العيد في ظل العدوان والحصار.. معاناة مستمرة يقابلها صمود أسطوري
ذمار نيوز || تقارير ||
[2 شوال 1441هـ ]
عيد خامس على التوالي يعود على اليمنيين في ظل عدوان كوني غاشم أكل الأخضر واليابس وأهلك الحرث والنسل وانتهك كل قوانين الأرض والسماء، وحصار خانق في ظل اقتصاد مُنهكٍ ومُنهار أصلاً، ولكن يقابله صمود أسطوري وثبات يبديه اليمنيون في كل عيد يحتفلون به لتستمر حياتهم نحو الانتصار على كل متاعب الحياة.
مظاهر العيد الحالي والتي تبدو بسيطة تكشف عن الفرحة المنقوصة التي يعيشها اليمنيون بسبب العدوان والحصار والذي أثر ولا زال على حياتهم نفسياً ومادياً ومعنوياً.. حيث لم يستطع الكثير من الناس شراء مستلزمات العيد لهم ولأولادهم بسبب غلاء أسعارها والبعض منهم تظهر عليهم ملامح الحسرة لضيق الحال وقلة الحيلة.
التاجر علي يوسف الجعدي يمتلك بقالة بحي الحصبة بالعاصمة صنعاء.. يوفر فيها كل ما لذ وطاب.. يصف عيد الفطر المبارك لهذا العام لدى الناس بأنه في أسوأ حالاته في ظل عدوان همجي وحصار جائر قضى على كل فرحة في قلوب الناس.
ويقول الجعدي “حالة الناس المادية والمعنوية والنفسية سيئة للغاية فلم يعد بمقدور معظم الناس شراء حاجياتهم الأساسية فما بالك بمستلزمات العيد”.
دخل العدوان السعودي الأمريكي عامه السادس ولا زال مستمر في غيه وظلاله، وعيد يتلوه عيد يتجرع فيها الشعب اليمني كل المآسي والويلات التي خلفها هذا العدوان، ليبقى الإصرار على مقاومته والسعي للحرية، والتحرر من التبعية، والعيش بكرامة، قرار ينتهجه جميع اليمنيين الأحرار حتى تحقيق النصر بإذن الله.
الأستاذ أحمد غمضان أحد المواطنين الصامدين في وجه هذا العدوان يقول: رغم جراحنا ورغم الألم ورغم كل الظروف القاسية والمعاناة التي فرضها هذا العدوان الغاشم على حياتنا، سنمارس عاداتنا العيدية ونحيي أعيادنا بكل فخر وقوة وسنقهر العدوان بدلا من قهره لنا، ولن يثنينا حصاره الجائر عن ممارسة حياتنا الطبيعية بل إن إستمراره يدفعنا ويحفزنا للتوجه إلى جبهات القتال ورفدها بالمال والرجال وكل غالي ورخيص حتى نحقق النصر الكبير عليه.
نسيم محمد.. موظفة حكومية وربة بيت تقول: “إن طقوس الاحتفال بالعيد تتشابه في جميع بلدان العالم العربي والإسلامي لكنها استثنائية في اليمن منذ إعلان العدوان الغاشم والحصار الجائر عليه.. ولليمنيين طقوس متداخلة بين الفرح بالعيد والهم من التزاماته خاصة مع انقطاع المرتبات”.
وتؤكد أنها لن تنسى أول عام للعدوان حيث كان التسوق وتبادل الزيارات مغامرة تنهيها غارة حقد في لحظه سبات عالمي.
وفي ليلة العيد تعج الأسواق بالناس وتزخر العاصمة صنعاء بالحيوية استعداداً لعيد الفطر المبارك على الرغم من ارتفاع الأسعار وغياب المرتبات وتدهور الوضع الاقتصادي الذي فرضه الحصار السعودي على البلاد منذ سنوات.. وعلى الرغم من أن المواطنين والباعة يؤكدون غلاء أسعار الملبوسات والسلع الغذائية بنسبة كبيرة جداً عن الأعوام الماضية فهذا الأمر يزيد من الضغط المادي عليهم، وتكلفة لا يطيق تحملها الكثيرون.
في اليمن فقط ومنذ مطلع العام 2015م وحتى اليوم تمر الأعياد والمناسبات والأفراح والأتراح وهذا العدوان الظالم مستمر وحصاره قائم، ومع كل ذلك لم تستطع دول تحالف العدوان أن تجعل الشعب اليمني يصل إلى مرحلة الهزيمة النفسية بل على العكس من ذلك كلما اشتدت الظروف قساوة يزداد الشعب اليمني صلابة في مواجهة العدوان.
