الخبر وما وراء الخبر

الرئيس المشاط يبارك للشعب الفلسطيني ولحركات المقاومة انتصارهم بمعركة سيف القدس

18

أكد رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط أن الإصرارَ على الربطِ بينَ الجانبِ الإنساني وجوانبِ النزاعِ العسكريِّ والسياسي عملٌ غيرُ مفهومٍ وغيرُ مبرر، وسيبقى عائقاً في طريقِ تحقيقِ السلام.

ودعا الرئيس المشاط في خطابه مساء اليوم الجمعة، بمناسبة الذكرى الـ 31 للوحدة اليمنية، جميعَ الفرقاءِ اليمنيينَ إلى الانحيازِ المُطلقِ لليمنِ ومراجعةِ المواقفِ على قاعدةِ الانسجامِ التامِّ مع آمالِ وتطلعاتِ الشعبِ اليمني ومواقفهِ المشرفةِ في التمسكِ بوحدتهِ ورفضهِ المُطلقِ لكلِّ أشكالِ التبعيةِ والعدوانِ والتدخلاتِ الخارجية.

وأشار إلى أنَّ الوِحْدَةَ تَنْدَرِجُ ضِمْنَ الحقُوقِ الحَصْرِيَّةِ للشَّعب، وواحدةٌ مِنَ القِيَمِ والمَعَانِي المُتَجَذِّرَةِ في هُوِيَّةِ وتاريخِ الشعب اليمني العظيم.

كما دعا الرئيس المشاط، قيادةَ التحالفِ ممثلةً بالمملكةِ العربيةِ السعوديةِ إلى رفعِ الحصارِ عن الشعب اليمني والانخراطِ الجادِّ في مباحثَاتِ وقفِ الحربِ العسكريةِ والاقتصاديةِ وإنهاءِ الوجودِ العسكريِّ في أراضي ومياه اليمن والعملِ المشتركِ على وقفِ جميعِ الأعمالِ العدائيةِ ومعالجةِ آثارِ وتداعياتِ الحرب، وصولاً إلى استئنافِ العلاقاتِ على قاعدةِ الإخاءِ وحُسنِ الجِوارِ والاحترامِ المتبادلِ والتعاونِ المشتركِ وصونِ أمنِ وسيادةِ ومصالحِ البلدينِ والشعبينِ الشقيقين.

وجدد التأكيد للأممِ المتحدةِ وللجميعِ الاستعداد التامَّ للإسهامِ بفاعليةٍ في تحقيقِ السلامِ مع التشديدِ على ضرورةِ الفصلِ بينَ الجانبِ الإنسانيِّ والجوانبِ الأخرى، مؤكدا أنَّ فتحَ المطاراتِ والموانئ وإنهاءِ الحصارِ القائمِ استحقاقٌ خالصٌ للشعبِ اليمنيِّ ولا ينبغي تحويلُ مثلِ هذهِ المسائلُ إلى مادةٍ للمقايضةِ أو سلاحٍ من أسلحةِ الحربِ لانتزاعِ مكاسِبَ تفاوضيةٍ.

وأكد أن الإصرارَ على الربطِ بينَ الجانبِ الإنساني وجوانبِ النزاعِ العسكريِّ والسياسي عملٌ غيرُ مفهومٍ وغيرُ مبرر، وسيبقى عائقاً في طريقِ تحقيقِ السلام، ويتحملُ مسؤوليةَ كلِّ ذلكَ من يصرُّ على ذلك أو يُشرعنُ الاستمرارَ في حصارِ الشعبِ اليمني المظلوم.

وأشار إلى تزامن هذه المناسبة الوطنية، مع ما يُسَطِّرُهُ أبطالُ المقاومةِ في فلسطينَ من بطولاتٍ ونضالاتٍ أعادَتْ إلى الأمَّةِ رُوحَهَا واعتبارَهَا وملامِحِ وحدَتِها.

وبارك الرئيس المشاط، للشعب الفلسطيني وحركات المقاومة انتصارهم في معركة سيف القدس التي ذاق فيها كيان العدو الإسرائيلي مرارة الذل والهوان بانكشافه عاجزا أمام صمود وتلاحم الشعب الفلسطيني وضربات المقاومة الصاروخية.

