ما وراءَ القرار الأممي “المسيس” ضد “أنصار الله”: صناعةُ “مبرّرات” لاستمرار العدوان والحصار
جاء قرارُ الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الفاضح، بإدراج “أنصار الله” في اللائحة السوداء لانتهاكات حقوق الأطفال، في إطار مسار واضح تسلكه الإدارةُ الأمريكية ودولُ تحالف العدوان منذ مدة، باتّجاه صناعة المزيد من الضغوط على صنعاء وإثارة الرأي العام الدولي والمحلي ضدها، وهو توجُّـهٌ بدأ بشكل ملحوظ مع انطلاقة جولة المشاورات الأخيرة بمشاركة سلطنة عُمان كوسيط، وما زال يمثل مؤشرًا واضحًا على أن الرياض وواشنطن لا تعتزمان التوجّـه نحو أية حلول، بل بات واضحًا أنهما تحاولان إبقاء المناورة الدبلوماسية مُستمرّة؛ لكسب وقت يكفي للحصول على المزيد من أوراق ووسائل الضغط لزيادة ثقل صفقة “الابتزاز” التي تجدد صنعاءُ التأكيدَ على استحالة القبول بها، في الوقت الذي ترسل فيه القوات المسلحة رسائل عسكرية عملية تشكل ضغوطاً عكسية مهمة على العدوّ.
قرار غوتيريش وُلد “مسيَّساً” بالكامل وبشكل واضح إلى حَــدِّ الوقاحة؛ لأَنَّه لم يستند إلى أية اعتبارات حقيقية تتعلق بموضوع “اللائحة السوداء”، والحقيقة أن هذه اللائحة نفسها قد أصبحت منذ مدة، مُجَـرّد واجهة لبيع ضغوط سياسية للدول ذات النفوذ، ففي ما يخص الوضع في اليمن بالذات، اعترف الأمين العام السابق، بان كي مون، بأن قرار رفع السعوديّة من هذه اللائحة سابقًا، جاء بسَببِ “ضغوط مالية” واجهتها الأمم المتحدة، بحسب ما كشف رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام، على الرغم من أن المجازر السعوديّة بحق أطفال اليمن كانت مشهودة على مستوى عالمي، وقد اعترف النظام السعوديّ رسميًّا ببعضها، مثل مجزرة أطفال ضحيان.
وامتناع غوتيريش عن إدراج الكيان الصهيوني في هذه “اللائحة”، بمقابل إدراج الجيش السوري، مثال آخر يؤكّـد بما لا يدع مجالاً للشك أن رغبات وأهداف وسياسات دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة، هي “المعيار” الوحيد للائحة.
الهدف السياسي الأمريكي السعوديّ التي جاء قرار غوتيريش لخدمته، ليس خفياً؛ لأَنَّ تحالف العدوان يتجه حَـاليًّا وبوضوح نحو محاولة تعويض انسداد المناورات الدبلوماسية والفشل العسكري، بجمع أوراق ضغط معظمها يحمل طابعاً “إنسانياً” يتم توظيفه إعلامياً لإثارة الرأي العام ضد صنعاء، وهذا المسار الذي يمكن تتبع بدايته بدقة إلى يوم وصول الوفد العماني إلى صنعاء، يكشف عن خطة ليس من الصعب فهمها، فالعدوّ الذي عجز عن ابتزاز صنعاء بالملف الإنساني على طاولة التفاوض، ويخشى عودة التصعيد العسكري في الميدان، يسعى ببساطة إلى استحضار ضغوط إضافية على الطاولة، مع بقاء الميدان هادئاً في نفس الوقت.
هذا ما يمكن قراءتُه أَيْـضاً في التصريحات الأخيرة لرئيس الوفد الوطني الذي كشف أنه “لا يوجد تقدم في النقاشات” وأن دول العدوان تطلب من الوفد “الموافقة على استمرار الحصار”، الأمر الذي يؤكّـد أن “الدبلوماسيةَ” باتت الآن عنصراً واضحاً من عناصر خطة أمريكية واضحة لكسب الوقت وتقييد خيارات صنعاء العسكرية لأطول مدة ممكنة.