وعندما يحل العيد على الشعب اليمني تجدهم يعيشون حالة من التحدي للظروف المفروضة عليهم نتيجة العدوان والحصار، يتحدون الحصار وغلاء الأسعار ويتحدون العدوان بشكل عام سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وامنياً واجتماعياً وإيمانياً وفي كل المجالات، ويستمرون في صمودهم وتحديهم لكل أنواع الصراع في مواجهة هذا العدوان.
المهندس خالد بن يحيى، خبير في نظم المعلومات الجغرافية (GIS) يؤكد أن العيد في ظل هذا العدوان والحصار قاسي على الناس جداً، وخصوصاً ما يعانيه موظفي الدولة من انقطاع مرتباتهم منذ سنوات، وهذا ما جعلهم ينتهجون طرق عديدة ويكافحون من أجل توفير لقمة العيش وتوفير أدنى متطلبات أولادهم الأساسية والتي أصبحت في ظل هذا العدوان شبه معدومة.. ولكن صبرهم وكفاحهم في ظل هذا العدوان الكوني أرعب العالم وأنظمة التحالف الهشة.
وقال بن يحيى: رغم كل ذلك سنعيد وستستمر حياتنا المليئة بالصمود وبإمكانياتنا المحدودة، فعجلة الحياة مستمرة فلن يوقفها هذا العدوان ولن توقفها الأوبئة.
أعيادنا جبهاتنا:
في كل عيد يرفع اليمنيون شعار أعيادنا جبهاتنا ويجسدونه على الواقع قولاً وعملاً خلال أيام العيد برفد الجبهات بالرجال والمال والقوافل الغذائية وحلويات وهدايا العيد، والتصدي لكل محاولات العدوان وتصعيده العسكري لأنه دائما يستغل الأعياد ويعتبرها ثغرة للوصول إلى أهدافه.
وهنا لا يمكننا أن نغفل عن الدور الرائع بل والمتميز الذي يقوم به أبناء اليمن العظيم في تقوية الجبهات الداخلية ومساندة أبطال القوات المسلحة والأمن واللجان الشعبية في جبهات القتال.
العاقل فؤاد السريحي عاقل حارة اللجنة الدائمة بأمانة العاصمة صنعاء.. يقول:
عادة ما نقوم بجمع التبرعات المالية والعينية من أصحاب المحلات التجارية وفاعلي الخير في العيد وغير العيد، ونقوم بتنظيم بعض القوافل لرفد الجبهات بإسم المديرية (مديرية الثورة)، كما نقوم بتوزيع الملابس والهدايا وحلويات العيد عند توفرها على المستحقين من الفقراء والمساكين وأبناء الشهداء والجرحى والناس الذين يعانون بسبب العدوان والحصار الجائر على بلادنا.. كما ونقوم بمساعدة المحتاجين من أبناء حارتنا سواء في رمضان أو بالأعياد.
بدوره يؤكد أحمد غمضان أن تجهيز القوافل العيدية لرفد جبهات الشرف تُعد أقل القليل من واجبنا نحو من يقدمون أرواحهم فداءً لهذا الوطن، ويذودون عن حياضه، فنحن معيدين بين أبنائنا وأهلنا وهم مرابطون بكل فخر وعزة في جبهاتهم للدفاع عنا وعن هذا الوطن الغالي.. فلهم منا كل تحية وإعزاز وتقدير فهم فخرنا وهم عزتنا.
أجواء عيدية.. زيارة الشهداء:
قد يتساءل البعض عن أجواء العيد في اليمن في ظل استمرار العدوان والحصار.. فالشعب اليمني كان ولا يزال صامداً ثابتاً رغم همجية العدوان، ومن أراد أن ينظر لشعب دوّخ العالم رغم تكالب الأعداء عليه فلينظر إلى الشعب اليمني.
وفي ظل العدوان والحصار السعودي الأمريكي يتوجه اليمنيون إلى زيارة أرحامهم والترفيه عن أطفالهم بعد أداء صلاة وشعائر العيد المبارك ، مؤكدين انتصارهم بإعلاء كلمة الله وعدالة قضيتهم.
ورغم هذا العدوان إلا أن الشعب يمارس عاداته وتقاليده المألوفة بشكل تتجلى فيه معاني القوة والصمود والصبر ضارباً بهذا العدوان عرض الحائط.
