موسم الحرائق بدأ.. وسوريا تستعد
بقلم: سارة سلوم
“الأقسى والأعتى منذ سنوات”، هكذا وصفت وزارة الزراعة السورية، الحرائق التي تعرّضت لها عدد من الغابات الحرجية والأراضي الزراعية في البلاد خلال العام الماضي. فبحسب بيانها الرسمي، تضرر 13 ألف هيكتار من الأراضي الزراعية، و11 ألف هيكتار من الأراضي الحرجية، وسجلت خسارة 1.792 مليون شجرة، عدا عن خسارة 22.4 ألف طن من الزيتون، تعادل 2.6% من إنتاج البلاد.
لم تترك هذه الحرائق آثاراً اقتصادية سيئة فقط، بل تركت أيضاً آثاراً بيئية كارثية على الهواء والمياه السطحية والجوفية، وأثرت سلباً على التنوع الحيوي البيئي في تلك المناطق، كما ساهمت بتشويه جمالية الغطاء الحرجي، الذي يكسو المناطق الجبلية، التي تشكل مقصداً مهماً للسياحة والاستجمام.
الأولولية للاستعداد للحرائق المحتملة
اليوم، لم تعد أولوية الوزارة إعادة ترميم ما دمّرته الحرائق، وتأهيل المساحات المتضررة، وتعويض السكان فقط، بل أيضاً وضع خطة وطنية شاملة، للاستعداد لمواجهة موسم الحرائق، والعمل على تجنب تكرار ما حدث.
يقول مدير الحراج في وزارة الزراعة السورية، علي ثابت، في حديثه للميادين نت، عقب خروجه من اجتماع مع ممثلين عن وزارتي الإدارة المحلية والدفاع، وفوجي الإطفاء والدفاع المدني: “لقد وضعنا خطة وطنية شاملة، لتنظيم مكافحة حرائق الغابات، انطلاقاً من الوقاية والمراقبة اليومية المستمرة، بهدف استباق خطر الحريق، وسينبثق عن هذه الخطة خطط لمكافحة حرائق الغابات على مستوى كل محافظة”.
يعلّق المعنيّون آمالاً كبيرة على هذه الخطة، للحؤول دون تكرار ما حدث العام الفائت، ولمحاولة الوصول إلى المعايير المتوسطية المعمول بها، يوضح د. ثابت: “نملك 527653 هكتاراً من الغابات على امتداد الأراضي السورية، هدفنا حمايتها وتقليص المساحة المحترقة إلى ما دون الهكتار الواحد للحريق الواحد، لذلك نضع بعين الاعتبار، دعم البنية التحتية من مسالك وطرق، فخطتنا تستهدف فتح خطوط بمعدل 2 كم لكل 100 هكتار من الغابات”.
لا يخفي ثابت، قلقه من محدودية التجهيزات المخصصة لمقاومة الحرائق، بسبب عدم كفايتها وقدم وسوء حالة معظمها، ما يحد من نجاعة التدخل الأولي ويقول: “نركز بشكل أكبر على أعمال الصيانة الدورية، المتعلقة بالبنية الأساسية المتوفرة، ونعمل على زيادة نقاط التزود بالمياه، عبر إنشاء السدات المائية، بحسب الإمكانيات الطبوغرافية والمادية للموقع، بالتوازي مع ذلك، تأكدنا من جاهزية جميع الإطفائيات، وفرق التدخل السريع، ومراكز حماية الغابات، وأبراج المراقبة، والمخافر الحرجية”.
وكان وزير الزراعة، أعلن في وقت سابق، وبالاتفاق مع القوة الجوية في وزارة الدفاع، عن بدء عملية إعادة تأهيل الطائرات الزراعية، التي دمرتها الجماعات المسلحة خلال الحرب، وعددها 11 طائرة، تم الانتهاء من إصلاح واحدة، وهي جاهزة للمساهمة بمكافحة الحرائق.