وقال إن”الانتصار الفلسطيني أعاد للأمة ثقتها بالله وبنفسها، وما عليها إلا أن تتحرك بكل مسؤولية وأن تجعل من ذلك النصر الإلهي دافعا لها لمواصلة الطريق نحو القدس”، مشيدا بمواقفِ الشعب اليمني المشرّفةِ لنصرةِ فلسطينِ.

ودعا رئيس المجلس السياسي الأعلى، المطبعينَ مع العدو الإسرائيلي إلى مراجعةِ مواقفِهم والعودةِ إلى جادَّةِ الصوابِ لمصلحتِهم ومصلحةِ أُمتهِم.

فيما يلي نص الخطاب:

الحمدُ للهِ ربِّ العَالمين والصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمين سيدِنَا ونبيِّنَا محمدٍ الأمين وعلى آلهِ الغُرِّ الميامينْ، وارضَ اللهمَّ عنْ أصحابهِ المنتجبينَ أمّا بعد،،

باسْمِي ونيابةً عن زُملائِي فِي المَجْلسِ السياسي أُبَارِكُ لقائدِ الثورةِ ولشعبنا اليمنيِّ العَظِيمِ ولجيشنا ولجانِنا الشعبيةِ وكُلِّ رفاقِ السِّلاحِ مِنْ قبائِلِنَا الوَفِيّةِ وجميعِ منتسبي أجهزةِ ومؤسساتِ الدولةِ وكلِّ الشرفاءِ الأحرارِ من أبناءِ وبنَاتِ اليمنِ في الداخلِ والخارجِ بالذَّكْرى الواحدِةِ والثلاثين لوحدةِ الجمهوريةِ اليمنيةِ .

أيها الشعبُ اليمنيُّ العظيم

إنَّ هذهِ الذِّكْرَى تَأتِي في ظلِّ واقعٍ مليءٍ بالتحدياتِ والصعوباتِ الكثيرةِ، نتيجةً لإخفاقَاتٍ عَبَرَت المَاضِي والحَاضِرْ وماتزالُ تَتَكَدَّسُ في طريقِ المستَقبَل، ومَا يُعَانِيهِ واقِعُنَا اليمني مُتَّصِلٌ أيضاً بِمَا يُعَانِيهِ واقِعُ أُمَّتِنَا المُكْتَظِّ بالأحقادِ والكَيْدِ والاختلافَاتِ والأزَمَاتِ المُتَعَدِّدَة، وجميعُهَا تقِفُ وراءَهَا – وبلا شكِّ – مُؤَامَرَاتٌ ومَشَاريعٌ مشبوهةٌ تَسْتَهْدِفُ بلَدَنَا وبُلْدَانَ أُمَّتِنَا المُسْلِمَةِ بالمزيدِ من التفكِيكِ والتَّمْزِيق، ولعَلَّ مِنْ مَزَايَا ذِكْرَى الثَّاني والعِشْرينَ مِنْ مَايُو أنَّهَا تُذَكِّرُ الجميعَ بطريقِ العُبُورِ الآمِن، وطوقِ النَّجَاةِ الوَحيدِ ألَا وهو العودَةُ إلى وحدَتِنَا وأُلْفَتِنَا، فالوحدَة في حَقِيقَتِهَا قَدَرٌ مُسْتَقِرٌّ في أعْمَاقِ الشُّعُوبِ وصُوتٌ لا يُغَادِرُ وُجْدَانَ الأُمَّةِ مَهْمَا كانَ حجمُ الاختلافِ بينَ أبناءِ الشعبِ الواحِدِ والأُمَّةِ الوَاحِدَة، وهُوَ صَوْتٌ يَشُدُّنَا دائماً وأبداً إلى الرِّسَالةِ المُحَمَّدِيةِ الجَامِعَة، وإلى مَعَالِي الأمورِ والعَودَةِ إلى تَحْكِيمِ العقلِ والضَّمير، وتغليبِ المَصَالِحِ العُلْيَا لِبَلَدِنَا وبُلْدَانِ أُمَّتِنَا قَاطِبَةً.

