صنعاء: وقف للعدوان وفك الحصار أو ليتواصل القتال.. الرياض المربكة تريد التقاط الأنفاس في اليمن
فشلت السعودية في الخروج ولو مؤقتا من المستنقع اليمني الذي ادخلت نفسها فيه منذ خمس سنوات، اعلان وقف جزئي لإطلاق النار مدته اسبوعان لم يعد طعما مغريا تتلقفه صنعاء تلتقط فيه أنفاسها، فالوضع تغير والرياض هي من تبحث عن التقاط الانفاس في اليمن.
ما حدث منذ نهاية يناير 2020 م على ميدان القتال لايزال الى اللحظة غير قابل للاستيعاب والتحليل العسكري، بعد خمس سنين من القتال، ففي ظرف شهرين خسرت السعودية مساحات شاسعة من الاراضي وأضحت تقاتل للحيلولة دون سقوط معاقل مرتزقتها في مأرب واقتراب الجيش واللجان الشعبية من حقول النفط في الجوف ومنشئات صافر النفطية والغازية على حدودها الجنوبية الغربية.
خلال شهرين من القتال الضاري خسرت الرياض اهم اوراقها التفاوضية(نهم) المديرية الحدودية للعاصمة صنعاء، ووسعت قوات الجيش واللجان الشعبية طوق الامان حول صنعاء، مؤكدة بان صنعاء ابعد مما ظنت الرياض.
نهاية يناير الماضي قادت صنعاء عملية عسكرية خاطفة ومعقدة ردا على خرق هدنة غير معلنة ، عملية عسكرية لاتزال اسراراها طي الكتمان الحربي استعادت من خلالها السيطرة على كامل مديرية نهم بمافي ذلك فرضة نهم النقطة الاستراتيجية التي راهن عليها التحالف للانطلاق نحو صنعاء او لحماية معاقل حلفاءه في مأرب ، واندفع الجيش واللجان الشعبية نحو مفرق الجوف الاستراتيجي ومنه نحو الجوف التي فقدها التحالف بعد ذلك بأسابيع واضحت قواته ومرتزقته تقاتل في الصحراء الشاسعة بأطراف مديرية خب والشعف مع سقوط معسكر الخنجر اخر خطوط التحالف ومعسكرات المرتزقة لصد الجيش واللجان عن الاقتراب على الحدود وبسط السيطرة على حقول النفط الوافرة في الجوف.
وفي مأرب اضحت قوات الجيش واللجان الشعبية تطوق مدينة مأرب من عدة جهات، وأضحى بمقدور سكانها مشاهدة الاشتباكات وسماعها في محاور القتال بالعين المجردة.
التحول الدراماتيكي للمعركة من نهم صنعاء وانتقالها بسرعة قياسية الى أطراف الجوف وضواحي مأرب التي بات دخولها قرارا سياسيا تتخذه صنعاء، بحسب محللين عسكريين وسياسيين كثر، فاجئ التحالف المشدوه من حجم الانهيار الكبير لمرتزقته (نحو22 لواء عسكري تبخرت)، وفرض عليه ايجاد استراتيجية جديدة للمواجهة يحتاج انجازها الي بعض الوقت من الهدوء وهو مالم يتح له ويبحث عنه من خلال وقف إطلاق النار.
ويقول هؤلاء أن استمرار الجيش واللجان بالضغط في محاور القتال حول مدينة مأرب والتطورات المتسارعة لا تترك لقادة التحالف فرصة لبناء استراتيجية مواجهة، كما ان اعادة فتح الجبهات في البيضاء والضالع من الواضح انها لا تثمر، كما ان الصاروخ الباليستي الذي ضرب معسكر الاماجد قد اعاد بعض الرشد للمرتزقة الجنوبيين، وصنعاء ابدت براعة في ادارة عمليات عسكرية متزامنة في عدة جبهات تمرست عليها خلال سني القتال.
استغلال كورونا ودعوة الامين العام للأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في اليمن ومناطق الاشتباك في العالم لتوحيد جهود الانسانية في مواجهة الفيروس التاجي، وجدت فيه الرياض قشة تتعلق بها لالتقاط الانفاس، وهي كانت حاضرة عبر وسطاء لوقف إطلاق للنار رفضته صنعاء عبر وسطاء الابواب الخلفية.
الرياض تستجدي وقفا لإطلاق النار منذ ما قبل تفشى كورونا وتحوله لجائحة عالمية ، فهي بحاجة بحسب خبراء عسكريين الى انتاج قراءة المعطيات الجديدة للميدان اليمني ، حيث يوشك حلفاؤها على خسارة معاقلهم ، وتواجه العديد من المشكلات في بسط سيطرتها على المهرة ، والمشاكل التي طفت على السطح مع الجار العماني على خلفية تواجد قواتها على حدود السلطنة الغربية في منفذ شحن .
