الخبر وما وراء الخبر

 يوم القدس العالمي .. الرمزية والدلالات

20

ذمار نيوز || مقالات ||
[25 رمضان 1441هـ ]

بقلم || زيد المحبشي

“قضية الأقصى والمقدسات وفلسطين شعباً وأرضاً تعنينا كأمة إسلامية بشكل مباشر، وموقع القضية يعبر عنه يوم القدس الذي اختاره الإمام الخميني رضوان الله عليه في آخر جمعة من شهر رمضان، ليكون ذلك بنفسه معبراً عن أهمية هذه القضية وعن موقعها وعن مرتبتها في سلم المسؤوليات، وعن طبيعة هذه المسؤولية باعتبارها مسؤولية إيمانية دينية تتصل بمسؤولياتنا الدينية وبالتزامنا الديني، وجزء من مسؤولياتنا وواجباتنا التي فرضها الله سبحانه وتعالى، فهي فريضة دينية والتفريط بها خلل كبير في التزامنا الديني والإنساني والأخلاقي.

يوم القدس فرصةً مهمة للالتفات إلى القضية الفلسطينية التفاتةً عملية، بدلاً من الانتظار، والجمود، والتفرّج، والتعامل مع الموضوع وكأنه لا يعني الأمة إلا من واقع التعاطف، أن تدخل الأمة في إطار الموقف، في إطار المسؤولية والفعل، والتعبير والتحرك الجاد، وفرصةً كبيرة لتدارس هذه القضية، وتدارس ماذا تعنيه بالنسبة لنا كأمةٍ مسلمة، وفي نفس الوقت ما هي الحلول والخطوات العملية المناسبة والصحيحة والحكيمة تجاه هذه القضية” .. السيد عبدالملك الحوثي.

يحتفل المسلمون في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان بيوم القدس العالمي، وهو حدث سنوي اقترحه قائد الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخميني رحمة الله عليه عقب احتلال الصهاينة لجنوب لبنان، وأعلنه على الملأ في بيان أصدره بتاريخ 13 رمضان 1399هـ، الموافق 7 أغسطس 1979، ودعا الى إحيائه وتخصيصه لخلق الوعي في صفوف المسلمين، وتهيئة أنفسهم ليكونوا بمستوى المواجهة لأعدائهم:

“إنني أدعو المسلمين في جميع أنحاء العالم لتكريس يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك ليكون يوم القدس، وإعلان التضامن الدولي من المسلمين في دعم الحقوق المشروعة للشعب المسلم في فلسطين.

وأطلب من جميع المسلمين في العالم والحكومات الإسلامية العمل معا لقطع يد هذه الغاصبة – إسرائيل – ومؤيديها”.

وتسمى الجمعة الأخيرة من شهر رمضان بالجمعة اليتيمة أو جمعة الوداع، ولهذا تم اختيارها، لعلى المسلمين بعد شهرٍ حافل بالصوم والعبادة وصالح الأعمال يتذكرون قضية القدس والأقصى أولى القبلتين وثاني الحرمين الشريفين وفلسطين السليبة، وما يمارسه الصهاينة في هذه البقاع الطاهرة من أفاعيل تهدف الى تهويد مدينة الأنبياء وطمس المعالم الإسلامية والمسيحية فيها كلية، وجعلها عاصمة أبدية لكيانهم اللقيط.

لهذا قرر الإمام الخميني جعل هذه الجمعة اليتيمة، يوماً عالمياً للقدس السليب واليتيم، بعد أن تخلى عنه قادة العرب والمسلمين، وحوّلوا القضية الفلسطينية المُحِقة والعادلة الى مجرد ورقة للمزايدة في بازار مصالح الأنا الهادمة لصرح الدين والقضية، خدمة لأسيادهم في البيت الأسود وتل أبيب.