فلا يمر أول يوم من أيام عيد الفطر المبارك حتى يبادر اليمنيين إلى زيارة قبور أقاربهم ورياض الشهداء وما أعظمها من رياض، وما أجملها وأبهاها، يلتمسون منها العز وسُبُل النصر، ويتعلمون من أهلها أروع الدروس التي سطروها لتحقيق النكال بأعداء الله ونصر دينه.
حسين مرزوق من أبناء مديرية بني مطر قدم إثنين من أبنائه شهداء في جبهات الشرف بالإضافة إلى إبن أخته يقول: مع إشراقة صباح اليوم الأول من عيد الفطر المبارك، نتوجه إلى روضات الشهداء، لزيارة شهداؤنا وعظماؤنا فزيارتهم قبل أي شيء آخر.. نقرأ الفاتحة وما تيسر من القرآن إلى أرواحهم الطاهرة وفاء لهم كأقل القليل نحوهم فهم قدوتنا وهم بإذن الله شفعاؤنا يوم القيامة.
إلى ذلك تقوم القيادة السياسية للدولة والقيادات العسكرية بتوزيع هدايا العيد على جميع جرحى العدوان بمستشفيات الأمانة وأبناء الشهداء والمناوبين ببعض مؤسسات الدولة الخدمية وعدد من النقاط الأمنية والجبهات والإعلاميين ورجال المرور.. وغيرهم.
جنود مجهولون:
وبما أن للعيد فرحةُ ومعانٍ ودلالات خاصة يشعر بها الإنسان عندما يمارسها، فثمة أشخاص يٌحرمون من هذه الفرحة ومن قضاء إجازة العيد مع أسرهم وأقاربهم من أجل أن يسعدوا الآخرين من خلال ما يقومون به كل في مجال عمله.
فهناك الكثير من الجنود المجهولين والذين نجدهم في كل مناسبة وطنية ودينية يعملون ويفضلون إسعاد أبناء هذا الوطن الغالي في أحلك الظروف حتى وإن كان ذلك على حساب سعادة أبنائهم وأسرهم.. ويعتبرون التزامهم بالعمل خلال تلك المناسبات سعادة غامرة لهم ما داموا يقومون بعمل يخدم ويسعد الآخرين.. وحتى لو لم يلتفت إليهم المسئولين بالدولة.
ففي مجال الإعلام تصف نسيم محمد تجربتها الأولى بالدوام في يوم العيد ب”الممتعة” حيث أن لها أكثر من تجربه في السابق، فعاده ما تداوم خلال إجازة العيد من ثاني أيامه، ولكن هذا العام دوامها أول أيام العيد.
وتقول نسيم: “لكل مناسبة وطنية وإنسانية واجتماعية وغيرها جنودها المجهولين وأن يكون الإنسان جزء من العطاء مهمة إنسانية قبل أن تكون واجب فهو يختار واجبه العملي على التزامه الاجتماعي ما يكلفه تأجيل فرحته الأسرية لبعض الوقت وبعدها يمكنه متابعه جدوله العيدي في الزيارات والاحتفاء بطقوس العيد مع محيطه الاجتماعي الذي يشاركه الاحتفال المؤجل”.
رجل المرور هو الآخر يؤدي عمله في صباح يوم العيد على أكمل وجه، حتى في ظل الظروف القاسية التي فرضها العدوان، ورغم انقطاع راتبه ومعاناته يعجبك انضباطه وعمله الايجابي، وتواجده من الصباح الباكر في جميع الشوارع والتقاطعات لتنظيم حركة السير وتخفيف الازدحام والاختناقات المرورية التي تحصل في كل عيد.
وبالرغم من أن يوم العيد إجازة ولكن شرطة المرور تضاعف من عملها لكي يتمتع المواطنين بإجازة عطلة العيد ولو على حساب راحتهم وراحة عوائلهم الذي تأجلت فرحة العيد لديهم حتى وصول منتسب المرور الى منزله لتكتمل الفرحة.
المساعد وضاح أحمد ناصر من رجال المرور الأوفياء لوطنهم.. يقول: هذا واجبنا أمام الله وأمام وطننا الغالي، كونها جبهة داخلية نشارك فيها ونحن في قناعة تامة بأن العيد لا يكتمل إلا بخدمة هذا الوطن وخدمة شعبه.
كذلك زميله مروان البزاز والذي يعمل جنباً إلى جنب معه يقول: إن خدمة الناس والوطن خلال أيام العيد واجب وطني وديني، وهذه هي الفرحة الكبرى للعيد.. ونحن متواجدون على مدار الساعة نؤدي واجبنا من خلال عملنا في شوارع الأمانة.
