الحياد الخائن
د. أحمد صالح النهمي
بين المقاتل اليمني من أفراد الجيش واللجان الشعبية الذي يرابط مدافعا عن تراب وطنه وشرف أمته أمام أحقر عدوان عرفته الإنسانية في تاريخنا المعاصر وبين ذلك الجندي اليمني المرتزق الذي يستخدمه العدوان درعا بشريا في محاولاته المتكررة النفوذ إلى أراضينا اليمنية في حرض وميدي والطوال والجوف وغيرها لا يوجد موقف يمكن أن نصفه بالحياد، فحينما يكون المستهدفُ وطنا… يُصبح الحياد خيانة والصمتُ تواطئاً، إما أن تكون يمنيا أو سعوديا ، وطنيا أو غير وطني .
منذ اللحظات الأولى التي تساقطت فيها قذائف طائرات التحالف العدواني على بلادنا، تعالت أصوات المثقفين اليمنيين مستنكرة هذا العدوان الهمجي، داعية إلى مناهضته وفضح جرائمه، وتوثيق مجازره، فلا قيمة للمثقف والشاعر والأديب ــ كما يقول ضمير اليمن ومثقفها الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح ــــ إذا لم يوظف إبداعه في مناهضة العدوان على بلاده.
في الجانب الآخر تماهى بعض المثقفين اليمنيين مع العدوان السعودي، فمدوا ظهورهم جسورا لقواته الغاشمة، تقتل الأهل، وتدمر كل شيء في الوطن حتى قبور أمهاتهم، وبلا خجل ولا حياء رأيناهم على قنوات التلفزة يتماهون مع إعلام العدوان في تضليل الرأي العام عن المجازر الوحشية والجرائم البشعة التي اقترفتها طائراته الحربية بحق أهلهم ووطنهم، وكأنهم ليسوا من أبناء اليمن، ولم يترعرعوا يوما على ترابه، أو يتنسموا هواءه.
بعض المثقفين اليمنيين يحاولون التذاكي في مواقفهم مما يجري، فيظهرون في كتاباتهم متدثرين ثياب الحياد، فهم يقفون صامتين أمام جرائم العدوان حتى لو كانت بحجم مجزرة المخا الأولى والثانية أو مجزرة سنبان أو قصف سكن المكفوفين، وبعض هؤلاء قد يدينون بلغة باردة بعض جرائم العدوان السعودي، ولكنهم في ثنايا الإدانة يلمحون إلى أن هذه الأماكن قد تكون ثكنات أسلحة وكأنهم يبررون للعدوان ما يقوم به من جرائم ، ويقدمون له خدمات مجانية من حيث يشعرون أو لا يشعرون .
علينا أن نسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية، فلا يوجد أمام المثقفين اليمنيين سوى جبهتين فقط، إحداهما تناهض العدوان وتفضح جرائمه، دفاعا عن الوطن وتعزيزا لمقاومة الجبهة العسكرية التي يقودها الجيش واللجان الشعبية، والأخرى تؤيد العدوان وتتماهى معه وتبرر جرائمه، متناغمة مع جبهات القوى المرتزقة في الداخل، ولا يوجد منطقة محايدة بينهما، لأن الحياد في موقف الدفاع عن الوطن في وجه العدوان الخارجي هو حياد سلبي يصب بطريقة أو بأخرى في صالح العدوان .
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو هل هؤلاء المثقفون اليمنيون الذين يدعون أنهم محايدون ينطلقون في مواقفهم بعفوية ذاتية أم أنهم يعملون أيضا ضمن الجوقة المرتزقة سعوديا؟ إن العدوان السعودي الذي يبث علنا على شاشاته الفضائية بأنه يسعى إلى شراء ذمم مشائخ القبائل اليمنية لدعم تحركاته العسكرية يعلن صراحة أيضا بأن من يستعصي منهم على الانضمام للمرتزقة سيكتفي منه أن يقف على الحياد، فهل سعى إلى تطبيق السيناريو نفسه في محاولاته تفكيك الجبهة الثقافية اليمنية فمن لم يقف معه مساندا بشكل علني يكتفي منه بإعلان موقف محايد من جرائمه العدوانية التي يستنكرها كل ذي عقل وصاحب ضمير إنساني حي، ومع بعض الاستثناءات لتلك الأصوات الوطنية، فإن مما لا شك فيه أن العدوان يسعى إلى الاستفادة من هذا الفريق الذي يدعي الحياد في التشنيع على الجيش واللجان الشعبية وتضخيم أخطائهم واختلاقها أحيانا، لأن أصوات هذا الفريق أكثر قبولا في الأوساط الجماهيرية من أصوات الفريق الذي تماهى مع العدوان في تنفيذ أجندته وتبرير جرائمه.