الخبر وما وراء الخبر

سلمى تحت القصف

19

ذمار نيوز || مقالات ||
[9 رمضان 1441هـ ]

بقلم || أسماء الشهاري

سلمى طفلة تبلغ من العمر اثنتاعشرة عاما كانت تعيش مع أخويها و والدها و والدتها حياةً سعيدة مستقرة، كان منزلهم بسيطاً متواضعاً لكنها كانت تراه قصراً. كانت سعيدة بِكُل تفاصيل حياتها البسيطة مع عائلتها وبذهابها إلى مدرستها وبلِقائِها زميلاتها.

من نافذة صغيرة في بيتها مُطِّلة على شجرة كبيرة كانت سلمى تُحِب أن تستمع لأصوات العصافير كل يوم وكأنها تنظر من تلك النافذة إلى حديقة كبيرة مُخضرّة زاهية الألوان ما أعذب هوائها. كانت ترى كل شيء جميلا قوتها البسيط وحتى شجارها مع إخوتها، لم يكن لديها الكثير من الألعاب و لم تكن أسرتها تمتلك الكثير من المال لكنهم كانوا جميعاً سعداء ومطمئنين و راضين بحياتهم.

ولكن فجأة ذات يوم تلبدَّت السماء بالغيوم السوداء المُخيفة التي سَدَّت الأُفق وكانت الرياح قوية وعاصفة وصوت الرعد مُزمجِّراً؛ تفاجأت الصغيرة بالنوافذ تتحطم وأبواب المنزل تتكسر وهي وأسرتها الصغيرة في هلع شديد تكاد قلوبهم تتوقف من هول الموقف ومن شدة الخوف والفزع.

وما هي سِوى لحظات قليلة حتى اشتدّ ذلك الصوت المُرعِب وبدأ السقف يتهاوى فوق رأسها الصغير والنيران الرهيبة قد بدأت تلتهم المنزل الصغير حتى ظنت سلمى أنها ستلتهمها أيضاً، لقد اسودَّتِ الدنيا في وجه سلمى الصغيرة لم تَعُد ترى والديها إلى جانبها ولم تَعُد حتى تسمع أصوات أخويها المدوية.

وفي الحقيقة لم أعُد أعرِّف ما حصل لسلمى بعد ذلك هل التهمتها النيران أم دُفِنت تحت الرُكام؟ أم هل أصبحت مُعاقة بدون يدٍ أو ساق؟ لا أدري ما حصل لوجهها الجميل ولا ما أصاب عائلتها.. رُبما نَجت لِتجِد نفسها مع آلاف من النازحين لا تعرفهم؟ لم يَعُد ذلك المنزل الصغير موجوداً ولا تلك الحقيبة و الدفاتر؛ لقد تحوَّل كُلُّ شيء إلى سراب..

آهٍ يا سلمى هل ستجدين كسرة خبز تسدين بها جوعك أم غِطاء تختبئين تحته من بردِ الشتاء..

في الحقيقة سلمى هي قصة من مخيلتي لكنها ليست وهما ولا خيالا، مع الأسف هناك المئات أو حتى الآلاف ممن يمثلون قصة سلمى، وتلك الريح العاصفة والسماء السوداء وتلك الأصوات والنيران ما هي إلا العدوان الظالم الغاشم على العديد من محافظات ومناطق الجمهورية اليمنية، الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى والمرضى ومن أصيبوا بعاهات دائمة جرّاء ذلك الإجرام، والله الله في النازحين الذين فقدوا منازلهم وشُرِّدوا من مساكنهم وقد كانوا أعزاء في بيوتهم؛ فوجدوا أنفسهم فجأة في العرّاء وأنفسهم عزيزة من أن يطلبوا قوتاً يسدُّ رمقهم وجوعهم.

نحن كشعب يمني عظيم مسؤولين عن هؤلاء مهما كانت ظروفنا بسبب العدوان، لن ننتظر أبداً دعماً من أي جهة كانت لأنه لم يلتفت لمعاناتنا وجراحنا أحد طوال الفترة الماضية، فليقدِّم كل مِنّا ما يقدر عليه و ليتخيل أحدنا نفسه مكان هؤلاء لا قدر الله علينا أن نتحمَّل مسؤوليتنا تِجاههم، هذا و حسبنا الله في من اعتدى علينا، والله من وراء القصد.