إجـرام العدوان وصمود الـيـمـنيين.. من يكسر الآخر؟
بقلم / إبراهيم السراجي
لمّا كان صُمُـوْدُ الشَّـعْـبِ الـيَـمَـنيِّ هو الأيقونة التي ساعدت الجيشَ واللجانَ الشَّـعْـبيَّة على المُضِي قُدُماً في تنفيذ الخيارات الاستراتيجية التي منحها الشَّـعْـبُ بنفسه الثقةَ؛ بكونها هي الرادعَ للعُـدْوَان، فإنه –أيْ الصمود الشَّـعْـبيّ- هو الذي يدفعُ العُـدْوَان بطريقة أَوْ بأخرى إلَى ارتكاب المزيدِ من الجرائم باستهداف الأحياء السكنية والمنشآت الصناعية والخدمية، وجعل العُـدْوَان من ذلك ضرباً من ضروب حربه على الـيَـمَـن؛ كون الشَّـعْـب الـيَـمَـني كله تحوّل إلَى جيش موحّد يواجه بكل الأساليب هذا الإجْـرَام.
ولا يعني أن العُـدْوَانَ الأمريكي السعُوديَّ كان سيتوقفُ عن استهداف المدنيين والمصانع وغيرها إذا لم يكن هُناك صمودٌ شعبيٌّ، بل إن ذلك كان سيستمرُّ عن طريق الجماعات الإرهابية من داعش والقاعدة وغيرها كما حدث في سوريا والعراق، وما جرائمُ الإعدام الجماعي للعراقيين والسوريين بالآلاف وتهجيرهم بمئات الآلاف إلَّا دليلٌ على أن العُـدْوَان الذي يقتلنا اليوم وهو يستخدم كُلَّ طاقاته العسكرية والمالية ويخسر في جبهات القتال، لكنه بدون الصمود الشَّـعْـبيّ لم يكن ليكلّف نفسَه سوى القليل من السكاكين والرصاص لقتلنا بأيدي الإرهابيين وبأعدادٍ تفوقُ تلك التي يتمكّن منها بالغارات.
اليومَ المعركةُ القائمةُ هي بين الإجْـرَام الأمريكي السعُوديّ وبين الصمود الـيَـمَـني شعبياً وعسكرياً وأمنياً، فالأول يعتقد أنه بإجْـرَامه وتنكيله بالمدنيين سيجعل من الشَّـعْـب الـيَـمَـني يشعر بالإحباط من نجاعة العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش واللجان الشَّـعْـبيَّة في جبهات الحدود وخُصُـوْصاً بعد إسقاط أَهمّ المواقع العسكرية السعُوديّة في منطقة جيزان والمتمثلة بالسيطرة على جبال الدود وتمشيط جبال الدخان والتي دفعت النظام السعُوديّ ومن ورائه لحجب قناة المسيرة من على قمر نايلسات بالتزامن مع ذلك الحدث.
بالمقابل فإنَّ صُمُودَ الشَّـعْـبِ الـيَـمَـني رغم الجرائم الفظيعة وبدلاً عن أن تتحوَّلَ تلك الجرائم إلَى مصدر لإحباطِ الشَّـعْـب الـيَـمَـني وجعله يشعُرُ باليأس من العمليات العسكرية في الحدود فإن الصُّمُـودَ في وجه ذلك الإجْـرَام سيتحول إلَى مصدر يأس للعُـدْوَان الأمريكي السعُوديّ؛ كونها لم تتمكن من كسر إرادة الشَّـعْـب الـيَـمَـني، أي أنه باختصار يقول العُـدْوَان للـيَـمَـنيين: إنَّ عملياتكم العسكرية لن تجلب لكم إلَّا المزيد من القتل. فيما يقول الـيَـمَـنيون للعُـدْوَان: إن إجْـرَامكم لن يزيدنا إلَّا صموداً وإيماناً بأن ما يقدمه الجيشُ واللجانُ في مواجهة قواتكم المهزومة هو السبيل الوحيد لردعكم، وبالتالي يتحول سلاح العُـدْوَان الإجْـرَامي إلَى سلاح ضده.
تقريرُ خبراء الأمم المتحدة الأخير والذي أدان العُـدْوَان السعُوديّ يؤكد صحة الكلام السابق، والذي أكد أن استهداف المدنيين يستخدمه طيران العُـدْوَان باعتباره تكتيكاً حربياً، وهو ما يعزز قولنا إن دولَ العُـدْوَان باتت ترى في الشَّـعْـب الـيَـمَـني جيشاً موحّداً يحول بينَها وبين تحقيق أيِّ انجاز عسكري في الميدان.
ويظهر ذلك بجلاء في تقرير خُبَراء لجنة الأمم المتحدة الذي رصد أَكْثَــر من 119 طلعة جوية استهدفت المدنيين وقال أَيْـضاً بالحرف الواحد إن “المدنيين يتعرضون للتجويع أيضاً باعتباره تكتيكاً حربياً على مدار التسع أشهر الماضية”. وهو ما يتجاوز بشكل صريح الهدفَ العسكري المعلَنَ في العُـدْوَان.
وللتعمُّق أَكْثَــرَ في تفسير الجرائم التي يرتكبها العُـدْوَان بحق المدنيين باعتبارها جزءً من العمليات العسكري أَوْ كما وصفها التقريرُ الأُمميُّ بـ”التكتيك الحربي”، فتجدر الإشارةُ لما جاء في مقال الكاتب لقمان عبدالله بعنوان “آليات العُـدْوَان: عقيدة إسرائيلية وعقلية الصحراء” والذي تناول مصطلحاً ابتكرته المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وهو مصطلحُ “كي الوعي”، والذي يقولُ بأنه قائمٌ على توجيه ضربات قاسية إلَى المدنيين الفلسطينيين ويهدفُ لتحديث أدوات “الردع” في عُمق شخصية الفرد من جهة، وإنزال الهزيمة الثقافية والفكرية وترسيخ الشعور بالعجْزِ في الذهن الجمعي الفلسطيني من جهة أخرى، وبعدم جَدْوَى النضال الشَّـعْـبيّ، بالإضَافَـة إلَى عُقم خيار “الكفاح المسلّح” في استعادة الأرض وتحقيق حلم الدولة.
وحول ذلك وضع الكاتب مقارنة منطقية لتطابق الأدوات والآليات بين العُـدْوَان الإسرائيلي على الفلسطينيين والعُـدْوَان الأمريكي السعُوديّ على الـيَـمَـنيين والتي يتميّزُ جميعها بالإمعان في ارتكاب الجرائم الجماعية بحق المدنيين انطلاقاً من مصطلح “كي الوعي” والذي يستمدُّه الإسرائيليون بحسب الكاتب في نظرياتهم التوسعية من المدارس العسكرية الغربية فيما يستمده النظامُ السعُوديّ بشكل مزدوج يمزجُ بين نظريات الغرب “الحليف” والعقلية القبلية الصحراوية المبنية على الثأر والتسلُّط والاستعلاء.
أخيراً كما فشلت الآليةُ الإسرائيلية الإجْـرَامية في وقْفِ نضال الفلسطينيين على مدى عقود أَوْ كبح جماح المقاومة الإسلامية في لبنان في حرب تموز 2006 فإن العُـدْوَان الأمريكي السعُوديّ سيكون فشله أكبر وأعظم؛ لأن الشَّـعْـب الـيَـمَـني الذي يتطلع لنصرة القضية العربية الفلسطينية يعتبر أن التخلص من الهيمنة الإقليمية والدولية ما هو إلَّا بداية ذلك الطريق.