دروس من هدي القرآن الكريم
(ملزمة فإما يأتينكم مني هدى )
( 1 )
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي اليمن – صعدة
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
[البعض يتصور] بأنه يمكن أن يحصل له ثواب من غير ما يعطي [قرش] معونة، يصلي ركعتين، أو يقول: سبحان الله، وسيأتي له ثواب [دون أن ينفق شيء]. {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ َفهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ}(القارعة 6- 7) فعندما لا تفهم الأمور بشكل صحيح، {ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} قالوا: ثقل الموازين هو أن تكثر حسناته، تكون حسناته كثيرة، فقرر أنه يجمِّع له حسنات من هذه، من أطراف، من الأشياء التي هي سهيلة، لا فيها إنفاق، ولا فيها تعب، ولا فيها خطورة، ولا فيها شيء، يعمل على أن يجمِّع له رصات حسنات، وعنده أنها ستثقل ميزانه. لا، أحياناً إن الحسنات ما [بتطلع] إلا إذا اهتميت بالأمور المهمة، متى ما اهتميت بالقضايا الكبيرة، بالمبادئ المهمة في الإسلام، وتعمل لها بصورة متكاملة، ستطلع حسنات من هنا، وإلا فلا، أليس هذا سيكون تحيل وخداع؟. بل الأعمال الصالحة، بعض الأعمال المهمة، تصفر السيئات، تصفرها، ويبدل الله السيئات بحسنات. أما إذا واحد يريد يمشي على الطريقة هذه ما هو طالع ولا حسنة، لن يطلع له شيء؛ لأنه في موقف محبط لأعماله. فنحتاج إلى وعي في كيف تكون موازيننا ثقيلة يوم القيامة، في ما هي الطريقة حتى تكون موازيننا ثقيلة، هل بهذه الطريقة: الحيَل؟ أم أنه لازم نفهم الدين فهماً صحيحاً متكاملاً، وننطلق في أن نعمل به بصورة كاملة وصحيحة؟ الله قال: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ}(الأحزاب39) ألم يثن عليهم بهذه؟ يعني: أن في رسالات الله ما يشكل خطورة، باعتبار وضعية معينة، وما قد يكون فيه مشقة على الإنسان، باعتبار المجتمع، أو الزمن الذي يعيشونه. لكن يخشونه، يخشون الله، ولا يخشون أحداً إلا الله. يبذل الناس نفوسهم، {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ}، ما كان بالإمكان – إذا المسألة هي مسألة حسنات للجنة – أن يجمِّعوا حسنات من أطراف؟ يجمِّع حسنات باعتبار أن من قرأ القرآن أنه يكون له بكل حرف عشر حسنات، [ألف] يعتبر حرف، و[لام] حرف، و[ميم] حرف في: {ألم} على كل حرف عشر حسنات، ما واحد سيطلِّع من تلاوة مصحف واحد ما يكفي ليثقِّل حسناته، يثقِّل ميزانه؟ نعم لكن ما هو طالع لك حسنات هنا إلا إذا أنت تشتغل، تشغِّل القرآن نفسه، تتحرك على أساس القرآن، تطلِّع لك حسنات، وإلا فما هناك شيء. لأن المطلب هو واحد أساساً، مطلب رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ومطلب الناس واحد: رضوان الله، والجنة. أليس هذا هو مطلب الناس باعتبار الآخرة؟ الجنة، وفي الدنيا والآخرة رضوان الله. الأنبياء، والأئمة، والأولياء أليسوا فاهمين أنه إذا كان سيمكن أن يمشوا على هذه الطريقة، يأتي من المقارب، من الأطراف يجمِّع له حسنات، كان سيجمِّع، يجمِّعوا كثيراً من أجل يحصلوا على الجنة، ورضوان الله؛ لتكون موازينهم ثقيلة. إذاً نحن نعتبر أذكى منهم؟ لسنا أذكى منهم، نحن نجعل نفوسنا أذكى من رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في واقعنا، بِصَار، وكأن النبي ما كان ذكياً مثلنا، يعرف كيف سيعمل حتى يدخل الجنة من غير الجهاد، والمتاعب، والمشاق. وأيضاً تأتي نتيجة أخطاء كثيرة، متراكمة على طول مئات السنين الماضية، أخطاء كثيرة جداً، في تقديم الدين، وأهل البيت كلما أتيحت لهم فرصة ليتحدثوا عن الدين بصورة كاملة، أو يقدموه بصورة كاملة، كلما تكالبوا عليهم، وحاولوا يكممون أفواههم، ويطمسون كل ما ينطلق من جانبهم؛ يريدون أن يجعلوا الدين يتحرك بشكل آخر ما ينفع، بشكل ما يفيد. فعندما ترى الدين لا يفيد في الدنيا، في واقع الناس، وهم يدَّعون أنهم عليه، وأنهم ملتزمون به، ما هم يدَّعون – حتى دول – أنهم متمسكون بكتاب الله، وعلى سنة رسول الله، وعلى ما سار عليه السلف الصالح، ما هكذا يقولون؟. طيب: لم ينفع في الدنيا فكيف ينفع في الآخرة؟ لم ينفعهم في الدنيا فكيف ينفعهم في الآخرة؟ أيضاً فهموا العكس، فهموا بأنه هذا شأن الدنيا، والدنيا هي هكذا: دار امتحان، ودار بلاء بكل ما فيها، وهي هكذا الدنيا، والآخرة هي ستكون لمن هم هكذا في الدنيا: أشقياء، ومضطهدين، ومظلومين، ومقهورين، وضعاف، ومستذلين، وتحت أقدام الظالمين، واليهود، والنصارى، سيكونون في الأخير هم في الجنة، هم أعلون مقاماً. لكن القرآن يبين بأنه مثلما تحدثنا بالأمس حول قول الله تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}(طه123) ألم يربط الضلال بالشقاء، وربط الشقاء بالضلال؟ {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}(طه123) الشقاء باعتبار الحياة المادية، والنفسية للناس،{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}(طه124) ألم يربط بين المسألتين؟ الناس إذا ساروا على هدي الله سيكونون في الدنيا سعداء، وفي الآخرة سعداء. إذا انصرفوا عن هدي الله سيعيشون في الدنيا أشقياء، وفي الآخرة أشقياء، ليست القضية أنها شقاء في الدنيا، ثم سعادة في الآخرة، هو منهج واحد للدنيا والآخرة، وثمرته واحدة في الدنيا وفي الآخرة. عندما فصلوا الإسلام عن كونه ديناً للحياة، وهدى فيما يتعلق بشؤون الحياة، بخلاف ما تدل عليه قصة آدم، وإبليس، المتكررة في مواضع كثيرة في القرآن، وبخلاف ما يشهد عليه التاريخ نفسه، تاريخ الديانات، وتاريخ الأمم، اعتبروا أن الشقاء في الدنيا هو وسيلة ماذا؟ الفوز في الآخرة. هي المعيشة الضنكا، عندما يكون الفساد هو المنتشر، عندما يكون الباطل هو السائد، عندما يكون الظلم هو الذي يحكم، عندما تكون النفوس مهزومة، ذليلة، محتقرة، وأهل الباطل هم سادة العالم، هم الرافعي رؤوسهم في هذا العالم، عندما لا يكون، أو بالعبارة القديمة التي كان يستخدمها الأئمة السابقون: [الاستئثار بالفيء] أليست خيرات الناس، خيرات الشعوب، وخيرات الله التي منحها لعباده، أليست كلها تمشي للطواغيت، والفاسقين، والمفسدين في الدنيا هذه؟ أليست دول اليهود، والنصارى هي أغنى منا؟. ثم من يحكم الناس هم يعيشون حالة على حساب الشعوب؟ هذا هو الحاصل، كلما يأتينا فقط هو فتات، فضلات، يعني: لو نصور أنفسنا، مثلما نكون نعيش خارج البيت، ونتلقى الفتات[منتظر يأتي له لقمة من ذاك، أو حاجة من هناك] في حياتهم هم يعيشون حالة الجهل، حالة الجهل في كل شيء، تصبح الحياة صعبة كلها، حياة الناس كلها تصبح صعبة، أرزاقهم متعبة، حياتهم مقلقة ومتعبة. أليس هذا هو الذي يحصل في الدنيا؟ هذا هو الفساد، كلمة فساد كلمة عامة: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}(الروم41) فساد، فساد في النفوس، وفساد في المعيشة، وفساد في واقع الحياة كلها. بينما القرآن يؤكد في أكثر من آية: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (الطلاق3) أليس هو يربط بين التقوى وبين حالة توفر
المعيشة؟ المجتمع المتقي لله، المجتمع الذي يعمل على إعلاء كلمة الله، معنى هذا سيعمل على القضاء على منابع، وبؤر الفساد في الدنيا، هنا قال: بما كسبت أيدي الناس، مَنهم الناس الذين يفسدون؟ أيدي تفسد، وأيدي تكف عملها عن أن تقطع الأيدي المفسدة، أصبحوا مشتركين في الفساد، وسيعيش هذا الذي يكف عيشة أسوأ من عيشة المفسد، وإن كان سيكون للمفسد أشياء أخرى من ضنك الحياة، من ضنك المعيشة، لكن هو من جعل معيشتها ضنكا، هو من جعل الحياة شقية، هو من جعل الدنيا مصائب، هو من دنس الدنيا، الله ما خلق الدنيا ليشقي الناس فيها أبداً، خلقها أشبه شيء بالدرة الثمينة، كل شيء فيها. تجد كل شيء فيها يخلق على أحسن ما يمكن بالنسبة لواقعه، بالنسبة لغايته، ويخلق فيها الأصناف الكثيرة، أصناف من المعادن، من النباتات، من الحيوانات، ويذكر بأنه سخرها للناس، سخرها للناس ليعمروها بالصلاح، ويعمروا أنفسهم عليها بالصلاح. نبي الله نوح ألم يكن يتحدث مع قومه؟ {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً}(10نوح12) ألم يتحدث عن كل جوانب سعادة الحياة؟ المفاهيم الخاطئة للدين، ولله، وللحياة هي التي تضرب الناس، وتعكس كل شيء، حتى يصل الأمر إلى أن يرى المؤمنون بـأن هذا واقع الحياة، وأن المتقين الفائزين هم من يصبرون على هذا الواقع حتى يلقوا الله، وسيعيشون في الجنة، وفي السعادة! هذا خداع، هذا ليس صحيحاً، خداع للنفوس. {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}(الأعراف96) هنا بركات في ماذا؟ في النفوس، وفي الأموال، إذا حصل بركات في الأموال، ماذا يعني يحصل؟ تصبح الحياة سعيدة، وسهلة، يصبح الرزق سهلاً، والحياة سهلة، هكذا يحصل. فكلما يحصل من شقاء، كلما يحصل من معاناة حتى للأنبياء أنفسهم، ما هم عانوا؟ من الذي صنع المعاناة هذه؟ المجرمون، دنسوا الدنيا، ولعبوا بالدنيا، والذين لا يفهمون قيمة رسالات الأنبياء، ولا ينطلقون بشكل صحيح، وإلا فرسالات الأنبياء كانت ستقضي على الفساد، والإسلام هذه مهمته. قد تتحول المسائل على أيدي من يسمون أنفسهم أتباع الأنبياء أن يضفوا الشرعية على الظالمين من جديد، تأتي الرسالات للقضاء على الظالمين، والمفسدين، والمجرمين، وتبنى الحياة من جديد على أساس من الصلاح، والتقوى، للنفوس، وللدنيا. وهم من جديد يحاولون أن يضفوا الشرعية على من على أيديهم يكون فساد الدنيا في البر والبحر، وفساد الدين، وفساد النفوس، وفساد الحياة، ثم في الأخير يسخِّرون حتى القرآن، ويسخِّرون حتى حركة الرسول، وكأنها تضفي الشرعية على الظالمين، من عند أبي بكر إلى آخر واحد. هذا يحصل، ثم في الأخير الناس