الخبر وما وراء الخبر

 كورونا يقوض أسس النظام الليبرالي الرأسمالي الغربي

18

ذمار نيوز || مقالات ||
[29 شعبان 1441هـ ]

بقلم/ صوفيا ـ جورج حداد/ العهد الاخباري

منذ الاعلان عن بداية تفشي وباء كورونا في مدينة ووهان الصينية في كانون الأول 2019، تناقلت الأنباء اتهامات وجهتها الصين اعلاميًا ضد الولايات المتحدة الاميركية بأن الفيروس هو صناعة أميركية أنتجته المختبرات العسكرية الاميركية المحيطة بالصين ووجهته ضد الصين لتخريب الاقتصاد الصيني، كجزء من الحرب التجارية والاقتصادية التي تشنها اميركا ضد الصين.

وحينما بدأ انتشار الوباء في اميركا في أواخر كانون الثاني 2020 اطلق الرئيس الاميركي ترامب، ولا يزال، اتهاماته ضد الصين بأنها هي السبب في هذا الوباء، وسمّى فيروس كورونا الفيروس الصيني أو فيروس ووهان (المدينة الصينية التي انطلق منها الوباء).

ولكن هذه الاتهامات المتبادلة ظلت في نطاق الاعلام، ولم تصل الى حد تقديم البراهين العلمية الواقعية على صحتها.

وخلال هذا الوقت المأساوي أصيبت أوروبا الغربية وأميركا بشدة بالوباء، أكثر بكثير مما أصيبت به الصين وروسيا وايران، اي دول “المحور الشرقي الجديد” المناوئ لاميركا. وانتشر الوباء بسرعة في اوروبا واميركا. وحينما تجاوز عدد الوفيات فيهما 160 الف نسمة، لم يكن عدد الضحايا في الصين وروسيا وايران مجتمعة قد وصل الى عشرة الاف ضحية، مع ان عدد سكانها هو ضعف عدد سكان اوروبا واميركا معا.

وليس هناك اجماع بين المحللين حول صحة الاتهامات بأن الوباء هو شكل من الحرب البيولوجية، من هذا المعسكر أو ذاك، أو من الاثنين معًا.
وسواء كان انتشار الوباء حربًا بيولوجية، أو نتيجة “خطأ بشري ـ تكنولوجي” أدى الى فقدان السيطرة على بعض التجارب المخبرية، أو لأسباب “طبيعية”، فقد ظهرت بشكل فاضح وصارخ هشاشة النظام الصحي ـ الاجتماعي في اميركا والكتلة الغربية الموالية لها، بعكس الكتلة المناوئة لاميركا التي تصدت بحزم للوباء وأمكنها السيطرة عليه، على الأقل حتى الآن.

ولعله من المفيد أن نذكر هنا من باب المقارنة أن الميزانية العسكرية لروسيا والصين وايران تبلغ حوالى 50 مليارا و150 مليارا و20 مليار دولار للدول الثلاث بالتتالي، في حين تبلغ ميزانية الولايات المتحدة الاميركية 750 مليار دولار، والميزانية المشتركة لحلف الناتو حوالى تريليون (الف مليار) دولار، وهذا عدا عن الميزانية الحربية الضخمة لكل دولة اوروبية غربية على حدة. ومع ذلك ظهرت هشاشة المنظومة الدفاعية الصحية والنظام الصحي عموما للدول الناتوية وعلى رأسها اميركا. وهذا يعني ببساطة ان النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري الاميركي والغربي قد سقط في الامتحان، وتأكد أن هذا النظام هو نظام للتسلح والعدوان والقتل، ولكنه ليس بأي شكل من الاشكال نظامًا للدفاع الفعال عن شعوبه بالذات، التي هي ضحية لهذا النظام في كل الحالات السلمية وغير السلمية.

لقد وجه الوباء ضربة شديدة لـ “حضارة السوق” الغربية، وقلب ميزان التوازن العالمي رأسًا على عقب، وكشف تمامًا الزيف الكلي للنظام الرأسمالي الليبرالي، وحقق نوعًا من الانقلاب في مفهوم النظام العالمي السائد والمفروض من قبل أميركا حتى الآن. والثمن الأكبر تدفعه أميركا ذاتها التي تمثل العمود الفقري لهذا النظام. وبدا الوباء وكأنه آخر مسمار في نعش ايديولوجية العولمة والزعامة العالمية لاميركا. وفيما يتعدى كل الاتهامات التي وجهت اليها حول عدم الشفافية في الاعلان عن الوباء، فإن الصين أسرعت لمد يد المساعدة لعدد كبير من الدول الاوروبية وغيرها، لمكافحة الوباء. وفي الوقت ذاته انكشف الخلل في النظام الاطلسي النيوليبرالي، القائم على الارتباط المتبادل والمطابقة بين دول الاتحاد الاوروبي وبينها وبين الولايات المتحدة الاميركية.

وأصبح هناك الآن سيل من التحليلات والتوقعات حول النظام العالمي الجديد خلال انتشار هذا الوباء وخصوصًا لما بعده.

وفي هذا السياق، تبينت أفضلية وجود أنظمة دولة تعتمد بقوة على القطاع الاقتصادي العام وتمتلك توجهات مجتمعية شاملة أيًا كانت ايديولوجياتها القومية أو الاجتماعية ـ السياسية أو الدينية، كما هي روسيا والصين وايران.

لقد نزع وباء الكورونا “الاقنعة الحضارية” عن وجوه أميركا والدول الغربية الأخرى التي لم تتقاعس فقط عن تقديم المساعدة للغير وحتى لبعضها البعض، بل وصل بها الأمر الى حد الاستيلاء على المواد الطبية العائدة للغير. ولهذا يرى الكثير من المحللين أنه في حال طالت فترة الوباء أو ما بعدها ستحدث مراجعة للاستراتيجية الوطنية والعولمية للدول الغربية، وستحدث زلازل سياسية في العلاقات بين أوروبا وأميركا من جهة، وفي داخل الاتحاد الأوروبي من جهة ثانية، وزلازل سياسية واجتماعية داخل اميركا والدول الاوروبية من جهة ثالثة.

لقد انحدرت أميركا من موقع “الزعيم” الى موقع “الرجل المريض” داخل الكتلة الغربية. وهذا يعني أنها خسرت الجولة الأولى من الحرب الباردة الثانية بينها وبين “المحور الشرقي الجديد” المتمثل في روسيا والصين وايران. وليس من الصدفة أن هنري كيسينجر كتب مؤخرا مقالة في “وول ستريت جوررنال” تحدث فيها عن انهيار النظام الليبيرالي العولمي.

والولايات المتحدة التي لا تزال تسيطر عليها أوهام الزعامة العالمية لم تعد لها حظوظ نجاح في مرحلة ما بعد الكورونا، لان تهافتها الخاص قد انكشف للجميع، وكل تهديداتها وعقوباتها واعتداءاتها لم تعد تخيف احدا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل