الخبر وما وراء الخبر

 احتجاجات أمريكا تدخل المرحلة المسلّحة

29

ذمار نيوز || أخبار عربية ودولية ||
[8 يوليو 2020مـ -17 ذو القعدة 1441هـ ]

الوقت التحليلي – تتواصل الاحتجاجات ضد العنصرية في أمريكا، والتي اندلعت منذ أكثر من شهر احتجاجًا على مقتل الأمريكي الأسود “جورج فلويد”.

المتظاهرون في مدينة “بالتيمور” قاموا بإسقاط تمثال “كريستوفر كولومبوس” مكتشف أمريكا وإلقائه في الماء. وذلك بعد ساعات فقط من إطلاق الرئيس ترامب صفة “النازيين والإرهابيين” عليهم، في خطابه بمناسبة عيد الاستقلال الأمريكي.

الشرطة الأمريكية، التي كانت حاضرةً في مكان الحادث، فضلت عدم التدخل. وأوضح متحدث باسم عمدة بالتيمور أن حماية التماثيل ليست من أولويات قسم الشرطة، وأن الشرطة تركز بشكل أكبر على القتل والجرائم الأخرى.

کما شهدت العديد من المدن الأمريكية الأخرى مسيرات مماثلة. المتظاهرون في واشنطن أضرموا النار في العلم الأمريكي وأحرقوه. وبالقرب من مکان الحادث بالضبط، استضاف الرئيس مئات الأشخاص خلال إطلاق الألعاب النارية في البيت الأبيض بمناسبة الـ 4 من يوليو يوم استقلال الولايات المتحدة. کما تم إحراق العلم الأمريكي أيضًا في نيويورك خارج برج ترامب وعلى نجمة ترامب في ممشی المشاهير في هوليوود.

وفي بالتيمور، تم سحب تمثال كريستوفر كولومبوس وسط صرخات المحتجين، وفقًا لفيديو تمت مشاركته علی الفيسبوك، وبينما كانت الحشود تصرخ سقط التمثال العملاق على الأرض.

وقال عمدة بالتيمور بهذا الخصوص، إن هدم التمثال جزء من مراجعة وطنية وعالمية لرموز “قد تكون لها معان مختلفة لأناس مختلفين”.

کما صرح “ليستر ديفيس” المتحدث باسم العمدة “برنارد يونج”: “نحن نعلم أن ما يحدث في بالتيمور هو جزء من السرد والخطاب الوطني. نحن نفهم الإحباط. إن المدينة تريد أن تكون نموذجًا وطنيًا، خاصةً فيما يتعلق بما حدث في شكل احتجاجات”.

يبدو أن المتظاهرين طالبوا بإنفاق الأموال المخصصة لقسم الشرطة في مجال الخدمات الاجتماعية، التعليم العام، إسكان المشردين، تعويض السود الأميركيين، وإزالة جميع التماثيل التي شيدت من أجل “تكريم العنصريين البيض، تجار العبيد، مرتكبي الإبادة الجماعية والمستعمرين”.

وبحسب ضباط شرطة مدينة بالتيمور، الذين تخضع تصرفاتهم للتدقيق مثل الوكالات الأخرى، فإن توبيخ المواطنين بسبب التماثيل ليس على رأس جدول أعمالهم.

وقال ديفيس بهذا الصدد: “إن ضباطنا في بالتيمور أحد أفضل الضباط في البلاد، إنهم مهتمون في المقام الأول بحماية حياة الناس. حياة الناس مقدسة وكل شيء آخر بما في ذلك التماثيل، يقع في الدرجة التالية”.

لكن الرئيس ترامب لا يوافق على استرضاء المحتجين. حيث قال الأسبوع الماضي إن الذين يُعتقلون خلال إسقاط رموز العبودية سيُسجنون لمدة تصل إلى 10 سنوات. وأمر السلطات الفيدرالية “باعتقال أي شخص ينتهك أو يحطم الرموز أو التماثيل أو الممتلكات الفيدرالية الأخرى في الولايات المتحدة، وسجنهم لمدة تصل إلى 10 سنوات كحد أقصى”.

إن اشمئزاز ترامب الواضح من المتظاهرين الداعمين لحركة “حياة السود مهمة”، تجلی أيضاً خلال خطابه في البيت الأبيض بمناسبة الـ 4 من يوليو. وقارن في خطابه المحتجين بالنازيين والإرهابيين.