ثمة اسباب اخرى دعت السعودية بوصفها قائد التحالف الى اعلان وقف لأطلاق النار، واهمها على الاطلاق رغبة الرياض بتقطيع الوقت لتستمر سرقتها لحقول النفط اليمنية في الجوف ومأرب وضخه الى حقولها لتعويض الفاقد من مخزونها الذي يتعرض للاستنزاف بشكل كبير منذ عقود وبدأت بعض الابار في حقول بقيق تنفذ.
الرياض بحاجة ملحة الى النفط اليمني واستغلاله مع تهاوي اسعار النفط في العالم وانهيار اتفاق اوبك بلس واصرار روسيا على خفض جمعي لدول اوبك + ، خفض سيخرج السعودية عن كونها صاحب الحصة الاكبر في سوق النفط ، وبنظر الرياض فان بيع النفط اليمني وتحويل ايراداته الى الخزائن السعودية كما هو الحال منذ خمس سنوات حيث تدخل عائدات النفط اليمني المسروق من الحقول الجنوبية لليمن حسابات بنكية في البنك الاهلي السعودي ، خيارا لمواجهة أي اتفاق جديد لدول اوبك بلس ، والنفط اليمني المسروق يجري استخدام عائداته لتمويل الحرب على اليمن وشراء الاسلحة من قبل تحالف العدوان .
منذ سيطرة تحالف العدوان على الجنوب وتصدير النفط اليمني قائم على قدم وساق وتتلقف السعودية عائداته في البنك الاهلي السعودي وليس البنك المركزي اليمني، ومؤخرا تمادت الرياض وابو ظبي بإطلاق مشروعات للاستكشاف النفطي والتصدير في شبوه والمهرة.
وبالعودة الى جائحة كورونا القشة التي تتغطى بها السعودية لاستجدائها وقف اطلاق النار، فإن التفشي الكبير للوباء في السعودية والامارات فرض صعوبات جمة وتحديات امام القيادة السعودية التي دخلت جميع مدنها في حظر تجوال كامل، تريد الرياض ان تتفرغ لمواجهة كورونا بدل ان تنشغل بالحرب على جبهتين في ظل الشلل التام للدولة هناك والقطاعات الاقتصادية التي تتلقف خسائر كبيرة جدا.
السعودية ومنذ منتصف مارس حاولت جاهدة ادخال الوباء الى مناطق سيطرة صنعاء، وفتحت مطار عدن ومنافذها البرية لعودة الالاف من الدول المبوءة والدفع بهم نحو المناطق الحرة، لكن عناية الله ، والاجراءات التي اتخذتها حكومة صنعاء رغم التشويه الاعلامي من قبل الماكينة السعودية حالت دون دخول الفيروس الى اليمن .
الاعلان في المناطق المحتلة تسجيل اولى حالات كورونا ، بعد اقل من 24 ساعة من اعلان وقف اطلاق النار السعودي ، مصادفة غير بريئة ومحاولة للضغط على صنعاء للقبول بوقف اطلاق النار المفصل على حسب الرغبة والمصلحة السعودية.
ثمة صحيفة امريكية كشفت عن اصابة نحو 150 اميرا سعوديا من العائلة المالكة بفيروس كورونا وعزل الملك وولي العهد نفسيهما في جزر قبالة جدة لتفادي الوباء ، وهي معلومات حاول نفيها احد اطراف العائلة المالكة ، اضف الى ذلك ان العائلة المالكة تعيش وضعا مضطربا بعد سلسلة ثانية من الاعتقالات طالت ولي العهد السابق محمد بن نايف ، والامير احمد بن عبد العزيز احد المرشحين لخلاف الملك سلمان ، وامراء اخرين يناهضون سياسة بن سلمان ، وهذا الوضع السياسي الصعب والمضطرب والمفتوح على جميع الاحتمالات امام محمد بن سلمان يمثل احد الاسباب لحرص الرياض على التواصل مع صنعاء عبر الابواب الخلفية ، وحرصها على استمرار التواصل رغم الخسارة القاسية على الميدان في نهم والجوف ومارب ، وتلقيها ضربات بالستية طالت اهدافا في الرياض ، وموانئ حساسة واستراتيجية في ينبع وجدة وجيزان .
لا يمكن استبعاد ان تتخلى السعودية عن مرتزقتها وحلفائها في لحظة واحدة اذا مادهم الخطر طريق بن سلمان لتولي العرش ، لا يملك بن سلمان أي استراتيجية واضحة للحرب على اليمن ، هو دخلها لتعبيد طريق توليه للعرش ، وحين سيضحي استمرار الحرب مهددا لوصوله الى العرش سيتخلى عنه وفي لحظة واحدة، وذلك ما يتفق حوله العديد من المحللين المنصفين ، بن سلمان عاجز عن صد الهجمات الصاروخية اليمنية على مراكزها الحساسة ،ويذهب الى الاقرار شيئا فشيئا باستحالة وقف تلك الهجمات دون التفاوض مع صنعاء، شراء المنظومات الدفاعية اثبت فشل جدواه ، واكد للسعوديين انهم يدفعون المال مقابل منظومات دعائية لآ أكثر.
