتمع اليمني حساسا تجاه أي فعل أو فكر ثوري – 6 أشهر فصلت بين الثورة وموعد بدء العدوان 26 مارس 2015م – وخلال السنة الاول استهدف نحو 200 الف غارة البنية التحتية بشكل كامل ، وعلى مدى سنوات الحرب ارتكبت عمليات القتل بشكل ممنهج وغير مسبوق من قبل التحالف مستهدفا الأسواق والأحياء والمساجد والطرقات موقعا ما يقرب من 50 الف شهيد وجريح مدني وملحقا دمارا بما يزيد عن 20 الف منزل مدني ، وتمهد كذلك لانخراط المنطقة في التطبيع مع اسرائيل وإنهاء عزلتها في المنطقة بشكل علني.
وفي هذا السياق فإن فشل اهداف الحرب العدوانية ، واقتراب اليمن من احراز نصر كبير ، لن يقتصر تأثيره على الجغرافيا اليمنية بل سيلقي بأثره اقليميا ودوليا وحتى ، فالولايات المتحدة في المنطقة ستكون في موقع اضعف في الشرق الاوسط عشية انطلاق الحرب العدوانية على اليمن مساء ال 26 من مارس 2015م ، والامر ينسحب على تحالفها الواضح وفي المقدمة السعودية والدول الاخرى التي ظلت تصور نفسها اقطابا في المنطقة وتسمي نفسها دول اعتدال بما في ذلك مصر التي تراجع دورها بصورة كبيرة لصالح ابوظبي والرياض ، وباستثناء امساكها بملف التفاوض بين المقاومة الفلسطينية و” اسرائيل ” يكاد حضورها الاقليمي المستقل عن الرغبة الامريكية او الخليجية في قضايا المنطقة خافتا للغاية.
ورغم استمرار الحصار والعدوان على اليمن فإن صنعاء اظهرت مؤشرات قوية في طريق التحول الى قوة اقليمية يعتمد عليها كحليف اساسي لإيران او لقوى المقاومة الاخرى ، وحدت في محطات عدة من قدرة الحلف الامريكي على اشعال حرب شاملة كما حصل في منتصف ال 2019م.
دوائر الدراسات الصهيونية ترى كذلك بان الحرب على ايران ستكون اصعب بكثير في ظل اصطفاف اليمن الى جانب محور المقاومة ، وتحوله الى لاعب اساسي في هذا المحور الواقف بوجه المحور الامريكي ، مناهضا للتطبيع ، ومحركا نشطا للأنشطة العدائية للكيان الصهيوني ، ولديه الجرأة على القيام بأمور تحجم عنها حتى اللحظة قوى مقاومة اخرى.
ومع كشفه عن امتلاك طائرة مسيرة ” وعيد ” بمدى يفوق 2500 كيلو متر لها القدرة على الوصول الى اهداف إسرائيلية تحول اليمن ورغم الحرب المفروضة عليه الى هاجس لدى القيادتين السياسية والعسكرية داخل الكيان الصهيوني ، وخلال عملية سيف القدس نصب الجيش الصهيوني بطاريات باتريوت في ميناء ايلات تخوفا من قصف يمني ، عقب كلمة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بان صنعاء تراقب الوضع وتنسق مع قيادة المقاومة الفلسطينية المشتركة ، وتداولت وسائل اعلام لاحقا بأن الفصائل الفلسطينية تلقت طلبا يمنيا بتحديد اهداف اسرائيلية ترغب في ان يتم قصفها ، وكان الرد الفلسطيني بانه لا حاجة لذلك في الوقت الحاضر آنذاك وعند الحاجة سيقدم الطلب.
وبالنظر الى الاجواء الاقليمية للقاء الاول للرئيس الايراني الجديد مع الوفد اليمني فإنه اتى في ظل محاولة جديدة لفتح نافذة للحرب مع ايران على خلفية حوادث غامضة طالت السفينة الصهيونية في بحر عمان ومقتل بريطاني وروماني على متنها نتيجة ضرب طيران مسير ، ومحاولة اختطاف مجهولة لم يتبين حتى اللحظة من يقف ورائها للناقلة اسفيل برنس بالقرب من مضيق هرمز.
وفي الظرف الجديد يكتسب اللقاء الاول للرئيس ابراهيم رئيسي مع الوفد اليمني ممثلا الرئيس مهدي المشاط اهمية كبيرة ، يراد منها ايصال رسالة جديدة بان لإيران حلفاء اقوياء ولن تكون لوحدها في ميدان المعركة اذا ما أشعلها الامريكان بدفع وتغرير صهيوني سعودي.
