الخبر وما وراء الخبر

 الصمت الذي سمعته “إسرائيل”.. وهزّ أركانها

21

ذمار نيوز || تقارير ||
[28 يوليو 2020مـ -7 ذي الحجة1441هـ ]

ايهاب زكي/ العهد الاخباري

“إنّ العرب من حيث التكوين الطبيعي هم من أقوى وأنبل العروق البشرية في العالم، وهكذا فإنّهم جسدياً لا يرضخون إلّا للقلة من الأجناس البشرية، هذا إذا رضخوا، وأمّا ذهنياً فإنّهم متفوقون على معظم أجناس البشر، ولا يحد من مسيرة تقدمهم سوى النقص الملحوظ في القدرة على التنظيم، وعجزهم عن القيام بعمل مشترك، ومع أنّ أشكال حكوماتهم تتسم بالبلادة والنواقص، فإنّ هذه الأشكال وصلوا إليها بجهدٍ جهيد”.
الموسوعة البريطانية.

إنّ ما اعتبرته الموسوعة البريطانية أزمةً تحُول دون مسيرة التقدم، قد تغلب عليها حزب الله تنظيمياً، فقد استطاع الحزب تنظيم أولوياته وتحديد أهدافه واستخدام أدواته المتاحة للدرجة القصوى، وتمكّن من الطريقة الفضلى لمكان وكيفية وتوقيت استخدامها، كما أنّه مارس العمل المشترك في سوريا مثالاً. هذا الاشتراك أنتج نصراً سيكون له عظيم الأثر على خرائط المنطقة ومستقبلها، وهذا ما يجعل حزب الله في حالة صعودٍ دائم، وأبعد ما يكون عن الترهل التنظيمي والضعف العسكري. وإذا كانت هذه القدرة مدهشة بالنسبة لأنصار الحزب، فإنّها تبدو مفاجِئة ومصيرية بالنسبة للعدو “الإسرائيلي”، حيث إنّ فلسفة الوجود “الإسرائيلي” بعيداً عن ضرورة التفوق العسكري، قائمة على الشرذمة العربية بكل ما تحتمله من صراعات بينية، وبكل ما تعنيه من شتات نفسي وذهني، بما ينعكس سنواتٍ جديدة وإضافية في عمر الكيان. وبما أنّ الحزب تغلّب على المعضلة المزمنة التي لاحظتها الموسوعة البريطانية، فإنّ “إسرائيل” تعتبره عدواً قاسياً وتهديداً استراتيجياً لوجودها، وأقرب مثالٍ ما تعانيه في الأيام الأخيرة من ارتباك، بعد نعي الحزب للشهيد علي كامل محسن.

بعد يومين على استشهاده كتبت “إنّ الرسائل”الإسرائيلية” عبر الإعلام هي رسائل اعتذارية للحزب، حيث كان إعلام العدو مصراً على لازمةٍ واحدة، هي أنّ القتل لم يكن مقصوداً، ولم تكن القيادة العسكرية على علمٍ بوجود عناصر للحزب في الموقع المستهدف، وعليه يكون فحوى تلك الرسائل اضرب لكن لا تُوجع”. واليوم أصبحت الرسائل رسمية عبر الأمم المتحدة، وحزب الله لا يتعاطى مع هذا النوع من الرسائل، كما قال نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم: “وصلتنا رسالة عبر الأمم المتحدة ولم نرد عليها، ولن نكشف فحواها”. ويبدو أن هذا التجاهل جعل “إسرائيل” ترفع سقف تهديداتها في حال أقدم الحزب على الردّ، ورفع السقوف هذا لا يتناسب إطلاقاً مع الوهن “الإسرائيلي”، لذلك فهي تراهن على إبعاد الأهداف قدر المستطاع بعيداً عن الحدود، في حالة هروب تحاول تجميله بمصطلح حرمان الحزب من الأهداف، أو على خطأ عسكري يجعل من ردّ الحزب بلا ضحايا، أو قابلاً للتكتم الإعلامي، وهكذا يمر رفع السقوف على الناخبين في الداخل المحتل مرور الكرام، وهذا الداخل المُهلهَل يسعى للإطاحة بـ نتن ياهو، وقد يكون ردّ الحزب الذي تتيقنه “إسرائيل”، في حال كان قاسياً جداً وبلا ردٍّ مضاد، أقصر الطرق لهروب نتن ياهو و”إسرائيله” لانتخاباتٍ رابعة، كعملية تمويهٍ عن العجز العسكري.

