الذكرى الثلاثين لمؤامرة يناير 1986م في عدن ووحي البردوني
بقلم / جميل أنعم
“لا أريد منكم أن تطلقوا رصاصة واحدة حتى وإن إنهال علي الرصاص” .. الشهيد / عبد الفتاح إسماعيل مخاطباً حرسه الخاص وهو يودعهم مغادراً عدن متوجهاً إلى موسكو المنفى بعد تقديم إستقالته من رئاسة الدولة والحزب الحاكم الإشتراكي اليمني في عدن إبريل 1980م، حيث عاش في موسكو خمس سنوات وعاد إلى عدن بعد إلحاح واصرار من علي عنتر من أجل مواجهة مؤامرة بني سعود وعملائها لتصفية الثورة الجنوبية والنظام الوطني التقدمي في عدن، المعادي لأمريكا والصهيونية والرجعية العربية ، فسقط شهداء في صبيحة يوم الإثنين 13 يناير 1986م ، ولكن المؤامرة فشلت في احداث ردة ثورية في عدن مشابهة لردة السادات في مصر .. مؤامرة لم تتكشف خيوطها كاملة بالرغم من مرور ثلاثين سنة على حدوثها، ووجود رموز هذه المؤامرة على قيد الحياة (فريق الخائن هادي)
وحده فقط الفقيد المفكر الاديب عبدالله البردوني وفي كتابه “قضايا يمنية” وبأسلوبه المبدع الرائع وصف الحدث المأساوي بانها مؤامرة من دول الخليج للنيل من النظام الوطني في عدن، وتعددت الآراء حول أسباب احداث يناير 1986م، قيادات الحزب المنتصرة وصفت الحدث بمؤامرة من الإمبريالية الأمريكية والصهيونية والرجعية العربية، والتي مررت من خلال شخصية رئيس الدولة “علي ناصر محمد” بإعتباره إنتهازي متعطش للسلطة ومستعد لبيع المبادئ في سوق الجشع والحقد والأنانية فكرس خلال حكمه (أبريل 1980 – يناير 1986) المناطقية كما أفشل القطاع العام ونقله للقطاع الخاص، وتواصل مع امريكا والغرب والرجعية العربية واظهر نفسه الرجل المعتدل في اليمن الديمقراطية، أما الغرب وانظمة الخليج وصفوا الحدث بأنه صراع قبلي بين القبائل الماركسية والقبائل المعتدلة، والبعض الآخر وصفه بالصراع والتناحر بين اجنحة الحزب الإشتراكي الحاكم
والمؤامرة تفجرت في صبيحة يوم الإثنين 13 يناير 1986م، حيث أقدم الحارس الشخصي لرئيس الدولة بإطلاق النار على قيادات الدولة والحزب والجيش في قاعة الإجتماعات للمكتب السياسي فقتل على الفور القيادات التاريخية، وتلى ذلك تصفية لمعظم رموز الدولة والحزب الوطنيين بالغدر والإستيلاء على كل مفاصل ومنشئات الدولة في عدن، وتمكن فريق الخائن هادي من السيطرة الكاملة على العاصمة بفعل التحضير والإستعداد المسبق لها، ولكن وبفعل وفضل وبسالة التيار المبدئي في الجنوب تم إستعادة زمام المبادرة وإحباط المؤامرة بعد حوالي إسبوع من المعارك الطاحنة، وعندما لاحت بوادر الهزيمة المنكرة للإنقلابيين كانوا يعولون على التدخل العسكري الخارجي لدعم مواقفهم فظهرت دعوات لدخول وحدات عسكرية من الخارج إلى عدن، للفصل بين المتحاربين فأعلن الرئيس السوري الراحل “حافظ الاسد” والرئيس الجزائري الراحل “الشاذلي بن جديد” معارضتهم وبشدة لأي تدخل خارجي ففشلت محاولات التدخل الخارجي لمصلحة فريق هادي الخائن، وفروا إلى خارج الحدود
وما أشبه الليلة بالبارحة، هادي الخائن حاول تفجير الوضع في كل جغرافيا اليمن مناطقياً وهرب إلى عدن، والجيش واللجان الشعبية أفشل المؤامرة ووصل إلى عدن والجنوب، وهرب هادي للرياض، وحضر التدخل الخارجي العسكري وبأبشع الصور الإجرامية في ظل إنبطاح النظام العربي وانشغال الأنظمة الوطنية العربية سوريا والجزائر داخلياً وبنفس المؤامرة تخطيط وادوات وأهداف
