الخبر وما وراء الخبر

 دروس من هدي القرآن الكريم

63

ذمار نيوز || من هدي القرآن الكريم ||
[27 شعبان 1441هـ ]
(ملزمة وأنفقوا في سبيل الله)
( 3 )
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي بتاريخ: 2/9/2002م اليمن – صعدة

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم أيها الإخوة والأبناء ورحمة الله وبركاته.
هو عندما يقول وأنت في هذه الدنيا: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً}(البقرة: من الآية245) [ما بدك تهب لنا قرضة]؟ من هو الذي سيركن على الله يعطيه قرضة؟ القليل من الناس، والكثير من الناس لا يركن على الله مثلما يركن على أطرف واحد من أصحابه، لكن هذا الذي يقترض منك في الدنيا هو من ستراه يوم القيامة بشكل آخر لو كنت تمتلك الأرض كلها ذهباً لما قبلها منك، وساقتك ملائكته وأنت مغلول بالسلاسل إلى قعر جهنم، هو غني {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى} (الليل:15). الشقي [لا يسمع ولا يوحي]، هذا عمل صالح، وكأنه لا يعنيه، الآخرون هم فقط المكلفون بالأعمال الصالحة، هم المعنيون بأن يتحركوا في مجال الأعمال الصالحة، هو لا يعنيه، هذا مشروع خيري، أعطي فيه.. [ما عندي أولاد يتعلموا، مالي حاجة] هذا مشروع صحي، ساهم فيه.. [أنا عندي سيارة ومعي فلوس، إذا مرضت زوجتي أو ابني سأسعفه إلى المستشفى..] يبدو مستغنيا. {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} (الليل:12-16) دائماً قد يكون الإنسان مكذباً سواء بصريح العبارة أو مكذباً بموقفه من مثل هذه الآية، يبدو بمظهر المكذب، يبدو موقفه موقف المكذب يحكم عليه بأنه فعلاً مكذب. {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} (الليل:17) يجنب هذه النار التي تتلهب، الإنسان إذا أراد أن يعرف النار الله سبحانه وتعالى قد جعل هذه النار التي توعد بها الأشقياء توعد بها العصاة توعد بها المجرمين هي نار نعرف جنسها، وارتبطت حياتنا بها في هذه الدنيا، ليس هناك بيت إلا وفيه نار، حاول أن تطل بوجهك على التنور التي تشتغل في بيتك كل يوم ثلاث أربع مرات، انظر لو قالوا أن تسلم كل ما تمتلك أو ينزلوك في هذه التنور الصغير، جمر حطب التهابه قد لا يصل إلى مائتين درجة، لا أعتقد أن الإنسان يستطيع أن يصبر أن يدخلوه في هذه التنور، النار هذه التي أمامنا نعتبرها عبرة. هو يتحدث عن نار جهنم نار أخرى تتلظى، تتلهب، تتوقد، تكاد تميز من الغيظ، لها زفير وشهيق، هذه النار {لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى}(الليل:17) الذي دائماً يعيش مشاعر التقوى، دائم الخوف من الله، دائماً يعمل كل ما يقيه من عذاب الله، كل ما يقيه من سخط الله، كل ما يقيه من غضب الله ومقته، هذا هو التقي، والتقي هو مَنْ نفسُه يقظة، مَنْ مشاعره يقظة كلها مليئة بالخوف من الله سبحانه وتعالى بالخشية لله سبحانه وتعالى {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى}. ثم يأتي ليتحدث عن المال من جديد {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى}(الشمس:18) من أجل أن يتزكى يزكي نفسه أمام الله يطهرها يجعلها روحاً سامية طاهرة تسمو تتكامل {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} وعندما يؤتي ماله هذه قضية أخرى، لو تؤتي كمَّا تؤتي وأنت لا تؤتي لله، ولا ابتغاء وجه الله، وإنما من أجل أن يقولوا: فلان، أو من أجل أن يكون المشروع الفلاني في قبضة يدك، أو أن تكون أنت من تهيمن على أساتذة المدرسة الفلانية، أو على مدير المشروع الفلاني، ليكون الشيء في قبضتك، أو تكون أنت المهيمن عليه، أو أي اعتبارات أخرى لا قيمة لها، لا قيمة لها، وعندما تعطي من أجل الله، وابتغاء وجه الله فسيكون كثيراً ما تقدمه وسينميه الله وسيعتبره شيئاً كثيراً لك. {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى}(الليل:19) أنا لا أعطي من أجل أن يكافئني آخر، أنا لا أعطيه بمجرد المكافأة على إحسان قدمه إلي، هذا شيء آخر، وهو من الأعمال الصالحة أيضاً، هو من الأعمال الصالحة أن تكافئ على الإحسان الذي قدم إليك، لكن هنا فيما