وقال ترامب في هذا الصدد: “لقد هزم الأبطال الأمريكيون النازيين، وأسقطوا الفاشيين، وأطاحوا بالشيوعيين، وأنقذوا القيم الأمريكية، وأحيوا المبادئ الأمريكية، ولاحقوا الإرهابيين في جميع أنحاء العالم”.

كما تم إسقاط أو تحطيم تماثيل كولومبوس في مدن مثل ميامي وريتشموند في ولاية فرجينيا، سانت بول في ولاية مينيسوتا، وبوسطن. وفي بوسطن، قطع المتظاهرون رأس التمثال.

الاحتجاجات في ولاية جورجيا

في ولاية جورجيا، تجمع حوالي 100 عضو من حزب النمر الأسود في حديقة “ستون ماونتن” (جبل على شكل قبة)، وطالبوا بإزالة منحوتة الكونفدرالية الضخمة.

منحوتة الكونفدرالية الضخمة نصب تذکاري من تسعة طوابق، منحوتة في صخرة في شمال شرق أتلانتا. وربما يكون هذا النصب هو أكثر الرموز وقاحةً لإرث العبودية في الجنوب، والذي ظل سليماً.

وعلى الرغم من الطلبات القديمة بإزالة ما يعتبره الكثيرون مزارًا عنصريًا، لا يزال من الممكن رؤية الصورة الكبيرة لثلاثة من فرسان الجيش الكونفدرالي على ظهور الخيل فوق سهول جورجيا. وهذا النصب محمي بموجب قانون الولاية.

كان هذا التمثال والعديد من التماثيل الكونفدرالية الأخرى محل جدل بين الأمريكيين، الذين يعتقدون أن التماثيل تعمل علی نشر إيديولوجيات الكراهية، وأولئك الذين يعتقدون أن التماثيل أقيمت تكريماً لتقاليد الولايات الجنوبية.

تم إغلاق هذا النصب التذكاري للجمهور بسبب انتشار فيروس کورونا، ولكن أعيد افتتاحه يوم الخميس ليكون متاحًا بمناسبة ذکری 4 يوليو. والصور التي التقطت يوم السبت من متنزة ستون ماونتن تظهر مجموعةً من المسلحين من حزب النمر الأسود يرتدون أقنعةً مختلفةً.

تشكلت هذه المجموعة في الأصل لمراقبة سلوك ضباط شرطة أوكلاند، ولإطلاق دوريات مدنية مسلحة تسمى “مراقبة الشرطة”. وکان ضباط شرطة أوكلاند قد اتهموا في ذلك الوقت بارتكاب أعمال وحشية. والآن بعد مرور 50 عامًا، احتج المتظاهرون مرةً أخرى على وحشية الشرطة بعد وفاة جورج فلويد والعديد من الأمريكيين السود الآخرين.

وعن هذا الأمر، يقول “جيرالد جريجس” نائب رئيس “الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين” في أتلانتا:

“نحن هنا في أتلانتا، مسقط رأس حركة الحقوق المدنية، وفيها أيضاً أكبر نصب كونفدرالي في العالم. لقد حان الوقت لولايتنا للتحرك في الاتجاه الصحيح.”

وقد نظمت الجمعية مسيرةً الأسبوع الماضي للمطالبة بإزالة هذا الرمز. ولطالما كانت ستون ماونتن ذات أهمية رمزية للعنصريين البيض.

الاحتجاجات في نيويورك

في مدينة نيويورك أيضاً، تجمع المتظاهرون أمام برج الرئيس ترامب المكون من 58 طابقًا. وردد المتظاهرون شعارات وحملوا لافتات بل وأحرقوا الأعلام في بعض الحالات.

مقاطع الفيديو التي تم تصويرها خارج برج ترامب بالقرب من ميدان كولومبوس، تظهر مجموعةً من المتظاهرين يحرقون العلم الأمريكي. وقال متحدث المراسيم إن “الترهيب والسجن الجماعي وقتل السود على يد الشرطة”، هي من بين الأسباب التي “جعلت الولايات المتحدة لا يمكن إصلاحها”.

کما أضرمت النيران في علم أمريكي كبير، وردد المتظاهرون “العبودية والإبادة الجماعية والحرب … أمريكا لم تكن عظيمةً على الإطلاق”. وبعد ذلك تم إسقاط العلم المحترق على الأرض، واستخدمه المتظاهرون لحرق أعلام أصغر.

