تاريخ من بأس رجال الرجال
ذمار نيوز || مقالات ||
[ 11 مايو 2020مـ -18 رمضان 1441هـ ]
بقلم || حورية السقاف
في الوقت الذي أتأمل أجواءنا الرمضانية، وبينما كنت أعد المائدة الرمضانية من كل ما لذَّ وطاب، ثم بعد صلاة العشاء أجهز القات و الماء البارد والشيشة مع معسل الخوخ والعنب، استعداداً لجسة سهر رمضانية حتى منتصف الليل مع صديقاتي وفي الحين نفسه أجد أخوتي و عيالهم : هذا يخرج وهذا يعود للبيت في نفس الوقت ، و ذاك لا يعود إلا وقت السحور، لا خوف عليهم و لا هم يحزنون..
فعلاً لولا هذا الأمان ما كان استطاع والدي أن يجمع لنا مصروفنا ولو ليوم واحد، فهو يخرج يعمل ليجمع لنا ما استطاع من المال حتى نحيا حياة كريمة ، فهو لا يعود من عمله إلا بعد منتصف الليل أو عند الفجر في بعض الأحيان ، المهم أنه يعمل أمان و سلام، و في المقابل نحن نمارس حيانتا بمنتهى الأريحية .
الشاهد:
أن الذي ذاق جحيم تنظيم القاعدة و داعش في مدينته و عايش رعبهم ، من ذبح وسحل و قتل بكل أنواع الأسلحة ، وخطف واختفاء ، و اغتصاب ، وكذلك من رزح في رزقه تحت مساومتهم في أرباح المحلات التجارية و المؤسسات الخاصة من مدارس و مستشفيات على أخذ 50% من الأرباح أو يتم تفجير تلك المحالات و المؤسسات ونسفها نسفاً !
بل كانوا يجبرون كل أصحاب المحلات الصغيرة و بائعي القات باغلاق محلاتهم وقت آذان المغرب و في نفس هذا الوقت يتم فرض حظر التجوال في الشوارع ، تعود كل الناس إلى جحورها أقصد إلى بيوتها قبيل مغيب الشمس بقليل ، والبعض لا يخرج مطلقاً خوفاً وهلعاً .
هذا ما عشناه نحن في مدينة ( رداع ) تحت حكم التنظيم وداعش ؛ ففي الليل كانت تصبح المدينة كأنها مدينة أشباح لا تسمع فيها إلا أصوات الرياح وهي تعوي كذئاب جائعة مدمجة بأصوات الرصاص و المتفجرات من عبوات ناسفة و ضغاطات عملاقة تقتلع المباني وتبيد البشرية ، حتى جاء الجيش واللجان الشعبية لمقاتلة و دحر هذين المكونيين: تنظيم القاعدة و الدواعش ، كان القتال عنيف مستميت ليل نهار سقط الكثير من أبطال الجيش واللجان الشعبية شهداء ، لكن ببطولة لا نظير لها استطاعوا دحرهم ومحاصرتهم في قرية صغيرة بعيييدة عن المدينة كل البعد ..
إن الذي عاش هذه الأجواء المرعبة لتنظيم القاعدة ؛ لقدّر و ثمّن هذا الأمان و هذه الحرية في ممارسة الحياة بكل سبلها ، ولغض الطرف عن زلات حكومة صنعاء (أنصار الله) بل و لأعطى الجيش واللجان الشعبية النصف من كل ما يملكه رداً للجميل مقابل كل هذا الأمان الذي عمَّ أرجاء المدينة منذ 2014 حتى الآن، وها نحن مازلنا في كل هذا السلام و الأمان الكثير الذي لا ينتهي وصفه و عده ، فسلام الله عليهم جميعاً.
نعم تنحني الهامات إجلالاً للجيش و اللجان الشعبية ، و مازالت قلوبنا و أرواحنا تصلي لأجلكم، وتقدس صنيعكم وتجلّه حتى هذه اللحظة ، كيف لا ؟ و نحن النساء -ليس في مدينتي- بل في كل المحافظات التي تحكمها أنصار الله نخرج طوال ليالي رمضان نتسوق في المولات حتى الفجر لوحدنا و نعود إلى بيوتنا بعد منتصف الليل ونحن في منهتى السعادة والمرح ، تتطاير كركراتنا و مزاحاتنا الكلامية أرجاء السماء في أمن و أمان و طمأنينة ، لا خوف علينا و لا حارس لنا إلا جيشنا ولجاننا الشعبية- طبعاً – بعد الله عز وجل !
بالتأكيد سيسطر التاريخ صفحات بيضاء تنير دروب الحياة لأجيال قادمة تتعلم منها كيف تكون الهمم الشماء، وكيف تحمي الرجال أوطانها ، صفحات تاريخية لرجال بنت صروح الكرامة في بروج مشيدة من دمائهم لتطويع المستحيل وصناعة الحرية ، صفحات تاريخية ناصعة الرجولة كأنها كوكب دري، عناوينها : تاريخ من بأس رجال الرجال، صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، حين جعلوا من أرضهم مقبرة بل جحيماً للغزاة و لغزاة الغزاة .