وهناك جنوداً مجهولين آخرين دائما ما يكونون في خدمة الناس خصوصاً في إجازة العيد، ومن ضمن هؤلاء الجنود من يمتهنون أقدس وأنبل المهن الإنسانية ألا وهم الأطباء والصيادلة والذين في كثير من الأحيان يعالجون الناس ويخففون من آلامهم خصوصا في ظروف كهذه التي نعيشها.
الدكتور راجح علي حبيش يمتلك عيادة خاصة يرى أن العيد في ظل هذا العدوان الغاشم والحصار الجائر صعب جداً على أغلب الناس وخصوصاً ذوي الدخل المحدود منهم وكذلك الموظفين الذين انقطعت مرتباتهم منذ سنوات، وتعطلت أشغالهم فلا شغل ولا دخل.
ويقول الدكتور حبيش بالنسبة لنا في مهنة الطب فعملنا وواجبنا وبحكم وضع الناس الإقتصادي والإجتماعي يحتم علينا أن نداوم خلال أيام العيد وذلك خدمة للناس فخدمتهم لدينا أكبر عيد.
ويؤيده في ذلك الصيدلي عمر عبدالله الجبل فيقول: “عيد الناس هذا العام أصبح صعب جداً مادياً ونفسياً ومعنوياً بسبب الظروف القاهرة من عدوان وحصار وأوبئة.. وعملنا في هذه الظروف وخلال أيام العيد عمل إنساني بدرجة أساسية بغض النظر عن الماديات.. وخدمة الناس في ظروفهم الصعبة تمثل لنا أكبر مكسب وأكبر عيد.. وفيما يخص الأهل فنحن بين أهلنا وناسنا فكل اليمنيين أهلنا”.
عمال النظافة هم كذلك جنود مجندة لهم الدور الأكبر في خدمة الناس خلال أيام العيد، فهم يقومون بحملات نظافة واسعة في عموم مديريات العاصمة صنعاء، لرفع مخرجات ومخلفات الأسواق والمنازل أولا بأول تمهيداً لاستقبال عيد الفطر المبارك بمظهر لائق ومشرف.
رائد الجمالي يعمل سائق مع مشروع النظافة بالعاصمة صنعاء جنباً إلى جنب مع مساعديه أو طاقمه.. يقول: “عيدنا في الميدان حيث نعمل ليل نهار لخدمة هذا الشعب العظيم في ظل عدوان كوني على بلادنا، ورغم الظروف القاسية والأوبئة والأمراض المنتشرة، ورغم النقص الحاصل في المعدات الخاصة بالنظافة والمساعدة لنا من كفوف وكمامات ومكانس ومجارف وبراميل.. وغيرها.. حيث قد نتعرض لخطر الأمراض بأي وقت دون أن يلتفت إلينا أحد”.
وإلى جانب كل ما سبق يوجد الكثير والكثير من الجنود المجهولين والذين يعملون بجد وإجتهاد وصمت لخدمة الناس خلال أيام العيد، وخصوصاً في مكاتب البريد والمواصلات والمصارف الحكومية والخاصة، لأن عيدهم لا يكتمل إلا بخدمة الناس والعمل على راحتهم وإسعادهم.
استمرار الحصار.. استمرار لمعاناة اليمنيين:
ويواصل تحالف العدوان حصاره البحري بمنع واحتجاز عشرات السفن المحملة بمواد غذائية وإغاثية ومشتقات نفطية، والذي يعتبره أحد أسلحته العسكرية على اليمن وشعبها المحاصر بهدف زيادة معاناة اليمنيين واستمرارها وممارسة الضغوط الاقتصادية عليهم بمزيد من إجراءات الخنق والحصار والتجويع.
ويؤكد المعنيون في وزارة النفط أن تحالف العدوان ومرتزقته يحاصرون الشعب اليمني ويمنعون دخول الغذاء والدواء والمشتقات النفطية ويقومون باحتجاز السفن ومنعها من الوصول إلى ميناء الحديدة ويخنقون الشعب اليمني في الوقت الذي يتباكون عبر وسائلهم الإعلامية على أن الشعب اليمني يموت جوعا.
وما كان لتحالف العدوان أن يفرض الحصار الاقتصادي على الشعب اليمني لولا تواطؤ الأمم المتحدة والذي يعتبر وصمة عار على جبينها، والصمت العربي العالمي المخزي.
سبأ: مرزاح العسل