يتعلق بجانب المال الذي يقدمه الإنسان ويكون له أثره الكبير في تربية نفسه، في تجنيب نفسه من هذه النار التي تتلظى، هو من يعطي ماله {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى}(الليل:19- 21). من أجل الله، كان في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يوم كان القرآن يتنزل كان هناك أشخاص يعطون مبالغ كبيرة من المال، لكن يأتي ليقول: ربما، عسى تنزل فيَّ آية تذكرني وتذكر ما قدمت، ولم تنزل فيهم آية واحدة، وعندما قدم الإمام علي (عليه السلام) وفاطمة الزهراء قدموا أقراصاً من الشعير لمسكين ويتيم وأسير وبهذه الروحية: ابتغاء وجه الله، ومن أجل الله، سطّره الله في القرآن الكريم في سورة كاملة؛ لأنه هكذا كان لسان حالهم {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} (الإنسان:9- 10). فكانت الثلاثة الأقراص الشعير هذه هي ما جعلت تلك الصدقة تخلّد وتُتلى قرآنا، مرتلة فيهم في مختلف الأقطار وجيلاً بعد جيل إلى نهاية أيام الدنيا، وهناك أشخاص أعطوا كميات أخرى من المال لكن من أجل أن يقال وليس حتى من أجل أن يقول الآخرون، بل من يريد من أجل أن يقول الله له شيئاً وينزل آية في القرآن تذكر له ما قدم فيدخل التاريخ كما يقولون، لا. الله سبحانه وتعالى يريد الإنسان إذا أنفق ينفق بهذه الروحية وبهذه المشاعر، ونحن كما قلت سابقاً بحاجة إلى كل عمل صالح بحاجة إلى كل ذرة من عمل صالح ترصد لنا عند الله سبحانه وتعالى لنفوز بها فتسهم في نجاتنا، نحن قادمون على يوم الفصل. الكلمة التي أريدها وباختصار هي الحديث عن اليوم الآخر لنقول لأنفسنا في مثل هذا العمل مثل هذه الدورة مثل هذا التدريس مثل هذه الجهود التي تبذل من قبل المدرسين مثل هذه الجهود التي تبذل من جهة المتعاونين نحن كلنا يجب أن نقدمها من أجل يوم الفصل، أن نقدم على الله ونحن آمنون في يوم الفصل في يوم القيامة، الله سبحانه وتعالى يقول عن القيامة: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً} (النبأ:17) فما أكثر ما تكرر في القرآن الحديث عن اليوم الآخر يوم القيامة، يوم الحشر، يوم الفصل، يوماً عبوساً قمطريراً، في ألفاظ مختلفة وألقاب متعددة. {إنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً} موعداً لا بد أن يأتي، مؤقت، محدد، يوم الفصل بين الخلائق، يوم الفصل بين المختلفين، يوم الفصل بين من يعتبرون أنفسهم هنا في الدنيا أذكياء فينطلقون للصد عن سبيل الله ويسخرون من أولياء الله ويسخرون من المؤمنين يحتقرونهم، يحتقرون جهودهم، ومشاريعهم، ويَسِمُونهم بالتغفل، ويسمونهم بالغباء. يوم الفصل سيتجلى من هو الذكي ويتجلى من هو الخاسر ومن هو الرابح، يفصل بيني وبين هذا، يفصل بين الخلائق كأمم، ويفصل بين الشعوب كطوائف، ويفصل بين القبيلة الواحدة وبين الأسرة الواحدة وبين الأشخاص، بين الإثنين وبين الجماعات وبين الشعوب وبين الأمم، في كل ما كانوا فيه يختلفون، في كل ما كانوا فيه هنا في الدنيا يتمايزون من أجله، يتشاجرون، يتبين يوم القيامة من هو الرابح ومن هو الناجي، من الذي كان تقياًّ في هذه الدنيا حقيقة ومن هو الخاسر ومن هو الغبي، ذلك الذي سيصرخ {لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً} (طـه:125). الأذكياء هنا في الدنيا يعتبرون أنفسهم أذكياء يعتبر نفسه ذكيا أنه استطاع أن يحسن علاقته مع مسؤول معين، أصبح مقرّبا من المسؤول الفلاني، وأصبح وجيها وأصبح له نفوذ، وعلى حساب دينه على حساب إخوانه على حساب وطنه، فيعتبر نفسه ذكياً وأولئك أغبياء ما استطاعوا مثلي [يكونوا بُصَار يحسنوا علاقتهم فيصبحوا أشخاص لهم نفوذهم ويمكن تدعمهم الجهات الثانية، ويمكن يحصل لهم، ويمكن، ويمكن]. المسألة هي أنه يجب أن يكون ذكاؤك على هذا النحو تقدم على الله وأنت بصير لا تقدم عليه أعمى {رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى} ما دريت لي بمخرج في هذا اليوم وأنا كنت في الدنيا أرى نفسي بصيراً ذكياًّ {قَالَ كَذَلِكَ}(طـه: من الآية126) هكذا واقعك {أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}(طـه: من الآية126)