في صنعاء تنظر القوى السياسية الى الاسباب السابقة بموضوعية وتدرسها بتأن، يقول سياسيون بان الرياض اطلعت على الرؤية الوطنية للسلام التي تقدم بها المجلس السياسي استجابة لدعوة الامين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وتريد قطع الطريق عليها لخلط الاوراق وحتى لا تظهر بموقف المنهزم ، كما انها تسعى لكسب الوقت وسرقة النفط اليمني حتى تتضح افاق معركة النفط مع روسيا والتي يظهر انها ستكون طويلة فروسيا مصممة على عدم تقديم تنازلات في هذا الصدد للسعودية بعد ان أيست من تحولها كما حدث مع تركيا.
القوى السياسية الوطنية في صنعاء تؤكد ان الرياض تريد من وقف إطلاق النار فسحة لتتفرغ لمواجهة كورونا وتلتقط أنفاسها ،.
واكد اجتماع احزاب اللقاء المشترك ان تمرير مبادرات وصفت بالتافهة على حساب الحلول الجذرية التي تضع كل الاوراق على الطاولة ، لن يمر وليس في صالح الشعب اليمني ، ورات ان اولى الحلول هو حضر التحالف طرفا في توقيع اتفاق شامل لوقف اطلاق النار وفك الحصار كما هو الواقع على الارض ، وأن يصار الى دفع تعويضات عن الحرب العبثية التي شنتها الرياض في ال26 من مارس 2015م ، وافشلت من خلالها اتفاقا امميا منجزا بين الاطراف اليمنية رعاه المبعوث الاممي السابق جمال بن عمر.
ومن جانبها قيادات سياسية مشاركة في الحكومة ترى بان الوضع في اليمن بعد خمس سنين من الحرب العدوانية وتدمير كلي للبنية التحتيه وتدمير الاقتصاد ، والمعاناة الانسانية غير المسبوقة عالميا للشعب اليمني جراء الحصار ، لم يعد يحتمل الحلول الترقيعيه ، ومحاولة الطرف السعودي تاخير دخول الجيش واللجان الشعبية مدينة مأرب أو استعادة المنشئات النفطية لن يجدي ، كما ان التهديد بقصفها على غرار محطة كوفل هو الاخر لم يعد بمسيلحق بالرياض أذى كبير .
ويضيف هؤلاء أن على الرياض الاقرار بأن موازين القوى على الارض تبدلت ويجب ان ينعكس واقع الميدان على الطرف الذي يقدم الشروط ،واستمرار الرياض بلهجة التعالي تجاه اليمنيين هو نوع من المكابرة لايجد له محلا من الاعراب في الميدان ، وسيجر على النظام السعودي الويلات ، خاصة في ظل انشغال العالم بكرونا ، وفتح النظام السعودي على نفسه حرب النفط مع روسيا وتفكك جبهة حلفائه في الاقليم والعالم وانهيار متزقته في الداخل.
على الارض لاوجود لوقف اطلاق النار فالغارات السعودية مستمرة وزحوفاته مستمرة في الحدود وفي العديد من المناطق، و اللافت ان صنعاء لا تتعامل مع تلك الانباء بوصفها خرقا لوقف اطلاق النار بل تضعها في سياق الوضع الطبيعي لقتال مستمر، ما يشي تجاهلها ذاك انها مصممة على الذهاب نحو وقف شامل لإطلاق نار وفك للحصار متزامنين تحت عنوان توقف العدوان، يلج الطرفان السعودي واليمني بعدها الى طاولة مفاوضات اممية، واما فرصة لالتقاط الانفاس وتعاود الحرب اشتعالها فلا.
فيما ينظر خبراء من جانبهم تصعيد الطرف السعودي للغارات والزحوفات الى درجة من الحنق بلغها التحالف مع رفض صنعاء الطعم الذي ألقى به اليها، وهو الباحث عن استراحة محارب أكثر من صنعاء التي يدق جيشها بوابة اهم معاقل المرتزقة، وليس في صالحها منح المرتزقة كذلك فسحة لترتيب أوضاعهم وخطوط دفاعهم.
لا.. من موقع القوة سياسيا وعسكريا تقولها صنعاء، وهي تحتفظ بمفاجئات اعلن عنها قائد الثورة الشعبية السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابة عشية العام السادس من العدوان، لا يعلم بعد مداها ، لكن الواضح انها لن تترك للسعودية خيارا سوى وقف العدوان والقبول بشروط اثقل مما عرضته الرؤية اليمنية للسلام التي تتجاهلها عن حماقة وسوء قراءة للميدان والمستقبل المنظور وليس البعيد.