لقدْ فُطِرَ الناسُ في الأصلِ على حُبِّ الخَير، وجُبِلَتِ الشُّعوبُ في الأساسِ على التَّعَايُشِ والتَّعَاوُن، وَوَاحِدِيَّةِ الوُجْدَانِ والموقِف تِجَاهَ القَضَايَا العَادِلَةِ للأُمَمْ.

لذلِكَ كانتِ الشعُوبُ عَبْرَ كُلِّ المَحَطَّاتِ تُفَاجِىءُ السَّاسَةَ والأنْظِمَةَ بمواقفٍ مُختَلِفَةٍ وتفكيرٍ مُخْتَلِف، ومَهْمَا ظَنَّ أصحابُ المشاريعِ الضَّيِّقَةِ والمَشاريعِ المَشْبُوهَةِ أنَّهم قدْ قطعوا شوطاً على طريقِ أحلامِهِمُ الصَّغيرةِ أو مواقفِهِم الظَّالِمَةِ فَإِنَّ مَواقِفَ الشعوبِ تَظْهَرُ بينَ الفَيْنَةِ والأُخْرَى لِتُثْبَتَ لَهُم أنَّ الحقَّ دامِغٌ والباطلَ زاهقٌ فَتُعِيدُهْم إلى نُقطَةِ الصِّفْر، وبينَ أيدينَا مِنَ الوَقَائِعِ والشَّوَاهِدِ مَا يُثْبِتُ هذهِ الحقيقَة، ومَا يُؤَكِّدُ عَلى أنَّ الانْحِيازَ لِضَمِيرِ الشَّعْبِ والأُمَّةِ يُمَثِّلُ طَرَيقَ الإنجَازِ وصَمَّامِ الأَمَان، وأنَّ التَّنَكُّرَ لآمالِ وتَطَلُّعَاتِ الشَّعْبِ طريقُ الهَلاكِ والفَشَل.

ففي بلادِنَا أصْغَى السَّاسَةُ لصوتِ الشعبِ ذاتَ مرَّةٍ فَوُلِدَ هذا الإنْجَازُ الكبيرِ فِي يومِ الثَّانِي والعِشْرينَ مِن مَايُو عَامَ 1990 لكِنَّهم عِندَمَا عَادُوا مِنْ جديدٍ يُصْغُونَ لأصْوَاتِهِمْ ولِذَوَاتِهِمُ المَريضَةَ كانتِ النَّتَيجةُ هِي المَزِيْدَ مِن الفَسَادِ والاختلافِ والحروبِ وفَتَاوَى التَّكْفِيرِ والدَّمِ والاسْتِبَاحَةِ والاجْتِيَاحِ والتَّنَمُّرِ على المُوَاطنينَ في شَمَالِ الوَطَنِ وجنوبِه، في تَمَرُّدٍ واضِحٍ مِنَ السُّلْطَةِ على مَفهُومِ ومنطقِ الدولةِ وعلى حَاكِمِيَّةِ القانونِ ومُقْتَضَيَاتِ الوِحْدَة، فَكَانَ انْحِرَافُ السُّلْطَةِ عَنْ إِرَادَةِ الشَّعْبِ ومَا تَفرِضُهُ وَتَقْتَضِيهِ مِن العَدلِ والحِفاظِ عَلَى أَوَاصِرِ القُرْبَى والرَّحِمِ بينَ أبناءِ الشَّعْبِ طريقاً طبيعياً إلى كُلِّ هذا الوَاقِعِ المُتَرَدِّي الذِي نَعِيشهُ اليوم، ولكنَّ وبالرَّغمِ مِنْ كُلِّ ذلك ومَهْمَا بلَغَتْ أخطاءُ الأشخاصِ أو الأحزابِ أو الحكوماتِ فإنَّ الوِحْدَةَ اليمنيةِ لا يَنْبغي أنْ تكونَ مَحَلُّ اختلافٍ أو نزاعٍ ويجِبُ أنْ تَبْقَى الوِحْدَةُ فِي واقِعِنَا أكبَرُ مِن كُلِّ الأشخاصِ والأحزابِ وأكبرُ مِنْ كُلِّ الاختلافاتِ والنزاعات.

