الصماد الفرد .. والصماد الظاهرة
ذمار نيوز || مقالات ||
[23 شعبان 1441هـ ]
بقلم/ حمود عبدالله الأهنومي
(مقالة كتبت قبل عامين)
في زيارة عائلية أمس الخميس إلى مدينة (ثلاء) كان أكثر ما يثير فضولي هو مشاهدة بعض الآثار التاريخية والعلمية فيها، لكن السؤال الذي كان ابنَ تلك اللحظة هو معاينة بيت الرئيس الشهيد (إبراهيم الحـمدي) كيف يكون؟ فلما رأيته بيتا متواضعا، داهمتني المفارقة التي استولت عليَّ، وهو مقارنة هذا البيت المتواضع، ببيتٍ آخر لرئيسٍ آخَر، لكنه بيت غير موجود أصلا، إنه بيت المجاهد الشهيد البطل الرئيس (صالح علي الصـمـاد)، بل وأتذكر أنه لما قال رضوان الله عليه: إنه إذا استُشْهِد (الصـماد) فإن أولاده في آخر الشهر لا يجدون لهم مأوىً غير العودة إلى مسقط رأسهم في سحار صعدة، قلت في نفسي: وهل أبقى العـدوانُ الشيطاني لك – سيدي الرئيس – أو لذويك بيتا أو مأوى في صعدة؟!
إن هذه المقارنة تقود إلى المقارنة بين الرئيسين الشهيدين، فكلاهما رئيس وشهيد، كان لكليهما مشروع وطني ورؤية نهضوية شاملة، واغتيلا جميعا على يد عدو واحد، وربما لغرض واحد، وغاية واحدة، هي تدمير الدولة اليمنية الوطنية العادلة، وقتلُ أيِّ طموح أو نزوع إلى بنائها، حيث يستهدف هذا العدوان جميع المؤسسات والرموز والمؤسسات التي لها علاقة بالدولة الحرة المستقلة والناهضة.
لقد شكَّل كلاهما خطرا على الأنظمة المصنوعة على عين الاستعمار، وتحت سمعه وبصره؛ لهذا سارعت دول الاستـكبار لتصفيتهما؛ حيث تريد في بلدان المسلمين والعرب أنظمةً وشعوبا تسود فيها حالة التوحش والخراب والتمزيق والتدمير، وما صناعتهم لما يسمى بالقـاعدة وداعـش، وخلقهم لهُوِيَّات صغيرة متناحرة (شبوانية – حضرمية – عدنية – لحجية – .. ) تعمل على نقيض الهوية اليمنية الإيمانية الجامعة لهو دليل على خطورة المشروع الذي يتحرك فيه الاستعمار الجديد ومرتزقته العملاء.
قديما وصل إلى الحكم الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز (99- 101هـ) على حين غِرة من عائلته الحاكمة، فأجرى إصلاحات كرِهها أهلُه، وحمِدها له المسلمون جميعا، وسجّلها التاريخ على بساط الرضا والشكر، غير أنه ما إن غادر الحكم – بوضع السم في طعامه من قبل بعض أسرته – حتى عادت الانحرافات بأسوأ مما كانت عليه في عهد أسلافه؛ وتلك هي النتيجة الطبيعية لإصلاحاتٍ طارئة وغريبة أقيمت على أرضية فكرية واجتماعية وثقافية وسياسية منحرفة في الأساس والبناء والممارسة والتاريخ.
انتقاض عروة الحكم في الإسلام منذ اليوم الأول بعد مغادرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فتحَ البابَ على مصراعيه لوصولِ أمثال يزيد بن معاوية، وهشام بن عبدالملك، والوليد بن يزيد بن عبدالملك ليتربَّعوا على عرش الخلافة الإسلامية، وعلى الرغم من اشتعال ثورات التغيير والإصلاح في حواضر العالم الإسلامي، إلا أنها لم تفضِ إلى تغييرٍ مادي ملموس في واقع الحكم السياسي للمسلمين إلا في حالاتٍ شاذةٍ وعلى رُقَعٍ جغرافية محدودة.
أفرز الانحرافُ السياسي على مرِّ تاريخ المسلمين جدْبا في الكتابات الفكرية السياسية لدى المفكرين المسلمين، فأخطرُ قضية اختلف فيها المسلمون هي الحكم والدولة وشؤونهما، لكن بابا صغيرا في الفقه كالحيض والنفاس استأثر على اهتماماتِ معظمِ الفقهاء المسلمين، أكثر بكثير من اهتمامِ سوادِهم الأعظم بقضايا الحكم والدولة، حتى إذا جاء أبو الحسين الماوردي (ت450هـ/1058م) وكتب في كتبه (الأحكام السلطانية والولايات الدينية)، و(درر السلوك في سياسة الملوك)، و(قوانين الوزارة وسياسة الملك)، ما يدعو إلى إضفاء الشرعية الإسلامية على حكام الجور والظالمين، وإقرار ولاية العهد، ليفتح بابَ النمَط الفقهي التبريري، الذي يغض الطرف عن كل ما يمارسه الحكام، ولا يضع أيَّ مانع من تولي أراذل الناس أمرَ هذه الأمة، بل وحرّم القيام بأية ثورة ضدهم مهما بلغوا من السوء، ومهما كان سلوكهم في الحكم إجراميا ومخالفا ومناقضا للشريعة الإسلامية.
بل إنهم جعلوا اعتقاد المسلم العادي بأنهم ولاة أمرٍ ينفِّذون إرادة الله – حتى ولو كانوا بشرِّ صفات – من الدين الذي يجب أن يدينوا به لله تعالى، ولهذا دعوا العامة باسم الإسلام للإيمان باعتقاد شرعية إمارة المخادِعين والقتلة والمجرمين، وشجعوا على التطاحن السياسي والانقلابات العسكرية، فأظهروا بهذا استناداً إلى ما سموه “فقه الضرورة والمصلحة” تساهلاً زائداً أباحوا به تسلط الجوَرة والظلمة، وتحولت بما ذهبوا إليه من “نظرية خوف الفتنة” الموهومة إلى ذريعة لإلغاء التعاليم الشرعية المتيقَّنة، وهم وإن أطنبوا في تفصيل شرائط الإمامة وصفات الخليفة فقد ألغوا في المجال الواقعي كل تلك الشروط والصفات عندما أقروا بإمامة الغلبة والقهر وتحت أية معايير ومواصفات للحاكم، ففتحوا بهذا الاجتهاد السائب باباً واسعاً للفتنة الحقيقية، لا يختلف عما دعا إليه ميكافيلي في كتابه الأمير عن الانتهازية السياسية والأخلاقية.
للمزيد من الاخبار زوروا موقعنا الالكتروني من خلال الضغط على الرابط التالي:
www.dhamarnews.com
كما يمكنكم متابعتنا عبر شبكات التواصل الاجتماعي:
#فيسبوك:
https://www.facebook.com/B085A7B1-/
#تيليجرام :
https://t.me/dhamarnews0
#وتس_أب :
https://chat.whatsapp.com/B96GeNbJc92Eh8jORnB8Zw