وعوه على بدء إلى القامة الوطنية الفقيد الحاضر عبدالله البردوني الأعمى المبصر وحده فقط قال دول الخليج هي وراء مؤامرة 13 يناير 1986م لتصفية النظام الوطني في عدن، هذه المؤامرة إستغرق التخطيط لها أربع سنوات والكلام للبردوني .. وخلال أربع سنوات والكلام هنا من الوقائع والأحداث عمل رئيس الدولة “على ناصر محمد” ومعه الخائن “هادي” (أبريل 1980 – 1985) على سلاح النعرات المناطقية لشق وطنية الحزب والدولة والجيش والمجتمع بهدف خلق توازنات وصراعات داخل السلطة لتدعيم مواقعه في السلطة والدولة والجيش والحزب وبالفعل تمكن من ذلك الأمر، الذي تنبّه له “الشهيد / علي عنتر” ورفاقه، فاعادوا عبدالفتاح إسماعيل من المنفى من 1985م، فأثناء حكم عبدالفتاح إسماعيل عمل فريق الخائن هادي وعلي ناصر محمد على بعث النعرات المناطقية شمالي، جنوبي، وكاد ينفجر الوضع عسكرياً لولا تقديم الشهيد فتاح الإستقالة، وبعد تولي فريق هادي الخائن السلطة في عدن تم إقصاء ونفي القيادات التاريخية الجنوبية، فبعد نفي عبدالفتاح إسماعيل العبسي -من أصل جوفي- من محافظة الجوف، نفى المناضل “عبدالعزيز عبدالولي العبسي” للخارج ثم إغتياله، ونفى المناضل “محمود عبدالله عشيش” ثم سجنه وكذلك سجن المناضل الجسور والعنيد محمد سعيد عبدالله “محسن” التعزي واستمروا في السجن ولم يطلق سراحهم إلا بعد عودة فتاح من المنفى وتوحيد القوى الثورية الحزبية لمواجهة مؤامرة دول الخليج، وفصائلياً حارب الفصائل الشمالية في عدن الجبهة الوطنية الديمقراطية وحزب الوحدة الشعبية بزعامة الزعيم “الشهيد / جار الله عمر”
واكثر من ذلك بعث النعرات المناطقية في الجنوب ضد الخصوم السياسيين فهذا حضرمي وذلك ضالعي والآخر لحجي، ووصل الأمر إلى المحاولات المتكررة لعزل واقصاء “الشهيد / علي عنتر” من الدولة والحزب واستبدال القادة التاريخيين بالعناصر الفاسدة والنفعية والوصولية من المقربين والأقارب وبلون مناطقي
ويتكرر المشهد دوماً، وما أشبة الليلة بالبارحة نفس الفريق العميل والخائن هادي وفي 2015م – 2016م يلعب على الورقة المناطقية على كل الجغرافيا اليمنية وهذه المرة بإسناد عالمي واقليمي وحزبي وتكفيري واسع النطاق مدعوم بإمبراطورية إعلامية ومالية غير مسبوقة في تاريخ الصراع السياسي العالمي، وهكذا العدو عدو مستمر في عدوانه تاريخاً، يقتل هنا ويذبح هناك ويحاصر ويدمر طالما هناك عناصر تبيع المبادئ والأوطان وتشكل جسر لعبور وتسلل الأعداء للاوطان، يقابل ذلك عناصر وطنية قد تنجر لمربع العمالة وبدون وعي وادراك، ولكنها تستدرك الامر وتعود إلى حضن الوطن والوطنية والبعض الآخر يكابر ويعاند ومصيره مصير الثور الأبيض وسيَخر ويذبح يوماً ما وبالغدر أو بغيره تعددت الأسباب والذبح واحد، ومن لايعرف حكاية الثور الأبيض في التاريخ العربي، والذي كان بين عدة أثوار في الحظيرة وكان الجزار يذبح ثوراً من الحظيرة كل يوم، وكان الأثوار يتآمرون على بعضهم البعض، فتآمروا أولاً على الثور الأبيض فذُبح ثم الثور الأسود وذُبح ثم الثور الأحمر فذُبح، وهكذا حتى بقي ثور واحد فقط في الحظيرة وحان وقت ذبحه حينها نطق وقال (ذُبحت يوم ذُبح الثور الأبيض) .. في أشارة إلى انه ذبح نفسه بتآمره على الثور الأبيض أول ضحايا التآمر بينهم
وبالمثل فان واقع الحال للانظمة الوطنية الجمهورية العربية، وواقع الحال للقوى والأحزاب الوطنية والشخصيات الوطنية العربية بصفة عامة واليمنية بصفة خاصة تشبه حكاية الثور الأبيض، وحدها فقط الوطنية اليمنية والوحدة العربية والتضامن الإسلامي كفيل بالوقوف ضد أعداء الامة العربية والإستعمار والصهيونية وبني سعود والخونة والعملاء، وهزيمتهم شر هزيمة .