ذلِكَ أنَّ الوِحْدَةَ مِلْكُ شعبٍ وتَنْدَرِجُ ضِمْنَ الحقُوقِ الحَصْرِيَّةِ للشَّعب، وواحدةٌ مِنَ القِيَمِ والمَعَانِي الجَمِيلةِ والمُتَجَذِّرَةِ في هُوِيَّةِ وتاريخِ شَعْبِنَا اليمنيِّ العظيم، وبالتالي فإنَّ الأخطاءَ مَهْمَا بَلَغَتْ لا تُعْطِي أيُّ جِهَةٍ في الداخلِ أو الخارجِ الحَقَّ في المَسَاسِ بِوِحْدَةِ شَعبِنَا وبلدِنَا، وإنَّمَا تُوجِبُ على الجميعِ التَّعاونُ الجادُّ والصادِقُ في تصحِيحِهَا، وإنصافُ المظلومِ شخصاً كانَ أو جماعَةً أو منْطِقَة، ومثلَمَا كانَ حُدُوثُ الخَطَأِ مُمْكِنَاً فإنَّ حدوث التصحيحِ والإنصافِ يَجِبُ أن يكونَ أيضاً مُتَاحاً وممكناً، وهذا هو المَسَارُ الطبيعيُّ والمنطقيُّ والأكثرُ ملائمةً لِمَا جُبِلَ عليهِ الشعبُ اليمنيُّ العظيمُ من خَصَائِصِ الإخاءِ والوفَاء، والتسَامُحِ والتَّعَايُش، والميلِ الدَّائمِ إلى العقلِ والعدلِ والإنصاف.

أيُّها الأُخوةُ والأخَوَات

إنَّ المواقِفَ المُحِقَّةِ والعَادلَةِ هي تلكَ التي تنسجمُ معَ الفِطرةِ السليمةِ ومَعَ آمالِ وتطَلُّعَاتِ الشُّعُوب، ومُنْتَهَى الحِكْمَةِ أنْ يتَّخِذَ الجميعُ مِن هذهِ الحقيقةِ مِعيَاراً للفعلِ والامتناعِ عن الفعل، وبدونِ هذا المِقْياس لن يتوفَّرَ لأيِّ طرفٍ أو جِهةٍ أيُّ تقييمٍ حقيقيٍّ لمواقِفِهِ وسياسَاتِهِ وسيبقى يتحرَّكُ كحاطبِ ليلٍ فلا يدري أينَ أخطَأَ ولا يدري أينَ أصاب، كما سيبقى رهناً للجُمودِ وعدَمَ التطَوُّرِ والاستفادَةِ من أخطَائِه، ونهباً أيضاً للعَشْوَائِيَّةِ والاستغْلَال، وأمّا مَنْ يتعمدُ بناءَ مَوَاقِفِهِ وسياسَاتهِ وِفْقَ أُسسٍ وغاياتٍ تتَنَافَى معَ قِيَمِ الشَّعْبِ وتأبَاهَا الشِّيَمُ فإنَّهُ سيجِدُ نفسَهُ كَمَنْ يسبَحُ عكسَ التيار، ومهما ظنَّ أنهُ يُحقِّقُ نجاحاً فإنَّهُ سيكونُ على موعدٍ مع الغرق.

واسمحوا لي هُنا أنْ أُذَكِّرَ الجميعَ بأولئِكَ الذينَ تَنَكَّروا للشعبِ وبالغوا في التَّشَبُّثِ بالسُّلطَةِ من خلالِ رهنِ القرارِ اليمني للخارجِ، أين ذهبُوا وكيفَ أصبَحَ حَالَهُم ؟

لقد أمْضوا وقتاً طويلاً في العملِ المُمَنْهَجِ المُرْتَكِزِ على سياساتِ التَّلْقِينِ والتَّدْجِين، وترسيخِ التَّبَعِيَّةِ والقابلِيَّةِ للوصايةِ والهيمَنَةِ الخَارجيةِ والإصرارِ على تحويلِها إلى ثقافةٍ وسلوك، لكنَّهم في الحقيقةِ فَشِلُوا وخَسِرُوا، ولكم اليومَ أنْ تَجمَعُوا خَسَارَتَهُم الكبيرة وإِجْرَامَهُم الكبيرَ بحقِّ أنفُسِهِم وبحقِّنَا وبحقِّ الدولةِ والشعبِ والتاريخِ والقِيَمِ والأخلاق، وكلُّ ذلك إنَّما كانَ لأنَّهُم انحرَفُوا ولمْ يضبُطُوا مسارَهُم وِفْقَ بَوصَلَةِ الشعب، وفي نِهَايَةِ المَطَافِ ستنكَسِرُ مشاريعُ التبعيةِ والارتهان، وسيبقَى فقط مشروعُ الشعبِ وما أرادَهُ الشعبُ وهو مشروعُ الاستقلالِ والسيادة.