وبقدر ما تبدو هذه الخطة ذكية، في نظر مهندسيها الذين لا ينفكون يؤكّـدون على “سعي السعوديّة للتوصل لحل دبلوماسي” حسب تعبير قائد القيادة المركزية الأمريكية كيث ماكينزي، فَـإنَّها تبدو خطة قصيرة النظر للغاية، أمام يقظة صنعاء التي استأنفت ضرباتها على العمق السعوديّ، وبوتيرة مرشحة للتصاعد، موجهة بذلك ضغطاً عكسياً ورسائل مهمة.
قد تستطيع الولايات المتحدة شراء مواقف من الأمم المتحدة وصُنع دعايات لإثارة الرأي العام، لكن مقاليدَ ميدان المواجهة العسكرية لا زال بيد صنعاء، وَإذَا كان من الواضح أن متغيراتِ الميدان التي صنعها أبطالُ الجيش واللجان، هي من ألجأت الولاياتِ المتحدةَ والنظامَ السعوديَّ إلى “الدبلوماسية”، فَـإنَّ أوراق الميدان في هذه المواجهة ستظل بالتأكيد أثقل وزناً من أية ضغوطات سياسية أَو إعلامية.
بالنسبة للولايات المتحدة، وبحسب تصريحات ماكينزي الأخيرة، فَـإنَّها تبدو مصممةً على سلوك مسار صناعة الضغوط السياسية والإعلامية، ولو كلّف ذلك تعرُّضَ السعوديّة للمزيد من الضربات، بل إن ماكينزي يشير بوضوح إلى تفاصيل قد تبدو مألوفة، حَيثُ يقول إنه “سيكون هناك حدثٌ فظيعٌ جراء القصف المتواصل على السعوديّة” وهو ما قد يعني ادِّعاء سقوط “مدنيين” جراء الضربات اليمنية على العمق السعوديّ، الأمر الذي سترفعُه واشنطن والرياض كـ”قميص عثمان” أمام العالم للحصول على المزيد من الضغط ضد صنعاء.
مشكلة هذا السيناريو، كمشكلة معظم سيناريوهات “الخطة” الأمريكية السعوديّة، هي أنها تنظر إلى المشهد من جانب واحد فقط، وبالتالي فهي تتجاهل حقيقة أن توقف عمليات الردع اليمنية مرتبط بشيء واحد فقط هو الجدية في إيقاف العدوان والحصار، وليس بأية ضغوطات، كما أن المسألة في نهاية الأمر غير مرتبطة بـ”الصورة الإعلامية” التي يمكن صناعتها، بل بما هو في الميدان، وبالتالي فَـإنَّ تدمير مصفاة بترول، على سبيل المثال، سيؤدي دائماً إلى نتائجَ حقيقيةٍ أكثرَ مما ستؤدي إليه إشاعة تقول إن الطائرةَ المسيَّرةَ التي دمّـرت تلك المصفاة، سقطت على مدرسة.
إجمالاً، يُستخلَصُ من المشهد الراهن عدةُ أمور، أبرزُها أن العدوَّ مصممٌ على استمرار العدوان والحصار، وإعاقة الوصول إلى أي حَـلّ فعلي، وأنه متجه خلال الفترة القادمة نحو صناعة “مبرّرات” إضافية لاستمرار العدوان والحصار، وأن “الدبلوماسية” حاضرة فقط لمحاولة تقييد خيارات صنعاء العسكرية ومساومتها على الاستسلام، أما من جانب صنعاء فيكفي التأكيد على استحالة القبول بأية مقايضة بالمِلف الإنساني، وبالتالي استمرار مسار الردع.