وبحسب ما ورد، فقد أحرق المتظاهرون علماً واحداً في الميدان وآخر أمام برج ترامب. وكان ضباط شرطة مدينة نيويورك حاضرين على ما يبدو في مكان الحادث، وشهدوا حرق الأعلام الأمريكية.

وقامت شاحنة تابعة لشرطة نيويورك کانت مرکونةً بالقرب من فندق ترامب، بإذاعة النشيد الوطني الأمريكي على مكبرات الصوت. وفي منطقة بروكلين، وفقًا لموقع يو إس إيه توداي، نظم سكان نيويورك مسيرة “مواجهة الرابع من يوليو” لتکريم الناشطين السود والسكان الأصليين.

وأشار منظم المراسيم “جو ماكلارو” إلى کلمة “فريدريك دوجلاس” المؤيد لإلغاء العبودية، بعنوان “ماذا يعني 4 يوليو للعبيد؟”، واعتبرها ذات معنى ومفهوم في الفترة الحالية أيضًا.

وقال في هذا الصدد:

“لا تزال هذه المسألة مهمةً. ماذا يعني الـ 4 من يوليو بالنسبة للأشخاص الذين لا يزالون يتعرضون للاضطهاد والتهميش، والذين لا يملكون الحريات التي يجب أن يتمتعوا بها في هذا البلد؟”

ووفقًا لـ سي.إن.إن، أوقفت الاحتجاجات الواسعة النطاق يوم السبت حركة المرور على جسر بروكلين. وقالت وكالة إدارة الطوارئ في نيويورك على تويتر، إن “جميع الطرق المؤدية إلى بروكلين، والتي تعبر جسر بروكلين، تم إغلاقها بسبب الاحتجاجات. وفي هذا الصدد، يجب سلك الطرق البديلة وزيادة وقت السفر”.

کما أفادت إدارة شرطة نيويورك إنه تم التخطيط لحوالي 1200 وقفة احتجاجية منتظمة في الـ 4 من يوليو في نيويورك.

الاحتجاجات في واشنطن

لقد تجمع مئات الآلاف من الأشخاص في مرکز واشنطن يوم السبت الماضي، حيث استضاف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مراسيم إطلاق الألعاب النارية والتحليق الاستعراضي للطائرات للعسكرية بمناسبة الـ 4 من يوليو.

وبينما ترى العديد من الولايات الأمريكية أعدادًا غير مسبوقة من الحالات الجديدة من كوفيد 19، وعلى الرغم من تحذير العمدة من مخاطر التجمعات، ولکن تجمع الناس في الطقس الحار صباح يوم السبت المنصرم.

وقد أغلق ضباط الشرطة الشوارع المؤدية إلى البيت الأبيض، ساحة “حياة السود مهمة”، ونصب لنكولن التذكاري. وكان من المقرر أن ينضم المتظاهرون إلی إحدى المسيرات الاحتجاجية الاثنتي عشرة في هذه الأماکن، قبل خطاب ترامب بمناسبة الـ 4 من يوليو.

الجماعات الناشطة دعت إلى احتجاجات سلمية لدعم الإصلاحات بعد اغتيال جورج فلويد في مايو/أيار. كما هو الحال في نيويورك، حيث أحرق المحتجون عدة أعلام أمريكية في معارضة ترامب والسياسات التمييزية.

وأثناء خطابه ليلة الجمعة في “جبل رشمور” الواقع في داكوتا الجنوبية، اتهم ترامب “المحتجين الغاضبين” بمحاولة محو التاريخ. وفي خطابه، وصف نفسه بأنه حاجز أمام التطرف اليساري.

مجموعة النشطاء الجدد تحت عنوان “مقاتلو درب الحرية في واشنطن دي سي”، والتي تسعى إلى حشد جيل من أنصار التنوع العرقي لدعم الحرية للجميع، وخاصةً السكان السود في واشنطن، كانت واحدة من الجماعات المناهضة للفاشية التي تجاهلت تحذير العمدة بالامتناع عن التجمعات.