كذلك هِي الوِحْدَةُ اليَمَنِيَّةِ لنْ يكونَ بمقدورِ أحدٍ الوقوفَ ضِدَّها مادامت تحتلُّ شغَفَ القلوبِ ومادامَ الشعبُ يبتهِجُ بها كُلَّ عام وسيبقى من الحكمةِ بمكانِ تصحيحِ المواقفِ على قاعدةِ العقلِ والعدلِ والإنصافِ وتحكيمِ إرادةِ الشعبِ اليمنيِّ العظيمِ ومراعاةِ آمالِهِ وتَطَلُّعَاتِهِ وليسَ آمال وتطلعاتِ الساسةِ والأحزاب.. ذلك منطقُ التاريخِ .. وَحَتْمِيَّةُ السُّنَن.

أيُّها الشعبُ اليمنيُّ العظيم

ويتزامَنُ معَ هذهِ المناسَبَةِ ما يُسَطِّرُهُ أبطالُ المقاومةِ في فلسطينَ من بطولاتٍ ونضالاتٍ أعادَتْ إلى الأمَّةِ رُوحَهَا بعدَ مَوَات، واعتبارَهَا بعدَ فوَات، وملامِحِ وحدَتِها بعد شَتَات، وهذهِ الأحداثُ بدورِها تَتَمَوْضَعُ كشواهدَ إضافيةٍ على خسارةِ مَن يسبحونَ ضدَّ التيارِ ويبنُونَ مواقِفَهُم طِبقاً لمواقف ومشاريعٍ طارئةٍ تتناقَضُ مع تاريخِ شعوبِنَا وأمتِنَا ومعَ قضايانَا العَادلَة.

لقد عَمِلَت الإداراتُ الأمريكيةِ المتعاقبةِ وبريطانيا والكيانُ الإسرائيلي – منذُ ثلاثةٍ وسبعينَ عاما – ومعها معظمُ دولِ الغربِ والشرقِ على إمَاتَةِ القَضِيةِ الفلسطينيةِ وشَطْبِهَا من الضميرِ العربيِّ والإنساني، وَوِفْقَ عَمَلٍ مُمَنْهج شَهِدَت العشرُ السنواتِ الأخيرةِ نشاطاً مُكثفاً لإنجازِ هذهِ الغايةِ التي تأباها كلُّ أخلاقِ البشر، وظهرتْ على نحوٍ فاضحٍ وغيرِ مسبوقٍ مساراتُ الهَرْوَلَةِ العربيةِ المكشوفةِ نحوَ التطبيعِ المُخْزِي والالتَحَاقِ بما يُسَمَّى بصفْقَةِ القَرن، وفِكْرَةِ الوَطَنِ البَديل، وكانَ هذا المَشروعُ يتحرَّكُ بزَخَمٍ غيرِ مسبوق.

وفي إطارِ هذا المشروعِ اشتعَلَتِ الحروبُ والنزاعاتُ في عمومِ مَنطِقَتِنَا العربيةِ وتَمَّ تجريمُ المقاومةُ الفلسطينيةُ وتجريمُ كلُّ داعِمِيهَا، بل وتمَّ – مع الأسف – تقديمُ حماسُ والجهادُ وبقيةُ فصائلِ المقاومةِ وكلُّ داعميهَا (من أشخاصٍ ودولٍ ومكونات) كعدوٍّ بديلٍ عن العدوِّ الإسرائيلي.

وظلوا كذلكَ حتى ظنوا أنهم يُحْرِزُونَ النَّجَاحَ تِلوَ النجاحِ، وفجأة اشتعلتِ الأحداثُ القائمةُ في حي الشيخ جراح والقدس والمسجد الأقصى وغزةَ وإذا بفلسطينَ تلقَفُ ما يأْفِكُون، وإذا بكلِّ تلك الجهودِ والتَّحَرُّكَاتِ والمواقفْ تظهرُ منعدمةَ الأثرِ والتأثيرِ وتتحولُ إلى حسرةٍ وعار.