قريباً.. نظام إنذار مبكر
في مكتبها بهيئة الاستشعار عن بعد، تراجع الدكتورة روزا قرموقة، مديرة منصة الغابات ومراقبة الحرائق خارطة التوقع لهذا الأسبوع، وتقول للميادين نت: “نحن خلية توقّع، عملنا هو تحليل خطر الحرائق، عبر إجراء تقييم دقيق ويومي، حيث أننا ننجز تحاليل معمقة بالاستعانة بتقنيات وصور الأقمار الصناعية عالية الدقة المكانية والزمنية، ونصدر منتجين أساسيين، هما خارطة التحذير من خطورة حصول حريق، وخارطة التحذير من خطورة انتشار حريق”.
تؤكد مديرة المنصة التي أُحدثت نهاية العام الفائت، أن هذه الخرائط لا تعني حتمية نشوب الحريق، وإنما يتم إنشاؤها والعمل عليها للتحذير، موائمةً للظروف الطبيعية: “منتجاتنا هي ركيزة أساسية في خطط مكافحة الحريق، حيث نقوم بتزويد إدارة الحراج بها، الأمر الذي يحدد التدابير اللازمة، من حيث توزيع الفرق الحراجية، وآليات الإطفاء، وفق مستويات التنبيه الصادرة عن المنصة، والموزعة على 6 مستويات بحسب احتمالية نشوب الحريق”.
حماية مضاعفة لآخر تجمع طبيعي للأرز والشوح في سوريا
يرافق المهندس يقظان معروف، مدير محمية الشوح والأرز، في صلنفة بريف اللاذقية، مجموعة من طلاب الدراسات العليا، الذين قصدوا المحمية، للقيام بعدة أبحاث حول التجدد الطبيعي، وتقييم أضرار الحرائق، يقول: “لدينا خسارة كمية جسيمة، باحتراق قسم كبير من السفح الشرقي للمحمية، لكنها لحسن الحظ قابلة للتجدد بسرعة، أما خسارتنا النوعية، فهي بحدود 30% لغابة الأرز اللبناني المعمرة، وحوالى 5% للشوح، والتي تستغرق عشرات السنين حتى تتجدد”.
لا يفضّل المهندس معروف، اللجوء إلى خيار التدخل البشري، كون المحمية طبيعية، إلا عند عدم نجاح عملية التجدد الطبيعي، التي تحتاج إلى سنتين على الأقل ويشرح: “نحن نقوم بدراسة كل جزء من المواقع المحترقة، لأن كل جزء يحتاج لمعالجة مختلفة، فهناك مواقع تحتاج لتجدّد طبيعي، وأخرى تحتاج لإزالة أشجار أو زراعة بذور أو استصلاح للأراضي، لذلك يجب أن يكون تدخلنا مدروساً”.
يشير مدير المحمية بيده، إلى مكانٍ عند المدخل، سيتم وضع خزان ماء دائم به، خصيصاً كي تسطيع سيارات الإطفاء التزود منه، والوصول إلى أي حريق في حال حدوثه بأسرع ما يمكن ويقول: “تم تشكيل فرقة إطفاء موسمية، للتدخل السريع من أهالي القرى المجاورة للمحمية، لمساندة سيارة الإطفاء المتواجدة بشكل دائم في بلدة صلنفة، خلال فصل الحرائق، لكن هذا العام، سيتم العمل أكثر على ضبط دخول الزوار، لتفادي أي إهمالٍ منهم يؤدي إلى حدوث حرائق، بالإضافة إلى العمل على ترميم مداخل المحمية ومحارسها الأساسية المخربة بفعل الأحداث”.
يختم المهندس معروف، بالقول: “محمية الشوح والأرز، فريدة وهامة جداً، لأنها واحدة من آخر تجمعات هذين النوعين في شرقي المتوسط والوحيدة في سوريا التي تحويهما بشكل طبيعي، وبالتالي خسارتهما هي خسارة لا تقدر بثمن بالنسبة للنظام البيئي وغير قابلة للتعويض”.
المصدر: الميادين نت