يأتي إعلان يوم القدس بعد ستة أشهر من عودة الإمام الخميني إلى إيران 1 فبراير 1979، سبقه استقبال الإمام للزعيم الفلسطيني “ياسر عرفات” 17 فبراير 1979، وهو أول ضيف يزور إيران بعد ستة أيام من إعلانها انتصار الثورة الإسلامية 11 فبراير 1979، وقام خلال زيارته برفع العلم الفلسطيني على مقر البعثة الاسرائيلية في طهران، بعد أن وجه الإمام بجعلها مكتباً لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي 10 أبريل 1979 عُقد اجتماع في طهران بين “هاني الحسن” وآية الله “الطالقاني”، تم فيه الاتفاق على تنظيم حملة سياسية وإعلامية في إيران لمواجهة اتفاقية السلام، ومن يومها أصبحت القضية الفلسطينية الشاغل الأول للجمهورية الإسلامية في إيران، في كل تفاعلاتها وتحركاتها الإقليمية والدولية، وصارت إيران الحاضن الرئيسي لمحور المقاومة والممانعة في المشرق العربي، والراعي الحصري للقوى المناوئة لعربدة الكيان الصهيوني وغطرسة الإمبريالية الاميركية.

وبسبب هذا الموقف الديني والإنساني والاخلاقي المفقود في عالمنا العربي بكل أسف وحزن تجاه القضية الفلسطينية، فرضت الولايات المتحدة الأميركية قائمة طويلة من العقوبات على ايران، دون أن يثنيها ذلك عن مواصلة مسيرة الإمام “الحسين بن علي” في مناصرة المظلومين والمستضعفين ومقارعة الطغاة والمستكبرين، وإيصال مظلومية القضية الفلسطينية الى كل العالم، وبفضل تلك الجهود نال الفلسطينيون اعتراف 80 دولة بحقهم في الحياة وحقهم في اقامة دولتهم المستقلة.

* المراسيم والفعاليات

تشهد جمعة القدس العديد من الفعاليات المؤيدة للقضية الفلسطينية، وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها مدينة القدس، ومن أبرز تلك الفعاليات:

1 – إقامة المهرجانات والندوات ومعارض الصور والرسوم الكاريكاتيرية والقاء الخطب والبيانات من الشخصيات والتكتلات الإسلامية والسياسية المؤيدة للفلسطينيين وقضيتهم العادلة، والمعارضة للاحتلال ومخططات التهويد والاستيطان ومنع حق العودة لعرب 1948، والمحاولات المستميتة من الاحتلال لشطب مدينة القدس من قائمة الحلول النهائية للقضية الفلسطينية، التي تحاول واشنطن بكل ما أوتيتمن قوة تمريرها تحت مظلة ما بات يُعرف بصفقة القرن، بعد أن اعترف بها عرّاب القرن رونالد ترامب عاصمة أبدية للكيان الصهيوني الغاصب.

2 – تسيير المظاهرات المناهضة للكيان الصهيوني الغاصب، والمعارضة لاحتلال القدس في العديد من الدول العربية والإسلامية والمجتمعات والتجمعات الإسلامية والعربية والحرة في مختلف أنحاء العالم، ورفع شعارات الاستنكار والشجب لجرائم الاحتلال الصهيوني، ومن أهم تلك الشعارات، شعار البراءة: “الموت لإسرائيل Down with Israel”، ولهذا الشعار أهمية كبيرة في الفكر الثوري للإمام الخميني: “لو أن كل المسلمين في العالم خرجوا يوم القدس من بیوتھم وصرخوا (الموت لأميركا، الموت لإسرائيل) فان نفس قولهم الموت لهذه القوى سوف يجلب الموت له”.

ولم يقتصر التفاعل مع يوم القدس على الدول والتجمعات الإسلامية، بل وشهدت تفاعلات إيجابية في أوساط العديد من الدول والمجتمعات والتجمعات غير الإسلامية، حتى في داخل أميركا الداعم الأساسي والراعي الحصري للكيان الصهيوني، وكان لافتاً في السنوات الأخيرة مشاركة مجاميع وازنة وشخصيات بارزة من اليهود “الأرثوذكس” المعادين للصهيونية والاحتلال الصهيوني لفلسطين.