لقد وجدنا أمَّتَنَا كُلَّهَا تضبِطُ ساعتَهَا بتوقيتِ فلسطينْ، ووجدنا الشعوبَ كلّهَا بما فيها شعوبَ تلكَ الدولِ الراعيةِ والداعمةِ عبرَ المسيراتِ الجماهيريةِ الحاشدة، وعبر البرلماناتِ والمجالسِ النيابيةِ وعبرَ وسائلِ الإعلامِ وشبكاتِ التواصُلِ تهتفُ باسمِ القدسِ وحماس والجهاد وسرايا وفصائل المقاومةِ الفلسطينيةِ البطلة، وتلاشتْ ما تسمى بصفقةِ القرنِ، وفشلت فكرةُ الوطنِ البديلِ والعدوِّ البديل، وفي هذا لاشك مُنتَهى العبرةِ والدرسِ وأرجو أنْ نستفيدَ جميعنا مِن هذا الدرسِ ليزدادَ الثابتونَ ثباتاً ويقينَا، وليُرَاجع المخطئونَ من أُمَّتِنَا مواقفَهُمْ وسياسَاتِهِم .

أيها الشعبُ اليمنيُّ الواحد

أيتها الأمةُ العربيةُ المسلمةُ الواحدة

لقد آنَ الأوانُ أنْ نَتَلَمَّسَ طريقَ الباقياتِ الصالحات، طريقَ الموقفِ الصحيحِ والتفكيرِ الصحيحِ والمرجعيةِ الصحيحة، فها هي الأيامُ والليالي وها هيَ الأحداثُ والوقائعُ تُثْبِتُ بما لا يدعُ مجالاً للشكِّ بأنَّ الحقَّ سيبقى دامغاً، وأنَّ الباطلَ لن يكونَ إلا زاهقا، مهمَا كانتِ إمكاناتُهُ ومهما كانَ حجمُ الدولِ التي تقفُ وراءه، وإنهُ لمِنَ الخسارةِ أن يواصلَ بعضُنَا طريقَ الرهاناتِ الخاسرةِ، ويثبتُ أيضاً بأنهُ لا مناصَ لبعضنا عن بعض، وأنَّ علينا أن نعودَ لما يجمعنَا، فما يجمعنا أكبرُ وأهمُّ وأكثرُ بكثيرٍ مما يفرقنا، ومثلما جعلنا نزاعاتنا وخلافاتنا ممكنةَ الحدوث، فإن من الواجبِ علينا أن نجعلَ وقفَ هذهِ النزاعاتِ والخلافاتِ أمراً ممكناً أيضاً.

وفي ختامِ هذهِ الكلمةِ أشيرُ إلى ما يلي:

1- نجدِّدُ التهنئةَ لكلِّ يمنيٍّ ويمنيةٍ بحلولِ ذكرى الثاني والعشرينَ من مايو، وأدعو جميعَ الفرقاءِ اليمنيينَ إلى الانحيازِ المُطلقِ لليمنِ الأرضَ والإنسانَ، ومراجعةِ المواقفِ على قاعدةِ الانسجامِ التامِّ مع آمالِ وتطلعاتِ الشعبِ اليمني العظيمِ ومواقفهِ المشرفةِ في التمسكِ بوحدتهِ وسيادتهِ وحريتِهِ واستقلالهِ، ورفضهِ المُطلقِ لكلِّ أشكالِ التبعيةِ والارتهان، وكلِّ ممارساتِ الحصارِ والعدوانِ والتدخلاتِ الخارجية.