وفي هذا الصدد، قال “كريغان ويليامز” أحد مؤسسي المجموعة والبالغ من العمر 22 عامًا: “لم يتم تحرير السود بعد من سلاسل الاستبداد، لذلك لا يمكننا الاحتفال بعيد الاستقلال حقاً. نحن نتظاهر اليوم لنظهر أن السود يواصلون النضال من أجل الحريات البسيطة التي كان من المفترض أن يوفرها الدستور”. وتستضيف مجموعته مسيرةً وحدثاً فنياً في المساء.

وکان ترامب قد انتقد مرارًا وتكرارًا حركة “حياة السود مهمة”، وانحاز علنًا إلى جانب مؤسسات إنفاذ القانون.

الاحتجاجات في ريتشموند

النشطاء المسلحون لحركة “حياة السود مهمة” والجماعات اليمينية، اجتمعوا في مدينة “ريتشموند” بولاية فرجينيا يوم السبت، لإظهار دعمهم الموحد للتعديل الثاني للدستور.

وقد تجمّع ما لا يقل عن 200 شخص يحملون الأسلحة والأسلحة نصف الآلية والأسلحة النارية الأخرى خارج ساحة الكابيتول، للاحتجاج على قانون مراقبة الأسلحة وانتهاك الحقوق المنصوص عليها في الدستور.

كما أشادت المسيرة، التي نظمتها مجموعة “فرسان فرجينيا”، بـ “دونكان لامب” البالغ من العمر 21 عامًا، والذي قتلته الشرطة بالرصاص في مارس/آذار في منزله في ولاية “ماريلاند”.

وحول هذا الحدث، جاء في الفيسبوك: “إن المسيرة التي جرت في الـ 4 من يوليو، تريد أن تظهر أن أصحاب الأسلحة لن يسمحوا بانتهاك حقوقهم. نحن المواطنين نريد من الذين أدوا اليمين أن يحمونا ويحموا حقوقنا بموجب التعديل الثاني للدستور. وأية قوانين لمكافحة الأسلحة تنتهك الدستور”.

وأضاف البيان: “كان دونكان لامب شقيقنا الذي قتل أثناء نومه بطريقة جبانة، بموجب نفس القوانين في ماريلاند المماثلة للقوانين التي أقرها “رالف نورثام” حاكم ولاية فرجينيا”.

وقال المنظمون إنهم يريدون أن يظهروا لنورثام، “أننا نقف بحزم وقوة کوطنيين، أمريكيين، ورجال ونساء أحرار”.

وأظهرت الصور أن المحتجين من أطياف سياسية مختلفة، اندمجوا لممارسة حقهم في حمل السلاح. وکانت السناتورة عن ولاية فرجينيا “أماندا تشيس” المرشحة الجمهورية لمنصب حاكم الولاية، واحدة من قادة المسيرة.

وتحدثت تشيس التي حملت مسدساً، إلى النشطاء حول موقفها من الشرطة والاحتجاجات المستمرة في جميع أنحاء البلاد. حيث قالت: “نحن لا نتسامح مع الأشرار. معظم ضباط الشرطة لدينا أناس طيبون ويفعلون الأشياء بشكل صحيح. ولكن يجب علينا مساعدة أولئك الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية. علينا أن نساعد، ولا ينبغي أن نبخل بمساعدتنا”.

وجاءت هذه المسيرة بعد ستة أشهر من مسيرة أخرى لدعم حقوق السلاح في ولاية فرجينيا. حيث تجمع أكثر من 22 ألف ناشط مسلح في تجمع سابق أمام برلمان الولاية للاحتجاج على قانون أقره برلمان الولاية الذي يسيطر عليه الديمقراطيون.

واندلعت الاحتجاجات بعد أن منع حاكم ولاية فرجينيا “نورثهام” مَن يحملون السلاح مِن دخول برلمان الولاية.

کما خرج مئات الأشخاص في مسيرة في شيكاغو بولاية إلينوي، حاملين صورًا لضحايا العنف المسلح ولافتات دعماً لحركة “حياة السود مهمة”، کتب علی بعضها: “أمريكا لم تكن حرةً أو عظيمةً على الإطلاق”.

وتجدر الإشارة إلی أن الاحتجاجات مستمرة في مدن وولايات أمريكية أخرى، حيث تم اعتقال أكثر من 15 ألف متظاهر حتى الآن، وقتل أكثر من 25 على الأقل في الاحتجاجات، استناداً إلى الإحصائيات المنشورة