في الاتجاه الأخر يشهد هذا اليوم مظاهرات وفعاليات مؤيدة للكيان الصهيوني في أميركا وأروبا والأراضي الفلسطينية المحتلة، ومنددة بيوم القدس، تُسيّرها منظمات وقوى وشخصيات موالية للصهاينة، وتحضى باهتمام ورعاية وتمويل عربي خليجي غير مسبوق.

على أن تزايد الفعاليات الإحيائية ليوم القدس في السنوات الأخيرة لا يبدو متاحاً اليوم بسبب رُهاب وباء كورونا العاصف بالعالم، لكن مكانة القدس تستدعي إجتراح الوسائل البديلة لإحياء هذا اليوم المقدسي، بعيداً عن المظاهرات والندوات والفعاليات بما فيها من تجمعات بشرية تُعد بيئة خصبة لانتشار كورونا، من قبيل تخصيص وسائل الإعلام الحرة بتلاوينها الجمعة القادمة يوما إعلاميا لنصرة القدس والقضية الفلسطينية، ورفع الأعلام الفلسطينية وصور بيت المقدس والمسجد الأقصى فوق المؤسسات والمنازل والشوارع العامة والسيارات وبروفايلات الصفحات الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي، وإغراقها بالتغاريد المؤيدة للقضية الفلسطينية، وإعتمار القبعات والشالات الفلسطينية، وذلك أقل ما يجب علينا تجاه أم القضايا وقدس الاقداس، من أجل توجيه رسالة للصهاينة بأن مكانة القدس والقضية الفلسطينية لا زالت وستبقى كما كانت في أيام الإمام الخميني حاضرة بقوة في قلوب ووجدان كل الأحرار.

*الأهداف والأهمية:

جمعة القدس ترجمة عملية لموقف المظلومين والمقهورين والمستضعفين والمعذبين في الأرض من الظلم والظالمين والطغاة والمتجبرين بمختلف تلاوينهم ومشاربهم، وأيُ ظلم أبشع من تشريد شعب من أرضه بدون وجه حق، وتوطين شعب في غير أرضه بقوة وجبروت طغاة الإمبريالية العالمية، ومن هنا تتجلى أهمية يوم القدس في ذاكرة ووعي الأمة بمختلف تلاوينها ومشاربها، لعدة اعتبارات، أهمها:

1 – إظهار المسلمين بمختلف توجهاتهم وطوائفهم ومذاهبهم، المنزلة الرفيعة لمدينة القدس والمسجد الأقصى في وجدانهم وذاكرتهم، وتوضيح مدى أهمية الحفاظ على هذه الأماكن المقدسة وعدم التفريط بها، مهما كانت الأسباب والمغريات والضغوطات.

2 – التأكيد على عدم مشروعية الكيان الصهيوني المحتل، ووجوب التحرك الجاد على كافة الأصعدة لتعرية جرائمه وتطهير القدس من رجسه، وإيقاف الحفريات الرامية الى هدم المسجد الأقصى وطمس معالمه، وإيقاف مشروع حذف فلسطين من خارطة الجغرافيا العالمية، والمطالبة بالحقوق القانونية المشروعة للشعب الفلسطيني المظلوم.

3 – توحيد كلمة المستضعفين في كافة أقطار الأرض، وضرورة التلاحم فيما بينهم لمواجهة مخططات ودسائس القوى الإستكبارية، التي تستهدف تمزيقهم ونهب ثرواتهم واحتلال أرضهم والتحكم بمصيرهم، يقول الإمام الخميني: “يوم القدس، يوم يجب أن تتحدد فيه مصائر الشعوب المستضعفة، يوم يجب فيه أن تعلن الشعوب المستضعفة عن وجودها في مقابل المستكبرين، يوم القدس يوم يجب أن نُخلّص فيه كل المستضعفين من مخالب المستكبرين، يوم يجب أن تعلن كل المجتمعات الإسلامية عن وجودها وتطلق التحذيرات الى القوى الكبرى”.

