الخبر وما وراء الخبر

 النفاق الإداري و” الباذنجان”.

34

ذمار نيوز || مقالات ||
[4 اغسطس 2020مـ -14 ذي الحجة1441هـ ]

د/ عزيز عبدالرؤوف

يعتبر النفاق الإداري من الأمراض الإدارية المزمنة التي توصف في علم الإدارة بأنها من الأمراض المتفشية في كل زمان ومكان، ويعرّف بأنّه: تملق وتزلف المرؤسين لرئيسهم الجديد أياً كان فبمجرد صدور قرار تعيينه يبدأون بكيل كل أنواع المديح والثناء والتبجيل والتطبيل من أجل تحقيق مكاسب وأهداف شخصية، والحصول على مكانة مرموقة، أو منصب جديد، أو البقاء في المنصب نفسه، أو الحصول على بعض الترقيات والإمتيازات، وهذا المرض دأبت عليه أقلام وألسنة النفاق الإداري والسياسي في كل زمان ومكان، وعادةً ما يكون المسؤول هو ضحيتها، ويدفع بمسؤوليته ثمناً لها، وهذه الأمراض المعقدة التي تصيب الأجهزة الإدارية هي من أشد أنواع الفساد الإداري الذي يجب على المسؤول التصدي له ومعالجته وحسن التصرف معه، وتشخّص الأمراض الإدارية في علم الإدارة بثلاثة أمراض قاتلة يسعى علماء الإدارة لمعالجتها هي:
١- البيروقراطية التي تعني: الروتين والإجراءات والتعقيدات الوظيفية والإدارية.
٢- الإنحرافات القيادية وتتلخص في: الفساد المالي، والرشوة، والإبتزاز، والمخالفات الإدارية، والمحسوبية، والوساطات، والإخلال بالواجبات وغيرها.
٣- النفاق الإداري وهو أخطرها كما سبق تعريفه وتوصيفه، وعندما يتخذ المدير قراراً ما تنبري شلة النفاق والإرتزاق للإشادة والمدح والثناء واطلاق كل عبارات المديح والوصف بالحكمة والحنكة السياسية والإدارية، والتطبيل والتصفيق، وعند اخفاق هذه القرارات كذلك يستمرون في مدحهم ونفاقهم وتعليق الأسباب على قضايا ومواضيع أخرى، وتحميل الإدارات السابقة مسؤولية ذلك، مع الإستمرار في الإشادة والإطراء.

وهناك حكاية تروى في هذا الموضوع عن أحد الملوك وسواءً كانت الحكاية حقيقية أم لا فإنها طريفة ومفيدة، فيروى أنّ النبلاء فى زمان هذا الملك تسابقوا لإقامة الولائم الفاخرة لجلالته تقرباً وافتخاراً بتعينه وتتويجه ملكاً عليهم، وذات مرة في احدى الولائم تناول الملك قطعة “باذنجان” مخلل بالمقبلات فأبدى إعجابه بها.
وعلى الفور تطوع أحدهم بالمديح والثناء وقال الكثير فى شأن “الباذنجان” فهو سهل الهضم غني بالحديد والمنغنيز، وينظم ضغط الدم، ويحمي الحمض النووي، ويقوي المناعة، ويعمل على خفض الوزن، ويرفع مستوى القدرة الجنسية وووو الخ، ولمجرد أنّ الملك أبدى إعجابه “بالباذنجان” صارت الموائد لا تخلو منه بعد أن تفنن الطهاة فى حشوه بالمكسرات مع الثوم والفلفل، وأصبح يطارد الملك على كل مائدة، وفى كل مأدبة ووجبة حتى ضاق به وأصبح لا يطيق رؤيته.
وذات مرة وعندما وجد “الباذنجان” يتصدر المائدة تناول قطعة وأبدى استياءه من طعمها ولونها ورائحتها، وفوراً تم رفع “الباذنجان” من على المائدة، وهنا اندفع الشخص نفسه الذى أسرف فى المديح من قبل إلى ذم هذا الطعام قائلاً: الحق معك يا مولاي إنّه طعام رخيص يؤلم المعدة، ويرفع ضغط الدم، ويضعف المناعة، ويصيب الجسم بالفتور… و… و… فالتفت إليه الملك وذكر له قوله السابق فى مدح “الباذنجان”، وهنا بهت الباشا المنافق وهتف قائلاً: أنا فى خدمة مولاي أقول ما يرضيه ولست فى خدمة “الباذنجان”..!!