يصيحون، ويضطربون، وهم يرون كل شيء ما سبر، وكل شيء ما استقام، متى ما عجزوا، وهم يتلفتون يميناً، وشمالاً – مع سوء الفهم – قالوا: إذاً سننتظر للجنة، والجنة سندخلها ونسلم الأذية!. لا، عندما تشقى الأمة في الدنيا، معنى ذلك أنها مقصرة فيما تستحق به السعادة في الآخرة، هي معرضة عن ذكر الله، هي لم تتبع هدى الله، الله وعد، وعد وعداً صادقاً {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}(طه123) لا في الدنيا، ولا في الآخرة، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي}(طه124) ألم يربط هنا؟ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي}؟ ما هو ذكر الله؟ هداه الذي يرسمه للناس في الحياة. {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} ما هو الشقاء في الدنيا؟ شقاء ولو في النفوس، متى ما شقيت النفوس ولو المال كثير عندك فإن المال نفسه قد يتحول إلى عذاب، {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}(التوبة55) في الدنيا نفسها، أو يتعذب هو في الدنيا عندما يرى بأنه يجمِّع الأموال للآخرين، يأتي له مرض سكر، أو ضغط، أو كذا، أو كذا، كم يا أمراض كثيرة، أو أي شيء من الأمراض التي تجعله يُحْرَم كل ما تحت يديه، أليس مرض السكر هو من الأمراض المنتشرة في هذا العصر؟ من يلاحق؟ أصحاب رؤوس الأموال أكثرهم!. إذاً أليس هو يضرب عليه كل لذات الحياة، كل شيء [حالي] ممنوع، كل شيء [دسم] ممنوع، لا يعد يجرؤ يأكل فواكه، ولا لحوم، وبعضهم أيضاً يمنع فيما يتعلق بالنساء، أليست حياته تصبح حياة ضنكا؟ {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} فنفهم هذه: كيف قرن بين الشقاء في الحياة، والشقاء في الآخرة، الشقاء في الدنيا، والشقاء في الآخرة، أي: أن الدين، أن الإسلام جاء ليبني الحياة، فتسعد الأمة التي تهتدي بهديه. بل كل شرائع الله؛ لأن هذا الكلام قاله الله لآدم عندما أهبطه من الجنة هو وزوجته، هو وسيلة السعادة في الدنيا وفي الآخرة، من أعرض عنه شقي في الدنيا وفي الآخرة. س – هنا كأنه سئل لماذا سبرت الدنيا للمعرضين عن هدي الله؟ فقال: قلنا سابقا: إذا سبرت لهم في الصورة من جهة فلأنهم أحياناً قد يأخذون جانباً من هدي الله فيما يتعلق بالدنيا، في التعامل مع الدنيا، الدنيا لها سنن معينة، والتعامل معها على نحو معين يعطي نتائج، لكن السعادة، السعادة نفسها التي تجعل الحياة سعيدة ليست فقط بقضية المال، أليست الإحصائيات تأتي كثيرة من دول الغرب عن عمليات الانتحار، كم يحصل من انتحار! [السويد] البلد الذي قد هو يعتبر أكثر دول الغرب رفاهية، حالة الانتحار فيه أكثر من أي مجتمع آخر. تأتي مظاهر أخرى تجعل الحياة ضنكا: تفكك الأسر، في الغرب، تفكك الأسر ظاهرة معروفة، فتجعل الناس يعيشون مع بعضهم بعض وكأنهم وحوش، ولا علاقة لبعضهم بعض، يأكل القوي فيهم الضعيف، فتصبح مظاهر الحياة ما هي؟ أعلام شامخة، هكذا، أشياء تتحرك هنا وهنا. وبالنسبة للإنسان نفسه، الإنسان نفسه يكون شقياً حتى في ظلها. هو قال: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} وإن بدت مظاهر من حوله، ناطحات السحاب، وأشياء من هذه، وإن بدت على هذا النحو، قد تبدو أمامنا سعادة، وتبدو أمامه سعادة، يعني توفير للحياة، لكن هو لا يمكن أن يذوق طعم الحياة بالشكل الذي كان يمكن أن يحصل عليه لو سار على هدي الله، تنطبع كلها، حياتهم، وحياتنا بهذا النوع من المعيشة: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً}، من كانت بالنسبة له صعوبة في الحصول على لقمة العيش، ومن يحصل على لقمة العيش، فهناك شيء آخر: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الفتح4) يجعل معيشتهم ضنكا بأي طريقة، بأي طريقة تكون ضنكا. عندما يكتبون عن دول الغرب، عن الحالة الاجتماعية في دول الغرب، حالة مقلقة جداً، القلق النفسي، التوتر النفسي الذي يجعلهم أحياناً يميلون إلى الحيوانات، يألفون الحيوانات، يألفون الكلاب، ويألفون مختلف الحيوانات، لم يعودوا يألفوا بعضهم بعض. إذا كنا لا نفهم إلا نمطاً معيناً من ضنك المعيشة فالله يخبرنا بأنه: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} يستطيع أن يجند أيّ شيء، ولو فيروس معين يجعل حياتك ضنكا. يحصل تلقائياً، عندما تبنى
الحياة في جانب معين، ولا يسير الناس على هدي الله في مختلف الجوانب الأخرى، تتحول حتى هذه المظاهر إلى عذاب، ما الله قال هكذا عن الكافرين؟ {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}؟ ما معنى هذا بأن بالإمكان أن يكون ما بين يديك وسيلة عذاب لك، إذا كان ما بين يديك قد يكون وسيلة عذاب لك فهو من مظاهر الحياة الضنكا، والمعيشة الضنكا. لأن هذه حقيقة لا يمكن أن تتخلف، وعندما ترجع فعلاً إلى إحصائيات عن دول الغرب التي هي مترفة، ترجع إلى ما كتب عن دول الغرب هذه، عن واقعهم كناس، وليس عن واقع البلدان كبلدان، البلدان ترى فيها المصانع، ترى فيها البنايات الضخمة، ناطحات السحاب، ترى فيها الشوارع الجميلة، الحدائق الجميلة، ترى فيها مختلف الأشياء المنتجة، لكن ليست هذه وحدها هي الحياة، ليست هي وحدها المعيشة، وإلا لعاش الناس سعداء لمجرد وجودها، لمجرد وجودها لا تجعل الحياة سعيدة، هناك أشياء أخرى تجعل حياة من أعرض عن ذكر الله ضنكا، سواء ما كان بشكل عقوبة تأتي من قبل الله سبحانه وتعالى، أو بما كان على شكل أنهم ساروا على غير هدي الله، فكانت النتائج على هذا النحو الذي يشقيهم. لأن المطلوب هو عمارة الدنيا، لكن على نحو من الصلاح، يترافق معه عمارة النفوس، زكاء النفوس وطهرها، وعمارة الحياة، عمارة الدنيا، فلتكن هناك ناطحات السحاب، وليكن هناك مختلف الأشياء من مظاهر ما هو متوفر في هذا العصر، يترافق معها زكاء في النفوس، نفوس زاكية، نفوس طاهرة، مجتمع صالح، هنا تحصل الحياة السعيدة فعلاً، الحياة السعيدة فعلاً تحصل. ظهر في هذا العصر أمراض خطيرة فتاكة لم تظهر في الزمن الأول، من أين تأتي؟ أليست تأتي كلها من هناك؟ أمراض [الأيدز]، وانتشار السكر، وكل مرة يظهر مرض من هذه الأمراض، قد يكون فيروس، أو جرثومة صغيرة جداً جداً فتفتك بهم، وتقلقهم، وتحول حياتهم إلى قلق، وتعاسة. إذا كان الله يخبرنا بأنه من الممكن أن يكون ما بين يديك من مال، وإن كان يبدو في الصورة، وتبدو أمام الآخرين وكأنك سعيد، يمكن أن يجعله الله عذاباً لك في الدنيا، الآية صريحة: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}.