ويشكل هذا اليوم المقدس في مفهوم الدكتور “محمد رضا جمالي”: “طاقة كبيرة، يمكنها أن تُفشِل كافة المخططات التي تحاك ضد العالم الإسلامي وتهدد مصالح وأمن الدول الإسلامية، إضافة إلي كونه يوماً عالمياً للدفاع عن قضية العالم الإسلامي الأولى”.

4 – تعبير الشعوب عن إرادتها ورأيها تجاه القضية الفلسطينية، وإشعار الفلسطينيين بأنهم ليسوا وحدهم في ميدان المواجهة مع الكيان الصهيوني، خصوصاً بعد تخلي قادة العرب عن القضية الفلسطينية، وتحولها الى مجرد مشكلة اقتصادية وحقوقية تخص الفلسطينيين، على خلفية نجاح الرُهاب الأميركي والسُعار الصهيوني والمال الخليجي في استلاب البعد العالمي الذي أكسبها إياه يوم القدس، وتجريدها من ألقاب القضية المركزية للمسلمين، وتالياً القضية المركزية للعرب، لتصبح القضية المركزية للفلسطينيين وحدهم، والنجاح أيضاً في تفكيك تلازم وتوحد المسارات في أي حل شامل لقضايا الصراع العربي الصهيوني، واستبدالها بمعزوفة المفاوضات الثنائية والحلول والصفقات الأحادية، بالانفراد الصهيوني مع كل دولة من دول الطوق على حدة، ابتداءً باتفاقية كامب ديفيد ومروراً باتفاقية وادي عربة وانتهاءً بصفقة العار الأميركية، وهو ما يهدد في خاتمة المطاف بالقضاء على القضية الفلسطينية نهائياً.

من هذا المنطلق يمكن لنا أن نقرأ في مبادرة الإمام الخميني ثلاث رسائل مهمة، هي بحسب الدكتور “عباس خامه يار”:

1- أن القدس بما يحظى به من المكانة الرفيعة لدى المسلمين كافة، يعتبر رمزاً لوحدة‌ المسلمين، ويمكن رفع القدس شعاراً للوحدة الإسلامية.

2- أن القضية الفلسطينية، قضية المسلمين، وليس فقط قضية شعب فلسطين، الذي اُحتُلَّت أرضه وشُرِّد من بيته وأُغتُصِب حقه، وأيضاً ليس فقط قضية‌ العرب باعتبار الشعب الفلسطيني جزءا من القومية العربية.

3- أن الحل للقضية‌ الفلسطينية لا يأتي إلاّ من خلال وحدة المسلمين وتركيز جهودهم لاسترجاع حقوق الفلسطينيين المسلوبة.

وتبقى وحدة العرب خاصة والمسلمين عامة البوابة الوحيدة لتحرير وتخليص فلسطين من الاحتلال الصهيوني، وتطهير بيت المقدس من عبث قتلت الأنبياء، وهو ما حاول الإمام الخميني رحمة الله عليه تأكيده في أكثر من مناسبة: “ثمة أمر يحيرني، وهو أنَّ الدول الإسلامية والشعوب المسلمة تُشخِّص الداء جيداً وتعلم أنَّ للأجانب دوراً كبيراً في إشاعة التفرقة بينهم، كما أنها تدرك أنَّ نتيجة هذه التفرقة ليس غير ضعفهم وزوالهم، وهي ترى أنَّ دولة خاوية كإسرائيل تقف في مقابل المسلمين، الذين لو اجتمعوا وصبَّ كل واحد منهم دلواً من الماء على إسرائيل لجرفها السيل، ولكنهم مع ذلك يقفون عاجزين أمامها .. منذ ما يقارب العشرين عاماً وأنا أوصي البلدان العربية بالوحدة والقضاء على جرثومة الفساد هذه، فإذا ما توفرت لإسرائيل القدرة لن تكتفي ببيت المقدس، ومما يؤسف له أنَّ النصيحة لا تجدي مع هؤلاء .. إنني أسال الله أن يوقظ المسلمين”.