يُقال في كيان العدو على سبيل التندر بالحقيقة، إنّه “لا يوجد في “إسرائيل” من يصدق أنّ نتن ياهو سيُسلم رئاسة الحكومة لبني غانتس حسب الاتفاق المبرم بينهما، سوى بني غانتس نفسه”، وهذا من ضمن أسبابٍ كثيرة تجعل نتن ياهو يُفضل الذهاب لانتخاباتٍ رابعة بدل الذهاب إلى الحرب، خصوصاً إذا كانت هذه الحرب بلا اشتراكٍ أميركيٍ مباشر، ويُستفرد بالكيان و”جيشه” على الجبهة اللبنانية، فضلاً عن احتمال توسع الجبهات، فالارتباك الذي تعانيه”إسرائيل” من مجرد حالة الصمت التي يمارسها حزب الله، تجعل أيّ مراقبٍ يستخدم عُشر عقله، يدرك أنّها ليست بوارد الذهاب إلى حرب، فمن يرِد الذهاب إلى حربٍ يخترع مبرراتها ولو من العدم، بينما الكيان يتصرف على قاعدة “لا يوازي رغبتي في الحرب سوى عجزي عن استطاعتها”، وفيما يمارس الحزب الصمت المربك، فإنّ السياسيين والإعلاميين في كيان العدو يمارسون الثرثرة، ويبدو أنّها ثرثرة على سبيل الاستئناس، كالذي يمشي خائفاً في ظلامٍ دامس، فيبدأ بالتحدث إلى نفسه.وكثيرة هي الأمثلة على منطق الاستئناس، ولكن أسوق هنا مثلاً فيما قالته عن صمت حزب الله “اللفتانت كولونيل المتقاعدة ساريت زهافا رئيسة مركز أبحاث ألما المعني بمراقبة الحدود اللبنانية”، حيث يبدو أنّها أيضاً رغم تقاعدها تعاني من فوبيا حزب الله، فتقول “إنّ إسرائيل تنتظر تصريحات قيادة حزب الله، وكقاعدة عامة فإنّ تصريحات السيد نصر الله تصدر في خطب الجمعة”، وهذا قطعاً ليس مجرد جهل، فهذه رئيسة مركز اكتشف مصانع حزب الله للصواريخ الدقيقة، فحمل نتن ياهو هذا الاكتشاف للأمم المتحدة، ثم تقول إنّ “من عادة السيد أن يطلق تصريحاته في خُطب الجمعة”، إنّها الفوبيا في أبلج الصوّر، ويبدو أنّ زهافا بحاجةٍ إلى آلةٍ حاسبة لحساب أيام الجُمَع التي لا يعتلي فيها السيد نصر الله منبر الجمعةً، ولكن يُفضل على سبيل المعرفة طالما ترأس مركزاً معنياً بمتابعة الحدود اللبنانية، أن تلقي نظرة على الحدود الفلسطينية – اللبنانية، وترى حالة الهروب والاختباء التي يمارسها “جيشها”، وستعرف يقيناً ماذا يقول السيد نصر الله بلا خُطب جمعة، وأنّ العسكريين قبل السياسيين في كيانها سمعوا هذا الصمت جيداً وعَقِلوا فحواه، وعرفوا أنّه صمت المتمكن والمالك لزمام المبادرة، ونحن عرفنا أنّ كياناً يخيفه الصمت كما يخيفه الكلام على حدٍ سواء، هو حقاً أوهن من بيت العنكبوت.