واشنطن التي ترغب في التخفف من اعباء ملفات عالمية عدة في عدد من النقاط الساخنة حول العالم ، للتفرغ لمواجهة الصين بما في ذلك احتمالية أي مواجهة عسكرية معها قد تندلع في بحر الصين او المحيط الهندي وباب المندب ، لا ترغب في الدخول في مواجهة مع ايران بالوقت الحالي ، لكن في المقابل لا يمكنها ترك المنطقة على غاربها لإيران دون اتفاق كما يصرح بذلك ساستها علنا ، وكلا الامرين يرعب قادة الكيان الصهيوني ويجهدون لمنع تخفيض وجود القوات الامريكية ، او وصول مفاوضات فيينا الى تسمية سياسية ورفع العقوبات الامريكية المفروضة على ايران.
الضغط الامريكي باتجاه فرض وقف لإطلاق النار يجول دون تحرير مدينة مأرب الحيوية ، والضغط كذلك باتجاه توسيع مفاوضات فيينا لتشمل سياسات ايران في المنطقة وبرامجها العسكرية الصاروخية ، وقصر الوقت بين زيارات مبعوثها تيم ليندركينغ الى المنطقة وتقديمه اطروحات جديدة في كل مره يرغب في ان تفضي الى فرض وقف لأطلاق النار يشير الى ان واشنطن عوضا عن كونها مستعجلة للانسحاب من المنطقة ولو الى حين تسوية المواجهة مع الصين ، يشير الى تعاملها مع ملفين مستقلين اليمن وايران ، ولو كان احدهما تابعا للأخر كما تحاول ” اسرائيل ” ومن ورائها عملائها الخليجيين ان يصوروا ذلك ، لكان الامر يقتصر على التعامل مع ايران دون تعيين مبعوث خاص الى اليمن وجولات تفاوض غير مباشرة مع صنعاء برعاية الوسيط العماني.
صنعاء فطنة الى اللعبة الامريكية سواء لجهة منع وصل اليمن في مواجهة العدوان الى نقطة فاصلة بتحرير منطقة مارب الغنية بالطاقة ، واسقاط اخر معاقل التحالف السعودي الامريكي الاسرائيلي الاماراتي في شمال شرق اليمن ، وفطنة الى خطأ موقف الحياد اذا ماقررت واشنطن فتح حرب باتجاه طرف اساسي في محور المقاومة ، وإدراكا بان امريكا ترغب في معركة مجزأة ولا تحترم سلاما قد تبرمه مع أي طرف من الاطراف.
خلال السنوات الماضية وفي الشأن الإقليمي كان صوت السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي عاليا في اتجاه اعتماد سياسة واحدية الميادين بوجه التحالف الامريكي الذي يقاتل في سورا واليمن ولبنان ومناطق اخرى ، وعدم الاكتفاء باقتصار الردود على الميدان الذي وجهت اليه الضربة ، بل على الامريكيين والاسرائيليين ان يتوقعوا ان تاتيهم الضربة من أي بلد منخرط او لمحور المقاومة تواجد فاعل فيه.
وبحسب مراقبين فإن الصوت اليمني بات أكثر قلقا للأمريكيين من بين اطراف محور المقاومة، ويسبق الموقف اليمني ايران نفسها القطب المركزي للمحور.
بما يمكن ان يوصف به اللقاء فغن كان لقاءا الحلفاء الاوفياء والاقوياء والشجعان في الميدان ، وبغض النظر عما دار فيه ،فإن صورة اللقاء قد انجزت الرسائل المطلوبة الى واشنطن وتل ابيب والرياض وابوظبي بان الحرب اذا ما أشعلتم فتيلها ستكون شامله ولن تبقى محصور بمضيق هرمز بل ستمتد الى البحار المحيطة بالجزيرة العربية واينما وصلت يد محور المقاومة.
ويمنيا جاءت تصريحات الرئيس الايراني الجديد ابراهيم رئيسي خلال اللقاء لتكشف عظمة النظرة داخل المؤسسة السياسية الايرانية نحو اليمن الذي عده الرئيس رئيسي مفخرة ومثلا لكل الشعوب ، وهذا يشير بان القيادة الايرانية القادمة اكثر صلابة واقتناعا بأهمية وحتمية التحالف مع اليمن البلد الصاعد بقوة الى المحيط الإقليمي ، ومن مصلحة ايران تعزيز اواصر التحالف والتعاون مع قيادته وشعبه ، للوصول الى شرق اوسط جديد متحرر من الهيمنة الأمريكية ، ونهاية مأساة تسببت بالكثير من الآلام لشعوب المنطقة والاسلام مع ” زرع ” اسرائيل ” والوهابية.
مشهد حضور ممثلي اطراف محور المقاومة الجامع وفي الصفوف الاولى في حفل اداء الرئيس ابراهيم رئيسي القسم الدستوري رئيسا لإيران وتأكيده على ان ايران لن تغل يدها عن دعم كل شعب مظلوم يوحي الى ان ايران تستند الى حلفاء اقوياء ، سيكون من الصعب تخيل الحرب الشاملة اذا ما اشتعلت في المنطقة او تصور ابعادها واين ستقف.