2- ندعو قيادةَ التحالفِ ممثلةً بالمملكةِ العربيةِ السعوديةِ إلى رفعِ الحصارِ عن شعبنا اليمني والانخراطِ الجادِّ في مباحثَاتِ وقفِ الحربِ العسكريةِ والاقتصاديةِ وإنهاءِ الوجودِ العسكريِّ في أراضينا ومياهنا، والعملِ المشتركِ على وقفِ جميعِ الأعمالِ العدائيةِ من كلِّ الأطرافِ ومعالجةِ آثارِ وتداعياتِ الحرب، وصولاً إلى استئنافِ العلاقاتِ على قاعدةِ الإخاءِ الصادقِ وحُسنِ الجِوارِ والاحترامِ المتبادلِ والتعاونِ المشتركِ وصونِ أمنِ وسيادةِ ومصالحِ البلدينِ والشعبينِ الشقيقين.

3- نُجدِّدُ التأكيدَ للأممِ المتحدةِ وللجميعِ استعدادَنا التامَّ للإسهامِ بفاعليةٍ في تحقيقِ السلامِ مع التشديدِ على ضرورةِ الفصلِ بينَ الجانبِ الإنسانيِّ والجوانبِ الأخرى، ونشيرُ إلى أنَّ فتحَ المطاراتِ والموانئ وإنهاءِ الحصارِ القائمِ استحقاقٌ خالصٌ للشعبِ اليمنيِّ ولا ينبغي تحويلُ مثلِ هذهِ المسائلُ إلى مادةٍ للمقايضةِ أو سلاحٍ من أسلحةِ الحربِ لانتزاعِ مكاسِبَ تفاوضيةٍ في الجانبينِ السياسي والعسكري، ونؤكِّدُ بأنَّ الإصرارَ على الربطِ بينَ الجانبِ الإنساني وجوانبِ النزاعِ العسكريِّ والسياسي عملٌ غيرُ مفهومٍ وغيرُ مبرر، وسيبقى عائقاً في طريقِ تحقيقِ السلام، ويتحملُ مسؤوليةَ كلِّ ذلكَ من يصرُّ على ذلك أو يُشرعنُ الاستمرارَ في حصارِ الشعبِ اليمني المظلوم.

4- إنه ولمن عظيم فضل الله على هذه الأمة أن منَّ عليها بنصر كبير فجر هذا اليوم صنعته سواعد المجاهدين في فلسطين، وبهذه المناسبة العزيزة نبعث بأسمى آيات التهاني والتبريكات للشعب الفلسطيني ولحركات المقاومة لانتصارهم في معركة سيف القدس التي ذاق فيها كيان العدو الإسرائيلي مرارة الذل والهوان بانكشافه عاجزا أمام صمود وتلاحم الشعب الفلسطيني وضربات المقاومة الصاروخية وقد أثبتت غزة أنها درع القدس والأقصى.

إن الانتصار الفلسطيني أعاد للأمة ثقتها بالله وبنفسها، وما عليها إلا أن تتحرك بكل مسؤولية وأن تجعل من ذلك النصر الإلهي دافعا لها لمواصلة الطريق نحو القدس، ونؤكدُ تضامننا معهم ووقوفنَا الدائمَ والثابتَ إلى جانبهم، ولا يفوتُنَا الإشادةَ بمواقفِ شعبنا المشرّفةِ في نصرةِ فلسطينِ وأهلها الكرام، كما نباركُ لكلِّ الأحرارِ في هذا العالَمِ شعوباً وحكوماتٍ وبرلماناتٍ وناشطينَ مواقفهمْ التضامنيةِ المشرفةِ مع فلسطينَ ومقاومتها البَطَلَة، وندعو جميعَ المطبعينَ إلى تقوى اللهِ ومراجعةِ مواقفِهم والعودةِ إلى جادَّةِ الصوابِ لمصلحتِهم ومصلحةِ أُمتهِم.

5- ونختِمُ بتجديدِ التحيةِ لشعبنَا الصامدِ ولأبطالنا في الجيشِ واللجانِ وقبائلنا الوفيةِ ونحيي رجالَ الأمنِ والسياسةِ والإعلامِ والعلماءِ وكلِّ رجالِ ونساءِ اليمنِ ونشدُّ على أيدي الجميعِ مواصلةَ النضالِ ونبشرُ الجميعَ بما يُسعدهُم من نصراللهِ المبين والفرجِ القريب (وَبَشِّرِ الصَّابرين).

تحيا الجمهورية اليمنية – المجد والخلود للشهداء

الشفاء للجرحى -الحرية للأسرى- النصر لشعبنا اليمني العظيم

والسلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاته.